المجنون

شق طريقه بخطوات مثقلة بين حقول الزيتون، يقتلع قدميه من الوحل الذي يعانده مثل كل شيء.. فاجأته بالقفز أمامه، وبادرته بالسؤال:

رد في ارتباك:

قلت بحماس:

تأملني في فتور، وغمغم:

قلت بلهفة:

أشاح بوجهه بعيدا وغمغم:

أغلق فمه وهو يرتجف كعصفور عبث به البرد في يوم مطير، فقلت مخففا:

غمغم بصوت مبحوح:

غمغم:

ألقى علي نظرة زائغة، فهتفت محاولا إخراج ما في جعبته من أسرار:

تهللت أساريره عن ابتسامة صدئة وهو يستحضر مغامراته الدفينة.. وردد بلهفة:

داعبتني قشعريرة خفية وأنا أتأمل أساريره المنفرجة وعقدة لسانه المنحلة شيئا فشيئا..
تتهلل وجهه وهو يحاول استخراج أصداف النصر المتلألئة في أعماقه..

كان على مقربة منا خربة متداعية، فجذبته إليها.. كانت الشمس على وشك المغيب فألقت بظلالها الذهبية الناعسة على الحقول الخضراء المبتهجة..
وصلنا إلى الخربة.. كان الظلام قد شرع في إضفاء ستاره على الدنيا التي حولنا، فقلت ممازحا:

خيل إلي أن شبح ابتسامة باهت تراقص على شفتيه المتقلصتين فرحا بالسؤال.. تمتم:

خطا إلى داخل الخربة بثقة العارف.. كان منزلا قديما دكته القنابل والسنون.. قادني إلى بقايا حجرة جُهزت لتكون مأوى للمتشردين.. أخرج عود ثقاب من جيبه ومرره على الحائط قبل أن يمسح به فتيل شمعة مرمية في ركن أوشكت على الاندثار، فانبعث متراقصة تصارع الهواء البارد بصورة غير طبيعية، والذي جعلني أحس أن في المكان أقوام آخرون معنا..

لقد جذبته إلى عشه.. هتفت محاولا تبديد وحشة المكان:

ازداد صمتا حتى خلته حجرا من أحجار المكان.. قلت محاولا إطلاق لسانه المعقود:

ازداد غوصا في صمته الرهيب، فأردفت:

ألقى علي نظرة شاردة دون أن ينبس ببنت شفة..

كان واضحا أن ما يبعث فيه الروح هو الحديث عن المقاومة وحده، فهتفت:

هتف بحماس:

داعبت سحنة من الطمأنينة وجهه وهو يواصل قائلا بسعادة:

ابتسمت ابتسامة طفل أطربته حكاية جدته، فواصل:

سرح بي الخيال في الماضي.. كانت أيام نصر لم تدم طويلا.. تذكرت انتصارهم على العدو على قلتهم وقلة عتادهم، ورغم قوته ودعم كل دول عالم الكفر له بالسلاح والرجال دون أدنى خجل أو حياء..
بدد الواقع المر أحلامي فجأة، فتمتمت متحسرا:

شخص ببصره في الفراغ حتى خيل إلي أنه يستغيث بشبح في الأعلى.. ردد كالحالم:

كنت أعلم أن له قصة مع الشقاق مثلنا جميعا، فهمست محاولا تجنب نكأ جرحه القديم:

انحدرت دمعة ساخنة على خده، فغمغم بمرارة:

ألقيت عليه نظرة مشفقة، فغمغم:

أحسست بغصة وأنا أحاول التخفيف عنه:

غمغم بمرارة وهو يهز رأسه نفيا:

خيل إلي أنه يبكي في صمت، فقلت مواسيا:

تجلت الهمة على وجهه الحزين وهو يعتصر الهواء بقبضته رافعا عينيه الملبدتين نحوي، قائلا:

قلت مشجعا:

ابتسم ابتسامة طفل حصل أخيرا على مبتغاه.. كان النعاس يداعب جفنيه بعد يوم شاق، فتمدد على لوح خشبي مغطى بورق الجرائد المهترئ، وغمغم:

استسلم للنوم كطفل مثلما استسلم للضياع..

ألقيت عليه نظرة مودعة وأنا أغادر المكان في صمت..

خيل إلي أني أسمع صوتا ينادي:

ألهذه الدرجة؟
يبدو أنه عليّ التحقق من ذلك بنفسي، فلا شيخ ولا إمام ولا زعيم سيقوم بذلك بدلاً مني.

عما قريب سيصبح المسكين نسيا منسيا ككل شيء في هذه الدنيا.. لكنه، على الأقل، فهم سبب وجوده، وجاهد في سبيل دينه وأرضه.. أما ما عدى ذلك فمجرد أقدار وابتلاءات، لن يخلد أحد في هذه الدنيا لا في شر مطلق ولا في خير مطلق..


هذه القصة أو الخاطرة، إهداء للفلسطينين الذين يبادون أمام أنظار حكومات العالم الكافرة الظالمة، ولا ذنب بعد الكفر

ويا أخي الكريم إن كنت متلبسا ببعض البدع، راجع نفسك الآن، اسأل شات جيبيتي: ما هو الحق ؟! يمكنك أيضا مطالعة بعض ردوده هنا

Exit mobile version