مائة عام من النضال السياسي مرت.. مائة عام من الضجيج والتصفيق والمناوشات.. تقوس الظهر، وارتخت العضلات، وانحلت الأحبال الصوتية التي طالما كانت مشدودة، قوية ظاهرة.. وولت الهمة أمام جحافل الضعف المقيدة للإنسان في أرذل العمر.. ها هو ذا اليوم شيخ مسن بالكاد يصلب عوده.. ومع ذلك هو مصر على حضور آخر مهرجاناته قبل الإعتزال..
مصر على سماع تصفيقات التقدير والحب التي طالما ألهمته وجعلته يسبح عاليا في السحاب..
كيف يتخلف عن تلبية نداء حزبه المعارض الكبير وفيه عرق ينبض؟!
خاصة أن محور الفترة الختامية هو تكريمه.. والتصفيق لنضاله..
انسحب من الحزب الرئيسي بعد 30 سنة من النضال، وفتح حزبا خاصا به، وانضم إليه الآلاف على مدى 30 سنة أخرى..
سمع الهتافات باسمه آلاف المرات، ونافق لأكثر من رئيس، وباع دينه وماء وجهه لأكثر من جهة غربية وسفير، ولعب دور النفعي بكل ما هو مباح وغير مباح..
نفس الثرثرة المعهودة.. نفس النفاق الباسم، نفس الدعوة الثقافة التنموية التحضرية الملهية عن الجنة ورب العالمين..
نفس الوجوه العابسة الضاحكة، نفس الأعين الباحثة عن المصلحة، نفس المبادئ المتغيرة الصادقة والكاذبة.. لم يتغير شيء، وقد لا يتغير..
البعض يسخر من ظهره المقوس في قرارة نفسه، وآخرون يعرفون في قرارة أنفسهم أنه مثلهم مجرد منافق خسيس وضيع.. وبعضهم يصفق بحرارة، ليس له بل لنفسه والحضور..
أخير جاء الوقت لإلقاء كلمته الأخيرة في ذلك المسار النضالي السياسي الطويل.. تقدم مرتجفا نحو المنصة رغم الثقل والضعف.. ووقف أما التصفيقات المتأججة مليا، مبتهجا سعيدا بالنجاح.. جمع أفكاره بصعوبة هذه المرة، وحاول البدء بمعارضة النظام كعادته، لكنه وقع على الأرض.. سقط السقطة التي لا نهوض بعدها..
تعليق
عندما نشرت هذه الأقصوصة في حسابي، كتب أحد الموجودين معلقا:
“لا أدري ما سبب كرهك للسياسة لكأنها ليست من الدين، كأنك بهذا تردد مقولة: الدين لله والوطن للجميع، الحقيقة هي أن السياسة من الدين، والدين من السياسة، كل واحد منهما يخدم صاحبه من موقعه.
الخلافة واجب شرعي، والبيعة واجب شرعي، وطاعة ولي الأمر من المسلمين واجب شرعي. بالتأكيد سيسأل السياسي وغيره، عن عمره فيم أبلاه، هل في السعي وراء خدمة العباد وإصلاح البلاد ابتغاء وجه رب الأرباب أم نفاقا وسمعة ورياء؟
كل واحد سيحاسب على نيته. والمؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي يعتزلهم”.
فكتبت له:
خطأ، هذا ليس من المخالطة المحمودة للناس، هذا من مخالطة الشيطان.. الديمقراطية دين شيطاني وحقيقة ممارستها هي أنها حرام، لا نحتاج لأي دليل شرعي، يكفينا أنها محادة لله ودينه، تشريع آخر يشرع من دونه، ويفرض تشريعاته على المسلمين. انظر حكم السارق فيها هل هو حكم الله؟ هل يقدر الأخير وسط العابدين لها على إظهار نفسه؟
أساس عملها هو الكذب والنفاق وبيع كل شيء حتى الدين والضمير، هذا يعرفه الجميع، ويتفاضلون فقط في مدى اندفاعهم في طريق الشيطان.
السياسة النافعة للمسلمين غير موجودة – أو نادرة، والمثير هو أن هؤلاء السياسيين لا يبذلون أدنى جهد في الدفاع عن دينهم، أما محاولة جعله الأساس فهيهات، حتى وطنهم وأصولهم يعجزون عن الدفاع عنها ضد المستعمر الذي يفرض الشذوذ.. بل أكثرهم وسيلته في ذلك..
والسياسة تشتهر عندنا بأنها وظيفة أخرى، وظيفة شيطانية، مجال آخر للربح الغير مشروع لكل لئيم ساقط أو شريف شره..
ولو حاولوا حمل هم هذا الدين على ظهورهم، لما سمحت لهم الديمقراطية بذلك من الأصل.
إن أسوأ ما في هذه اللعبة السياسة هو قذارتها، اعتمادها على المصالح الآنية الضيقة، واستحقاق نسبة كبرى من أهلها للقب “الرويبضة” إن لم يكن “الملاعين” في هذا الزمن (أعتقد شخصيا أن مجالها مبعد عن كل خير)..
الموضوع التالي يكشف أمرها بوضوح هنا، والحمد لله.
أخي، ما رأيك في أن أفتح أنا وأنت حزبا نسميه:
الحزب اللا ديمقراطي الديمقراطي”!!
هدفه سامي رغم خبث الوسيلة – هل تجوز أصلا؟ لتذكير هؤلاء السياسيين من قريب، في مجالسهم وبرلماناتهم ومقرات أحزابهم بأن هذه الديمقراطية حرام في حرام؟
هل سيسمحون لنا بذلك؟
ما داموا سمحوا لحزب اليمين المتطرف بالظهور في أوروبا وأمريكا – دول الديمقراطية الكبرى لا كبرها الله، وهو قائم على كل نقيصة ورذيلة، كالعنصرية والحرب على الأديان، فلماذا لا يسمحون لنا نحن بفتح مثله يمين متطرف إسلامي (متطرف عندهم فقط لأن كل دعوة للعودة إلى الإسلام تعتبر تطرفا)، أو هذا الحزب الساخر الذي قد نفتحه ليذكرهم من قريب بخبث الملعونة الديمقراطية؟
ما رأيك؟