صنم الولي

اشتهر بِرد الضالَّةِ، والإخبارِ بالغيبيات، وشفاء المرضى والمجانين. كان شيخا صوفيا مُهابًا، أبيضَ اللحية، كثها، لا يمنع الناس من السجود له إلا سُجُودُهم لرب العالمين.
كان له ابنٌ شابّ خلوق، اعتاد السير على آثاره نحو مسجد القرية الصغير، وإطالة السجود خلفه على الحصير البالي حتى ترك ذلك أثرا على جبهته الوضيئة. أحبه الناس مثلما أحبوا والده، وأطلقوا عليه لقب ولد الشيخ المبارك.
وفي اليوم الموعود، جاء الأجل بدون استئذان، فغادر الشيخ الدنيا إلى غير رجعة، حاملا معه أوزاره وأوزار غيره. حزن عليه أهل القرية، خاصة أصحاب الهموم التي كان يفرجها بصلاحه. لكن أشد الناس عليه حزنا كان ابنه البارّ، الذي لم يتوقف عن سؤال أمه بإلحاح:
أُمَّاه، أيتها المباركة، أريدُ أن أصبح مثل أبي. أن يعظمني الناس مثلما كانوا يَعَظِّمُونَه.

نظرت إليه بحدة وزجرته قائلة:

دعك من هذا يا ولدِي، وركز على دراستك، فهي أهم.

أجابها بعناد:

لن أرتاح قبل أن أحقق ما حققه المرحوم من مهابة بين الناس.

تأملته بعد أيام، فرأت في عينيه بريق الإصرار. وهو يهتف:

لَنْ أرتاح قبل أن أصبح شيخًا معظما مثل أبي.

أمسكَتْ بيده بدون كلمة، وجَرَّتْهُ نحو غرفة مظلمة في قبو معزول تحتَ الأرض، حيث الهواء ثقيل والغموض يلف المكان. كان ذلك هو المكان الذي اعتاده الشيخ للاعتكاف المستور، بعيدًا عن الأعين.

فتحت دولابًا قديمًا متهالكًا، وأخرجت منه تَابوتًا قذرًا، تحيط به سلاسل ملتفة وأقفال صدئة تشي بعصور مضت. بدأت تفتح الأقفال ببطءٍ، فانحل الأول، ثم الثاني، فالثالث، والرابع، وهو يترقب، على أمل أن تُخْرِجَ له مصباحَ علاء الدين الذي يحوله إلى شيخ مُهاب.

ثم انفتح التابوت أخيرًا. تَراجعَ إلى الوراءِ مبهوتًا كأنَّ صاعقةً أصابته. أمامه، برز صنم أسودٌ قبيحَ المنظر، تفوح منه رائحة كريهة نافذة، كأنها تجمع قرونًا من العفن والأسرار الدفينة. بدا كأن الصنم ظل يختزن لعنات قرون من الكفر في صمت ثقيل.

تأملت دهشةَ صغيرها بإشفاق، ثم أشاحت ببصرها بعيدًا، وكأنها تهرب من مواجهة الحقيقة المرة. تَمْتَمَتْ بألم، وصوتها يرتجف من التأثر والمرارة:

إن كنت تريد أن تَسِيرَ على خطى أبيك، وتُصبحَ شيخًا مبجلًا مطاعًا، فعليك بالسجود لهذا الصنم الأسود أولًا.

Exit mobile version