بركات الأم العظيمة – قصة مؤثرة
قصة “الأم العظيمة” التي بين أيدينا قصة رائعة، ألا تلاحظون أن الغالب على الأم أن تكون في قمة العطف والحنان والحب والشفقة والتضحية، لكن توجد أمهات على العكس من ذلك، إذا سلم الإبن – أو البنت من شرهن فهو في نعمة كبيرة، منهن الأم النرجسية التي لا قيمة ولا اعتبار لأحد عندها ولو كان زوجا أو ابنا أو بنتا أو أي مقرب آخر، المهم عندها نفسها والعناد، ويا ويل من دخلت معه في معركة عناد، فيا بخت من يستطيع أن يقول بكل ثقة وحب متبادل: أمي عظيمة، أمي إنسانة عظيمة هي أجمل أم في الدنيا..
افترح بأمك في كل الأحوال، لا تعصها ولا تؤذها ولا تكدر خاطرها ولو بكلمة أف، وأحمد الله على نعمة الأم الطبيعية، فهي جمال صارخ معلن عن نفسه في قبح هذه الدنيا الخسيسة، وحب ووفاء قل أن تجد مثله في غيرها، نور يضيء في ظلمات بعضها فوق بعض تبتلع الإنس والجن وترمي بهم في جهنم..
أم بطل قصتنا من الطراز الرفيع من الأمهات دينا وخلقا وكرامة، فلا تفوت هذه القصة يا كسول..
هذه القصة إن ثبتت، قصة مؤثرة إلى أيعد الحدود، لابد أن تذرف دموعك أثناء مطالعتها أو سماعها إن كان لك قلب محب، فيها الكثير من الحقائق والعبر التي تدعو للتأمل، كوجود أولياء لله بين الناس قد يكون الواحد منهم أشعث أغبر بلا مال ولا جاه – عجبا من الوي الغني الذي يعيش في مملكة من المريدين، تلك ولاية كاذبة قطعا، كرام أنفس أقوياء إيمان، صادقون من أهل العزم في الطاعة والإخلاص، باعوا أنفسهم لله، ولم تعد الدنيا الفانية تساوي عندهم فلسا، أولهم الشهداء الذين سارعوا إلى الشهادة بعد أن علموا بما ينتظرهم من الثواب والأجر العظيم، ليس كعلمنا نحن ويقيننا المشكوك فيه، بل فوق ذلك بكثير، بالكاد يقدر الواحد منا على التخلى عن ذنب خسيس يطارده في ظلمات الجهل والغفلة في الغرف المظلمة وشوارع الشهوات وأسواق السبهات والربا والتطفيف، وفقنا الله وإياكم إلى التوبة، وسدد خطانا..
يبدأ النعيم بموتهم مباشرة، فيدخلون الجنة من لحظتها، وهي ميزة ليست لغيرهم.. يدخلون الجنة لحظة استشهادهم، فيقيمون فيها إلى بعث الناس، فيا له من أجر وثواب، وحق لمثله أن يُتسابق إليه..
والآن بعد أن أطلت عليكم، أترككم مع القصة، فلا تنسوا اللايك والشير والتعليق بما يجول في خواطركم، لنتبادل الآراء والنصائح حولها، بارك الله فيكم..
أورد ابنُ الجوزي قصة رجل من الصالحين اسمه أبو قدامة الشامي، كان رجلاً حُبب إليه الجهاد والغزو في سبيل الله، فجلس مرة في الحرم المدني فسأله سائل قائلا: يا أبا قدامة أنت رجل قد حبب إليك الجهاد والغزو في سبيل الله، فحدثنا بأعجب ما رأيت من أمر الجهاد والغزو؟
فقال: إني محدثكم عن ذلك. خرجت مرة مع أصحاب لي لقتال الصليبيين على بعض الثغور فمررت في طريقي بمدينة الرُّقَّة (في العراق على نهر الفرات)، واشتريت منها جملاً أحمل عليه سلاحي، ووعظت الناس في مساجدها وحثثتهم على الجهاد، فلما جن علي الليل اكتريت منزلاً أبيت فيه، فلما ذهب بعض الليل إذا بالباب يطرق عليّ، فلما فتحت الباب إذا بامرأة متحصنة قد تلفعت بجلبابها، فقلت: ما تريدين؟ قالت: أنت أبو قدامة؟ قلت: نعم. قالت : أنت الذي جمعت المال اليوم للثغور؟ قلت: نعم، فدفعت إليَّ رقعة وخرقة مشدودة، وانصرفت باكية، فنظرت إلى الرقعة فإذا فيها: إنك دعوتنا إلى الجهاد، ولا قدرة لي على ذلك، فقطعت أحسن ما فيَّ وهما ضفيرتاي، وأنفذتهما إليك لتجعلهما قيد فرسك لعل الله يرى شعري قيد فرسك في سبيله، فيغفر لي.
قال أبو قدامة: فعجبت والله من حرصها وبذلها، وشدة شوقها إلى المغفرة والجنة. فلما أصبحنا خرجت أنا وأصحابي من الرقة، فلما بلغنا حصن مسلمة بن عبد الملك إذا بفارس يصيح وراءنا وينادي يقول: يا أبا قدامة يا أبا قدامة، قف عليَّ يرحمك الله، قال أبو قدامة: فقلت لأصحابي تقدموا عني وأنا أنظر خبر هذا الفارس، فلما رجعت إليه، بدأني بالكلام وقال: الحمد لله الذي لم يحرمني صحبتك ولم يردني خائباً. فقلت له ما تريد: قال أريد الخروج معكم للقتال. فقلت له: أسفر عن وجهك أنظر إليك، فإن كنت كبيراً يلزمك القتال قبلتك، وإن كنت صغيراً لا يلزمك الجهاد رددتك. فكشف اللثام عن وجهه فإذا بوجه مثل القمر، وإذا هو غلام عمره سبع عشرة سنة. فقلت له: يا بني، عندك والد؟ قال: أبي قد قتله الصليبيون، وأنا خارج أقاتل الذين قتلوا أبي. قلت: أعندك والدة؟ قال: نعم، قلت: ارجع إلى أمك فأحسن صحبتها فإن الجنة تحت قدمها، فقال: أما تعرف أمي؟ قلت: لا. قال: أمي هي صاحبة الوديعة. قلت: أي وديعة؟ قال: هي صاحبة الشِّكَالْ. قلت: أي شكال؟ قال: سبحان الله ما أسرع ما نسيت!! أما تذكر المرأة التي أتتك البارحة وأعطتك الكيس والشكال؟ قلت: بلى. قال: هي أمي، أمرتني أن أخرج إلى الجهاد، وأقسمت عليَّ أن لا أرجع، وقالت لي: يا بني إذا لقيت الكفار فلا تولهم الدبر، وهَب نفسك لله واطلب مجاورة الله، ومساكنة أبيك وأخوالك في الجنة، فإذا رزقك الله الشهادة فاشفع فيَّ، ثم ضمتني إلى صدرها، ورفعت بصرها إلى السماء، وقالت: إلهي وسيدي ومولاي، هذا ولدي وريحانةُ قلبي وثمرةُ فؤادي سلمته إليك فقَرِّبه من أبيه وأخواله. ثم قال: سألتك بالله ألا تحرمني الغزو معك في سبيل الله، أنا إن شاء الله الشهيد ابن الشهيد، فإني حافظ لكتاب الله، عارف بالفروسية والرمي، فلا تحقرَنِّي لصغر سني.
قال أبو قدامة : فلما سمعت ذلك منه أخذته معنا، فوالله ما رأينا أنشط منه، إن ركبنا فهو أسرعنا، وإن نزلنا فهو أنشطنا، وهو في كل أحواله لا يفتر لسانه عن ذكر الله تعالى أبداً. فنزلنا منزلاً، وكنا صائمين، وأردنا أن نصنع فطورنا، فأقسم الغلام أن لا يصنع الفطور إلا هو، فأبينا وأبى، فذهب يصنع الفطور، وأبطأ علينا، فإذا أحد أصحابي يقول لي يا أبا قدامة اذهب وانظر ما أمر صاحبك، فلما ذهبت فإذا الغلام قد أشعل النار بالحطب ووضع من فوقها القدر، ثم غلبه التعب والنوم ووضع رأسه على حجر ثم نام، فكرهت أن أوقظه من منامه، وكرهت أن أرجع الى أصحابي خالي اليدين، فقمت بصنع الفطور بنفسي، وكان الغلام على مرأى مني، فبينما هو نائم لاحظته بدأ يتبسم، ثم اشتد تبسمه فتعجبت، ثم بدأ يضحك ثم اشتد ضحكه ثم استيقظ، فلما رآني فزع وقال: ياعمي أبطأت عليكم، دعني أصنع الطعام عنك، أنا خادمكم في الجهاد.
فقال أبو قدامة: لا والله لست بصانع لنا شيء حتى تخبرني ما رأيت في منامك وجعلك تضحك وتتبسم. فقال: يا عمي هذه رؤيا رأيتها، فقلت: أقسمت عليك أن تخبرني بها. فقال: دعها بيني وبين الله تعالى، فقلت: أقسمت عليك أن تخبرني بها،
قال: رأيت في منامي أني دخلت إلى الجنة فهي بحسنها وجمالها كما أخبر الله في كتابه، فبينما أنا أمشي فيها وأنا بعجب شديد من حسنها وجمالها، إذ رأيت قصراً يتلألأ أنواراً، لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وإذا شُرفاته من الدرّ والياقوت والجوهر، وأبوابه من ذهب، وإذا ستور مرخية على شرفاته، وإذا بجواري يرفعن الستور، وجوههن كالأقمار.. فلما رأيت حسنهن أخذت أنظر إليهن وأتعجب من حسنهن، فإذا بجارية كأحسن ما أنت رائي من الجواري، وإذ بها تشير إلي وتحدث صاحبتها وتقول هذا زوج المرضية هذا زوج المرضية، فقلت لها أنتي المرضية؟ فقالت: أنا خادمة من خدم المرضية. تريد المرضية؟ ادخل إلى القصر. تقدم يرحمك الله، فإذا في أعلى القصر غرفة من الذهب الأحمر عليها سرير من الزبرجد الأخضر، قوائمه من الفضة البيضاء، عليه جارية وجهها كأنه الشمس، لولا أن الله ثبت علي بصري لذهب وذهب عقلي من حسن الغرفة وبهاء الجارية. فلما رأتني الجارية قالت : مرحباً بولي الله وحبيبه، أنا لك وأنت لي، فلما سمعت كلامها اقتربت منها وكدت أن أضع يدي عليها، فقالت: يا خليلي يا حبيبي أبعد الله عنك الخناء قد بقي لك في الحياة شيء، وموعدنا معك غدًا بعد صلاة الظهر. فتبسمت من ذلك وفرحت منه يا عم. فقلت له: رأيت خيرًا إن شاء الله (تأمل في قولها أبعد الله عنك الخناء في لمسة يد، فما بالك باستخفاف أهل هذا الزمن بمحارم الله، وقلة حيائهم منه عندما يخلوا الواحد منهم بنفسه؟ اللهم اغفر لنا وارحمنا وأغننا بالحلال عن الحرام).
ثم إننا أكلنا فطورنا ومضينا الى أصحابنا المرابطين في الثغور، ثم حضر عدونا، وصف الجيوش قائدنا، وبينما أنا أتأمل في الناس، إذ كل منهم يجمع حوله أقاربه وإخوانه، إلا الغلام، فبحثت عنه فوجدته في مقدمة الصفوف، فذهبت إليه، وقلت: يا بني هل أنت خبير بأمور الجهاد؟ قال لا يا عم، هذه والله أول معركة لي مع الكفار. فقلت يا بني إن الأمر خلاف على ما في بالك، إن الأمر قتال ودماء، فيا بني كن في آخر الجيش فان انتصرنا، فأنت معنا من المنتصرين، وإن هُزمنا لم تكن أول القتلى. فقال متعجبا: أنت تقول لي ذلك؟ قلت: نعم أنا أقول ذلك. قال: يا عم أتود أن أكون من أهل النار؟ قلت أعوذ بالله، لا والله، والله ما جئنا إلى الجهاد إلا خوفًا منها.
فقال الغلام: فان الله تعالى يقول: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ”، هل تريدني أوليهم الأدبار فأكون من أهل النار؟ فعجبت والله من حرصه وتمسكه بالآيات، فقلت له يا بني إن الآية مخرجها على غير كلامك، فأبى أن يرجع، فأخذت بيده أُرجعه إلى آخر الصفوف، وأخذ يسحب يده عني، فبدأت الحرب وحالت بيني وبينه (تأمل في الطيبة، وحرصه على حماية الغلام رغم كل شيء).
فجالت الأبطال، ورُميت النبال، وجُرِّدت السيوف، وتكسرت الجماجم، وتطايرت الأيدي والأرجل. واشتد علينا القتال حتى اشتغل كلٌ بنفسه، وقال كل خليل كنت آمله، لا ألهينك إني عنك مشغول، حتى دخل وقت صلاة الظهر، فهزم الله جل وعلا الصليبين، فلما انتصرنا جمعت أصحابي وصلينا الظهر، وبعد ذلك ذهب كل منا يبحث عن أهله وأصحابه، إلا الغلام فليس هنالك من يسأل عنه، فذهبت أبحث عنه، فبينما أنا اتفقده وإذا بصوت يقول: أيها الناس ابعثوا إلي عمي أبا قُدامة، ابعثوا إلي عمي أبا قدامة، فالتفت إلى مصدر الصوت فإذا الجسد جسد الغلام، وإذا الرماح قد تسابقت إليه، والخيلُ قد وطئت عليه فمزقت اللحمان، وأدمت اللسان، وفرقت الأعضاء، وكسرت العظام. وإذا هو يتيم مُلقى في الصحراء.
قال أبو قدامة، فأقبلت إليه، وانطرحت بين يديه، وصرخت: ها أنا أبو قدامة.. ها أنا أبو قدامة، فقال: الحمد لله الذي أحياني إلى أن أوصي إليك، فاسمع وصيتي. قال أبو قدامة : فبكيت والله على محاسنه وجماله، ورحمةً بأمه التي فجعت عام أول بأبيه وأخواله، وتفجع الآن به، وأخذت طرف ثوبي أمسح الدم عن وجهه. فقال : تمسح الدم عن وجهي بثوبك!! بل امسح الدم بثوبي لا بثوبك، فثوبي أحق بالوسخ من ثوبك.. قال أبو قدامة: فبكيت والله، ولم أحر جواباً..
فقال: يا عم، أقسمت عليك إذا أنا مت أن ترجع إلى الرقة، ثم تبشر أمي بأن الله قد تقبل هديتها إليه، وأن ولدها قد قُتل في سبيل الله مقبلاً غير مدبر، وأن الله إن كتبني في الشهداء فإني سأوصل سلامها إلى أبي وأخوالي في الجنة..
ثم قال: يا عم إني أخاف ألا تصدق أمي كلامك فخذ معك بعض ثيابي التي فيها الدم، فإن أمي إذا رأتها صدقت أني مقتول، وقل لها إن الموعد الجنة إن شاء الله.. يا عم: إنك إذا أتيت إلى بيتنا ستجد أختاً لي صغيرة عمرها تسع سنوات، ما دخلتُ المنزل إلا استبشرتْ وفرحتْ ، ولا خرجتُ إلا بَكتْ وحَزنتْ، وقد فُجعت بمقتل أبي عام أول وتفجع بمقتلي اليوم، وإنها قالت لي عندما رأت علي ثياب السفر: يا أخي لا تبطئ علينا وعجل الرجوع إلينا، فإذا رأيتها فطيب صدرها بكلمات، وقل لها يقول لك أخوكِ: الله خليفتي عليكِ..
ثم تحامل الغلام على نفسه، وقال: يا عمّ صدقت الرؤيا ورب الكعبة، والله إني لأرى المرضية الآن عند رأسي وأشم ريحها.. ثم انتفض وتصبب عرقا وشهق شهقات ثم مات..
قال أبو قدامة: فأخذت بعض ثيابه، فلما دفناه لم يكن عندي هم أعظم من أن أرجعَ إلى الرقة وأبلغَ رسالته لأمه.. فرجعت إلى الرقة وأنا لا أدري ما اسم أمه وأين تسكن.. فبينما أنا أمشي وقفت عند منزل تقف على بابه فتاة صغيرة ما يمر أحد من عند بابهم وعليه أثر السفر إلا سألته يا عمي من أين أتيت فيقول من الجهاد فتقول له معكم أخي؟.. فيقول ما أدري من أخوك ويمضي.. وتكرر ذلك مرارًا مع المارة ويتكرر معها نفس الرد.. فبكت أخيرًا، وقالت: مالي أرى الناس يرجعون وأخي لا يرجع..
فلما رأيت حالها أقبلت عليها.. فرأت علي أثر السفر، فقالت: يا عم من أين أتيت؟ قلت: من الجهاد، فقالت معكم أخي، فقلت أين هي أمك؟ قالت: في الداخل، ودخلت تناديها.. فلما أتت الأم وسمعت صوتي عرفتني وقالت: يا أبا قدامة أقبلت معزيًا أم مبشرًا؟ فقلت: كيف أكون معزيًا ومبشرًا؟ فقالت: إن كنت أقبلت تخبرني أن ولدي قُتل في سبيل الله مقبلا غير مدبر، فأنت تبشرني بأن الله قد قبل هديتي التي أعددتها من سبعة عشر عامًا. وإن كنت قد أقبلت كي تخبرني أن ابني رجع سالمًا معه الغنيمة فإنك تعزيني لأن الله لم يقبل هديتي إليه.. فقلت لها: بل أنا والله مبشر، إن ولدك قد قتل مقبلا غير مدبر.. فقالت ما أظنك صادقًا وهي تنظر إلى الكيس، ثم فتحت الكيس وإذ بالدماء تغطي الملابس، فقلت لها أليست هذه ثيابه التي ألبستيه إياها بيدك؟ فقالت الله أكبر، وفرحت.. أما الصغيرة فشهقت ثم وقعت على الأرض ففزعت أمها ودخلت تحضر لها ماء تسكبها على وجهها.. أما أنا فجلست أقرأ القرآن عند رأسها.. ووالله مازالت تشهق وتنادي باسم أبيها وأخيها، وما غادرتها إلا ميتة.. فأخذتها أمها وأدخلتها وأغلقت الباب، وسمعتُها تقول: “اللهم إني قد قدمت زوجي وإخواني وولدي في سبيلك، اللهم أسألك أن ترضى عني وتجمعني وإياهم في جنتك”.
تأمل في هذه القصة الجميلة العظيمة، أيهم أعظم أبو قدامة محب الجهاد في سبيل الله وداعيته، أم الأم التي ضحت بالغالي والنفيس، أما الإبن الذي صدق مع ربه وأمه، أم الأخت المحبة الوفية التي ضحى نبل الأسرة وحبها للجهاد بما تستيشر به ثم ماتت من هول الصدمة.
تُرى هل ماتت الأم بعدها مباشرة أم بقي لها عمر، وكيف قضته في وحدتها؟ تُرى هل كانت سعيدة بعدهم في تلك الأيام والأشهر والسنين المتبقية لها؟
ألا يدلنا هذا على أن العمل للجنة خير من كل عمل، والبناء لها خير من كل بناء، فالدنيا لا تدوم..
ما رأيك..
ما مدى تأثرك بهذه القصة؟
شخصيا لن أخجل من القول بانها تبكيني كلما قرأتها بعد نسيان مثل الكثير من القصص التي سأسردها لك في هذا الموقع المبارك..