كتابات سيد محمد خليل

مجموعة خواطري

مجموعة خواطر سيد محمد خليل.. مجموعة في صفحة واحدة، للإختصار وترك مساحة لما هو أفضل وأكثر فائدة.
تجد فهرست المواضيع في أسفل الصفحة، وهي قابلة للتحديث، مع الإشارة إلى التحديثات في الصفحة الرئيسية.


قطتي الصغيرة

استيقظت ذات صباح على نظرات قطتي الصغيرة الوديعة وهي تحملق في بطريقة لم أعهدها فيها.. كنت قد بت فوق سطح المنزل رغم البرد الشديد، ولعل المسكينة باتت بجواري بعد أن سددت جميع منافذ الدخول إلى المنزل الدافئ في وجهها.. كنت أهوى النوم في البرد وأجد لذة عارمة في مطابقة الأغطية فوق جسدي النحيل.. أما القطة المسكينة فقد بدا من شعرها المنفوش، ومن نظراتها الغاضبة أنها لم تتمتع بذلك البرد مثلي.. فداخلني شعور غريب بأنها تحسدني على الأغطية التي حميت بها نفسي من ذلك الهواء.. فسألتها مستغربا:
– لماذا تحملقين فيّ كشاحنة مبهورة في ليلة مظلمة؟

أجابتني بهدوء يسبق العاصفة:
– عفوا.. كنت فقط أفكر في حظوظ المخلوقات في هذه الدنيا..
– ألا يمكنك التفكير في ما يحلو لك دون أن تأكليني بعينيك الحارقتين..
ازدادت نبرة صوتها حدة وهي تقول:
– لو كنت أريد آكلك لفعلت ذلك منذ زمن بعيد..
– ألا تلاحظين أنك قد أصبحت كثيرة العصبية.. والشرود؟
– لا تتدخل فيما لا يعنيك..
– ولكنك أصبحت كالمجنونة..
صاحت في مكشرة عن أنيابها وهي تنفش شعرها:
– دعني يا أبن آدم أنام الضحى على الأقل فقد حرمتني من النوم في الليل..
– ألا يمكنك أن تناديني باسمي الذي تحفظين عن ظهر قلب..
– ألست ابن آدم؟ أم أن ذلك يخجلك؟
قلت محاولا تغيير دفة الحديث :
– ما سبب كل هذا الغضب..
أجابت وهي تشيح بوجهها بعيدا:
– إنها الأغطية التي تطابق على جسدك بمتهى الأنانية وتتركنا..
– ولكن رب العالمين حباك بشعر جميل يحميك من البرد والشدائد..
– أريد غطاء من أغطيتك هذه.. أريدالتمتع ولو قليلا بما تتمتع به دوني بغير وجه حق.. أريدكم أيها البشر أن تفكروا فينا نحن الحيوانات قليلا، ولو راحة من تفكيركم في أنفسكم الذي لا نهاية له..
– ولكننا نفكر فيكم.. ألم تسمعي بمنظمة الرفق بالحيوان، وحب العلوج للقطط؟
– آه، مجرد أكاذيب ومسرحيات، مجرد حبر على ورق.. كل ما يصدر من أولئك القاسية قلوبهم، هو الأكاذيب.. أيها الغبي، هؤلاء لم يرحموا الإنسان فكيف يرحمون الحيوان؟
– ألم تسمعي بالطب البيطري..
– مجرد شركات ربوية تدر الربح على أكلة الربا كغيرها..
– ألم تسمعي عن توريث الكلاب في بأوروبا وأمريكا؟
– اللعنة عليهم وعلى كلابهم، ألم تسمع أنت عن صيد الثعالب في بريطانيا التي تتشدق بها .. ألم تسمع عن شي الأسماك وهي حية في الصين القبيحة.. ألم تسمع عن ابتلاع الحشرات وهي ترقص آسيا المجنونة.. ألم تسمع عن شنق الأطفال لنا وللكلاب في بلدك المتخلف هذا..
قلت مندهشا من حقدها الدفين:
– يبدو أنك تكرهين البشر..
أجابت في استحياء:
– أنت لا أكرهك بل بالعكس.. لكن البقية، لا أحبهم يا أخي..
– إذن لماذا تنفجرين في وجهي؟
– ليس بيني وبينك إلا مشكلة الأغطية الأخيرة، وأعتقد أن حلها بسيط، إن لم يكن عندك مانع..
– يجب أن تعرفي أن الناس مثلكم أيها القطط، فيهم اللئام أيضا، مثلا: قط الجيران النتن، ألا توافقيني الرأي في أنه ثقيل ولئيم، ولص مطابخ من الدرجة الأولى..
– لا تذكرني بذلك الكلب..
استدركت ممازحة:
– أما أنتم أيها البشر، لا أعتقد ان فيكم خيّرا من شدة خستكم وانعدام دينكم..
– لا أوافقك الرأي تماما..
– إذن ما تبريرك لعمليات القتل الجماعي والتعذيب والاغتصاب، وغيرها من رذائل الأعمال التي تأنف منها وحوش البرية.. ألم تسمع بما حصل في يوغسلافيا من إبادات جماعية.. أو في العراق، أو في غزة؟ هل يوجد في العالم كله من هو أكثر شرا من الإنسان..

مجموعة خواطري

أحرجتني بكلماتها النارية، لكنني تشبثت بحبل الجدل خوفا من فضيحة الإنهزام أمام قطة صغيرة..
قلت بثقة مصطنعة:
– أنت تبالغين أيتها المجنونة..
أجابت بغضب:
– بل أنت من يكابر كأخيك الحيوان الإنسان.. اذهب إلى فلسطين أو العراق، وستدرك السبب الحقيقي لوجد تلك الوحوش المحتلة على تلك الأراضي.. إنه الشر يا صديقي.. الشر الذي يغرس رايته في كل مكان تسكنوه من هذا العالم التعيس.. والآن دعني أنام الضحى فمحاورتك المملة أضاعت علي الكثير من الراحة..
قلت محمسا:
– لقد بدأت تقنعيني بأن الإنسان شرير..

كان النعاس في آخر خطواته إلى إغلاق عينيها الصغيرتين فاعتدلت جالسة وقد أحست بنشوة الانتصار، وقالت:
– إذن بدأت تقتنع بأن أخوك الحيوان الإنسان، شرير.. كنت أعرف بأنك ستفعل لأنك طيب.. سامحني على ما بدر مني سلفا في حقك..
كان لكلماتها وقع الانفجار في أذني.. المسكينة في منتهى البراءة والوضوح ككل الحيوانات.. أما نحن فيجب أن نخجل من أنفسنا، ونصفع عقولنا على قفاها، فهذا ليس عقل بل مكر وخبث وشر، لا يمكننا الإستمرار في التفكير في أنفسنا وحدها، وفعل كل ما يمكن حتى بالخديعة والحيلة الماكرة الشريرة، من أجل تحقيق نزواتنا التي لا نهاية لها..
قلت متأثرا:
– كم هو أناني الإنسان..
قالت باستغراب :
– ولكنه ذكي كان بإمكانه أن يوظف عقله فيما ينفعه وينفع من يشاركه هذا الكوكب..
– عقله هو سبب كل المصائب..
– كنت أعتقد أن المسئول عن ذلك بطنه وفرجه وحدهما..
– العقل هو العبد الذي يأتمر بأوامرهما الأنانية التي قليلا ما تتضمن التقوى..
– من حسن حظي أني مجرد قطة صغيرة..
– نعم ذلك أفضل بكثير..
– والأغطية.. لماذا لا تصنعون لنا نحن القطط أغطية خاصة بنا على غرار الأطعمة المعلبة المتعفنة التي تقتلوننا بها.. على كل حال أنا لا أريد إلا غطاء واحدا من التي تطابق على جسدك أيها الأناني..

قلت بعجالة وقد أعمتني الأنانية عن مزحتها:
– أتريدين أن تحرميني من التمتع بهوايتي؟
أجابتني متهكمة:
– أرأيت.. ها نحن نعود إلى مربع الأنانية من جديد.. يبدو أنني سأغير رأيي وأضمك إلى إخوتك البشر المقززين..
صحت بأعلى صوتي:
– لا.. من فضلك لا تفعلي.. خذي كل الأغطية، وفوقها التحية، ولا تفعلي.. لا تضميني إلى أولئك الكلاب الأشرار..
أكملت وهي تغلق عينيها من شدة النعاس:
– اطمئن، لن أفعل.. فأنت أولا و أخيرا يطعمني ويؤويني ويحبني..

تأملتها في إشفاق وهي ترخي ستائر عينيها.. المسكينة، ربما كانت على حق.. كان النعاس بدوره يداعبني فأغلقت عيني باستسلام، وعندما استيقظت عند الواحدة زوالا ككل العاطلين عن العمل، اكتشفت أن ذلك الحوار كله لم يكن إلا جزء من حلم ذكرني بحقيقتي البشرية..
ألقيت نظرة على قدمي فإذا بها نائمة حولهما في دعة وسكون.. اقتربت منها وطبعت على شدقها إحدى القبل الحنونة التي يعجبني طبعها عليه كلما رأيتها..


كوكب اليهوز

قصة يهوزية (أو يهودية بمعنى أقرب)، من وحي فيلم “كوكب القرود” حول واقع غابات العالم المحتلة اليوم من طرف اليهوز وعبدتهم أمريكا وماسوزها (كل شيء بالزاء هنا)..

في كوكب القردة اليهوز والخنازير العلوج الماسوز، عاش الأرانب الضعفاء محكومون كعالم ثالث، بالأكاذيب والغش والخداع، سيطر عليهم اليَهُوزْ وعبيدهم، بقبضة من حديد بعد أن غيروا عقائدهم وثقافاتهم، وأحلوا محلها ثقافة العري والكفر والتحضر الكاذب الذي سنه فلاسفتهم المارقين، وعلوجهم التابعين، فنشروا دين الشَيْطَاز الحقود الذي يعبدون، والذي يحقد على كل المخلوقات ويحسدها، بما فيها اليهوز أنفسهم..

مجموعة خواطري

ورغم أن عدد اليهوز لا يكاد يذكر أمام عدد الأمم الأخرى، إلا أنهم نجحوا في احتلال كل غابات العالم فكريا وعقائديا وسياسيا، وعسكريا في بعض الأحيان، فوصلوا إلى منافذ الحكم والمال، وسيطروا بالربا على منافذ الحشائش وأوراق الأشجار اللذيذة التي تحبها الدواب، بل غيروها وراثيا ليقتلوها بذلك بعد نهبها ما في جيوبها.. واختاروا فئة من خنازير العلوج وغيرهم، من عديمي الضمائر، باعت أنفسها لهم بأبخس الأثمان، ورعت مصالحهم الشيطازية التي لا قيمة لها ولا فائدة. أطلق عليها المغفلون اسم المَاسُوزْ، ونسجوا حولها من الخرافات ما لا حصر له، وسيلتهم في ذلك ما يسربه أولئك العوج من تسريبات ومبالغات يتلاعبون بها بالعقول.. فكان الماسوز العلوج خير سند لهم في استعمار دواب الغابات.. فوضعوا منهم ما شاءوا في سدة الحكم، ووزعوا الباقين على منافذ القرار والحشائش، واستخدموهم في تنمية أموالهم التي لا تنتهي بالربا والغش وبيع كل ما هو مغشوش، حتى الأدوية بعد إمراض الدواب بنشر الأوبئة المصنعة.. فغيروا البذور والغذاء والدواء والهواء، ودسوا في معلباتهم البراقة، وثمارهم الضخمة الجميلة من السم ما لا يعلم به إلا الخالق.. ونشروا الرَّيْفُوسَات ليربحوا من وراء حصدها للأرواح، فباعوا القِلَاحَات القاتلة، وقبضوا الثمن من ذلك الإجرام والربا، وأربحوا شيطازهم الحاقد اللعين الذي يستمتع بذلك الشر..
وحرموا الدواب من مضغ كل ما هو طبيعي، وحرموا المتدينين من تطبيق عقائدهم أو حتى الحديث عنها، رغم زعمهم ضمان حرية الرأي، وبذريعة محاربة التطرف والإرهاب، ولا أحد يحاربهم، وهم أكبر المتطرفين والإرهابيين المجرمين، فانتشر الفكر العلمازي اليهوزي الشيطازي الخبيث، وتحولت الأرانب من الحشمة والستر إلى التفسخ والعهر، ومن التوحيد والصلاة إلى الكفر والشذوذ، ومن البادية والطبيعة إلى الصناعة ومدن اليهوز الخانقة التي لا بركة فيها، فعاشت بين الجهل والغفلة عما يدبر لها بليل من طرف أولئك اليهوز وماسوزهم، بل باع أكثرهم نفسه للشيطاز..
وفرقوا بين غابات العالم، خاصة الغابات العَرْبُوبِية، بحدود وهمية رسموها في الهواء، واسموها حدود، ليضعفوها ويستفردوا بها..
ونشروا الفجور في كل غابات العالم حتى أصبح تخنثه ومشاهده وأفعاله متداولة بين الصغار، ونشروا الشذوذ في المارس يعلمون الأطفال كيفية وقوع الذكر على الذكر والأنثى على الأنثى، فما بالك بالكبار؟ فانتشر الفساد في الأرض بطريقة غير مسبوقة لم يعرفها العالم من قبل، وضاع الصلاح والإيمان..

نجح اليهوز بحركاتهم البهلوانية وعروضهم القرداتية وأكاذيبهم الشيطازية، في تمرير النظام الديمخراطي الخَرْوَرِي (من الخَرَا) الذي حكموا به جميع غابات العالم بعد أن أزالوا كل ما يعارضه من عقائد وأعراف وتعليم وفطرة، وزرعوا تعليمهم الشيطازي القرداتي التنططي المبني على أوهام التحضر وأكاذيب الماسوز، فحكم الشيطاز الغابات كما لم يحكمها من قبل، وشرع لها ما شاء من قوانين مارقة لا تمت للدين ولا للفطرة ولا للأخلاق بأدنى صلة..

واعتقدت الأرانب المغترة بالديمخراطية المدسوسة أنها تحكم نفسها بنفسها، وهيهات! صدقت نخبتها الغبية الكذبة اليهوزية، حرصا على منافعها الخاصة، صدقت أن من يجلس في البَرْطَمَازَاتْ الديمخراطية من نواب كلاب، عبارة عن دواب مناضلة منتخبة من طرف الشعب، لم تدر – أو ربما درت – أنها دواب منتخبة من طرف اليهوز وشياطيزهم، بالتزوير والطرق الملتوية التي هي أساس الديمخراطية..
كان اليهوز في ذلك الزمن يتفرجون على الدواب البلهاء وهي تكاد تطير فرحا بالديمخراطية الكاذبة، وهم يضحكون في أعماقهم من بلادتها، ويزداودن يقينا بأنهم الشعب المختار، كيف لا وهؤلاء البلهاء لا يفرقون بين حق وديمخراطية؟! فأبعدوا كل من يبغضهم ويبغض شرهم من أهل الحق، وقربوا كل وضيع بائع لنفسه ودينه، فعاشت الأرانب أحلك لحظاتها تحت الحكم اليهوزي الأمريخي الديمخراطي المقزز المقرف، يُصدر لها الماسوز في كل يوم قانون في شكل، ليخنقها زاعمين أنه من طرف الشعب، لأن الديمخراطية (من الخرا)، تزعم انها حكم الشعب، وكيف يكون ذلك، والشعب بريء من المجرمين المنافقين الجالسين في البرطماز؟ اتخذوها وسيلة لإشعال الحروب، والحجر على الناس بحجة الأوبئة، وفرض القلاحات عليهم، فكان كل ذلك يمرر تحت غطاء البرطماز من طرف المجرمين الجالسين فيه، تحت ذريعة أنه حكم الشعب! وكيف يشعل الشعب حربا مدمرة ويسفك دماء الأبرياء؟ كيف يسجن نفسه ويفرض عليها قلاحات قاتلة لا ترحم؟
بقوانين الديمخراطية غيروا العقائد والعقول، وأشعلوا الحروب في كل مكان، وآذوا الشعب بقوانينهم المتتالية التي كالأغلال في عنقه، والتي لا يستريحون أبدا من إصدارها كلما بدت لهم مصلحة في ذلك!
بل حرموا على دواب الغابات العِلجية مجرد انتقاد اليهوز بكلمة! أحرى بانتقاد ما يرتكبون من فظائع كقتلهم للدواب في كل مكان، ونشرهم للأوبئة الفتاكة في كل مكان..
فسنوا بالديمخراطية الملعونة كل القوانين التي تمرر الظلم والعدوان، حتى إن كانت مغايرة للمنطق والعقل والفطرة، لا يهم، المهم أنها من البرطماز المقدس، من الشعب كما يزعمون، ففرضوا الشذوذ، والدواب ساكتة، وفرضوا الأوبئة والدواب ساكتة، وفرضوا القلاحات التي أخرست الكثير من الدواب، واصابتها بالشلل!
يجري ذلك كله والأرانب البلهاء المحكومة من طرف اليهوز وعبيدهم، تتوهم أنها تحكم نفسها بنفسها، ولا تتخيل للحظة واحدة أنها تحكم على نفسها بنفسها!

تميز اليهوز كسيدهم الشيطاز، بالكذب الأحمر، فكان أبرز صفاتهم، وأهم أسلحتهم، أتخذوه دينا لهم، فكذبوا على الأرانب وخلطوا عليها حتى لم تعد تميز بين حق وباطل، وجعلوها تحارب بعضها البعض، وتكره بعضها البعض، وتمنع بعضها ابعض حتى من النصيحة وقول كلمة الحق..
ونشروا فيها ببوقهم الأكبر “الإعلامز” كل مايريدون لها تصديقه أو تكذيبه، فتوارت الحقائق خلف أكاذيبهم التي لا تحصى، والتي لاقت آذانا كبيرة صاغية، وظل الحق يصرخ في الأرانب الغبية الهائمة على وجهها، وبات يستغيث بأولي الألباب بلا مجيب..
اعتبر الحق كذبا وتطرفا وضلالا، فقالوا عن التوحيد وأهله “وَهَّازِيَّة”، وقالوا عن أصحاب النخوة مجانين، وإذا كانوا من الحكام عسكر ودكتاتوزِيين، أما عبيدهم الماسوز التابعين لهم، فهم القمة في التحضر والأناقة، أصبح أولئك الرويبضة المخنثين الجاحدين النفعيين البغال، نخبة في غابات الأرانب، منهم الملوك والحكام والمثقفين والسادة الممجدين..
فكانت الديمخراطية أكبر كذبة يهوزية معاصرة، وأكثرها أذية للدواب..
كل هذا واليهوز، على قلة عددهم، يحكمون ذلك العالم الكبير كله، ويتخذون من خنازير الماسوز، خاصة من الحكام العبيد لهم، مراكيب لتحقيق أهدافهم فيه..
لكن مع بداية تغير الأحوال، انكشف شر اليهوز وجبنهم، وانفضح لؤم وعمالة الماسوز والحكام، وتشكلت في العالم مقاومة موحدة، تسعى لهدف واحد هو إراحة الدواب من اليهوز وشرهم، عن طريق الإغتيالات، بدلا من المواجة الصريحة التي سيسلط فيها اليهوز دواب العالم كلها على المقاومين..
في ظل كل هذا الفساد بدأت غابات العالم تستيقظ من سباتها العميق..

عَرْبُوبَة

بعد أن قامت المقاومة باستهداف الرؤوس والنافذين من اليهوز وخنازيرهم الماسوز ومن يعبدهم من المنسلخين من دينهم وثوابتهم وأصولهم.. أحس اليهوز بالتهديد لأول مرة، فالمقاومة “عربوبة” المتأرنبة، لم تعد تحارب خنازيهم المدججة بالسلاح وجها لوجه، جيش في مقابل جيش، بل تحولت إلى اصطياد رؤوسهم وأغنياهم بالكمائن وعبر الأنفاق في جميع غابات العالم، بعد أن كانوا يعيشون في أمان بعيدا عن ساحات الحروب التي يستمتعون بإشعالها..
وعرفت المقاومة أن من أراد القضاء على الثعبان فعليه بقطع رأسه، فبدأت في قطع رؤوس كبار اليهوز، فخفت حدة الإجرام.. كان قطع كل رأس منهم يؤخر المخططات الإجرامية عدة شهور، فبدأت خططهم الإجرامية في التواري شيئا فشيء، وقلت أوبئتهم وقلاحاتهم، وقل حشد الغابات التابعة لهم من اجل العدوان الغابات المسالمة لنهبها وإفسادها، فتغير الحال، لم يعد الأمر مريحا كما كان..
وعرفت المقومة أن رؤوسهم هم العدو، لا الأدوات التابعة المتحكم فيها، والتي توضع في الجبهة كستار واقي لليهوز.. فأصبح الهدف كبار اليهوز والخنازير الماسوز والخسيس من الأرانب العميلة لهم.. فكانت المقاومة تترك الواحد منهم حتى يخرج لأجل شراء الخبز صباحا، فتصطاده وهو في طريق ذهابه أو عودته، وتحرمه من إفطاره اللذيذ..
ولأول مرة في تاريخ اليهوز والخنازير الماسوز، وبعد أكثر من 75 عاما على استباب الأمور لهم، وسيطرتهم التامة على جميع غابات العالم بالكذب والتضليل والإبتزاز، أصبح اليهوز هدفا لخصومهم..
فمحقت المقاومة 777 رأسا نافذا، و555 تاجر حشائش ربوي متبطر، و355 داعية إلى الشذوذ.. وأعلنت لغابات العالم أن اليهوز أجبن من أن يحكموا شجرة واحدة أحرى بالعالم كله.. وكشفت للدواب أنهم يحكمونها بالكذب وشراء الذمم بأرخص الحشائش..

اليهوزي الطيب 

انطلق اليهوزي المسالم “طيب ياهو” متوغلا في غابات الجنوب قاصدا مقر المقاومة بهدف عقد هدنة دائمة من أجل إنقاذ اليهوز المتحكمين وماسوزهم بعد انكشاف حقيقتهم لجميع سكان الغابات التي أصبحت في كامل الإستعداد للإنقضاض عليهم وتطهير الأرض منهم..
كان اليهوز في ذلك الزمان في أوج لحظات ضعفهم، وكان “طيب ياهو” يعتقد أن السلام بين اليهوز والمقاومة ممكن بعد كل ما فعله هؤلاء بدواب الغابات، فخاطر بحياته، وركب الأهوال والأخطار من أجل إقناع المقاومة بالكف عن الإغتيالات في مقابل اعلان اليهوز لغابات العالم أن الديمخراطية نظام شيطاني يهوزي مدسوس، وتقديم أسماء خونة الغابات العملاء الذين لا يساوون حشيشة عند اليهوز إلى الدواب لتنهشهم نهشا، إضافة إلى انسحاب الموجود من اليهوز من جميع غابات العالم إلى مثلث برموزا البعيد ليعيشوا فيه بقية أيامهم في انتظار خروج دجالهم الأعوز الذي يعيدهم إلى الغابات بالسحر والكذب..

كان “طيب ياهو” متحمسا متفائلا برحلته الجديدة، مؤملا أن تنتهي على خير ووفاق، فحمل الموز المفضل إليه والحشائش الألذ عنده، وانطلق يقفز بين الأشجار قاصدا غابة “عَرْبُوبَة” البعيدة..

أَرْنُوبَة

– هل أنت اعمى أيها القرد السمين؟ ما أوسع جوفك!
– عذرا لم أرك؟
– يا لك من فيل!
– قلت عذرا!
– هل أنت ثور؟
– قلت عذرا!
– مثلك من البغال لا يجوز له القفز إلى الأرض من على شجرة.. لولا العناية لوقعت على رأسي!
– قلت عذرا؟
– تبا لبطنك المنتفخ المستدير.. لا أعرف بوجه من اصطبحت اليوم، وما أظنه إلا وجهك القبيح!

كانت أرنبا في غاية الجمال تتمشى بهدوء وسكينة في ذلك الصباح المريح حفاظا على رشاقتها، فكاد “طيب ياهو” يقع على رأسها!
التقت الأعين فأحس الأخير بالدوار، أحس بأن قلبه يريد الإنسلاخ من صدره والإرتماء في أحضانها مستغيثا، فهتف بعينين زائغتين:
– كم أنت جميلة وفاتنة ولذ..
قاطعته وهي تبسم بدلال، قائلة:
– هل أعتبر جملتك المفيدة هذه مغازلة أم أنها مجرد نفاق آخر؟
احمر وركه خجلا، وتمتم:
– بل مغازلة..
– ولكنك يهوزي؟!
– وماذا في ذلك؟
– لا أحبكم يا أخي، أنتم قذرون، وبلا عهود ولا مواثيق!
– لماذا؟
– يا أخي، سيئون غشاشون كذابون مجرمون قباح!
– لا تعممي ففينا قلة من أهل الخير!
– طبعا ستقول إنك منها!
– أنا أولها!
– ما دليلك!
– أحمل رسالة السلام التي ستحرر غابات العالم من سيطرة اليهوز!
– أنت.. أنت أيها السمين الدميم!
– نعم يا جميلتي.. لدي توكيل من اليهوز، وتعهد أيضا!
– تعهد.. ها ها.. أضحكتني.. تبا.. أنتم اليهوز بلا كلمة أحرى بتعهد!
– لا تظلمينا.. قلت لك إن أكثرنا فقط هو السيء، ففينا قلة محترمة..
– ومن تريد برسالتك هذه يا دميم؟
– قائد المقاومة!
– “عَرْبُوبْ”.. مستحيل.. ذلك المخلوق بالكاد يخرج للشمس خوفا من غدرك قومك، كيف يقبل بلقائك.. يا لك من يهوزي مجنون؟
– سيظهر إذا عرف أن في ذلك راحة لكل غابات العالم من شر اليهوز..
– هل معك شيء آكله فأنا جائعة؟
– آآ.. ماذاا.. شيئا تأكلينه؟! ما علاقة هذا بما كنا نتحدث فيه؟!
– ما أسرع ما ظهرت على حقيقتك أيها اليهوزي البخيل جامع الدنيا للنار.. ألا يمكنك اعطاء أرنب جميلة تستلطفك بعض ما تحمل من موز وحشائش لذيذة.. كم أنتم بخلاء أيها اليهوز الملاعين، لن تعرفوا الحب أبدا..

تردد قليلا، ولكن عينيها الواسعتين المتوسلتين شجعتاه على تقديم أصغر موزة عنده.. وضعتها في شدقها ثم خطفت مخلاته فجأة وهي تصيح ضاحكة ممازحة:
– إن كنت لا تحبني فتعال وخذها!
تمتم في قرارة نفسه:
– تبا لهذه الأرنب؟
قفزت عليه بغتة وخطفت ما يحمل من حشائش، وهتفت ممازحة بكل إنتهازية:
– ها ها.. لن تجرؤ على الإعتراض، لأنك تحبني أيها اليهوزي.. أليس كذلك؟ لا تنكر، الحب ليس عيبا..
صاح فيها:
– اللعنة على أمك اليهوزية؟

ابتسمت بدلال بعد أن سلبته ما يحمل، وهمست:
– هل سبق وأن قال لك أحد في هذه الغابات أنك جذاب؟
هم يفتح فمه للإجابة، فصاحت فيه ضاحكة:
– لا.. ولكني سأقولها لك بصراحة: حشائشك هي أكثر شيء جاذبية فيك!
صاح فيها غاضبا:
– اللعنة عليك يا بنت اليهوزية..
صاحت فيه:
– ماذا تنتظر.. هيا بنا، سأدلك على “عربوب”..
صاح بسعادة:
– صحيح.. هيا بنا..
– أتمنى أن تستمتع معي بالرحلة..

بعد ساعة من المشي في الأحراش وبين المنحدرات أشارت إلى جرف هار:
– هناك يقبع القائد ومن معه من الأبطال..
تهلل وجهه فرحا وأسرع الخطى أمامها حتى أشرف على المنحدر العميق، التفت متسائلا:
– أين هو؟
قفزت عليه ودفعته برجليها القويتين دفعة جعلته يتردى في الهاوية، وأجابته:
– في الأسفل.. في انتظار رايتك اليهوزية البيضاء..

مهلا.. القصة لم تنتهي.. نلقي على مسامعكم الآن الإعلان الجديد لقائد المقاومة “عربوب”، يقول:
“بعد السلام وإحلال اللعائن على اليهوز.. إخوتي في كل غابات العالم.. لا نريد ظلم أحد حتى من اليهوز، نريد السلامة فقط، ولو أعطوها لنا لتركناهم في حالهم، لكن خبثهم وكفرهم يأبيان إلا إهلاكهم.. لذا من أراد منهم السلام والحب فهما عندنا، لا مكان عندنا للأحقاد والكراهية.. كلنا دواب على هذه الأرض مبتلون بأنفسنا والشياطيز، لكن بشرط أن يعيشوا في كنفنا مثلما اعتادوا، أذلاء تابعين خاضعين مسالمين، وإلا فلا، لن نقبل بوجود قوة لليهوز بعد اليوم حفاظا على الغابات من فسادهم”..

استطاع “طيب يا هو” التعلق بغصن امتد في المنتصف بين قمة الجرف وقاعه، وبصعوبة تمكن من الهبوط للأسفل.. وقرر بعدما شاهد من بغض الدواب لليهوز، العودة أدراجه ليخبرهم بأن جميع مخلوقات الغابات تكرههم، ولا تثق فيهم ولا تحتملهم..
وفي خياله اليهوزي بنى هيكلا عاش فيه مع أرنوبته الجميلة أسعد أيامه، حتى اغتيل يوما وهو عائد من المخبزة يحمل خبزه الساخن، بعد أن نصبه اليهوز قائدا لمقاومتهم الجديدة ضد أرانب الغابات التي تحصد رؤوسهم التي تستحق الحصد بمنشار..


الرحلة العجيبة

الجبال تتسابق على جنبات طريقنا.. الكثبان الذهبية تتماوج من حولنا.. الطريق الأسود الطويل صامت إلا من صفير الرياح المرحبة بنا.. الصخور الصغيرة تتناثر تحت إطارات سيارتنا المندفعة، والطريق الذي أصبح أخيرا معبدا، سعيد بنا.. كل ما حولنا مغتبط بعودتنا..

مجموعة خواطري

العَصْمَاءْ.. قرية وادعة جميلة تقبع على الطريق.. لبنة أولى في جدار الحنان.. تتشبث به مكونة حلقة وصل بيننا وبين الوطن..

الصحراء الممتدة من حولنا تنبض بالحب والوفاء.. والصمت مهيب.. والرمال تعتصر الطريق، بيضاء كمعصم الحسناء، تتثنى عليه مثلها راسمة أجمل ابتسامة..
قطعان الإبل والغنم منتناثرة في المكان، تعزف على أوتار البداوة نشيد الطمأنينة والسعادة.. تذكرنا بالأجداد الذين خالطوها بحب ووفاء، وعاشوا بينها وبين الخيام والبساطة في ذلك الجمال.. أما نحن فقد تسلط علينا الغرب اللعين، ودفعنا إلى العيش في مدن متكدسة لا مكان فيها للطبيعة ولا للصفاء والنقاء، بل ولا حتى للأصول.. ألا يا دعاة الغرب من السياسيين والحقوقيين، كفوا عنا أذاكم، تذكروا قوله تعالى: “وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ”، كيف رضيتم بدين الشيطان الديمقراطي، اتركوا قرانا وأريافنا على طبيعتها وبساطتها، لا تجلبوا لها طرقكم المعبدة وأعمدة إنراتكم المشؤومة، وبضائعكم وأدويتكم المشبوهة..

الخيام مبعثرة حول الطريق.. نسوة يضبطن حوافها، وأخريات يقمن ركائزها ابتهاجا بذلك المكان البسيط الجميل، النقي الصافي الأجواء، الذي تكاد نجوم سمائه تلامس رؤوس المسبحين بحمد الله المتأملين..

أكْجَوْجَتْ مدينة الكرامة، تفرد جناحيها على الطريق في دعة وسكون.. بجبالها الأبية وساكنتها الوفية.. قلعة أخرى تصلنا بالوطن الحبيب، حفظها الله من شر شركات التعدين الغربية..

الحشائش اليابسة الصفراء تشتعل حولنا على ذلك الطريق.. والجبال تطل علينا من بعيد محيية، مستبشرة بعودتنا.. والصخور الصماء ترحب بنا في صمت هامسة: “مرحبا بالأحفاد.. مرحبا بالأحفاد”..

مجموعة خواطري

الدهشة تعقد ألسنتا، والطريق الصامت الطويل يدفعنا دفعا نحو الأمام.. الجبال تسابق الأفق معنا مستبشرة ضاحكة في وجوهنا.. الطمأنينة تغمر نفوسنا.. والسيارة التي تكاد تطير فرحا وغبطة، تضطر بين الحين والآخر للتوقف احتراما لناقة أو جمل عابر للطريق، يأبى إلا أن يعبر بشموخ رافعا برأسه بإباء ككل الأحياء في ذلك المكان..

يَقْرَفْ.. قرية صغيرة عزيزة على قلوبنا، جميلة في أعيننا، بسيطة في عالمنا الصغير.. تقربنا أكثر من الوطن.. هادئة وديعة.. تنادينا بمرح الأطفال المنتشين تحت قطرات المطر، وهي تلتف حول نفسها مثلهم فاردة جناحيها: “العَيْنْ قريبة.. العَيْنْ قريبة.. أسرعوا.. أسرعوا.. مياهها تنتظركم، رُطبها اللذيذة ترحب بكم”..

عَيْنَ أهْلِ الطَّائِعْ تحيينا.. رمز القوة والأصالة تناجينا.. منها تمر سيول التحدي، وفيها ترتفع رؤوس النخيل لتهدي ساكنتها ألذ رطب..من هنا مر سيل عزيز، ومن هنا سيمر آخر وآخر إلى ما شاء الله.. وتستمر الحياة الجميلة بين تلك الرطب والمياه، باستمرار السيول، فسبحان الذي جعل من الماء كل شيء حي.. سبحان الذي جعل في هذه الأرض مثل هذه الدعة والسكون، ومثل هذا الجمال..
العين تزف إلينا النبأ.. الوطن قريب.. إنها تشير إلى الجبل.. “اصعدوا الجبل.. اصعدوا الجبل”.. إنه هنالك قريب، يقبع في الخلف بوداعة منتظرا قدومكم..
ننفذ أمرها بسعادة اندفاع الأطفال.. نصعد الجبل الجميل.. الدهشة تعقد ألسنتنا، نطل على الوادي أسفل منا..

وادي “أَمْحَيْرِثْ” الرائع الذي تمتزج خضرة نخيله بسواد الصخور.. ما أروعه من مكان وما أروع الحياة فيه.. وما ألذ صلاة الفجر في هذا المكان المبارك المريح.. هل صليتها فيه يوما؟ أو على ذلك الطريق؟ صدقني لن تنساها أبدا.

السيارة تصعد وتهبط بين الصخور في إجلال.. والأخيرة تمتد أمامنا، على مرمى البصر، والطريق المعبد يشقها في وقار.. والبساطة تنبعث من كل مكان.. ونسائم الوطن اللطيفة تداعب وجوهنا مبشرة بقربه.. أخيرا عدنا..

أَطَارْ الحنونة تستقبلنا بالأحضان.. أنفاسها الحارة تلفح أعناقنا عناقا وتقبيلا.. هنا ترعرع الآباء.. هنا بدأ تاريخ أصولنا الجميل.. هنا في جزيرة أحلام بين الصخور، نبتنا مثل النخيل.. هنا ننسى همومنا وآلامنا، وتعرفنا على خالقنا العظيم من خلال كتب العلم التي ترك لنا الأجداد.. هنا أشرفنا على أجمل الوديان.. وفي كل واد جمال وحياة.. سعادة ورخاء.. بساطة وآمال.. حب ووفاء..

تمنيت وأنا أضع قدمي على الصخور الحبيبة أن أرتمي عليها مقبلا..
أن أعانق بكل شوق وحنين النخيل الذي يلفني معانقا..
أن أناجي جدي الحبيب الذي مر من هنا يوما..
أين أنت يا سيدي الحبيب..
أين أنت لتثري مسامعي بحكاياتك المعبرة..
أين أنت لتحدثني عن الدين والخالق..
أين أنت لتعرفني بأبناء الأرض الكرام..
أين أنت لتسعد معي بما أرى من جمال..
أين أنت لتشاركني العرفان والحنين..

الحمد لله الذي يسر لنا رؤيتك ثانية يا أرضنا العظيمة، وتغمد الله أرواح آبائنا وآباء المسلمين برحمته الواسعة.


اللاعب الصغير

كان في التاسعة من عمره، أسود اللون يحاكي ظلمة الليل، نحيل العود، دقيق العظم يميل إلى دمامة تخفي ورائها الكثير من صفاء الروح.. وكنت شابا عاطلا عن العمل محبا للخير والناس.. كان ما يميزني منذ الصغر هو تهافت الضعفاء والمنبوذين علي.. كانوا يجدون فيّ الأمل الذي يعيد لهم ثقتهم المفقودة.. وكنت أتندر مفتخرا بأني صديق المستضعفين والمجانين.. وكان من حولي يضحكون مني ومن ذلك..

مجموعة خواطري

أحببت كرة القدم منذ الصغر، وتميزت فيها، ورغم ذلك كانت الهزائم التي أكره تلاحقني بسبب التفاف الضعفاء عديمي الخبرة حولي.. لكن كانت الفرحة بالإنتصار الذي أحققه مع أولئك المنبوذين في كثير من الأحيان، على الفرق المتباهية بقوتها، تُنسي العناء..
كانت نظرة الإستعلاء التي أرى في الأعين تجاه أولئك المساكين تولد في أعماقي الرغبة في المنافسة بهم، والفوز لإثبات أنهم ليسوا أقل من الآخرين، أو ربما لإثبات إمكانية قهري للمتميزين، ويا لها من لذة.
ولكن ضعف مستوى الحارس تارة، وسهولة تجاوز المدافع تارة، وانعدام ذكاء المهاجم الغبي تارة أخرى، كان يضطرني إلى الكثير من الصراخ فيهم مؤنبا، طاردا مرة، وراميا بالحجارة مرة أخرى، ولعلها أذهبت الجميل عند أكثرهم.. وكان ذلك يُضحك الخصوم، لكن المباريات كانت ممتعة، تضمنت الكثير من الفنيات والتحدي..

كان أول لقاء لي به في الملعب الأولمبي، رأيته واقفا بمعزل منفردا لا يتجرأ على طلب الإنضمام إلى أي فريق يتم تشكيه مثلما يفعل غيره.. رث الثياب متسخا، بائس القسمات، فناديته ليحرس المرمى رغم صغره، ففرح بذلك وأبلى بلاء حسنا.. وبعد نهاية المباراة أخبرت الجميع بأني سأجلب الكرة في الغد من أجل تحد آخر.. وفي الغد وجدته في الإنتظار.. وهذه المرة حاول الإقتراب مني بخجل، تلعثم بكلمات مترددة لم أتبين أكثرها فأحسست وأنا أدقق النظر فيه أنه من تلك الفصيلة التي تميل إلى مصادقتي، فصيلة المنبوذين. والحقيقة أني لم أعره اهتماما فقد كنت منشغلا بالكرة التي بين قدميّ، وكان هو يحاول بين الحين والآخر الهجوم بهمة لا تخفي رغم إمكانياته المحدودة مثبتا بإخلاص أنه عنصر أساسي في الفريق..

كان يلف فخذه برباط فسألته عن سبب ذلك، فأخبرني أنه يقلد أحد اللاعبين المشهورين.. ولم أشأ أن يرتبط مثله بمثلي، أنا الشاب المودع لشبابه الذي لم يعد يمارس الرياضة إلا للرياضة أو هربا من البقاء في الدار.. ولو عرفته في الصغر لأوليته من العناية ما أوليت أمثاله.. مثل ذلك الأبكم الصغير الذي كنت أفرضه على الآخرين فرضا رغم تذمرهم من مستواه المتدني في كرة القدم، فقد كان يلعب كدابة.. وكان يضحكنا بتقليده للنساء عندما يلبس ملحفة ويتزين ويخرج إلى أحياء حي ك محاولا إغراء الرجال.. كان ذكيا لا يعيبه إلا الخرس.. تعرفت عليه في المقاطعة الخامسة، واستمر في زيارتنا حتى عندما كنا في بو حديدة أواخر الثمانينات، وذات مرة فيها، عمدت إلى فحم ودهنت به حواجبه وشاربه ولحيته وهو نائم، فاستيقظ بوجه غير الوجه، وأخذنا في الضحك عليه وهو ينظر إلينا بحيرة مبتسما لا يدري ما سبب ضحكنا والنظر إليه.. المسكين ليتني أقدر على إسعاده وإسعاد كل من أعرف.. ليتني أملك كنوز قارون، إذن لكفيت الكثيرين بعون الله..

أو ذلك الصديق النحيل الذي كان الآخرون يرونه مشوش الفكر ويعدونه مجنونا رغم أننا كنا جميعا صغارا.. كنت أقربهم إليه، ولم يكن يفضل علي أحدا منهم، ربما لأني لم أسخر منه يوما مثلهم.. خرجت معه مرة في سيارتي المتواضعة التي اهداني الوالد في أواخر التسعينات وبدايات الألفين، أكثر سيارة شهرة في العاصمة حينها!
خرجنا بها يوما فوجدنا فتاتين، فطلبت منه إحداهما أن يشتري لها سجائر، وكانت تطمع في علبة، فعاد من الحانوت وهو يحمل ثلاث سيجارات ناولها إياها، فصاحت فيه: هل يعني هذا الطلاق بثلاث؟ لقلة ما جلب لها! فرجعنا ليضحك عليه الجميع على أنغام السهر وكؤوس الشاي التي ترددت في تلك الليلة المنصرمة..

ناهيك عن الضعفاء في الكرة الذين ابتليت بالهزيمة مرارا بسببهم، مع أني لا استحقها!.. إلا أننا كنا عندما ننتصر بمجهودنا نستمتع بقهر الأقوياء.. صحيح أن مستوياتهم الضعيفة كانت تثير غضبي كثيرا، ولكن ذلك كان طبيعيا فمن يقدر على الصبر على مثل ذلك، لكني كنت متشبثا بهم رغم ذلك أكثر مما هم متشبثون بي.. كان الفوز يمثل فرحة تذكرهم بأن لهم الحق أيضا في الفوز والسعادة، والإستمتاع بالسخرية من الآخرين وإذلالهم..

أوشكت الشمس على المغيب فقررنا وضع حد للمباراة على أمل اللقاء في الغد، فتفرق اللاعبون في كل اتجاه كأن لم يجمعنا ملعب أو منزل.. لكن المسكين لم يغادر، بل انتظرني حتى حملت حوائجي ورافقني على استحياء.. تأملت هيئته الرثة المزرية، ولاحظت أن كلماته الخجولة التي بالكاد تخرج من فمه، تخفي خلفها ثقة متضعضعة في النفس والحياة.. رثيت له، وحاولت محادثته محاولا استرجاع بعض ثقته المسلوبة، فذكرني بتلك الفصيلة من أصدقائي القدماء.. الفصيلة التي تستحق الشفقة..

كان حديثه إذعانا بدون شروط، وكانت نظراته تزيغ من حين لآخر بحثا عن مكان تستقر فيه.. قلت له أنه أبلى بلاء حسنا في المباراة، فتراقصت السعادة على محياه، ونصحني بأن أذهب بكرتي المثقوبة إلى مصلح، وأن لا أرميها مثلما رمته الحياة..

وعند مفترق الطرق كان أحد أصدقائي ينتظرني من أجل مرافقتي، فخفف من سرعته ليتركنا على راحتنا ربما بسبب الخجل، أو بسبب إطالتي للسكوت على أمل أن يودعني ويذهب في حاله، فتبعني باستحياء دون أن ينبس ببنت شفة حتى وصلت إلى صاحبي.. عندها خرج ثلاثة أطفال متشردين من العدم يحمل كل واحد منهم إناء متسخا يضع فيه ما يتفضل به عليه الآخرون من صدقات، أقبلوا عليه وأخذوه معهم بعيدا في متاهات الجوع والبرد والضياع حيث المباراة الحقيقية للحياة..


القمر المنير

أتأمل في الكون المترامي الأطراف الذي أشغل منه حيزا صغيرا يزداد ضآلة وانكماشا مع مرور الزمن.. من أنا؟ في أعماقي أنا كل شيء، لكني لا شيء مقارنة بخلق الخالق العظيم..
نعم، أنا خليفة في الأرض كإنسان، لكن الضعف والعجز والتقصير تجعلني بعيدا عن الكمال..
تغمرني سعادة غامرة كلما ارتبطت بما حولي أو ارتبط بي.. قطتي الصغيرة التي أرتاح كلما داعبت رأسها بيدي، تبادلني نفس الشعور، بمنتهى الصدق والبراءة.. البراءة التي أصبح الإتصاف بها في هذا الزمن ضرب من الجنون..

مجموعة خواطري

أرى الملحد يقف على حافة الطرف الآخر من الهاوية يحملق في آيات الخالق الصارخة بوجوده، منكرا مستكبرا، متحديا.. أعجب من كفره وصلابه رأسه، وحقده الدفين حتى على خالقه! فلسمع، الخالق لم يفعل له شيئا به كل بم كسبت يداه.. غره الشيطان فحول المسألة التي يمكن حلها بالتفكر والتدبر، إلى حرب لا هوادة فيها سيكون هو المحترق في نهايتها، وبماذا؟ بنار جهنم إن لم تصبه نار الدنيا معها.. إن لم يتب..

أين هو من معرفة الروح على سبيل المثال؟ بل من علمه الإلحاد من ذلك؟
أين هو من تسخير الأرض وكل ما عليها وحولها للإنسان؟!
أين هو وكل الملحدين الذين معه، ليخلق ذبابة بل جرثومة، يتحدى بها الخالق!

أتأمل في العاصي الذي يلهث خلف الشهوات والشبهات دون كلل وملل، رغم ما فيها من ضنك وشقاء، إنه لا يشبع من الذنوب، فأتذكر الضعف البشري الذي لا معين عليه غير الخالق.. ألا يعلم أن الشيطان يزين له القبيح؟ ذلك هو عمله الأساسي.. الكذب، مثلما كذب على أبينا آدم، ولا يزال يكذب هو وأتباعه حتى يومنا هذا.. يزين له الزنا والبديل قريب وسهل ومبارك، يزين له أكل المال الحرام والحلال وإن قل أكثر بركة ومتعة!

أنا القمر المنير في عالمي الصغير المغلف بسماء واسعة مزينة بالكواكب الرائعة، وبالهواء النقي الذي يغذي الروح، وبالشمس الدافئة الممتعة، وبقمر رائع في كل مراحل اكتماله..
أنا الملخوق الضعيف الذي على فطرته، كيف أغتر بأكاذيب الشيطان متوهما الجبروت؟ كيف أغتر بدنيا يفر منها العقلاء الصالحون.
أنا جوهر الحياة إن نجحت في امتحانها..
أنا القوى حقا غن تغلبت على نفسي الأمارة وشيطانها الرجيم..

أتأمل في كأس الماء التي بجانبي، قال ابن حزم رحمه الله: “من عجيب تدبير الله عز وجل للعالم أن كل شيء اشتدت الحاجة إليه كان ذلك أهون له، تأمل ذلك في الماء فما فوقه. وأن كل شيء اشتد الغنى عنه كان ذلك أعز له، تأمل ذلك في الياقوت الأحمر فما دونه”..
هل نحن فعلا أغبياء؟
هل نحن بحاجة إلى حضارة الغرب القذرة التي سنت للناس الشذوذ، وعندنا الإسلام؟!
هل تحن بحاجة لفلسفتها وقوانينها الديمقراطية ولغاتها وسياستها، وعندنا علومنا وشرعنا ولغتنا وشورانا؟!
هل نحن عبيد للكفار في هذا الزمن؟
هل نحن عبيد لأنفسنا قبلهم؟

لقد كذبوا على الله، فزعموا أنه غير موجود..
وكذبوا على الأرض فزعموا انها كرة سابحة..
وكذبوا على السماء فزعموا أنها فضاء، وهي التي أبوابها موصدة مستعصية عليهم وعلى من معهم من شياطين الجن، هي البحر التي يتدفق منه المطر..
كذبوا على الشمس فقالوا أنها الأصل، وما هي إلا مصباح معلق في سقف بيت..
وزعموا أنها تجري حول الشمس، ما أكذبهم؟
عجبا لمن يحب الكذب والكذابين..

كذبوا على العلم فقالوا إنه “العلم الحديث”، وما هو إلا العلم الخبيث.. مفرزاته خبيثة مثلهم.. انتجوا به الأسلحة الفتاكة، وغيروا المزروعات والأدوية، وأنتجوا الأوبئة واللقاحات، وكل ما  يضر الإنسان والحيوان والشجر والأرض والهواء!
كذبوا على القوانين فقالوا إن قوانينهم الديمقراطية أفضل من شرع رب العالمين، فأعطوا للمجرم حقا، واعتبروا الجاهل بقانونهم مغفلا لا يستحق الرحمة إن كان بريئا، وانتشر كلابهم الذين يسمون أنفسهم بالمحامين، يدافعون عن الشر لأجل المال، لا رادع لهم، بل جعلوا ذلك قمة في الحذاقة..
كذبوا على التعليم فجعلوه تعليما غربيا لا مكان فيه للعلوم الشرعية المباركة التي كانت تخرج الناس من الظلمات إلى النور، وتصلح نفوسهم، بعكس تعليمهم القذر الذي هو سبب جميع مشاكل المجتمع..

الكذب هو أساس حضارتهم التافهة التي ألحد بعض مخابيلنا اغترارا بزخرفها، واتبعوا سياسة الشيطان الديمقراطية إعجابا به وبأوليائه..

إني أتخيل الأرض قبل الإنسان، وعليها قبائل الجن تعيث فسادا مثل الأمريكيين والأوروبيين اليوم.. تجليها الملائكة إلى البحار، فمن يجلي عنا هؤلاء؟

إن الحضارة الغربية اللعينة تتهدم يوما بعد يوم، وتلك سنة الحياة، وأول ما يفتضح فيها هو دينها الديمقراطي الكاذب الذي غر الناس على تفاهته ووضوح أكاذيبه، خاصة بعد اتخاذها من الشذوذ شعارا، وما ارتفع قوم جاهروا به، فلعله يكون سببا في خراب حضارتهم..

لا تضع يدك في أيديهم، ولا تواليهم فموالاتهم كفر وخسران، وجهل وغباء.. ولا تظلمهم، فدورك هو إحياء الناس بالإسلام لا قتلهم بالقنابل، فلا تصدق أن داعش على شيء، بل اهدهم إلى الخالق بدل تفجيرهم، ولا تخرج على حاكمك ولو كان كلبا أجربا – وأكثرهم كلاب، فمعه الجماعة لتكون من أهل السنة والجماعة، فمن خرج عليه مات ميتة جاهلية.
واحذر من أن تعين على مسلم ولو بدفعه إلى لقاح من لقاحاتهم المشؤومة كما يفعل بعض المهولين من وزارة الصحة – ما اكذبهم، ولا تدعو إلى تنميتهم وديمقراطيتهم وتعليمهم وحقوقهم، فكلها أكاذيب شيطانية..

أفق أيها السياسي والحقوقي والعلماني، فأنت مسلم – إن كنت مسلما، لست علجا كافرا، ولا عبد للعلوج الملحدين.. الديمقراطية كفر وإلحاد، فلا تكن حجرا في يد عبدة الشيطان، يكسرون به زجاج المسلمين.. بل كن قمرا منيرا، مهتديا هاديا إلى الصراط المستقيم..


حب في مواجهة الشيطان

المرأة المحبة إحدى أهم نعم الحياة ودعائمها، بدونها يظل الرجل يلهث حتى نهاية المطاف! فيا بخت من حصل عليها، ويا سوء وسواد ذيل من حصل على امرأة شريرة ثقيلة مشؤومة..
المرأة الرقيقة الوديعة الجميلة التي تعرف أن قوتها في ضعفها لا جبروتها، وجمالها في ابتسامتها لا تكشيرتها، ووداعتها في رخامة صوتها لا ضخامته كالرجال..
المرأة التي تحب زوجها وتفديه بنفسها إن لزم الأمر لأنه حبيبها وأساس حياتها الوردية الصغيرة.. تكبر معه وتشيخ، وتموت في أحضانه إن لم يسبقها.. وتلاقيه في الجنة مبتسمة ضاحكة ليعيشا في حب خالد أبد الدهور..

مجموعة خواطري

المرأة الرائعة الجميلة التي يبحث عنها الجميع في كل مكان وزمان، وتحاك حولها القصص والأساطير في كل كتاب وفيلم ومسلسل ليعيش التعساء والمحرومون في ذلك الخيال الجميل لحظات تنسيهم واقعهم الكئيب.. لابد للسكير الأمريكي، والمخرف الهندي، والكاذب على نفسه المصري (في الأفلام)، والمتشاجر الصيني، من لحظات من الحب في أفلامهم التافهة، لا تستغني عنها..

نظرة المرأة المحبة إلى زوجها تعدل الدنيا بما فيها.. هكذا اعتقد الحالمون، فهل كانوا على حق؟!

مجموعة خواطري

في الفيلم.. هي امرأة هادئة جميلة حالمة، تعيش مع زوجها وابنتها الحبيبين اللذان يشكلان كل عالمها الصغير.. تعمل كوسيطة روحية بمساعدة زوجها المغامر، يهددها أحد الشياطين في رؤيا بقتل زوجها المحبوب أمام عينيها..

مجموعة خواطري

ترتعب، ويدفعها ذلك إلى اعتزال ذلك العمل الخبيث، مهنة مطاردة الشياطين بالسحر والأكاذيب، لكن الشياطين تطاردها، ولا تتركها أبدا في حالها.. فتضطر للسفر إلى لندن السبعينات، ومعها وزوجها، لدراسة حالة فتاة صغيرة تلبسها الشيطان.. وهنالك تتجدد مخاوفها من فقد زوجها، وتحس بأن الشيطان المتجسد في الفتاة هو الذي يزورها في أحلامها، ويخطط لحرمانها من حبها..

مجموعة خواطري

هكذا حاول الفيلم المرعب أن يتشبث بالرومانسية تشبث الغريق بالقشة.. رومانسية في عالم من الرعب والشياطين! فهل نجح في ذلك؟
لقد أصبح الحب أساس كل شيء في أفلامهم الموجهة في الأساس للمراهقين والمراهقات.. وكان ولا يزال أساسا في الحياة أيضا – رغم ندرته، لكن أغلب الموجود فيها منه قصص وتمثيل مثل ما في الأفلام..

أصبح الحب ضروريا حتى في أفلام الرعب؟! الجميع متعطشون له! المخرج والممثلين والمشاهدين.. يحلمون به، يريدونه ويحبونه، وقليل منهم من هو مستعد لأن يحب حبا صادقا عفويا بسبب الشياطين التي تتلبسه! فأصبح عملة نادرة لا توجد إلا في قصص الشعراء والأساطير والأفلام الكاذبة..
يخدع الناس به أنفسهم، ويكتشفون بعد مدة قصيرة أنهم وقعوا في حب سبع أو حية أو صخرة!
وأول المخدوعين به هم الممثلون التعساء الذين لم ولن يعرفوه يوما لسوء طريقهم (طريق الملذات الشيطانية والضنك)، ولا يجدون منه إلا تلك الصور الزائفة الخادعة العابرة التي تخدعهم قبل المشاهدين!

مجموعة خواطري

نجحت الممثلة نجاحا باهرا في الدور، وأعطت انطباعا قريبا من الواقع عن المرأة المحبة المسكينة و”إذا أحبت المرأة استحقت الشفقة” كما يقال.. لن أقف عند تفاصيل قصة الرعب فهي قصة كلاسيكية مبنية على أوهام معجزات صليب القوم الذي لا ينفع بل يضر، وعلى أفكار سخيفة مبناها أن معرفة اسم الشيطان تضعفه، وتعطي الإنسان سلطة عليه! HOW
لكني سأقف عند القصة الإنسانية الرائعة التي جسدها الثلاثي الرائع: الممثل والممثلة والطفلة الجميلة.. لقد نجح هؤلاء الكذابون في انتشال الفيلم من بؤرة الخوف إلى سعة ورحابة المشاعر الإنسانية الراقية. فمن جهة نجد المرأة تخاف على زوجها وتتحدى شيطانا ماردا في سبيل إنقاذه..
ومن جهة أخرى نجد زوجا عطوفا يحن على طفلة مسكينة لم يعرفها من قبل، تلبسها الشيطان، فيقتحم المياه لمساعدتها وهو على يقين بأن ذلك قد يكلفه حياته مثلما أكدت له زوجته من كوابيسها المرعبة..

مجموعة خواطري

ومن جهة أخرى نجد طفلة جميلة مضطربة بسبب انفصال والديها عن بعضهما البعض، يتخذها الشيطان مطية لإحدى غاياته الدنيئة – وكل غايات الشيطان دنيئة، فلا تصاحبه يا أخي! لا تجد أمامها إلا الزوجين الرائعين اللذين يسعيان لإنقاذها بكل ما أوتيا من قوة وطاقة.. وحب. فتبادلهما الحب والجميل..

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم.. وأحبهم يحبونك.. وعلى قدر العطاء يكون الأخذ، لا تتوقع أبدا أن تأخذ دون أن تعطي.. وأعط لله لكي لا تندم ويدخلك الشيطان ويغل يدك إلى عنقك.. هذه هي قاعدة الربح الأساسية في هذه الحياة المليئة بالصور الجميلة رغم المصاعب وكثرة الأراذل والرذلات..


حب في كوكب المريخ

في عام 1881م كان “كارتر” النقيب السابق في الجيش الأمريكي الظالم للهنود الحمر وللبشر عموما، يتمتع بشجاعة فائقة، ويعيش ككل المرتزقة الإنتهازيون على عائدات المغامرات الغاشمة، وأوهام البحث عن الذهب المخبأ في الكهوف البعيدة..

مجموعة خواطري

وفي إحدة المرات، وبعد مطاردة طويلة بينه وبين الهنود الحمر، انتهى به المطاف داخل أحد الكهوف الحمراء، وكانت المفاجأة.. وجد نفسه وجها لوجه أمام أحد المخلوقات المفزعة الشبيهة بالبشر.. مخلوق من جنس “السيتث” الإنتهازي العابر للكواكب والمجرات والقارات، الممتص لمقدرات الشعوب ككل دول الغرب التي نعرفها اليوم، والتي تعيش على أكتافنا..

لم يكن الكهف المشؤوم إلا حلقة وصل بين عالمين بواسطة تعويذة في قلادة مضيئة تشكل حلقة وصل بين البُعدين..

وجد كارتر نفسه مضطرا إلى إطلاق رصاصة على المخلوق الفضائي، أرداه بها، وفي اللحظة التي حمل فيها الغنيمة الذهبية – القلادة – تلى المخلوق شفرة الإنتقال إلى عالمه.. المريخ..

الكوكب الأحمر المكذوب

استيقظ المجرم البطل “كارتر” ليجد نفسه في صحراء مترامية الأطراف.. نهض محاولا البحث عن منفذ إلى حضارة أو بداوة، فدفعته الجاذبية في الهواء كبالون منتفخ.. وبعد عدة محاولات اهتدى إلى أن القفز من مكان إلى مكان كضفدعة هو الحل..

وجد نفسه بعد عدة قفزات، في مكان فقس بيض المخلوقات الغريبة “التارك”.. مخلوقات المريخ التي تبيض! مخلوقات خضراء طويلة لها أنياب كالفيلة، وأربعة أيدي..

المخلوقات الغريبة

نجح “كارتر” في نيل إعجاب قائد مجموعة التارك “تاراس تاركاس” (يوناني هذا؟) بقفزاته الرائعة في الهواء، فحمله معه إلى الأطلال التي يسكنها جنسه.. كانت شبه بقايا مدينة صخرية مندثرة.. وهناك تسابقت النسوة لتبني المخلوقات الصغيرة المجلوبة..

حاولت المسكينة “سولا” المضطهدة من طرف القبيلة، نيل أحد الفراخ، ولكن إحدى النساء المتجبرات أمرتها برعاية “الدودة البيضاء” التي لم تكن سوى الأمريكي الإنتهازي “كارتر”..

مجموعة خواطري

الزودانغا 

تصارعت على ظهر كوكب المريخ في الخرافة، قوتان منذ آلاف السنين، الأولى “الزودانغا” والثانية “هيليوم 10″، كلاهما من جنس واحد شبيه بالبشر، إلا أن بشرته تميل قليلا إلى الإحمرار..

كانا الطرفان الوحيدان اللذان يملكان القدرة العلمية ممثلة في الصناعات الحربية المتطورة كالطيران بالمركبات، لذا سيطرا على الكوكب مثل روسيا وأمريكا.. ولكن الصراع بينهما طال وزاد عن حده..

وفي اللحظة التي كان فيها “الزودانغا” على وشك الهزيمة، تدخل الجنس الأقوى والأكثر تخريبا في المجرات والمبالغات، جنس “السيتث” اللعين الذي يشبه رجاله رهبان الحملات الصليبية البغيضة، ويملكون قدرات عجيبة على التشكل في الصور الآدمية، كما يملكون السلاح المدمر الأقوى: “الشعاع التاسع” (ابن الثامن ابن خالة العاشر)..
فعقد قائده صفقة مع قائد “الزودانغا” المهزوم “سابثان” من أجل توليته حكم المريخ (بارسوم)، وأمده بالشعاع التاسع، فمالت الكفة لصالحه..

هيليوم المدينة الرائعة

في تلك الأثناء داخل قصر الحكم، كانت الأميرة “ديجا فو” الجميلة، تجري تجاربها لإكتشاف الشعاع التاسع من أجل ترجيح كفة والدها في حربه ضد “الزودانغا” المغترين.. ولكن بدا أن الآوان قد فات، فقد أخبرها والدها بأن عليها قبول الزواج من القائد الشرير “سابثان” إنقاذا لشعبها وللمريخ..

همس في أذنها بأن الشرير في طريقه إلى هليوم، هو وسلاحه الأزرق المدمر، وأن عليها القبول به إنقاذا للمدينة وصونا للدماء..
تظاهرت الأميرة “ديجا” بالقبول، ولكنها هاجمت مركبة العريس القادمة.. والتقت المركبات الطائرة فوق أطلال “الثارك”.. وهنالك دارت معركة شرسة بين الطرفين، وسقطت الأميرة الشجاعة الجميلة من العلو، ولكن النقيب استقل قدرته على القفز، فطار ليلتقطها بأحضانه..

تفاجئت الأميرة من وجود بشر مثلها في ذلك المكان.. وبدأت قصة تغيير معالم حياة المرتزق الأمريكي اللئيم في التشكل..

مجموعة خواطري

النهر المقدس

اضطر قائد “الثارك” إلى إرسال ابنته سولا التي لم تكن تعلم حتى لحظتها أنها ابنته الوحيدة، مع النقيب والأميرة إلى النهر المقدس لتظل هنالك عساها تلتقي أمها في الجنة بعد عمر طويل حسب معتقداتهم السخيفة (عشم ابليس في الجنة)..

وهنالك تكتشف الأميرة وجود جنس ثالث اتخذته القبائل المتخلفة كآلهة، وهو جنس “السيتث” البغيض، وتبدأ في استكشاف مصدر الشعاع الأزرق الذي رجح كفة خصمهم اللدود “سابثان” قائد “الزودنغا”..

تحس الأميرة بأن المخلوق الأرضي “كارتر” موجود على ظهر كوكب المريخ لإحداث فارق مهم في حياتها وحياة الكوكب بأكمله..

حب في الطريق 

الطريق فسيح.. الخروج للدنيا الواسعة خير من الإنغلاق على النفس والكآبة واليأس والقنوط.. وفي كل طريق، يُلقي القدر أمام الواحد منا عشرات الفرص، فإذا اعتقد أنها مجرد صدف تمر دون أن يلاحظها وتفوته..
الفرص لا تتكرر إلا نادرا، والغالب عليها أنها لا تتكرر، فاقفز على الفرصة الجميلة التي تعترض طريقك، وأمسك بها جيدا، وإلا ستندم على تضييعها..
كل ما يصادفك في طريقك الصغير، ليس صدفة، بل داخل في عالمك، منتمي إليه في تلك اللحظة، أنت من يجعله يبقى فيه أو يخرج منه في لحظات..
كل ما نلتقي في طريقنا ينتمي لعالمنا الصغير، وإلا لما التقينا به أصلا، فهو تقاطع طرق إن صح التعبير، فانتبه لذلك، وتشبث بالهدايا التي تهديك الحياة بين الحين والآخر، فهي فرص ثمينة قد لا تتكرر أبدا، كفرصة الزواج بشابة جميلة مرت بجوارك في يوم مشرق رائع أو من تحبها، وفرصة الإستفادة من قريب أصبح مديرا أو وزيرا، ليتوسط لك في الحصول على وظيفة قد لا تعثر عليها بعدها.. فانتبه لما يحيط بك من هدايا خفية، فهي تنتمي لعالمك، أما ما لا ينتمي إليه منها فلن يتقاطع مسارك معه أبدا..

لقد ترك النقيب خلفه عالما بغيضا مليئا بالحروب الدموية والضغائن والخبائث، وأقبل على عالم جديد لم يكن خاليا بدوره من الشر، ولكن لو لم يخرج إليه من قوقعة أمريكا لما رأى الأميرة الجميلة، ولما حقق المكانة المرموقة التي كان يلهث خلفها في عالمه القديم بلا أدنى أمل في الحصول عليها..

قد تخرج من أرض ضاقت عليك إلى أرض تعتقد أنها دونها كبادية أو قرية مثلا، لكنك تجد في المكان الجديد على بساطته، ما لم تجده في مدينتك المكتظة بالشياطين.. تجد الهواء الطلق والبراءة والجمال والمكانة المرموقة.. وأهم شيء، وهو راحة البال..

الحب القديم 

كان للنقيب “كارتر” في عالمه السابق، زوجة وابن محبوبين، ولكن الموت فرق شملهم، فقد احترقت الزوجة وهي تحتضن ابنها، وترسخت في ذهن النقيب صورة حزينة قاتمة طغت عليه، حتى وجد نفسه على ظهر كوكب المريخ أمام أجمل امرأة شاهدها في حياته! فهل يا ترى يقع في حبها أم يحكم على نفسه بالعيش في متاهات الحزن القديم؟

تنجح الأميرة “ديجا” في فك شفرة القلادة التي أحضرت النقيب إلى كوكب المريخ، وتخبره بأن يردد التعويذة ويذكر في آخرها كلمة “جاسوم” (كوكب الأرض) ليعود إلى حيث كان.. وتقول له بعد أن رأت خاتم الزواج القديم في يده “ان المحارب يمكنه أن يغير سلاحه لكن لا يمكنه أبدا أن يغير قلبه”..
الحب الذي جعلوه كل شيء في قصصهم وأفلامهم ومسلسلاتهم، كأن الواحد يحيا ويموت لأجله..
تأمره بترديد التعويذة خلفها وعينيها تمتلآن بالدموع لأنه سيختفي بعد إكمالها إلى الأبد..

وفي آخر التعويذة يدخل الأشرار إلى الغرفة فتلتفت إليهم، ثم تعود بنظرها إلى حيث كان النقيب واقفا فتجده قد اختفى.. تعتقد أنه قد تخلى عنها وعاد إلى وطنه.. وبقلب مكسور، وعيون دامعة، تخطو بتثاقل لتتم مراسم الزواج الثقيل.. زواج المصلحة والإكراه الذي يعاني منه أكثر النساء في كل مكان وزمان..

ليلة العرس 

أوشك قمرا الكوكب على أن يصبحا بدرين.. وهي اللحظة الموعودة التي يتم فيها، وفق الطقوس الخزعبلاتية، عقد قران الأميرة على القائد الشرير.. فازدانت مدينة “هليوم” بأبهى حللها، وتعانق الجيشان المتحاربان في انتظار لحظة الإنسجام التام بعد الزواج الثقيل..

لكن “السيتث” المتنقلون، كان لديهم مخطط آخر بنوه على قتل الأميرة بعد الزواج مباشرة، ودخول “الزودانغا” المتخفين خلف الجدران، إلى المدينة وتدميرها على من فيها.. وبعدها امتصاص خيرات الكوكب كله.. لكن النقيب نجح في كشف المؤامرة، وفي الفرار من سجن “السيتث” بمساعدة الخضراء “سولا” وكلبها الوفي..

أطلال الثارك 

اعتقد النقيب بقدومه رفقة سولا والكلب، إلى الأطلال الرائعة التي يسكنها “الثارك” طلبا للنجدة من القائد “تارس” أن ذلك سينقذ مدينة “هليوم”، أو بمعنى آخر ينقذ “الأميرة ديجا” من براثين “الزودانغا” و”السيتث”، ولكن هيهات، فقد وقع بعد مغادرته انقلاب عسكري على الزعيم “تارس”، ليجد نفسه في السجن معه..

وتقرر أن يواجه الإثنان وحشين ضخمين.. لكن النقيب انتصر على الوحوش ثم قتل الإنقلابي الجديد.. ونجح في شحن همم جنس “الثارك” لغزو مدينة “هليوم” وتخليصها من الأشرار..

مجموعة خواطري

وتتوالى الأحداث 

ينجح النقيب في معركته، وينزع من يده الخاتم الذي يرمز للحب القديم، ويغير قلبه إيذانا ببدء حب جديد.. حب في المريخ، لكن في ليلة الدخول عليها ينجح أحد “السيتث” في تلاوة التعويذة وإعادته إلى صحراء فيرجينيا البغيضة.. وتبدأ رحلة البحث عن قلادة تعيده إلى العالم الجميل الذي ترك فوقه أو خلفه أو تحته، حيث حبيبته الجميلة التي يغني وجودها عن كل طرب وسرور..

وفي الأخير، وبعد خطة ذكية محكمة، ينجح النقيب في خداع أحد مخلوقات “السيتث” ليحصل على قلادته، ويقرر العودة إلى حبيبته المريخية.. وينصح ابن اخته بأن يبحث عن امرأة يحبها وكتاب يطالعه..

شاهدت الفيلم عند خروجه، ولم يعجبني حينها، ربما لأني توقعت أن أرى خدعا بصرية أكثر، وإبهارا أكبر، ولكن بإعادة مشاهدته والتأمل في قصته وإخراجه، اكتشفت أنه فيلم مميز، لولا الكذب.. فكتبت لكم هذه الخربشة..

مجموعة خواطري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!