الصدمات النفسية موضوع لا يحب الناس الحديث عنه. فرغم وجود فهم أوسع لتأثير الصدمات على الصحة النفسية، إلا أن الحديث عنها ما زال محظورًا لدى البعض. غالبًا ما يُساء فهم الصدمات على أنها تحدث فقط لمن كانوا في المكان والزمان الخطأ، أو يعتقد بعض القساة أنها شيء لا يتسببون فيه للآخرين.
✨ الصدمات بالأرقام
تشير الإحصاءات إلى أن حوالي 70% من الناس يواجهون حدثًا صادمًا في حياتهم، وحوالي 8% منهم يُشخَّصون باضطراب ما بعد الصدمة (PTSD). حتى بدون تشخيص رسمي، يمكن أن تؤثر الصدمات غير المعالجة على جودة حياة الشخص، مما يؤدي إلى تحديات يومية مثل استرجاع الذكريات المؤلمة، صعوبة النوم، وتجنب الأشخاص أو الأماكن المرتبطة بالصدمات.
بالنسبة لمن لديهم تاريخ من الصدمات المزمنة، خاصة في الطفولة، يُقدر احتمال تطور اضطراب ما بعد الصدمة المعقد (cPTSD) بين 30–90%. هذا الاضطراب أكثر حدة بسبب التعرض المطول والمتكرر للصدمات، مما يجعله يؤثر بشكل أعمق على الصحة العاطفية والجسدية والنفسية.
✨ أربع نقاط شائعة لا تُناقش عن الصدمات
1. إنكار السبب الجذري للصدمات
إنكار أو تقليل أهمية الصدمة لا يعني أنها لم تحدث.
عندما نتجاهل أو نقلل من تجربتنا، فإننا نحرم أنفسنا من فرصة إغلاق الجروح ومعالجة ما عشناه. يؤدي هذا إلى اللجوء إلى “حلول مؤقتة” مثل الانشغال بأمور جانبية لتجنب مواجهة الألم الحقيقي.
لكن تجاهل السبب الجذري للصدمة قد يجعلنا نعيد خلق الظروف التي تسببت فيها، وفقًا لما يُعرف بـ “إعادة التكرار القهري”، وهو مفهوم ناقشه فرويد وباسيل فان دير كولك.
2. تجنب الحياة الاجتماعية
بالنسبة لمن لديهم تاريخ من الصدمات، يمكن أن يكون التفاعل الاجتماعي مصدر قلق كبير.
قد يشعر الشخص بالقلق من قراءة تصرفات الآخرين بشكل خاطئ، أو يفسر الصمت كنوع من النقد.
تعلم إعادة الانخراط اجتماعيًا بعد الصدمات يتطلب دعمًا كبيرًا، حيث أن الاجتماعات الصاخبة أو الحفلات قد تكون ساحقة ومسببة للتوتر.
3. الصمت كعامل محفز
الصمت في المواقف الاجتماعية قد يكون مريحًا، لكنه يصبح مزعجًا للأشخاص الذين يعانون من الصدمات.
لحظات الصمت قد تُفسَّر خطأ على أنها رفض أو انتقاد غير مباشر. هذا يضع الشخص في حالة من القلق المستمر.
4. إعادة بناء الحياة من الصفر
بعد صدمة عميقة، يكون نقطة البداية جديدة تمامًا.
يتطلب ذلك إعادة بناء الثقة والعلاقات، وهو أمر يمكن أن يكون مرهقًا إذا لم يكن الأشخاص المحيطون بالشخص متفهمين وداعمين.
✨ الصدمات وإعادة البناء
الصدمات ليست نهاية القصة. بل هي نقطة البداية لرحلة إعادة البناء. مع الدعم المناسب والمجتمع المتفهم، يمكن لمن عانى من الصدمات أن يعيد بناء حياته تدريجيًا.
– من المهم معالجة السبب الجذري للصدمات.
– الانخراط في الحياة الاجتماعية يجب أن يكون تدريجيًا ومناسبًا لاحتياجات الشخص.
– تقديم الدعم من الأصدقاء والعائلة أمر أساسي في هذه الرحلة.
الصدمات قد تغيرنا، لكنها لا تُحددنا. مع الوقت، الجهد، والتوجيه المناسب، يمكننا تحويل الألم إلى قوة تعيد تشكيل حياتنا بشكل أفضل.
✨ العيش في حالة من “التعب والاندفاع”
قبل سنوات، عشت في حالة مستمرة من “التعب والاندفاع”، أو ما يُعرف بـالتجمد الوظيفي. شعرت وكأنني محاصر بين نشاط مفرط وإغلاق تام في نفس الوقت. كنت أُغرق شعوري بالإرهاق من خلال الإفراط في الالتزامات والعمل والتفكير المفرط.
هذا السلوك كان يمنحني اندفاعًا لحظيًا من الطاقة، يتبعه انهيار أكبر من الإرهاق. رغم أن البعض نصحني بالتوقف وأشادوا بكيفية قدرتي على التوفيق بين دراسات ما بعد التخرج، والعمل بدوام جزئي، وحياتي الشخصية، إلا أن أحدًا لم يخبرني أن السبب في هذا النمط السام هو الصدمات غير المعالجة.
✨ تأثير الصدمات على العلاقات والنفس
– العلاقات السامة:
بسبب تأثير الصدمات، قد نجد أنفسنا ننجذب إلى العلاقات الفوضوية، التي تمنحنا طاقة مؤقتة لكنها تستنزفنا لاحقًا.
– العزلة الاجتماعية:
آخرون قد ينسحبون اجتماعيًا بسبب افتقارهم للطاقة أو الرغبة في رعاية العلاقات.
تؤدي هذه الدائرة المغلقة من النشاط المفرط والانفصال العاطفي إلى العيش في تناقض دائم: تجنب الأشخاص أو المواقف التي تثير القلق، والانجذاب إلى الفوضى بحثًا عن طاقة مؤقتة.
✨ التجمد الوظيفي وتأثيره على الصحة
عندما تعيش في حالة من التجمد الوظيفي نتيجة الصدمات:
– يتعلم جهازك العصبي التكيف مع التهديدات من خلال استجابة “الهروب والتجمد”.
– تعاني من نشاط مفرط يُفسر على أنه إنتاجية، لكنك في الحقيقة عالق في حالة من الانفصال والتشتت.
– قد تعاني من:
– توتر عضلي دائم
– صعوبة في النوم
– سلوكيات إرضاء الآخرين
– المثالية المفرطة
– خطر أكبر للإصابة بالأمراض المزمنة
✨ رفض الذات
أحد أكبر استراتيجيات البقاء لأولئك الذين تعرضوا للصدمات هي رفض الذات والعيش في حالة من الانفصال.
– فقدان الهوية:
الصدمة تجردك من تقدير صفاتك الفريدة.
قد ترفض أجزاء من نفسك كنت تخجل منها في الماضي أو تعتقد أنها غير جديرة بالاهتمام.
– الإحساس بالانفصال:
قد تشعر بأنك غير كافٍ ما لم تلعب أدوارًا معينة لإرضاء الآخرين، مما يؤدي إلى شعور دائم بعدم الانتماء أو الحاجة إلى التظاهر في العلاقات.
– الاعتماد على الآخرين:
قد تعتمد على الآخرين للحصول على القبول والتوجيه، مما يعوق تكوين علاقات حقيقية قائمة على الاتصال الصادق.
✨ بناء الذات بعد الصدمات
رغم أن الصدمة قد تهدم أجزاء من شخصيتنا، إلا أنها أيضًا حافز للتجدد.
– فهم الذات:
تعلمنا الصدمات إعادة بناء أنفسنا بقوة أكبر، ووعي أكبر، وبنية أكثر.
– النمو العاطفي:
نكتسب من هذه التجارب فهمًا أعمق لمن نحن الآن، ونصبح أكثر وعيًا بحدودنا وعلاقاتنا.
✨ التحول من الصدمة إلى النمو
– تغيير منظورنا:
الصدمة لا تؤثر فقط على لحظتنا الحالية، بل تغير نظرتنا لأنفسنا والعالم من حولنا.
– الثقة بالحدس:
نطور حسًا أقوى بالاستبصار ونبدأ في الوثوق بحدسنا.
– إعادة تعريف الهوية:
رغم أن الصدمة قد تزعزع هويتنا القديمة، فإنها تساعدنا على بناء هوية أكثر أصالة واتساقًا مع ذاتنا الحقيقية.
✨ الخاتمة: إعادة البناء بوعي
الصدمات ليست مجرد تجارب قاسية؛ إنها لحظات تغيير جذرية تقودنا إلى فهم أعمق لأنفسنا.
قد تكون الصدمة نقطة انهيار، لكنها أيضًا نقطة انطلاق نحو حياة أكثر وعيًا وذات مغزى.