مجموعة خواطر سيد محمد خليل الساخرة.. مجموعة في صفحة واحدة، للإختصار وترك مساحة لما هو أفضل وأكثر فائدة.
تجد فهرست المواضيع في أسفل الصفحة، وهي قابلة للتحديث، مع الإشارة إلى التحديثات في الصفحة الرئيسية.
الحزب المحكوم
منذ إصابة مجتمعه بفيروس الديمقراطية الخبيث، وفضولي يتقلب على أحر من الجمر من أجل تذوق طعمها.. سمع بأن رجال السياسة أكذب من الشياطين، ولكنه كان دائما يفتخر أينما رماه الفضول بأنهم لم ينجحوا في الإحتيال عليه وسلبه صوته الثمين، ربما خدروا والده البسيط بالكلام المعسول والوعود البراقة الزائفة وسلبوه صوته الجميل، لكنهم لم ينجحوا في ذلك معه بدليل بعده التام عن صخب السياسة ونفاقها، ورفضه التام للإدلاء بصوته لأي شيطان سياسي أو عفريت!
ولكن الفضول أبى إلا أن يدفعه إلى دس أنفه في ما لا يعنيه، فقرر الإنتساب لأحد أحزاب المعارضة اللئيمة، من أجل الوقوف على حقيقة الديمقراطية الكاذبة، وما يدعيه أصحابها المتصوفة – أتباع الطريقة الديمقراطية – لها من كرامات وخوارق عادات..
وفي اليوم الذي ذهب فيه إلى مقر الحزب المعارض الملعون، أخبره البواب بأن الوطن عبارة عن حقل أخضر يأكله الحزب الحاكم كجراد، فصدقه ببراءة المواطن، ولم يناقشه في أصول دعواه تلك! هل وقف عليهم وهم يأكلون الحشيش؟ هل لديه شهود على ذلك؟..
وفي طريقه إلى الداخل اصطدم بأحد المعارضين الجبابرة ممن يربون عضلاتهم استعدادا ليوم الملحمة ضد الحزب الحاكم والدكتاتور، فصاح متألما: انتبه فأنت تعترض طريقي أيها البغل السياسي..
أجابه البغل المعارض وهو يواصل طريقه دون اكتراث:
– لا تنس أنك في مقر المعارضة يا جحش..
اقترب منه فضولي مهرولا وهو يهتف:
– يبدو من ضخامة بطنك أنك معارض مهم في الحزب..
أجابه المعارض باستخفاف:
– ألم تميز أهميت إلا باستدارة بطني؟! ألا توحي لك تجاعيد الهم والغم المرتسمة على وجهي الكئيب بشيء؟ أنا أعارض الحزب الحاكم اللعين من قبل ولادتك!
رد عليه فضولي بلهفة:
– أرجوك.. إنها مسألة حياة أو موت، أريد أن أصبح معارضا، هل يوجد زيّ خاص بالمعارضة أرتديه، أو تسريحة شعر خاصة، أو قلادة شيطانية أعلقها، أو أي شيء يعبر عن مدى معارضتي للحزب الحاكم وبغله..
أجابه المعارض:
– اسمع مني يا بغل هذه النصيحة، عارض من أجل المعارضة وحدها، وابحث عن المشاكل ولو في الصين،ولا توافق على أي حل وسط، واكره الحزب الحاكم والشعب المنافق الذي يؤديه من كل قلبك، ولا تنخدع بالإخوة المعارضين الذين في الأحزاب الأخرى فكلهم أعداء، ولا تسمح لتكشيرة المعارضة البغيضة ولا لكآبتها الجميلة بمغادرة محياك الدميم، و…
قاطعه فضولي هاتفا:
– ولكن مبادئ الديمقراطية مبنية على معارضة الأفكار والأقوال والأفعال، لا كراتين أصحابها وأشخاصهم..
صاح فيه المعارض غاضبا:
– وماذا بوسع الأفكار والأقوال والأفعال أن تفعل بعيدا عن كراتين أصحابها؟ أتأكل أموال الدولة بدلا منهم؟ أتبني القصور بدلا منهم؟ أتستمتع بنساء الفقراء الجميلات بدلا منهم؟ اسمع أيها الجحش المنافق الصغير، عارض الأشخاص حتى تتمكن من معارضة أفكارهم..
أجابه فضولي وقد بدأ الخوف من المعارضة يتسلل إلى نفسه:
– المهم هو حدوث تغيير إيجابي سواء على يد المعارضة أو المولاة، أليس كذلك..
صاح فيه المعارض بغضب وهو يمسك بتالابيبه خانقا حتى كاد يقتله:
– لقد ضقنا ذرعا بهؤلاء الكلاب المنافقين وأغلبيهم الشيطانية، لا تذكر أبدا اسم المولاة أمامي..
تساءل فضولي مستغربا:
– لماذا تعارض وأنت أصلا ضد الديمقراطية؟ الموالاة من الديـــ……
نطحه المعارض برأسه نطحة خفيفة قاطعا جملته الغير مفيدة، وأجاب:
– أعارض لأن الوطن أفقر مني، أعارض لأن الأرض أجوع مني، أعارض لأن المعارضة أقوى مني..أعارض لأن نساء الفقراء بحتجنني.. أعارض..
رغم الدوخة الخفيفة التي أحس بها فضولي، دفعه الغضب من كلام المعارض إلى الصياح في وجهه مقاطعا:
– جوابك أغبى من شكلك أيها الأخرق عريض المنكبين..
كانت تلك آخر كلمات ذلك الحوار.. أفاق فضولي بعد ساعة على نفسه وهو ملقى أمام مقر المعارضة وقد تجمهر حوله جمهور من الفضوليين ليكتشف أن الكبش المعارض قد نطحه نطحة جدية هذه المرة، تسببت في إفقاده وعيه، فوقف بإعياء ورأسه تدور به في دوامة غير سياسية، وجفف الدماء المتدفقة من منخريه..
تمتم البواب الذي كان يربت على كتفه بنفاق:
– رب شجار أدى إلى و فاق..
لم يجبه فضولي بكلمة، بل بلغ منه الحنق مبلغه..
غادر المكان في خطوات ثقيلة، فواصل البواب دعايته للمعارضة قائلا:
– متى ستأتي لتأخذ استمارة انتسابك إلى الحزب؟
أجابه فضولي بسخط:
– عندما يرشحوك لرئاسة الجمهورية..
واصل ابتعاده عن المكان في تثاقل وقد تولدت في أعماقه كراهية عمياء للمعارضة.. وقرر في أعماقه أن ينتسب للحزب الحاكم عندا في المعارضة..
يليه الجزء الثاني: الحزب الحاكم
بواب الثكنة
كان بوابا لثكنته، يقضي أيامه ولياليه بين أبوابها مقارنا نجوم السماء اللامعة بنجوم ضباطها الصدئة، ويعد الشاي لأسياده من الجنرالات والمقربين من جنود بسطاء.. ولم تكن له في الثكنة فائدة غيرها، فرغم كونه حارسا إلا أن الجيش تحرسه هيبته، ويخشاه الجميع..
كان في أواخر الخمسينات من عمره، عاصر كل الانقلابات التي عصفت بالبلد، وعايش صراع الضباط على السلطة الذي طالما شبهه بصراع الديكة على دودة..
كان رئيس الجمهورية الأول أسدا يرتعب منه الجميع.. كانت أوامره طقوس يتعبد بها المنافقون في محاريب المصالح الأنانية، وكان رضاه مبتغى المنافقين والسياسيين والإعلاميين والمثقفين والفنانين.. أما بعد دخول اللعينة “الديمقراطية” إلى البلد، فقد تغيرت المفاهيم، وتحول الرئيس إلى شخص عادي يؤخذ من كلامه ويرد مثل كل البشر، حتى أصبح بعض الفساوسة – من الفيسبوك – يعتبرون أنفسهم أعلى منه قدرا..
ورغم الديمقراطية الوليدة التي يقرون جميعا بقدسيتها، ويتعبدون في محرابها، ويصلون لشيطان قوانينها.. لم ينس الضباط عادة أسلافهم، فاستمرت الإنقلابات بهدف تخليص الوطن من المزعجين بواسطة الإزعاج..
كان الواحد منهم يعتلي دبابة صدئة، ويشهر مدفعه في وجه ولي نعمته متنكرا لما أسداه من جميل، عاضا أو ضاربا اليد التي امتدت إليه بالإحسان برصاصة، في سبيل الإستحواذ على الكرسي، ثم اتفقوا على عدم قتل بعضهم البعض او شنق أنفسهم بأيديهم لأن الشانق كان يشنق بعد حين، فقرروا سجن المخلوع منهم أشهرا ثم نفيه أو إطلاق سراحه ليعود إلى حياة البسطاء التي نسي..
ولا يلبث المواطن المقهور أن يعلن للحاكم الجديد بالولاء إتقاء لشره أو طمعا فيه، ويتنكر لأمجاد الرئيس المغدور الذي كان كل من في البلد يتغنى بجماله وإنجازاته.. فتغتابه الألسنة التي كانت تتراقص على أنغام الثناء عليه، وتمتد الأيادي التي طالما احتضنته بالحب والوفاء، إلى قفاه ضاربة إن تمكنت منه..
كان معدل استمتاع رئيس الجمهورة بدجاج القصر الرئاسي المحمر لا يتجاوز السنة في المتوسط، ففي كل سنة يحدث انقلاب، ويتسلط عسكري جديد على البلد معلنا عن برنامج جديد..
جلس بواب الثكنة على العتبة مفكرا في حال البلد المنكوب.. كانت الهمسات تنفلت من صدره أحيانا، فيسمعها من حوله بدون قصد منه.. وكانت الانقلابات المتعاقبة تقلق راحته، فتمتم بسخط وهو ينكت الأرض بمدفعه الرشاش:
– من كان يتصور أن هذا الضويبط ضعيف شخصية الذي كان يحييني في كل صباح بخجل العذراء، يصبح بين عشية وضحاها رئيسا للجمهورية، وأنا قابع هنا في هذا المكان القذر؟! من يصدق أن ذلك الجبان الذي كان بالكاد يرفع عينيه في وجه محدثه، أصبح رئيسا للجمهورية؟
كان البلد قد شهد الليلة الماضية انقلابا جديدا ألقى بالرئيس السابق في مزبلة التاريخ.. صاح البواب بدون وعي منه:
– أنا أعترض على رئاسة ذلك الجبان..
من سوء حظه أن العقيد المسئول عن الثكنة كان مارا في الجوار، فالتقطت أذنه البوليسية تلك العبارة الإنشقاقية، فأشار إليه مناديا:
– تعال..
فأقبل مهرولا، فصفعه قائلا:
– من تقصد بقولك أيها الحقير؟
هتف متوسلا:
– ليس أنت.. الرحمة.. ليس أنت..
صاح فيه بغضب:
– من تقصد إذن أيها الوضيع.. لا يوجد في الثكنة غيري؟
أسقط في يده وعلم أن لا مفر أمامه من قول الحقيقة، ولعل وعسى، وذلك أمر شبه مستحيل، أن يتفهم العقيد ولو لمرة في حياته، فكرة الرأي والرأي الآخر التافهة.. غمغم:
– كنت أهذي فخرجت الكلمات مني بدون وعي ولا حساب..
– لقد سألتك من تقصد بكلماتك، فأجبني قبل أن أعلقك في هذه الساحة مثل الكلب الأجرب..
أسقط في يده فتلعثم قائلا:
– رئيس الجمهورية الجديد..
حدجه القائد بنظرة نارية، ثم انفجر في وجهه مثل البركان الثائر:
– أيها الوضيع الحقير الخسيس اللئيم النذل الرديء الجبان المعدم المجنون الكلب، عديم التربية العسكرية والأخلاقية، أبلغت بك الجرأة أن تتطاول على أسياد أسيادك؟
أكمل قوله بالمناداة على أربعة جنود قائلا:
– ألقوا بهذا الكلب في صندوق القمامة، وسدوا عليه جيدا، لا أريد رؤية وجهه قبل ثلاثة أيام..
همّ الضباط بجره، فصاح فيهم العقيد:
– مهلا.. ليس قبل أن أحطم رِجله..
صاح فيه المسكين متوسلا:
– لا.. أرجوك.. كل شيء إلا حوافرك..
وطئ القائد قدمه بحذائه العسكري الحديدي، فدوت في الثكنة صرخة ألم صعق منها المارة بجوارها..
بعد ثلاثة أيام، وفي مزبلة الثكنة، كان البواب يحدث نفسه كالعادة:
– ما أخبث هؤلاء الضباط الجهلة العنجهيون، كأنهم من بقايا قوم عاد، ما أغلظ أكبادهم وأثقلهم وأصلب حوافرهم، خصوصا حمار الثكنة الأخضر هذا، الجاهل اللئيم، ما أشد حوافره على المظلومين.. لكن سيقعون في شر أعمالهم عندما أخرج من هذه المزبلة وأقوم بالإنقلاب..
سمع وقع خطوات ثقيلة تضرب الأرض مقتربة، فتمتم:
– أقسم بآبائي وأجدادي أنها حوافر الفيل..
كان العقيد يسأل من حوله من الجنود:
– كيف حال المجنون، هل أكرمتموه بصب بقايا الشاي على رأسه كل يوم.. سنرى هل تعلم صون لسانه أم لا.. أخرجوه.. هيا.. أسرعوا أيها الأوباش..
وبعد أن أصبح أمامه، صاح فيه بلهجة عسكرية صارمة:
– هل استوعبت الدرس أيها الحمار..
رد:
– نعم سيدي.. تحيات..
– إذن كن حذرا من أحلام يقظتك فقد تتحول إلى كوابيس، لن أرحمك في المرة القادمة..
هتف وهو ينطلق إلى مكتبه مخاطبا الجنود:
– ضعوا هذا الكلب على عتبة الثكنة، وأعطوه سلاحه.. لم يعد الواحد يعرف في هذه الأيام هل يخاف على بناته أم على جنوده!
كان المسكين في أمس الحاجة إلى قسط من الراحة، ولكن الجنود وضعوه على عتبة الثكنة كالطوبة، وأعطوه مدفع الحراسة وهم يعتذرون قائلين “إنها أوامر العقيد.. لا تحرمنا من الشاي اللذيذ الذي تتفنن في إعداده”.. همس في نفسه:
– المنافقون، لا يهمهم غير الشاي أما مصلحة البلد فلا تعنيهم في شيء..
جلس في مكانه وهو يكاد ينفجر غيظا:
– سأسجنك أيها العقيد المجنون.. سأسجن البلد المنافق كله.. أقسم أن أصبح رئيسا للجمهورية رغم أنوفكم جميعا، وأعذبكم خاصة العقيد الفيل الذي لا يرحم..
كان الإرهاق سبب إنفلات الجملة الأخيرة من فمه، وصادف ذلك مرور العقيد!
زعق فيه زعقة مارد منكرة، قائلا:
– ماذا.. تسجن البلد والفيل الذي لا يرحم؟!
لم يتحمل المسكين الصدمة فأغمي عليه من شدة الرعب والإرهاق حتى ظنه الحضور ميتا، واضطروا إلى استدعاء سيارة إسعاف لنقله إلى المستشفى..
وفيها كان يهذي بكلمات لم يملك زمامها، فكانت تخرج من فمه منفلتة كالرصاص الطائش:
– يسقط رئيس الجمهورية.. يسقط فيل الثكنة.. تسقط المزبلة.. يسقط الجنود والمنافقون.. يسقط المواطنون.. تسقط الديمقراطية.. يسقط البلد.. تسقط الأمم المتحدة.. سأصبح رئيسا رغم أنوفكم جميعا أيها الأغبياء..
همس سائق سيارة الإسعاف لمساعده:
– ما الذي يهذي به هذا الحمار..
– يبدو أنه يطمع في الرئاسة مثل غيره..
– ما رأيك في أن نرميه في أقرب مزبلة ونعود أدراجنا، توفيرا للوقود على الأقل..
– لولا منظمات حقوق الحيوان لما ترددت في ذلك، ولكن ما العمل، إنها ضريبة الديمقراطية اللعينة التي سنها الرئيس المخبول السابق.. تخيل أنه كان يريد إجراء انتخابات نزيهة وهو أبعد مخلوق عن النزاهة؟!
رد الآخر:
– لا أرى لهذه الديمقراطية اللعينة من فائدة غير تلميع اللئام والوسخين المنافقين.. البلد بخير في ظل الدكتاتورية التي لا تسمح لكلب من أولئك الكلاب بالخروج من جحره.. وكلما تبطر أحد الرؤساء وظن أنه خالدا على الكرسي نتفه أقرب المقربين إليه منه، لا حاجة لمساعدة خارجية من أجل تحقيق ذلك..
صاح فيهما حارس الثكنة بدون وعي:
– يسقط الحماران.. تسقط الديمقراطية الملعونة.. تسقط الكلاب النابحة بها.. تسقط المرأة وجميع النساء..
يتبع في الجزء الثاني: “جمهورية المجانين”