قد تستغربون، أحبتي، إذا أخبرتكم أن هذه الليلة هي الأهم في حياتي. كيف لا، وهي ليلة زفاف الفتاة التي طالما حلمت أن تكون شريكة عمري؟ الليلة أشعر بسعادة غامرة تنتشلني من الضياع الذي غمرني منذ سماعي خبر زفافها. إنها سعادة أعادت إلى وجهي الحزين ابتسامته المفقودة، وأرتني الدنيا بمنظار التفاؤل الذي غاب طويلاً. تلك الدنيا التي تضيق علينا أحيانًا رغم رحابتها، فتدفعنا إلى الخسارة لأبسط الأسباب.
بدأت معاناتي في مساء لطيف، لا تزال شمسه الساطعة عالقة في مخيلتي الصغيرة. كنت أتجول في الحي الصغير الذي أقطنه، حي “ك” الجميل، حين مرت بجانبي أجمل فتاة رأيتها في حياتي، وأكثرهن تواضعًا وبشاشة.
كانت رائعة بكل معنى الكلمة، وكنت شابًا يافعًا يترقب الحب، إن سمح له بالاقتراب منه. فوقعت في حبها كما تسقط إبرة في محيط! وعلى مدى الأشهر التي تلت ذلك اللقاء العابر، كنت ألتزم أحد أركان الشارع، أراقبها من بعيد وهي تمر، دون أن تلاحظ وجودي.
لم أكن أملك الجرأة لمصارحتها. كانت تمر بثبات، يتقدمها جمالها، وتكللها الهيبة بتاج من الوقار. أما أنا، فكنت أختلس النظر إليها من ذلك الركن المنعزل، أتقطع شوقًا، عاجزًا حتى عن الاقتراب منها.
كانت رؤيتها تكفيني. كانت تحول عالمي الكئيب إلى جنة مليئة بالأماني والأحلام. ومع ذلك، كان أكثر ما يخيفني هو أن يبتلعها الضياع يومًا، ويحيل نورها إلى ظلام.
كنت أقف في ذلك الركن المظلم لساعات طويلة، منتظرًا مرورها. كان الغد السعيد الذي حلمت به كنهاية لقصتي الجميلة، يبدو أقرب كلما مرت بجواري، ويتوارى أكثر فأكثر كلما مرت دون ملاحظة وجودي.
حتى جاء اليوم الذي سبقني إليها فيه أغنى فتيان الحي وأكثرهم وسامة وعبثًا. كنت أعرفه، أو بالأحرى سيارته الفارهة التي تزيد حسرة أمثالي من المعدمين المفتقرين إلى الوسامة.
آلاء.. اسم ذو رنة تشبه صوت قطعة نقدية تتراقص على صخور ملساء، يتردد صداه في داخلي، يدفعني إلى الانزواء في ذلك المكان منتظرًا قدومها.
حتى جاء اليوم الذي أقعدني فيه الوهن، فلم أعد قادرًا على الخروج، وأصبحت طريح الفراش.
مر أسبوع قبل أن أتحامل على نفسي وأعود إلى ركني المنزوي، متواريًا عن الأنظار كعادتي، منتظرًا مرورها. لكنها لم تظهر. علمت فيما بعد أنها قد خُطبت لفتى الأحلام، صاحب السيارات الفارهة السابق، وأن زفافها بات وشيكًا.
عدت إلى فراشي منهكًا، بينما ظل الحب في داخلي ينتفض كمارد يسعى لتحطيم قيوده وخطف حبيبته من براثن البعد. كان العجز يكبح جماحه بقوة، حتى خضع في النهاية واستسلم.
وفي يوم العرس البهيج، وعلى غير المتوقع، اجتاحني شعور غريب بالنشاط والحيوية. نفضت عني غبار العجز والوهن، ارتديت أفضل ثيابي، ورششت على نفسي زجاجة العطر الرخيص التي لم أكن أملك سواها، ثم خرجت متجهًا إلى قاعة الحفلات التي طالما قصدتها هربًا من الجوع والملل.
وفي الطريق الموحش المظلم، شعرت بضآلة المساحة التي أحتلها في هذا العالم. أدركت حينها أن الحب معين لا ينضب مهما اقترفنا منه، وأن الغباء كل الغباء هو حصر أنفسنا في ركن منزوي من شارع الحياة الواسع الذي يتسع للجميع.
كنت كعصفور تحرر من قفصه أخيرًا. شعرت بسعادة غامرة وأنا أدلف إلى قاعة العرس، حيث الأنوار المتلألئة والوجوه الضاحكة المبتهجة. يا لجمال الحلال، يسعد الناس به، على عكس الحرام الذي لا يجلب سوى الظلام والغم والحزن.
نظرت إلى الحضور بعين الواثق من نفسه، على غير عادتي. ورأيتها. كانت مبتهجة بليلتها الجميلة، رائعة كعادتها. ابتسمت لها، فردت بابتسامة أجمل. ولأول مرة، لم أزح عيني عن وجهها المضيء. شعرت وأنا أدقق النظر فيه أنني أراه حقًا لأول مرة.
جذبتني يد لينة إلى حلبة الرقص. كانت إحدى الجميلات الساخرات اللواتي يجدن متعة في العبث بأمثالي من الخراف. فكرت في نفسي: لماذا لا ألعب بها كما تلعب بي؟ لماذا لا أسخر منها كما تسخر مني؟
وبدون وعي، اندفعت أرقص بجنون كالفرخ المذبوح، محطّمًا كل ما حولي من أواني وكؤوس. وسرعان ما اضطر القائمون على الحفل إلى إخراجي من القاعة، غير مأسوف عليّ.
وأنا أخرج من القاعة مطرودًا، أدركت أن الحب ليس مجرد حلم نسعى خلفه، بل مرآة تكشف حقيقتنا. كنت أظنها سعادتي المفقودة، لكني اكتشفت أنها كانت مجرد نجم لامع بعيد المنال، نجم جميل متلألأ في السماء البعيدة، غير مقدر لي. فلماذا لا أركز على النجوم القريبة مني، النجوم التي في مستواي المتواضع، ذلك أولى بالبحث والإهتمام..
✍️ تعليق
إذا مرت بجانبك فرصة – سواء للزواج، أو التعلم، أو العمل ، لا تتردد في القفز عليها وإمساكها بيديك وأسنانك، فهي فرصة، والفرصة قد لا تتكرر.. ابدأ مشاريعك بثقة في النفس، فالثقة في النفس هي أهم رأس مال، حاول ما تريد دون تردد، فإذا قال لك: “اذهب.. لا أريدك”، استرحت من لوم النفس فيما بعد على التقصير، ولن تكون تلك الواقعة نهاية المطاف، ستقبل بك فرص أخرى كثيرة، ليس فقط كزوجة رائعة ربما أروع من هذه، بل كعمل أو ربح أو تطوير للنفس.. ابدأ أولا بأهم مشروع في الحياة وهو مشروع “الزواج”. لا تؤجله لما بعد الدراسة أو الأربعين، ولا تخف منه، فهو أمر عادي جدا – رغم أني حتى هذه اللحظة غير متزوج!، أي مجرد أرزاق بيد الله وحده، وقد وعد المتزوج إحصانا لنفسه بأن يغنيه، وهذا مجرب.. ابدأ به مهما كانت الظروف، فهو بداية كل نجاح في الحياة إذا صاحبته التقوى. وعش حياتك بهدف واحد، وهو دخول الجنة، وستجد نفسك تعيش في جنة الدنيا.
ملاحظة:
القصة من الواقع، والفتاة رائعة الجمال، لكن أكثرهن كذلك. اسمها ذو رنة بالفعل، لكني لم استطع إدراجه حتى لا يكون في ذلك انتهاك للخصوصية.
💛 ❤️ 💖 تعليق من الكاتب
إذا مرت بجانبك فرصة – سواء للزواج، أو التعلم، أو العمل ، لا تتردد في القفز عليها وإمساكها بيديك وأسنانك، فهي فرصة، والفرصة قد لا تتكرر.. ابدأ مشاريعك بثقة في النفس، فالثقة في النفس هي أهم رأس مال، حاول ما تريد دون تردد، فإذا قال لك: “اذهب.. لا أريدك”، استرحت من لوم النفس فيما بعد على التقصير، ولن تكون تلك الواقعة نهاية المطاف، ستقبل بك فرص أخرى كثيرة، ليس فقط كزوجة رائعة ربما أروع من هذه، بل كعمل أو ربح أو تطوير للنفس.. ابدأ أولا بأهم مشروع في الحياة وهو مشروع “الزواج”. لا تؤجله لما بعد الدراسة أو الأربعين، ولا تخف منه، فهو أمر عادي جدا – رغم أني حتى هذه اللحظة غير متزوج!، أي مجرد أرزاق بيد الله وحده، وقد وعد المتزوج إحصانا لنفسه بأن يغنيه، وهذا مجرب.. ابدأ به مهما كانت الظروف، فهو بداية كل نجاح في الحياة إذا صاحبته التقوى. وعش حياتك بهدف واحد، وهو دخول الجنة، وستجد نفسك تعيش في جنة الدنيا.