الملخص الفقهي: أحكام الصلاة.. ملخص من دروس مسموعة في الفقه ألقاها بعض الجامعيين السعوديين..
هل أصبح تعلم الدين محظورا أو حتى الحديث فيه؟
وصل الحال بالمسلمين في هذه الزمن إلى درجة الشك والتشكيك في كل ما له علاقة بالدين، وعدم تقبل كل شيء حتى الثوابت المتواترة التي تعارف عليها المسلمون من قبل. فعندما يتحدث الأستاذ في فصله عن الله ناصحا لطلبته، يقول له المدير: إياك أن تفعل، ذلك فقهك وحدك، لا تبثه في التلاميذ، لا تفسدهم بـأفكارك!
وعندما يتحدث الواحد عن الدين ينظرون إليه شزرا. ما الذي يفعل؟
فأين الفقه؟ بل أين الدين؟ هل انعدم حتى لم يعد الواحد قادرا على الكلام فيه بذريعة تجنب الخلاف؟ اللعنة على الإختلاف، كل شيء مباح فيه الخلاف، مستساغ التناظر والتحاور فيه إلا الدين جعلوه حجرا محجورا!
مسموح في المدارس بالحديث عن الفلسفة (وأكثرها كفر وإلحاد)، والديمقراطية السخيفة (وهي كفر لأنها تشريع محاد لتشريع الله سبحانه وتعالى)، والإقتصاد الذي أساسه الربا (الإقتصاد الربوي اليهودي العالمي)، لا مشكل فيه، ولا اعتراض عندهم عليه.
أما الحديث في الدين فلا، مجرد الدردشة فيه مشكلة، فما بالك بتعليمه للناس؟!
وهذه حيلة شيطانية لصد الناس عنه، وهو ما نجح فيه التغريب واتباع اليهود وعبيدهم النصارى والملحدين، إلى أبعد الحدود، فقد بدأ المستعمر في الفصل بين المجتمع ودينه من خلال العملاء الذين ترك في حكم الدول الإسلامية إلى هذه الساعة، فقاموا بالمهمة الشيطانية على أكمل وجه لأجل كراسيهم وشهواتهم التعيسة البائدة مثلهم، فحيدوا التعليم الديني من مناهج التعليم في المدارس، واتهموا كل داعية إلى التوحيد بالتطرف والغلو، فترعرع الشباب بين الجهل التام بالدين والتصوف الباطل ثم الديمقراطية الحقوقية الشيطانية فيما بعد. وفي ظل انتشار الشبهات، أصبح أكثر المسلمين يعتقدون أن الطائفة التي على الحق غير موجودة، لأن السلفية – أو الوهابية كما ينبزها البعض، طائفة متطرفة جاهلة كما يشاع عنها، يكفيها عيبا أنها مع الحاكم (مع الجماعة لو كانوا يفقهون).
فإن قلت للمحايد – وأغلبية الناس محايدون لا يتبعون أي شيء مثل الأنعام: ما رأيك في التصوف أو التشيع؟ قال: باطل، فإذا قلت له فما رأيك في الوهابية؟ قال: ألعن، لأن علمائها علماء سلطان؟
فإذا قلت له فأين أهل الحق إذن؟ فغر فاه وقال: “هاه هاه لا أدري، ولا أرغب في أن أدري، يكفي أني مسلم أتبع ما يمليه علي قلبي”. أي يعبد الله بهواه بغير علم.
فقول لذلك الجاهل وللمثقفين الأجهل منه أيضا: “قلبي عقلي دليلي”، دليل على الوقوع في حبال الشيطان، واتباع الهوى ثم الضلال. إن من أهم واجبات المسلم وواجباتك، البحث عن أهل الحق لمعرفتهم وبتالي معرفة الحق من خلالهم، فأنت لست نبيا بحيث يوحى إليك، لذا وجب عليك الإتباع، الإنضمام إلى أهل الحق بمعرفتهم على الأقل، لتعلم وتتعلم دينك من مصادره الموثوقة، وتتحصن من شيطانك وهواك اللعين، فلا تشرع لنفسك، ولا تتبع أهل البدع الشياطين، ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه، خاصة في هذا الزمن الذي وقع فيه البعض في سخافة إنكار السنة لتماديهمم في اتباع الهوى وعبادة قلوبهم! لم يفهموا “فلب المسلم دليله”، ولا “استف قلبك”، فوقعوا في الزلل. فردوا مثلا هيئة الصلاة الواردة في السنة، واقتربوا من الكفر إن لم يكونوا كفروا كما تؤكد الأكثرية.
أما كبار القوم ونخبتهم فيتبعون الديمقراطية الخبيثة، حتى الرئيس الذي يعلم أنها أكبر عدو لكرسيه، يحاول الظهور بمظهر الديمقراطي! فاللعنة.
وهنالك من يتبع الصوفية والإخوان والشيعة، ويحسب أنه يحسن صنعا!
يعتقد المتصوفة في شيوخهم الشياطين (وهو وصفهم، لا وصف آخر لهم بدليل أنهم جميعا بين ساحر ومحتال) كل ما يوجد في هذه الأرض من الأكاذيب، فلابد من دراسة البدع لأنها أصبحت في كل هاتف اليوم، لم يعد يجدي معها الفرار بالتجاهل بعدا عن الإفتتان، لأن الأصل أصبح الإفتتان لا الصلاح العام.
قد تجد في الواحد خير، لكن لجهله بالبدع وإعراضه عن كل الطوائف بما فيهم السلفية الحق، إلا الطائفة الديمقراطية، فهذه اتفقت الأمة عليها! عجبا لها وهي دين الشيطان الجديد بمعنى الكلمة (طالع موضوعنا الكاشف لها)!
ترى الأبله المثقف، يغرف من كل إناء، يتبع هواه، لا مرجع عنده من علم ولا علماء! يتبع ما يوافق هواه وحده، من كلام وأشكال هندسية عجيبة يزعم أصحابها أنهم شيوخ أو علماء دين، ولا علاقة للدين ولامشيخة بهم.
فلا عجب في ظل غياب المعرفة بالحق وأهله أن يغتر الواحد بأهل البدع والأفكار المنحرفة، وما أكثرهم في هذا الزمن، يتبعهم نتيجة إنعدام أسس التمييز بين الحق والباطل، التي لا توجد إلا عند أهل الحق، وهم السلفيون أو الوهابية كما يسمونها (دعني أكون صريحا معا، فلا غضاضة في الحق)، وإني لك لمن الناصحين إن كنت تحب الناصحين، ابحث في ذلك بنفسك وستعرف، لا تتبع الهوى ولا أي فضائي متقنع بقناع العلم والمشيخة، لا تترك مجالا لأحد لأن يضللك، فالفساق كثيرون في هذا الزمن.
ما هي السفلية؟
هي الفرقة الناجية المتبعة لطريق السلف، هم أتباع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا، أتباع الإسلام الواضح المأخوذ من الكتب المتفق عليها، الإسلام الذي تركه لنا النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام على المحجة البيضاء التي زاغ عنها الكثيرون، وفي الموقع مواضيع معرفة بذلك بصورة أفضل، فطالعها.
هذا ملخص لمادة الفقه، يشبه الحضور بين يدي فقيه، لأنه مفرغ من دروس مسموعة، يهدف إلى توصيل أسس الفقه للشباب المسلم، مع دليل أو اثنين في كل مسألة تفاديا للتطويل، يعني التركيز على الإختصار، وبدون إخلال قدر الإمكان، والله ولي التوفيق.
1- أصل المذاهب
قال ابن الجوزي رحمه الله: “إن الفقه من أشرف العلوم، وإذا أردتَ أن تعرف فضل أمرٍ، فانظر إلى ثمرته، وثمرة علم الفقه واضحةٌ، فحينما تتفقه في دين الله عزَّ وجلَّ فإنك تعبد الله على بينةٍ وبرهانٍ، وعلى بصيرةٍ، وتسير في حياتك على وفق ما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم”.
والمذاهب الأربعة ليست الوحيدة، بل كانت توجد مذاهب أخرى غيرها، لكن لم يكتب لها الاستمرار، وبقيت هي، وتلقتها الأمة بالقبول، وأكثر عمل أهل السنة والجماعة اليوم، على المذاهب الأربعة.
ولا يجب التعصب في المذهبية، وقد حصل في مرحلةٍ من مراحل تاريخ المسلمين أن حدثت نزاعاتٌ وخلافاتٌ شديدةٌ وكبيرةٌ بين المذاهب الأربعة، ووصل الأمر إلى أنَّ أناسًا من متعصبة الحنفية قالوا: “إذا كان قول الإمام يخالف السنة، فالسنة إما منسوخةٌ أو مؤولةٌ”، يعني جعلوا الأصل كلام الإمام أبو حنيفة! وهذا خطأ.
كذلك بعض الشافعية كان يسأل: “هل يجوز أن يزوج الرجل ابنته من الحنفية، أو نحو ذلك”.
وفي المملكة العربية السعودية قبل توحيدها كان في الحرم المكي أربعة محاريب، لكل مذهب من المذاهب الأربعة محرابٌ، ثم بعد ذلك جمعهم الملك عبد العزيز على إمامٍ واحدٍ، لأن جمع الناس في الصلاة أولى من تفرقهم.
فتكن أفعالنا مثل ما كان بين الإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل، فقد كان الإمام الشافعي كثير الثناء على الإمام أحمد، وكان يقول: “يا أبا عبد الله إذا صح عندكم الحديث فأعلمني حتى أعمل به”.
وكان الإمام أحمد يقول لتلاميذه: “الشافعي كالشمس للأرض وكالعافية للبدن”.
ويذكرون عن الإمام أحمد أنه استضاف يومًا الشافعي في منزله، فقدم له الطعام، فأكل الإمام الشافعي كثيرا، ثم نام في الليل، فأخذ أبناء الإمام أحمد الإبريق ووضعوه عند غرفته حتى يقوم للوضوء لصلاة الليل، فلم يقم، ثم بعد ذلك خرج لصلاة الفجر ولم يتوضأ، فلم يستطع أبناء تلاميذ الإمام أحمد أن يصبروا على ذلك، فقالوا: يا إمام أنت تقول “الشافعي كالشمس للأرض وكالعافية للبدن”، التهم طعامنا، ولم يصلِّ الليل، وصلى الفجر بدون وضوء. فسأله الإمام أحمد عن ذلك، فقال: أما الطعام، فلا والله لا أعلم أحدًا أكثر ورعًا منك، وأعلم أن هذا الطعام الذي قُدم لي خالص الحل، فأردت أن آكل منه، وأما صلاة الليل فأنا لم أصلِّ الليل لأني كنت أتدارس العلم، وقد استنبطت من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أبا عمير ما فعل النقير، كذا وكذا من الفوائد»، وطلب العلم خير من النافلة، قال: وأما صلاة الفجر فلا زلت على وضوئي من صلاة العشاء”. فأثنى عليه الإمام أحمد وذكره بخير.
كذلك يرى الإمام الشافعي القنوت في صلاة الفجر، في حين أن الإمام أحمد لا يرى ذلك، فصلى الإمام أحمد خلف الشافعي، فقنت الشافعي وأمن الإمام أحمد – مع أنه يرى عدم جوازه – فسألوه، فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما جُعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه». يعني لا يجوز الإنصراف من الصلاة لمجرد رؤية رأي فقهي مغاير.
ولد الإمام أحمد بن حنبل في بغداد سنة 164، وتوفي سنة 241، فعاش رحمه الله سبعة وسبعين سنة، ومذهبه آخر المذاهب، استوعب المذاهب السابقة لأنه أتى متأخرا، فكان لديه علم الفقه وعلم الحديث، فاستدرك ما فات العلماء من قبله، لكن لا يعني هذا أن كل المسائل التي ذكرها الإمام أحمد في مذهبه هو الراجح فيها.
ومن أصوله في مذهبه، أخذه بالقرآن، وأخذه بالسنة، وعدم التفريق بين المتواتر والآحاد فيها، بل ما صح فهو مذهبه، كما يأخذ بأقوال الصحابة، وبالمراسيل (أي الأحاديث المرسلة).
وقد ظُلم مذهبه في فترةٍ من فترات التاريخ، حتى أن الإمام ابن جرير الطبري -رحمه الله- في حديثه عن الخلافيات، لم يذكر الإمام أحمد – أي لم يذكر المذهب الحنبلي -، ولما سُأل عن ذلك قال: “أحمد إمامٌ في الحديث وليس بإمامٍ في الفقه”، وهذا لا شك أنه قولٌ غير صحيحٍ، فالإمام أحمد من علماء المسلمين فقهًا وحديثًا، وإمامته في الفقه لا شك فيها، وعنايته الشديدة بعلم الحديث لا تعنى عدم إدراكه لعلم الفقه.
وانتشار مذهب الإمام أحمد أقل من انتشار غيره من المذاهب، ويعيد العلماء ذلك إلى عدة أمورٍ، ذكر ابن خلدون أن بعضهم يذكر أن من أسباب ذلك: “الشدة التي في مذهب الإمام أحمد”، وهذا غير صحيحٍ، ففي المذاهب الفقهية الأخرى من الشدة ما ليس في مذهب الإمام أحمد، حتى تجد في بعض الدول إذا رأوك تعمل بالسنة، يقولون أنت حنبليٌّ على سبيل السخرية والاستهزاء، وهذا غير صحيحٍ، والذي جعل مذهبه لا ينتشر كالمذاهب الأخرى هو ما ذكره ابن بدران، وهو: “أن علماء هذا المذهب يميلون إلى التخفي والورع والعبادة مما أسهم في عدم انتشاره بشكلٍ واسعٍ كغيره من المذاهب”.
لن نلتفت في هذا الدرس إلى المذهبية بل سنأخذ الأقوال الراجحة لأن الهدف هو ما عليه الدليل، وقد قال الإمام مالك بن أنس: “كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر”. وأشار إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، أي أن الدليل هو مبتغانا.
وفي الصحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص: “إذا اجتهد أحدكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد وأخطأ فله أجر واحد”.
ولم يسلم أحد من العلماء من الخطأ، فقد خفيت عليه السنة في بعض المواضع.
قال عمر بن عبد العزيز: “أحب أنّ أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اتفقوا؛ لأنهم لو اتفقوا؛ رأيت أن مخالفهم على ضلال، فأما وقد اختلفوا، أرى أن الناس في سعة”.
وجاء رجل إلى الإمام أحمد، وقد ألف كتاب اختلاف الفقهاء ليريه أقوال أهل العلم في الأمصار، فقال أحمد: “لا، سمِّه كتاب السّعة”؛ لأن كل واحد ينشد في هذه المسائل كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
والأئمة لم يأتوا من فراغ، فأبي حنيفة تربى على مدرسة ابن مسعود (أخذ عن حماد بن أبي سليمان)، ومالك أخذ علمه من مدرسة عبد الله بن عمر (أخذ عن الزهري)، والشافعي أخذ عن سفيان بن عيينة في مكة، ثم عن مالك في المدينة (وهو ابن ستة عشر سنة)، ثم أخذ من محمد بن الحسن. وأحمد بن حنبل أخذ بعلم أهل الحديث وفقه التابعين كالفقهاء السبعة وعطاء بن رباح وسعيد بن المسيب، وكلهم على حق.
سُئل الإمام أحمد بن حنبل: “ما ترى في لحم الجزور؟ هل ينقض الوضوء؟ قال: نعم ينقض الوضوء، فقالوا: يا أبا عبد الله، هل نصلي خلف مالك بن أنس وسعيد بن المسيب؟ فقال: “أتُرانِي أقول: لا تُصلِّ خلف مالك بن أنس، أو لا تُصلي خلف سعيد بن المسيب؟!”. يعني أن هؤلاء لهم اجتهادهم إن أخطأ الواحد منهم فله أجر لأنهم أصلا ينشدون السنة لم يأتوا بذنب.
والناس كُثر لكنّ الفقهاء قلة، وأهل العلم في حفظ سُنة النبي -صلى الله عليه وسلم- متفقون، ويختلفون في فهمهم لها في بعض الأحيان، قال -صلى الله عليه وسلم عن فقيه الأمة معاذ بن جبل: «يأتي معاذ بن جبل يوم القيامة وقد سبق العلماء بخطوة»، وهذا يدل على أنهم تتفاوت منازلهم، وكل اجتهد في الحق وطلبه، فهو على هُدى وصراط مستقيم.
فخطأ العلماء ليس لهوى في النفس، أو لترك الحق، بل لأنهم بشر، بعضهم لم يصله الدليل. فأبي حنيفة يعتب عليه من يعتب لتركه الدليل، لأنه عاش في الكوفة؛ وأهل الحديث في ذلك الوقت قلة فيها، فاعتمد على النصوص العامّة، واستدل. قال ابن تيمية عن أبي حنيفة “انه يترك القياس والقاعدة لأجلِ أثر رواه عبد الله بن مسعود، أي يترك القياس بقول صحابيّ، فما بالك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم؟!”. يعني أن العلماء إذا وجدوا الدليل يتمسكون به ولا يحيدون عنه لأي سبب من الأسباب.
ذكر الخطيب البغدادي في كتاب “الفقيه والمتفقه” أن أبو حنيفة النعمان كان عند الأعمش سليمان بن مهران، الإمام المحدث القارئ، فسأل الأعمش سائل، فقال: ما تقول يا سليمان في هذه المسألة؟ فطأطأ الأعمش رأسه ثم رفعه، فقال: ما تقول يا نعمان في هذه المسألة؟ فقال أبو حنيفة: “أقول فيها كيت وكيت”، فسكت الأعمش ثم رفع رأسه، وقال: من أين لك هذا؟ (سموا لنا رجالكم لأن العالم يُوقِّع عن رب العالمين، فلا بد من أن يأتي بدليل على ما يقول). فقال النعمان: “أو لم تحدثنا، قلت: حدثنا فلان عن فلان عن فلان أن رسول الله قال كذا؟! فهذا منك”، فضحك الأعمش وقال: “يا معشر الفقهاء، أنتم الأطباء ونحن الصيادلة، أنتم الأطباء ونحن الصيادلة”.
2- المياه والآنية
تعريف الطهارة:
الطهارة في اللغة والإصطلاح: الطهارة في اللغة هي “النظافةُ والنزاهة من الأقذارِ”.
وفي الاصطلاح الفقهي هي “ارتفاع الحدث وما في معناه، وزوال الخبث”.
والطهارة من حيث المعنى الشرعيُّ هي “التعبد لله تعالى باستعمال الماء أو بدله التيمم، على وجه مخصوص، وفي صفة مخصوصة”.
ولابد في الطهارة الشرعية من وجود النية: لأن الطهارة الشرعية من التعبُّد. فلو جئتُ بماء، وأردت أن أعلمكم طريقة الوضوء، فهذا الوضوء حينما لم أنوِ ارتفاع الحدث ليس طهارة شرعية. وعلى هذا لو أن شخصا دخل في بِركة وهو محدِثٌ حدثا أصغر، فلما انتهى من سباحتِهِ، قال: أنا طاهر، لا ينفعه؛ لأنه لم ينوِ الطهارة، وكذلك لم يرتب الوضوء، لأن ترتيبه ضروري في حالة الحدث الأصغر، وهو مذهب جماهير العلم كما سيأتي.
الحدث: هو “وصف معنوي قائم بالبدن، يمنع من الصلاة ونحوها من العبادات”، فهو ليس شيئا يُشار إليه بالبنانِ.
وما في معنى رفع الحدث: يسميه العلماء تجديد الوضوء، كالغسلة الثانية، وغسل الميت. فهذا لا يرفع الحدث، ولكنه في معنى ارتفاعه.
زوال الخبث: معناه إزالة النجاسة. والنجاسة إما أن تكون نجاسة عينِيّة أو حُكمِيّة.
فالعينية كروثِ الحمار وعُذرةِ بني آدم وبوله، فهذه لا يمكن أن تطهُر بنفسها.
والحكمية أي ما في حكمها، فكوقوع تلك النجاسة في شيء كثوب أو أرض، فهذا يسمى مُتنجّس، ولا بد من إزالة نجاسته ليطهر. فالحكمية هي الشيء الطاهر الذي وقعت فيه نجاسة.
المياه:
صفة الماء الصالح للطهارة: لابد في الطهارة الشرعية من نية، ولا بد فيها مما يُتطهر به، والذي يُتطهر به أمران: الماء أو بدله وهو والتيمم.
وللماء المستخدم للطهارة الشرعية صفة، فلا بد أن يوصف بأنه ماء مطلقٌ؛ لقوله تعالى: ﴿ فلم تجِدُوا ماء فتيمّمُوا ﴾ [النساء: 43]. فإذا خرج اسم الماء إلى وصف آخر؛ فإنه لا يصحُّ الوضوء به، لأنه لم يعد ماء، كالعصير الذي سلب الماء المغمور فيه خاصية الماء.
أما بدل الماء فهو التيمم، قال تعالى: ﴿ فلم تجِدُوا ماء فتيمّمُوا صعِيدا طيِّبا ﴾ [النساء: 43]، وليس كل تيمم يصحُّ، لابد من الصعيد.
واستعمال الماء أو بدله، يكون على وجه مخصوص، فغسل اليدين قبل الأكل يسمى من حيث اللغةُ وضوءً، لكنه ليس كذلك من حيث الشرع.
ومعنى على وجه مخصوص، أن تبتدئ بالوجه مع المضمضة والاستنشاق، ثم اليدين إلى المرفقين، ثم بعد ذلك تمسح الرأس، ثم بعد ذلك غسل الرجلين.
ومعنى بصفة مخصوصة، اليد صفتها أن تغسل إلى المرفق، والرأس أن تُعمّم، إلخ.
هذه هي الطهارة الشرعية.
يتبع..