لا يزال الإنسان يصر على استكشاف الفضاء.. فهل يا ترى حسب حسابا للمجهول الذي قد يتربص به في أعماقه؟
في عام 2200 م، وبعد اكتمال التجهيزات اللازمة، انطلقت أول مركبة فضائية نحو هدفها البعيد: الهبوط على سطح المريخ. حملت المركبة على متنها ثمانية من أمهر العلماء. كان ذلك الغزو الثاني للفضاء، بعد إخضاع القمر للعلم، في سلسلة لا تنتهي من السعي البشري لإشباع الفضول العلمي.
كانت عملية الإطلاق ناجحة بكل المعايير. تابعها علماء المركز الأرضي بفخر، وانفجروا بالتصفيق بحماسة عند كل مرحلة من مراحلها المهمة، مغتبطين بالإنجاز العظيم. لم يبق إلا القليل قبل أن يكشف الإنسان حقيقة الكوكب القاتم المجهول.
وداخل المركز الأرضي…
– سيدي الرئيس، لقد انقطع الاتصال بالمركبة بمجرد دخولها إلى فضاء الكوكب!
غمغم المدير بتوتر:
– كيف حدث ذلك؟
– يبدو أن أجواء الكوكب تحتوي على بعض الظواهر الغامضة، قد تكون السبب في انقطاع الاتصال.
شعر الفريق بالعجز والقلق، وتركزت الآمال في عودة المركبة سالمة بعد اليومين المحددين لوصول التقرير الذي سيجيب على جميع التساؤلات العلمية والغير علمية.
الساعة 12:00 بعد منتصف الليل…
بعد مرور يومين على انطلاق المركبة، رصدت الأقمار الصناعية انفجارًا صامتًا في أعماق الفضاء. وقبله بثوانٍ قليلة، وصل التقرير إلى الأرض على شكل رسالة ضوئية، حاملة معها المفاجأة التي لم يتوقعها أحد.
كان الانفجار لغزًا صامتًا أثار في أعماقهم عاصفة من التساؤلات والقلق. كانوا ينتظرون عودة المركبة سالمة بعد اليومين المحددين، لينهو احتفالهم بالنجاح العلمي الباهر، ولكن جرت الرياح بما لا تشتهي المركبات الفضائية.
تجمّعوا حول التقرير بلهفة، وعيونهم مليئة بالترقب والرهبة، وبدؤوا في قراءته.
الساعة 3:00 صباحًا…
بمجرد دخولنا إلى فضاء الكوكب، انقطع الاتصال بيننا وبين مركز الاتصال. ولم يكن لدينا أدنى فكرة عن السبب. كان ذلك أول لغز يواجهنا، لكن كان أمامنا متسع من الوقت لدراسة المشكلة وإيجاد حل.
كنا في منتهى السعادة والغبطة بالنجاح، نتأمل أجواء المريخ الحمراء وجباله المهيبة، التي بدت كلوحة مرسومة بيد ساحر غامض، تستقبلنا ببراءة الأطفال السعداء.
الساعة 4:00 صباحا…
حطت المركبة على سطح الكوكب الأحمر. غمرتنا فرحة عارمة، فقد حققنا أعظم انتصار علمي في التاريخ حتى هذه اللحظة. لم يكن يفصلنا عن أرضية الكوكب الغريبة إلا بضع خطوات. كنا في قمة الحماس لاستكشاف المجهول.
تناولنا إفطارنا بعجالة، بفضل نظام التهوية الذي أمدنا بالأكسجين. كنا في منتهى الشوق إلى ملامسة الأرضية واستكشافها، فلم نجد لما أكلنا وشربنا طعما ولا رائحة.
الساعة 5:00 صباحًا…
فتحنا باب المركبة ونزلنا واحدًا تلو الآخر، كل منا يخفي رأسه داخل قناع أكسجيني سميك لحمايته من الإشعاعات. وما أن وطأت أقدامنا سطح الكوكب حتى اكتشفنا عالمًا يفيض بالألوان والغرائب التي تتحدى الخيال.
صخور عجيبة بأشكال هندسية لم ترَها أعيننا من قبل، وفضاء ملون كلوحة لعالم الأحلام.
مشينا على الأرضية المثيرة بخطوات متأنية مليئة بالاعتزاز. غمرتنا نشوة لا توصف، ونحن نخطو بزهو على الأرض التي لم تطأها قدم من قبلنا.
الساعة 8:00 صباحا…
عدنا إلى المركبة بعد جولة استطلاعية قصيرة. أغلقنا الباب خلفنا، فبدأ النظام بمعادلة الضغط. كان علينا الانتظار لبعض الوقت قبل أن نتمكن من نزع أقنعتنا.
كنت أرى بريق السعادة في الأعين خلف الأقنعة الزجاجية، يعكس فرحتهم بالانتصار، كأننا ملكنا العالم كله بما فيه.
الساعة 8:10 صباحا…
دوى الصفير مؤذنًا بإمكانية نزع الأقنعة الواقية. كنت آخر من يحاول نزع قناعه. فجأة رأيت زملائي يتهاوون أمامي، كأنهم أوراق خريف عصفت بها الرياح. في تلك اللحظة، أدركت أن القناع هو الشيء الوحيد الذي يحميني مما أصابهم.
اقتربت من الجثث المتناثرة، أرتجف من هول ما أراه، ويداي ترتعشان من الصدمة. قلبت أجسادهم واحدًا تلو الآخر، وأنا لا أصدق أن ما حدث قد حدث.
المساكين… ماتوا في لحظة. كأن الموت كان يكمن لهم بصبر على ظهر هذا الكوكب البعيد عن الديار. لم يتخيل أي منهم أنه سيُسلب أغلى ما لديه في ثوانٍ معدودات.
الساعة 10:00 صباحًا…
أدركت أني أواجه خطرًا غامضًا لم نضعه في الحسبان. نوع من الحياة الدقيقة، لم نتصور وجوده خارج بيئتنا الأرضية. خطر جلبناه معنا من فضاء الكوكب إلى داخل المركبة.
قاتل مجهري غامض سبقنا إلى هذا الكوكب بآلاف السنين، ينتظر بصمت ليكشف عن نفسه بشراسة لا ترحم..
الساعة 11:00 صباحًا…
بما أنني في مهمة استكشافية للكوكب، فهي فرصة لاكتشاف الساكن الخفي الذي أباد زملائي بصمت قاتل. وبما أن المركبة مجهزة بما يلزم لمثل هذه المهمة، فلا مجال للتأخير… سأشرع في العمل على الفور.
الساعة 11:30 صباحًا…
بدأت في التعرف على المخلوق الصغير، ودراسة كيفية اختلافه عن المخلوقات المجهرية التي نعرفها على الأرض. ملأت قارورة من الهواء الملوث داخل المركبة، وبدأت بتحليلها.
لكن النتائج فاقت كل توقعاتي. هذا الشيء يتكاثر بسرعة مذهلة لم أر لها مثيلًا من قبل. القارورة التي بين يدي الآن، لوحدها، وفي ظرف ساعات قليلة، قادرة على تلويث كوكب الأرض بأكمله وتحويله إلى منطقة موبوءة بالكامل.
الساعة 12:00 ظهرا…
احتمال عودتي إلى الأرض سالمًا شبه معدوم. فإن أنا عدت بالمركبة، سأحكم على الأرض ومن عليها بالإعدام. أما إن بقيت هنا على سطح الكوكب الموحش، فلن أصمد لأكثر من يومين، مع نفاد الأكسجين المخزن في بدلتي، ناهيك عن استحالة نزع القناع، الذي بات قيدًا يضمن بقائي على قيد الحياة.
الساعة 2:00 بعد الظهر…
كانت نهايتي تلوح لي بيدها في كل الاحتمالات، فلم يعد هناك خيار سوى التضحية. قررت استخدام أسلحة المركبة، التي أعددناها لمواجهة فضائية محتملة، لتدمير هذا الخطر الغامض.
لكن المشكلة كانت تكمن في انقطاع الاتصال بيني وبينكم. هناك شيء غامض في فضاء هذا الكوكب يحجب الإشارة، لذا كان عليّ مغادرة فضائه بأي ثمن ليصلكم التقرير.
قمت بتفعيل القنابل لتنفجر بمجرد خروج المركبة من فضاء الكوكب. وفي الثواني الأخيرة قبل الانفجار، سيتم إرسال التقرير إليكم لتعرفوا حقيقة ما جرى.
الساعة 3:00 صباحا…
جلست أنتظر لحظة الإقلاع المبرمجة بعد يومين. كانت نهايتي تقترب بخطى ثابتة لا رجعة فيها. تذكرت إفطاري الأخير على ظهر الكوكب، وسط هتافات الأصدقاء وضحكاتهم التي كانت تملأ المكان بالبهجة. تذكرت عالمي الصغير الذي تركت خلفي، وفتاة أحلامي التي أضعت فرصة الزواج بها بسبب التردد والكبرياء.
تذكرت النبوغ والدراسة المضنيين اللذين سرقا مني العمر والسعادة. تذكرت ذنوبي التي كان يجب عليّ محوها بالتوبة قبل فوات الأوان. واستحضرت نهايتي الوشيكة في هذا المكان. كم هي عجيبة الحياة… وقصيرة كطيف في لحظة عابرة. حقًا، من عاش لغير الجنة فقد خسر كل شيء.
بدأ العطش يعذبني، وبدأت ظلال الكوكب القاتمة تتكاثف من حولي، كأنها تبتلع آخر بقايا الضوء الخافت والأمل، لتذكرني بالضياع في الظلام.
سأخرج لأتمشى… قد ينسيني ذلك قليلا المصير المحتوم.
✍️ تعليق
كمسلم مؤمن بالقرآن الكريم والسنة النبوية، أجد نفسي معترضًا على فكرة كروية الأرض ودورانها في الفضاء وفقا للمفاهيم العلمية الحديثة، وذلك لأن النصوص القرآنية تقدم وصفًا مختلفًا عن طبيعة الأرض وموقعها في هذا الكون. يقول الله تعالى:
“وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ” (الغاشية: 20).
من هذا النص وغيره، يظهر أن الأرض سطح مستقر وثابت، وليست كوكبًا يسبح في الفضاء أو يدور حول نفسه والشمس. كما أن الآيات تؤكد أن الأرض مكان المعيشة والموت، إذ يقول الله تعالى:
“فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ” (هود: 61).
كيف يمكن للبشر أن يعيشوا أو يموتوا في مكان خارج الأرض، مثل القمر أو الفضاء، إذا كان القرآن يحدد أن حياتنا وموتنا مرتبطان بالأرض؟ حتى في قصة لويس أرمسترونج الذي زُعم أنه وصل إلى القمر، كيف يمكن تصديق موته أو وجوده هناك إذا كان القرآن ينفي إمكانية الخروج من أقطار السماوات والأرض دون سلطان؟ يقول الله تعالى:
“يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ” (الرحمن: 33).
أما فكرة دوران الأرض حول نفسها أو الشمس، فإنها تنافي وصف الأرض في القرآن بأنها مستقر وثابت، حيث يقول الله تعالى:
“وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ” (النحل: 15).
والرواسي هنا تهدف لتثبيت الأرض ومنعها من الحركة أو الاهتزاز، وهو ما يتعارض مع فكرة دورانها المستمر.
إضافة إلى ذلك، فكرة الفضاء كما يصفها العلم الحديث مثيرة للتساؤل، حيث إنها تتعارض مع التصور القرآني الذي يصف السماء كقبة محكمة، مصممة لتحمي الأرض ومن عليها:
“وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا” (الأنبياء: 32).
لقد كتبت هذه القصة في زمن ايماني بالفضاء والكروية، والآن أنا كافر بكل ذلك.
تجد في موضوع الأرض المسطحة هنا بعض الدلائل على هذا الطرح.