شرح ديوان جميل بثينة.. المختصر الجميل من ديوان جميل بثينة..
مقدمة
هو جميل بن عبد الله بن معمر العذري، نسبة إلى عذرة وهي بطن من قضاعة (ت. 82 هـ/701 م). شاعر من عشاق العرب المشهورين، من شعراء العصر الأموي، كان جميلا حسن الخلقة، كريم النفس، باسلاً، جوادًا، شاعرًا، مرهف الحس، رقيق المشاعر، فصيحًا مقدامًا، جامعًا للشعر والرواية، وكان في أول أمره راوية لشعر هدبة بن خشرم، وهدبة كان شاعراً وراوية للحطيئة، وهو أحد الشعراء المخضرمين، كما كان كثير عزة راوية جميل فيما بعد.
افتتن ببثينة بنت حيان بن ثعلبة العذرية، من فتيات قومه، وكانت تُكنى أمّ عبد الملك، وقد لقب بجميل بثينة لحبه الشديد لها. افتتن بها وهو غلام صغير، فلما كبر خطبها إلى أبيها فرده وزوجها من رجل آخر، فازداد هيامًا بها، وكأن يأتيها سرًّا، ومنزلها وادي القرى، فتناقل الناس أخبارهما، وقال فيها شعرا يذوب رقة حتى وفاته، وأكثر شعره في النسيب والغزل والفخر وأقله في المديح.
وكانت قبيـلـة “عُذرة” – مسكنها في وادي القرى، بين الشام والمدينة – مُشتهرةً بالجمال والعشق حتى قيل لأعرابي من العذريين: “ما بال قلوبكم كأنها قلوب طير تنماث – أي تذوب – كما ينماث الملح في الماء؟ ألا تجلدون؟ قال: إنا لننظر إلى محاجر أعين لا تنظرون إليها”. وقيل لأخر: ممن أنت؟ قال: من قوم إذا أحبوا ماتوا، فقالت جارية سمعته: عُذريٌّ ورب الكعبة.
وقد جمع له قومها جمعًا ليأخذوه إذا أتاها فحذرته بثينة فقال في ذلك شعرا، منه:
ولو أنّ ألفاً دونَ بَثنةَ كُلّهم ** غيارى وكلٌ مزمعونَ على قتلي
لحاولتها إما نهاراً مجاهراً ** وإماّ سُرَى ليلٍ ولو قطعوا رجليّ
وهجا قومها فاستعدوا عليه مروان بن الحكم وهو يومئذ عامل المدينة، فنذر ليقطعن لسانه فلحق بجذام وقال:
أَتانِيَ عَن مَروانَ بِالغَيبِ أَنَّهُ … مُقيدٌ دَمي وقاطِعٌ مِن لِسانِيا
فَفي العيشِ مَنجاةٌ وَفي الأَرضِ مَذهَبٌ … إذا نَحنُ رَفَّعنا لَهُنَّ المَثانِيا
بقى جميل هناك حتى عُزل مروان عن المدينة، فانصرف إلى بلاده وكان يختلف إليها سرًا، وكان لبثينة أخ يقال له حوَّاش عشق أخت جميل، وتواعدا للمفاخرة فغلبه جميل، ولما اجتمعوا لذلك قال أهل تيماء: قل يا جميل في نفسك ما شئت، فأنت الباسل الجواد الجمل، ولا تقل في أبيك شيئًا فإنه كان لصٍّا بتيماء في شملة لا تواري لبسته، وقالوا لحواش قل وأنت دونه في نفسك وفي أبيك ما شئت فقد صحب النبي “صلى الله عليه وعلى آله وسلم”.
قال كثير: قال لي جميل يومًا خذ لي موعدًا مع بثينة، قلت: هل بينك وبينها علامة؟ قال: عهدي بهم وهم بوادي الدوم يرحضون ثيابهم، فأتيتهم فوجدت أباها قاعدًا بالفناء، فسلمت، فرد، وحادثته ساعة حتى استنشدني فأنشدته:
وَقُلتُ لَها يا عَزَّ أَرسَلَ صاحِبي … عَلى نَأيِ دارٍ وَالرَسولُ مُوَكَّلُ
بَأَن تَجعَلي بَيني وَبَينَكِ مَوعِداً … وَأَن تَأمُريني بِالَّذي فيهِ أَفعَلُ
وَآخِرُ عَهدٍ مِنكَ يَومَ لَقيتَني … بِأَسفَلِ وادي الدَومِ وَالثَوبُ يُغسَلُ
فضربت بثينة جانب الستر، وقالت إخسأ، ولما تساءل والدها، قالت: كلب يأتينا إذا نام الناس من وراء هذه الرابية، قال: فأتيت جميلاً وأخبرته أنها وعدته وراء الرابية إذا نام الناس.
كما يروي ابن عياش قائلًا: خرجت من تيماء فرأيت عجوزًا على أتان – أنثى الحمار-، فقلت ممن أنت: قالت: من عذرة، قلت: هل تروين عن جميل ومحبوبته شيئا؟ فقالت: نعم، إنا لعلى ماء بئر الجناب وقد اتقينا الطريق، واعتزلنا مخافة جيوش تجيء من الشام إلى الحجاز، وقد خرج رجالنا في سفر، وخلفوا عندنا غلمانًا أحداثًا، وقد انحدر الغلمان عشية إلى صرم لهم قريب منا ينظرون إليهم، ويتحدثون عن جوار منهم فبقيت أنا وبثينة، إذ انحدر علينا منحدر من هضبة حذاءنا، فسلم ونحن مستوحشون فرددت السلام، ونظرت فإذا برجل واقف شبهته بجميل، فدنا فأثبته، فقلت: أجميل؟ قال: إي والله، قلت: والله لقد عرضتنا ونفسك شرًا، فما جاء بك؟ قال: هذه الغول التي وراءك، وأشار إلى بثينة، وإذا هو لا يتماسك، فقمت إلى قعب فيه إقط مطحون وتمر، وإلى عكة فيها شيء من سمن، فعصرته على الإقط (الجبن)، وأدنيته منه فقلت: أصب من هذا، وقمت إلى سقاء لبن فصببت له في قدح ماء بارد وناولته، فشرب وتراجع، فقلت له: لقد جهدت، فما أمرك؟ فقال: أردت مصر فجئت أودعكم وأسلم عليكم، وأنا والله في هذه الهضبة التي ترين منذ ثلاث ليال أنظر أن أجد فرصة حتى رأيت منحدر فتيانكم العشية، فجئت لأحدث بكم عهدًا، فحدثنا ساعة ثم ودعنا وانطلق، فلم نلبث إلا يسيرًا حتى أتانا نعيه من مصر.
قال سهلُ بن سعد الساعدي (أو ابنه عبّاس): لقيني رجلٌ من أصحابي، فقال: هل لكَ في جميلٍ فإنهُ ثقيل؟ فدخلنا عليه وهو يكيدُ بنفسه، وما يخيّل إليّ أن الموتَ يكرثُه (يشتدُّ عليه)، فقال: ما تقولُ في رجلٍ لم يزنِ قطُّ، ولم يشرب خمرًا قطُّ، ولم يقتُل نفسًا حرامًا قطُّ، يشهدُ أن لا إله إلا الله؟ فقلتُ: أظنُّه والله قد نجا، فمن هذا الرجل؟ قال: أنا. قلتُ: واللهِ ما سلمتَ (يُريد من الزنا) وأنت منذ عشرين سنة تنسب ببثينة، فقال: إنّي لفي آخرِ يومٍ من أيّام الدُّنيا، وأوّل يوم من أيام الآخرة، فلا نالتني شفاعةُ محمد صلى الله عليه وسلم إن كنتُ وضعت يدي عليها لريبة قطُّ، قال: فأقمنا حتى مات. وهكذا مات جميل ومات معه حبه، ولكن يظل شعره ينبض بالحياة، ويروي لنا قصة عاشق:
لَقَد ذَرَفَت عَيني وَطالَ سُفوحُها … وَأَصبَحَ مِن نَفسي سَقيماً صَحيحُها
أَلا لَيتَنا نَحيا جَميعاً وَإِن نَمُت … يُجاوِرُ في المَوتى ضَريحي ضَريحُها
قصد جميل مصر وافدا على عبد العزيز بن مروان، فأكرمه عبد العزيز وأمر له بمنزل، فأقام قليلا، ومات ودفن في مصر، ولما بلغ بثينة خبر موته حزنت عليه حزنا شديدا، وأنشدت:
وإن سلوي عن جميل لساعة * * * من الدهر ما حانت ولا حان حينها
سـواء علينا يا جميل بن معمر * * * إذا مـت بأسـاء الحياة ولينها
وفي مقال “جميل بثينة.. الشاعر العفيف” للدكتور عارف الكنعاني (بتصرف)
إنه جميل بثينة.. هكذا عُرف باسمه واسم حبيبته التي شبب بها، وحاصر نفسه في محيط حبها. وبسبب هذا الارتباط بين الشاعر وحبيبته نسي الرواة حتى اسم أبيه، واختلف الدارسون حوله. فمن قائل إن اسم أبيه عبد الله، ومن قائل إنه معمر، وقائل إنه صُباح.
ويُرجع الدارسون زمن ولادته إلى أواخر خلافة عثمان بن عفان أو بعدها بقليل.
ينتمي جميل بثينة إلى قبيلة بني عذرة، ولا يعرف عن بداية نشأته الشيء الكثير، إلا أنه كان يرعى الماشية في وادي القرى أو وادي بغيض، وكان من صباه يميل إلى الشعر. وقد عذله أبوه في ذلك (أي لامه) فقال: أليس من الأفضل لك بدلاً من حفظ قصائد الشعراء، أن تحفظ كلام الله؟ فأجابه بأنه يحاول ذلك، وبأن الإمام أنس بن مالك رضي الله عنه أخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن من الشعر حكمة.
والشعراء كان لهم رواة يلقون قصائدهم أمام الملأ، ويرافقونهم إلى الملوك والأمراء، وأن بعض الرواة كان مطبوعاً على الشعر فينبغ فيه ويصبح شاعراً. ونقلت بعض المصادر أن جميلاً كان راوية للشاعر هدبة بن خشرم، إلى أن نبغ هو نفسه في الشعر وأصبح له رَاوِية يُشار له بالبنان، وهو كثير عزة.
وكان كثير عزة يقدمه على نفسه ويعتبره قدوة وأستاذاً له، وقد سُئل كُثير عزة هل أنت أنسب أم جميل؟ وأنسب تعني هل شعر النسيب أو الغزل الذي تنظمه أجمل أم نسيب جميل فرد قائلاً: وهل وطأ لنا النسيب إلا جميل؟
وقد اشتهرت قبيلة عذرة بين العرب بالحب العذري، أي الحب العفيف والذي يذوب فيه المحب بمحبوبه. وقصة حب جميل لبثينة كما ترويها المصادر المختلفة، بدأت بتغزل جميل بأم الجسير، وهي أخت بثينة.
وبثينة هي بنت حبأ بن ثعلبة بن ربيعة. وهي تلتقي مع جميل في حُن بن ربيعة في النسب.
وما أكثر الروايات التي تناولت قصة حب جميل بثينة حتى لكأن حياة جميل لم يكن فيها إلا حبه لبثينة وتغزله بها.. واحدة من هذه الروايات تقول: أقبل في أحد الأيام جميل بإبله حتى أوردها وادياً يقال له بغيض، فاضطجع جميل وترك الإبل ترعى غير بعيد عنه، وكان أهل بثينة بالقرب من ذلك الوادي، فأقبلت بثينة وجارة لها إلى مورد المياه، ولما رأت بعض إبل جميل وهي باركة قامت بثينة بتنفيرها، وهي لا تزال صغيرة، وما كان هذا التنفير للإبل الذي قامت به إلا محاولة للعب والإثارة، فما كان من جميل إلا أن سبها، فردت السباب عليه. وفي هذا قال جميل:
وأولُ ما قادَ المحبة بيننا … بوادي بغيض يا بثين سبابُ
قلنا لها قولاً فجاءت بمثله … لكل كلام يا بثين جوابُ
وتعلق جميل بهذه الفتاة وشغله حبها عن سائر النساء، فكرس قلبه وشعره وحياته لهذا الحب، وفاضت شاعريته، وبدأ يصرح باسم بثينة حيناً، ويكنى عنه حيناً آخر، حتى أصبح اسم بثينة على كل لسان، وبدأ اسم جميل يرتبط ببثينة، فقيل جميل بثينة كمجنون ليلى، أو قيس ليلى، وعروة وعفراء وغيرهما.
وبما أن النهاية السعيدة للحب هي الزواج، تقدم جميل لخطبة بثينة من أبيها. ولكن الأب الذي وصل إليه شعر جميل ردّه رافضاً طلبه لأنه شبب بابنته، على الرغم من عذرية الحب وعدم حدوث أي اتصال بين الحبيبين.
وكما حدث مع ليلى المجنون حدث مع بثينة إذ قام أبوها بتزويجها من واحدٍ من فتيان قبيلة عذرة يدعى نبيه بن الأسود، وهذا ما جعل جميلا يعيش مأساة رهيبة، وكأن ذلك الزواج أشعل نيران قلبه وأحرق البقية الباقية من عقله. فانطلق الشعر من أعماقه ليجسد تلك المأساة، وليخلد ذلك الحب اليائس الذي لا أمل فيه ولا نهاية له إلا بالموت.
وما كان من أبي بثينة أمام ذلك الشعر الذي انتشر بين قبائل العرب انتشاراً في الهشيم إلا اللجوء إلى أبي جميل أولا باعتبار صلة القربى، ثم عندما لم يجد ذلك نفعاً لجأ إلى عامل وادي القرى ثم إلى مروان بن هشام الحضري والى عامل الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان على تيماء. ما جعله يفر من مكان إلى مكان، لا يحمل في جعبته إلا حب بثينة، ولا ينفك عن التشبيب بها رغم زواجها من غيره، ولقد وصل به الترحال إلى مصر، وقيل إنه توفي فيها سنة 82 هجرية (701 ميلادية).
ومما ذكر من الروايات حول جميل وبثينة ما جاء في خزانة الأدب أن جميلاً غادر في يوم من الأيام إلى الشام. وكان اللغط الكثير حول علاقته ببثينة قد بدأ يغزو أسماع القوم. فحاولت بثينة أن تقطع علاقتها بجميل وواصلت شاباً يسمى حجنة الهلالي، على أمل أن تنتهي مأساتها المتمثلة في تشهير جميل بها، فلما عاد من الشام قالت له محاولة قطع العلاقة نهائياً به:
ألم تر أن الماء غيّر بعدكم … وأن شِعاب القلب بعدك حُلّتِ
فرد جميل:
فإن تكُ حُلّتْ فالشعابُ كثيرةٌ … وقد نهلت منها قلوصي وعلتِ
فأسقط في يدها أمام هذا الرد الرهيب وقالت: ناشدتك الله أن تسترني.. فقد كانت هفوة.
كما جاء في مرجع آخر قصة أخرى، وهي أن أهل بثينة شكوا إلى عامل عبد الملك بن مروان على تيماء فتوعده، ففر جميل إلى الشام ولجأ إلى سيد من بني عذرة فأحسن إليه واستضافه وزيّن له سبع بنات عسى أن يتعلق بواحدة منهن فيزوجه بها.. فكن يرفعن الخباء إذا أقبل جميل ويقمن بحركات الغنج والدلال.. ففهم جميل قصدهن.. وفطن إلى أن مضيفه أراده أن يعلق بواحدة منهن.. وكن جميلات، بل لعلهن أجمل من بثينة.. ولو ارتبط بواحدة منهن فإن قصة حبه لبثينة ستنتهي وسيتوقف عن التشبيب بها وينساها.
ولكن جميل محب حقيقي، وحب بثينة لا يُمحى بهذه السهولة.. بل أدرك جميل أنه من المستحيل أن تحصل أية امرأة مهما بلغت من الجمال محل بثينة.
فقال في قصيدة مخاطباً البنات السبع:
حلفت لكي تعلمن أني صادق … وللصدق خير في الأمور وأنجح
لتكليم يوم من بثينة واحد … ورؤيتها عندي ألذ وأملحُ
من الدهر لو أخلو بكن وإنما … أعالج قلباً طامحاً حين يطمحُ
وهكذا أعرض جميل عن بنات مضيفه، وعاد إلى وطنه حيث يمكنه أن يرى بثينة رغم زواجها من غيره.. ولم تخلُ الروايات عن حب جميل لبثينة من لقاءات بين الحبيبين قبل زواج بثينة وبعده. ولكنها لقاءات حوار، بعيدة عن التواصل الجسدي فحب جميل لبثينة كان عذرياً عفيفاً لا تماس فيه ولا تواصل.
عاش جميل بالحب.. وللحب ولم ينظم إلا فيه، ورغم أنه كان شاعراً فحلاً ومحط أنظار القوم بمن فيهم الخلفاء أمثال عبد الملك بن مروان والوليد بن عبد الملك إلا أنه لم يلجأ إلى المديح ولم يتكسب من شعره. بل كان شعره يجسد حياته وحبه.
وقيل انه لقي بُثينة بعد تهاجر كان بينهما طالت مدته، فتعاتبا طويلا، فقالت له:
ويحك يا جميل! أتزعم أنك تهواني وأنت الذي يقول:
رمى الله في عيني بثينة بالقذى … وفي الغُرِّ من انيابها بالقَوادِح (القوادح سواد يظهر في الأسنان)
فأطرق طويلا يبكي، ثم قال بل أنا القائل:
ألا ليتني أعمى أصم تقودني … بثينة لا يَخْفَى علَيَّ كلامها
فقالت له: ويحك! ما حملك على هذه المنى؟! أو ليس في سعة العافية ما كفانا جميعا!
وحدثت بثينة – وكانت صدوقة اللسان، جميلة الوجه، حسنة البيان، عفيفة – قالت: والله ما أرادني جميل – رحمة الله عليه – بريبة قط، ولا حدثت أنا نفسي بذلك منه.
وقيل إن هاتفا أنبأها بموته، وأنها عزمت بعد ذلك على أن لا تكتحل بإثمد، ولا تفرق رأسها بخيط ولا مشط، ولا تدهنه إلا من صداع، ولا تلبس خمارا مصبوغا، ولا إزارا، وقالت إنها: ستظل تبكيه إلى الممات.
فهل كانت أيامها بعد موت جميل موتا جاء قبل الممات؟ والسؤال الأهم، وأطرحه هنا في موقع أكاديمية الملخصات المبارك: هل بلغ الحب بأناس قريبي عهد بالنبوة هذا المبلغ؟ وهل المحب معذور في هذا الجنون، إن جاز التعبير؟ وهل كان أولئك النسوة – اللواتي منهن بثينة – محظوظات، أو سعيدات بذلك الحب الكبير والتشهير؟ وهل لهن ميزة على نساء العالمين، وهل هي جمالهن الأخاذ أم جمال أرواحهن أم الإثنين معا؟ وكيف تعايشن مع أخبار محبيهم المجانين؟ سؤال اتركه لكم.
مختارات من شعره
يقِيك جميل كل سوء، أما له ** لديك حديثٌ أو إليك رسولُ
وقد قلتُ في حُبي لكم وصبابتي ** محاسنُ شعر ذِكرُهن يطولُ
فإن لم يكن قولي رضاكِ فعلمِي ** هبوب الصبا يا بَثْنُ كيف أقولُ
فما غاب عن عيني خيالُك لحظة ** ولا زال عنها، والخيالُ يزولُ
———
بثينةُ قالتْ : يَا جَميلُ أرَبْتَني ، ** فقلتُ : كِلانَا ، يا بُثينَ ، مُريبُ 1
وأرْيَبُنَا مَن لا يؤدّي أمانةً ، ** ولا يحفظُ الأسرارَ حينَ يغيبُ
———
أفي كلّ يومٍ أنتَ محدثُ صبوةٍ ** تموتُ لها ، بدّلتُ غيركَ من قلبِ 2
———
إنّ المنازلَ هيّجتْ أطرابي ** واستعْجَمَتْ آياتُها بجوابي 3
قفراً تلوح بذي اللُّجَينِ ، كأنّها ** أنضاءُ رسمٍ ، أو سطورُ كتابِ 4
لمّا وقفتُ بها القَلوصَ ، تبادرتْ ** مني الدموعُ ، لفرقةِ الأحبابِ 5
وذكرتُ عصراً ، يا بثينةُ ، شاقني ** وذكرتُ أيّامي ، وشرخَ شبابي 6
———
أمنكِ سرى ، يا بَثنَ ، طيفٌ تأوّبا ، ** هُدُوّاً ، فهاجَ القلبَ شوقاً ، وأنصَبا 8
عجبتُ له أن زار في النوم مضجعي ** ولو زارني مستيقظاً ، كان أعجبا
———
حلفتُ لها بالبُدْنِ تَدمَى نُحورُها : ** لقد شقيتْ نفسي بكم ، وعنيتُ
حلفتُ يميناً ، يا بُثينَةُ ، صادقاً ، ** فإن كنتُ فيها كاذباً ، فعميتُ
إذا كان جِلدٌ غيرُ جِلدِكِ مسّني ، ** وباشرني ، دونَ الشّعارِ ، شريتُ 9
ولو أنّ داعٍ منكِ يدعو جِنازتي ، ** وكنتُ على أيدي الرّجالِ ، حييتُ
———
لَعَمْرُ أبيكِ ، لا تَجِدينَ عَهدي ** كعهدكِ ، في المودةِ والسماحِ
ولو أرسلتِ تستَهدينَ نفسي ، ** أتاكِ بها رسولكِ في سراحِ 11
———
لقد ذَرَفَتْ عيني وطال سُفُوحُها ، ** وأصبحَ ، من نفسي سقيماً ، صحيحها 12
ألا ليتَنا نَحْيا جميعاً ، وإن نَمُتْ ، ** يُجاوِرُ ، في الموتى ، ضريحي ضريحُها 13
فما أنا ، في طولِ الحياةِ ، براغبٍ ** إذا قيلَ قد سُوِيّ عليها صفيحها 14
أظلُّ ، نهاري ، مُستَهاماً ، ويلتقي ، ** مع الليل ، روحي ، في المَنام ، وروحُها
فهل ليَ ، في كِتمانِ حُبّيَ ، راحةٌ ، ** وهل تنفعنّي بَوحةٌ لو أبوحُها
———
رمى الله ، في عيني بثينةَ ، بالقذى ** وفي الغرِّ من أنيابها ، بالقوادحِ 15
———
ألا ليتَ ريعانَ الشبابِ جديدُ ** ودهراً تولى ، يا بثينَ ، يعودُ
فنبقى كما كنّا نكونُ ، وأنتمُ ** قريبٌ وإذ ما تبذلينَ زهيدُ
وما أنسَ ، مِن الأشياء لا أنسَ قولها ** وقد قُرّبتْ نِضْوِي : أمصرَ تريدُ (النضو: المهزول من الإبل وغيرها)
ولا قولَها : لولا العيونُ التي ترى ، ** لزُرتُكَ ، فاعذُرْني ، فدَتكَ جُدودُ 16
خليلي ، ما ألقى من الوجدِ باطنٌ ** ودمعي بما أخفيَ ، الغداةَ ، شهيدُ
ألا قد أرى ، واللهِ أنْ ربّ عبرةٍ ** إذا الدار شطّتْ بيننا ، ستَزيد
إذا قلتُ : ما بي يا بثينةُ قاتِلي ، ** من الحبّ ، قالت : ثابتٌ ، ويزيدُ
وإن قلتُ : رديّ بعضَ عقلي أعشْ بهِ ** تولّتْ وقالتْ : ذاكَ منكَ بعيد
———
وأفنيتُ عُمري بانتظاريَ وَعدها ** وأبليتُ فيها الدهرَ وهو جديد
———
ويحسَب نِسوانٌ من الجهلِ أنّني ** إذا جئتُ ، إياهنَّ كنتُ أريدُ
فأقسمُ طرفي بينهنّ فيستوي ** وفي الصّدْرِ بَوْنٌ بينهنّ بعيدُ 17
ألا ليتَ شعري ، هلَ أبيتنّ ليلةً ** بوادي القُرى إني إذَنْ لَسعيد
وهل أهبِطَنْ أرضاً تظَلُّ رياحُها ** لها بالثنايا القاوياتِ وئِيدُ 18
وهل ألقينْ سعدى من الدهرِ مرةً ** وما رثّ من حَبلِ الصّفاءِ جديدُ
وقد تلتقي الأشتاتُ بعدَ تفرقٍ ** وقد تُدرَكُ الحاجاتُ وهي بعِيد 19
———
ومن يُعطَ في الدنيا قريناً كمِثلِها ، ** فذلكَ في عيشِ الحياةِ رشيدُ
———
يقولون : جاهِدْ يا جميلُ ، بغَزوةٍ ، ** وأيّ جهادٍ ، غيرهنّ ، أريدُ
كلّ حديثِ بينهنّ بشاشةُ ** وكلُّ قتيلٍ عندهنّ شهيدُ
وأحسنُ أيامي ، وأبهجُ عِيشَتي ، ** إذا هِيجَ بي يوماً وهُنّ قُعود 20
تذكرتُ ليلى ، فالفؤادُ عميدُ ، ** وشطتْ نواها ، فالمزارُ بعيدُ
علقتُ الهوى منها وليداً ، فلم يزلْ ** إلى اليومِ ينمي حبها ويزيدُ 21
———
فهلْ ألقينْ فرداً بثينةَ ليلةً ** تجودُ لنا من وُدّها ونجود
———
إذا ما دنتْ زدتُ اشتياقاً ، وإن نأتْ ** جزعتُ لنأيِ الدارِ منها وللبعدِ
———
تعلّقَ روحي روحَها قبل خَلقِنا ، ** ومن بعد ما كنا نطافاً وفي المهدِ
فزاد كما زدنا ، فأصبحَ نامياً ، ** وليسَ إذا متنا بِمُنتقَضِ العهد
ولكنّه باقٍ على كلّ حالةٍ ، ** وزائِرُنا في ظُلمةِ القبرِ واللحد
وما وجدتْ وجدي به أمٌ واحدٍ ** ولا وجدَ النهديّ وجدي على هندِ
ولا وجدَ العذريّ عروةُ ، إذ قضى ** كوجدي ، ولا من كان قبلي ولا بعدي
على أنّ منْ قد ماتَ صادفَ راحةً ، ** وما لفؤادي من رَواحِ ولا رُشد
يكاد فَضِيضُ الماءِ يَخدِشُ جلدَها ، ** إذا اغتسلتْ بالماءِ ، من رقةِ الجلدِ 22
وإني لمشتاقٌ إلى ريح جيبها ، ** كما اشتاقُ إدريسُ إلى جنةِ الخلدِ
لقد لامني فيها أخٌ ذو قرابةٍ ، ** حبيبٌ إليه ، في مَلامتِه ، رُشدي
وقال : أفقْ ، حتى متى ّ أنتَ هائمٌ ** ببَثنةَ ، فيها قد تُعِيدُ وقد تُبدي
فقلتُ له : فيها قضى الله ما ترى ** عليّ ، وهَلْ فيما قضى الله من ردّ
فإن كان رُشداً حبُّها أو غَوايةً ، ** فقد جئتهُ ما كانَ منيّ على مد
لقد لَجّ ميثَاقٌ من الله بيننا ، ** وليس ، لمن لم يوفِ الله ، من عَهْد
فلا وأبيها الخير ، ما خنتُ عهدها ** ولا ليَ عِلْمٌ بالذي فعلتْ بعدي
وما زادها الواشونَ إلاّ كرامةً ** عليّ ، وما زالتْ مودّتُها عندي
———
وعاذلينَ ، ألحوا في محبتها ** يا ليتَهم وجَدوا مثلَ الذي أجِدُ 23
لما أطالوا عتابي فيكِ ، قلتُ لهم ** لا تكثروا بعضَ هذا اللومِ ، واقتصدوا
قد ماتَ قبلي أخو نهدٍ ، وصاحبهُ ** مُرَقِّشٌ ، واشتفى من عُروةَ الكمَدُ
وكلهم كانَ منْ عشقٍ منيته ** وقد وجدتُ بها فوقَ الذي وجدوا
إني لأحسبُ ، أو قد كدتُ أعلمه ، ** أنْ سوفَ تُورِدني الحوض الذي وَرَدوا
إن لم تنلني بمعروفٍ تجودُ بهِ ** أو يدفعَ اللهث عنيّ الواحدُ الصمدُ 24
فما يضرّ امرأً ، أمسَى وأنتِ له ، ** أنْ لا يكونَ من الدنيا لهُ سندُ
———
رحلَ الخليطُ جِمالَهم بِسَوَادِ ، ** وحدا ، على إثرِ الحبيبةِ ، حادِ 25
ما إن شعرتُ ، ولا علمتُ بينهم ** حتى سمعتُ به الغُرابَ يُنادي
لما رأيتُ البينَ ، قلتُ لصاحبي ** صدعتْ مصدعةُ القلوب فؤادي 26
بانوا ، وغودرِ في الديارِ متيمُ ** كَلِفٌ بذكرِكِ ، يا بُثينةُ ، صادِ 27
———
تذكرَ منها القلبُ ، ما ليسَ ناسياً ** ملاحةَ قولٍ ، يومَ قالتْ ، ومعهدا 28
فإن كنتَ تهوى أوْ تريدُ لقاءنا ** على خلوةٍ ، فاضربْ ، لنا منكَ ، موعدا
فقلتُ ، ولم أملِكْ سوابِقَ عَبْرةٍ : ** أأحسنُ ، من هذي العيشةِ ، مقعدا
فقالت : أخافُ الكاشِحِينَ ، وأتّقي ** عيوناً ، من الواشينَ ، حولي شهدا 29
———
ليت شعري ، أجَفوةٌ أم دَلالٌ ، ** أم عدوٌ أتى بثينةَ بعدي
فمريني ، أطعكِ في كلّ أمرٍ ** أنتِ ، والله ، أوجَهُ الناسِ عندي
———
خلِيليّ ، عوجا اليومَ حتى تُسَلّما ** على عذبةِ الأنياب ، طيبةِ النشرِ 30
فإنكما إن عُجتما ليَ ساعةً ، ** شكرتكما ، حتى أغيّبَ في قبري 31
أَلِماَّ بها ، ثم اشفعا لي ، وسلّما ** عليها ، سقاها اللهُ من سائغِ القطرِ
وبوحا بذكري عند بثنةَ ، وانظرا ** أترتاحُ يوماً أم تهشُّ إلى ذكري
فإن لم تكنْ تقطعْ قُوى الودّ بيننا ، ** ولم تنسَ ما أسلفتُ في سالفِ الدهرِ
فسوف يُرى منها اشتياقٌ ولوعةٌ ** ببينٍ ، وغربٌ من مدامعها يجري 32
وإن تكُ قد حالتْ عن العهدِ بَعدنا ، ** وأصغتْ إلى قولِ المؤنّبِ والمزري 33
فسوف يُرى منها صدودٌ ، ولم تكن ، ** بنفسيَ ، من أهل الخِيانةِ والغَدر
أعوذ بكَ اللهمُ أن تشحطَ النوى ** ببثنةَ في أدنى حياتي ولا حَشْري 34
وجاوِرْ ، إذا متُّ ، بيني وبينها ، ** فيا حبّذا موتي إذا جاورت قبري
———
هي البدرُ حسناً ، والنساءُ كواكبٌ ، ** وشتّانَ ما بين الكواكب والبدر
لقد فضّلتْ حسناً على الناس مثلما ** على ألفِ شهرٍ فضّلتْ ليلة القدرِ
عليها سلامُ اللهِ من ذي صبابةٍ ، ** وصبٍّ معنّىً بالوساوس والفكرِ
———
ذكرتُ مقامي ليلةَ البانِ قابضاً ** على كفِّ حوراءِ المدامعِ كالبدرِ 35
فكِدتُ ، ولم أمْلِكْ إليها صبَابَةً ، ** أهيمُ ، وفاضَ الدمعُ مني على نحري
فيا ليتَ شِعْري هلْ أبيتنّ ليلةً ** كليلتنا ، حتى نرى ساطِعَ الفجر
تجودُ علينا بالحديثِ ، وتارةً ** تجودُ علينا بالرُّضابِ من الثغر 36
فيا ليتَ ربي قد قضى ذاكَ مرّةً ، ** فيعلمَ ربي عند ذلك ما شكري
ولو سألتْ مني حياتي بذلتها ، ** وجُدْتُ بها ، إنْ كان ذلك من أمري
مضى لي زمانٌ ، لو أُخَيَّرُ بينه ، ** وبين حياتي خالداً آخرَ الدهرِ
لقلتُ : ذروني ساعةً وبثينةً ** على غفلةِ الواشينَ ، ثم اقطعوا عمري
مُفَلَّجةُ الأنيابِ ، لو أنّ ريقَها ** يداوى به الموتى ، لقاموا به من القبرِ
———
يهواكِ ، ما عشتُ ، الفؤادُ ، فإن أمُتْ ، ** يتبعْ صدايَ صداكِ بين الأقبرِ 37
إني إليكِ ، بما وعدتِ ، لناظرٌ ** نظرَ الفقيرِ إلى الغنيِّ المكثرِ
تقضى الديونُ ، وليس ينجزُ موعداً ** هذا الغريمُ لنا ، وليس بمُعسِر 38
ما أنتِ ، والوعدَ الذي تعدينني ، ** إلاّ كبرقِ سحابةٍ لم تمطرِ
———
تقولُ بثينةُ لما رأتْ ** فُنُوناً مِنَ الشَّعَرِ الأحْمَرِ
كبرتَ جميلُ وأودى الشبابُ ، ** فقلتُ : بثينَ ، ألا فاقصري
أتَنسيَنَ أيّامَنَا باللّوَى ، ** وأيامَنا بذوي الأجفَرِ
أما كنتِ أبصرتني مرّةً ، ** لياليَ ، نحنُ بذي جَهْوَر
لياليَ ، أنتم لنا جيرةٌ ، ** ألا تَذكُرينَ ؟ بَلى ، فاذكُري
وإِذْ أَنَا أَغْيَدُ ، غَضُّ الشَّبَابِ ، ** أَجرُّ الرِّداءَ مَعَ المِئْزَرِ 40
وإذ لمتي كجناحِ الغرابِ ، ** تُرجَّلُ بالمِسكِ والعَنْبَرِ
فَغَيّرَ ذلكَ ما تَعْلَمِينَ ، ** تغيّرَ ذا الزمنِ المنكرِ
وأنتش كلؤلؤةِ المرزبانِ ، ** بماءِ شبابكِ ، لم تُعصِري
قريبانِ ، مَربَعُنَا واحِدٌ ، ** فكيفَ كَبِرْتُ ولم تَكْبَري
———
لعمريَ ، ما استودعتُ سريَ وسرها ** سوانا ، حذاراً أن تشيعَ السرائرُ
ولا خاطبتْها مُقلتايَ بنظرةٍ ، ** فتعلمَ نجوانا العيونُ النواظرُ
ولكن جعلتُ اللحظَ ، بيني وبينها ** رسولاً ، فأدّى ما تَجُنّ الضمائر 44
لاحتْ ، لعينكِ من بثينةَ ، نارُ ، ** فدموعُ عينِكَ دِرّةٌ وغِزارُ
والحبُّ ، أولُ ما يكون لجاجةً ** تأتي بهِ وتسوقهُ الأقدارُ 45
حتى إذا اقتحَمَ الفتى لجَجَ الهَوى ، ** جاءتْ أُمورٌ لا تُطاقُ ، كِبارُ
———
فأصبحتُ ، مما أحدث الدهرُ ، موجعَاً ، ** وكنتُ لريبِ الدهرِ لا أتخشّع
فيا ربِّ حببني إليها ، وأعطني ** المودةَ منها ، أنتَ تعطي وتمنعُ
وإلاّ فصبرني ، وإن كنتُ كارهاً ، ** فإنّي بها ، يا ذا المَعارج ، مُولَعُ
وإن رمتُ نفسي كيف آتي لصَرمِها ، ** ورمتُ صدوداً ، ظلّتِ العينُ تدمَع
جزعتُ حذارَ البينِ يومَ تحملوا ** ومن كان مثلي ، يا بُثينةُ ، يجزَع
تمتّعْتُ منها ، يومَ بانوا ، بنظرةٍ ، ** وهل عاشقٌ ، من نظرةِ ، يتمتعُ
كفى حزناً للمرءِ ما عاشَ أنه ، ** ببينِ حبيبِ ، لا يزالُ يروعُ
فواحزنا ! لو ينفعُ الحزنُ أهلَه ، ** وواجَزَعَا ! لو كان للنفسِ مَجزَع 47
فأيُّ فؤادٍ لا يذوبُ لِما أرى ، ** وأيُّ عيونٍ لا تجود فتدمَع
———
لما دنا البينُ ، بينَ الحيَّ ، واقتسموا ** حبلَ النوى ، فهو في أيديهم قطعُ
جادتْ بأدمُعِها ليلى ، وأعجلني ** وشكُ الفراقِ ، فما أبقي وما أدعُ
———
أمنَ منزلٍ قفرٍ تعفتْ رسومهُ ** شَمال تُغاديهِ ، ونَكباءُ حَرجَفُ
فأصبحَ قفراً ، بعدما كان آهِلاً ، ** وجملُ المنى تشتوُ بهِ وتصيفُ
ظللتُ ، ومُستَنٌّ من الدمع هامِلٌ ** من العين ، لما عجتُ بالدارِ ينزفُ 48
إلى قوله:
ولستُ بناسٍ أهلها ، حين أقبلوا ، ** وجالوا علينا بالسيوفِ ، وطَوّفوا
وقالوا : جميلٌ بات في الحيّ عندها ، ** وقد جردوا أسيافهم ثم وقفوا
وفي البيتِ ليْثُ الغاب ، لولا مخافةٌ ** على نفس جملُ ، وإلالهِ ، لأرعفوا 49
هممتُ ، وقد كادت مراراً تطلعتْ ** إلى حربهم ، نفسي ، وفي الكفْ مرهفُ 50
وما سرني غيرُ الذي كان منهمُ ** ومني ، وقد جاؤوا إليّ وأوجفوا 51
فكم مرتجٍ أمراً أتيحَ له الردى ، ** ومن خائفٍ لم ينتقضهُ التخوفُ 52
وقوله:
وما ذكرتكِ النفسُ ، يا بثنَ ، مرةً ** من الدهر ، إلاّ كادت النفسُ تُتلَف
وإلاّ اعترتني زَفرةٌ واستِكانَةٌ ، ** وجادَ لها سجلٌ من الدمع يذرفُ 53
وما استطرفتْ نفسي حديثاً لخلةٍ ، ** أُسَرُّ به ، إلاّ حديثُك أطرَفُ
———
فما سِرْتُ من ميلٍ ، ولا سرْتُ ليلةً ، ** من الدهرِ ، إلا اعتادني منكِ طائِفُ
ولا مرّ يومٌ ، مذ ترامتْ بكِ النوى ، ** ولا ليلةٌ ، إلاّ هوًى منكِ رادفُ
أهُمُّ سُلُوًّا عنكِ ، ثم تردّني ** إليكِ ، وتثنيني عليكِ العواطِفُ
فلا تحسبنّ النأيَ أسلى مودتي ، ** ولا أنّ عيني ردهاّ عنكِ عاطفُ
وكم من بديلٍ قد وجدتُ ، طرفةٍ ، ** فتأبى عليّ النفسُ تلكَ الطرائفِ 54
———
يحبُّ الغواني البيضُ ظلَّ لوائنا ** إذا ما أتانا الصارخُ المتلهّفُ 55
نسِيرُ أمامَ الناسِ ، والناسُ خَلفَنا ، ** فإن نحنُ أمأنا إلى الناسِ وقّفوا
———
وقال خليلي : إنّ ذا لَصَبابَةٌ ، ** ألا تَزجُر القلبَ اللّجوجَ فيُلحَق 56
تعزَّ ، وإنْ كانتْ عليكَ كريمةً ، ** لعلَّكَ من رِقّ ، لبَثْنَةَ ، تَعتِقُ
فقلتُ له : إنّ البِعادَ لَشائقي ، ** وبعضُ بِعادِ البَينِ والنّأي أشْوَق 57
لعلّكَ محزونٌ ، ومُبدٍ صَبابَةً ، ** ومظهرُ شكوى من أناسٍ تفرّقوا
———
كأنَّ فتيتَ المسكِ خالطَ نشرها ، ** تغلُّ به أرادنها والمرافقُ
تقومُ إذا قامتْ به من فِراشها ، ** ويغدُو به من حِضْنِها مَن تُعانِقُ
———
ولقد قلتُ ، يومَ نادى المنادي ، ** مستحثاً برحلةٍ وانطلاقِ
ليتَ لي اليومَ ، يا بثينةُ منكم ، ** مجلساً للوداعِ قبلَ الفراقِ
حيثُ ما كنتمُ وكنتُ ، فإني ** غير ناسٍ للعهدِ والميثاقِ
———
لقد فرحَ الواشون أن صرمتْ حبلي ** بُثينةُ ، أو أبدتْ لنا جانبَ البُخلِ
يقولون : مهلاً ، يا جميلُ ، وإنني ** لأُقسِمُ ما لي عن بُثينةَ من مَهلِ
أحِلماً ؟ فقبلَ اليوم كان أوانُه ، ** أمَ أخشى ؟ فقبلَ اليوم أوعدتُ بالقتلِ
لقد أنكحوا جهلاً نبيهاً ظعينةً ، ** لطيفةَ طيِّ الكَشحِ ، ذاتَ شوًى خَدل 58
وكم قد رأينا ساعياً بنميمةٍ ** لأخرَ ، لم يعمدِ بكفٍ ولا رجلٍ
إذا ما تراجعنا الذي كان بيننا ، ** جرى الدمعُ من عينَي بُثينةَ بالكُحل
ولو تركتْ عقلي معي ما طلبتها ، ** ولكنْ طلابيها لما فات من عقلي
فيا ويحَ نفسي ! حسبُ نفسي الذي بها ** ويا ويحَ أهلي ! ما أصيب به أهلي
———
نأيتُ فلم يحدثْ ليَ النأيُ سلوةً ، ** ولم ألفِ طولَ النأي عن خلةٍ يسلي
ولستُ على بذلِ الصّفاءِ هَوِيتُها ، ** ولكن سَبتني بالدلالِ وبالبُخل
———
وقلتُ لها : اعتللتِ بغيرِ ذنبٍ ، ** وشرٌّ الناسِ ذو العللِ البخيلُ
ففاتيني إلى حكمٍ منَ أهلي ** وأهلكَ ، لا يحيفَ ولا يميلُ
إلى قوله:
وقُلْتُ له : قتلتُ بغيرِ جرمٍ ، ** وغبَّ الظلمّ مرتعهُ وبيلُ 59
فسَلْ هذي : متى تَقضي ديوني ، ** وهل يَقضِيكَ ذو العِلَلِ المَطول
فقالت : إنّ ذا كَذِبٌ وبُطْلٌ ، ** وشرّ ، من خُصومته ، طويل
أأقتُلهُ ؟ وما لي من سِلاحٍ ، ** وما بي لو أقاتلهُ ، حويلُ 60
ولم آخُذْ له مالاً ، فيُلفَى ** له دينٌ عليّ ، كما يقولُ
———
وإني لأستبكي ، إذا ذُكِر الهوى ، ** إليكِ ، وإني ، من هواكِ ، لأوجِل 61
نظرتُ ببِشرٍ نظرةً ظَلْتُ أمْتري ** بها عَبرةً ، والعينُ بالدمعِ تُكحَل 62
إذا ما كَررتُ الطرفَ نحوكِ ردّه ، ** من البُعدِ ، فيّاضٌ من الدمعِ يَهمِل 63
فيا قلبُ ، دع ذكرى بثينةَ إنها ، ** وإن كنتَ تهواها ، تَضنّ وتَبخَل
———
ألا ، لا أُبالي جَفوةَ الناس ، إن بدا ، ** لنا منكِ ، رأيٌ ، يا بُثَيْنَ جميل
وما لم تُطِيعي كاشحاً ، أو تَبدّلي ** بنا بدلاً ، أو كانَ منكِ ذُهُول
إلى قوله:
وقد قلتُ ، في حبّي لكمْ وصبابتي ، ** مَحاسِنَ شِعرٍ ، ذِكرُهُنّ يطولُ
فإنْ لم يكنْ قولي رضاكِ ، فعلميّ ، ** هبوبَ الصبا ، يا بثنَ ، كيفَ أقولُ
فما غابَ عن عيني خيالكِ لحظةً ، ** ولا زالَ عنها والخيالُ يزولُ
———
رسمِ دارٍ وقفتُ في طَلَلِهْ ، ** كدتُ أقضي ، الغداةَ من جللهِ 64
مُوحِشاً ، ما ترى به أحَداً ، ** تنتسجُ الريحُ تربَ معتدلهِ
———
أبثينَ ، إنكِ ملكتِ فأسجحي ، ** وخُذي بحظّكِ من كريمٍ واصلِ 65
فلربّ عارضةٍ علينا وصلَها ، ** بالجدِ تخلطهُ بقولِ الهازلِ
فأجبتها بالرفقِ ، بعدَ تستّرٍ : ** حُبّي بُثينةَ عن وصالكِ شاغلي
لو أنّ في قلبي ، كقَدْرِ قُلامَةٍ ، ** فضلاً ، وصلتكِ أو أتتكِ ، رسائلي 66
ويقلنَ : إنك قد رضيت بباطلٍ ** منها فهل لكَ في اعتزالِ الباطلِ
ولَبَاطِلٌ ، ممن أُحِبّ حَديثَه ، ** أشهَى إليّ من البغِيضِ الباذِل
إلى قوله:
صادت فؤادي ، يا بثينَ ، حِبالُكم ، ** يومَ الحَجونِ ، وأخطأتكِ حبائلي
منّيتِني ، فلوَيتِ ما منّيتِني ، ** وجعلتِ عاجلَ ما وعدتِ كآجلِ
وتثاقلتْ لماّ رأتْ كلفي بها ، ** أحببْ إليّ بذاكَ من متثاقلِ
———
وأطعتِ فيّ عواذلاً ، فهجرتني ، ** وعصيتُ فيكِ ، وقد جَهَدنَ ، عواذلي
حاولنني لأبتَّ حبلَ وصالكم ، ** مني ، ولستَ ، وإن جهدنَ ، بفاعلِ 67
———
خليليّ ، عُوجَا بالمحلّةِ من جُمْلِ ، ** وأترابِها ، بين الأجيفر فالخَبْلِ
نَقِفْ بمَغَانٍ قد محا رَسمَها البِلى ، ** تعاقبها الأيامُ بالريحِ والوبلِ
فلو درجَ النملُ الصغارُ بجلدها ** لأندبَ ، أعلى جلدها ، مدرجُ النملِ
أفي أمّ عمروٍ تعذلاني ؟ هديتما ، ** وقد تيّمَتْ قلبي ، وهام بها عقلي
وأحسنُ خلقِ اللهِ جيداً مقلةً ، ** تُشبَّهُ ، في النّسْوان ، بالشادِن الطفل
وأنتِ لعيني قرةٌ حينَ نلتقي ، ** وذكركِ يشفيني ، إذا خدرتْ رجلي
———
خليليّ ، عُوجَا بالمحلّةِ من جُمْلِ ، ** وأترابِها ، بين الأجيفر فالخَبْلِ
نَقِفْ بمَغَانٍ قد محا رَسمَها البِلى ، ** تعاقبها الأيامُ بالريحِ والوبلِ
فلو درجَ النملُ الصغارُ بجلدها ** لأندبَ ، أعلى جلدها ، مدرجُ النملِ
أفي أمّ عمروٍ تعذلاني ؟ هديتما ، ** وقد تيّمَتْ قلبي ، وهام بها عقلي
وأحسنُ خلقِ اللهِ جيداً مقلةً ، ** تُشبَّهُ ، في النّسْوان ، بالشادِن الطفل
وأنتِ لعيني قرةٌ حينَ نلتقي ، ** وذكركِ يشفيني ، إذا خدرتْ رجلي
أفِقْ أيها القلبُ اللّجوجُ عن الجهلِ ، ** ودع عنكَ جملاً لا سبيلَ إلى جملِ
ولو أنّ ألفاً دونَ بَثنةَ ، كُلّهم ** غيارى ، وكلٌ مزمعونَ على قتلي
لحاولتها إما نهاراً مجاهراً ، ** وإماّ سرى ليلٍ ، ولو قطعوا رجليّ
———
بثينَ سَلِيني بعضَ مالي فإنّما ** يُبَيَّنُ عند المالِ كلُّ بخيلِ
وإني وتَكراري الزّيارةَ نحوكم ** لبينَ يَدَي هجرٍ بُثَينَ طويلِ
فيا ليتَ شعري هل تقولين بعدنا ** إذا نحن أزمعنا غداً لرحيلِ
ألا ليتَ أياماً مضينَ رواجعٌ ** وليتَ النّوى قد ساعدت بجَميل
———
أيا ريحَ الشَّمالِ أما تَريني ** أهِيمُ ، وأنني بادي النُّحُولِ
هبيَ لي نسمةً من ريحِ بثنٍ ** ومُنيّ بالهبوبِ على جميلِ
وقولي يا بثينةُ حسب نفسي ** قليلُكِ أو أقلُّ مِنَ القَلِيلِ
———
عجلَ الفراقُ وليتهُ لم يعجلِ ** وجرت بَوادِرُ دمعِكَ المُتهلّلِ
———
أتاركتي للموت أنت فميّت * * * وعندكِ لي، لو تعلمين، شفاء
———
وكيف بنفـس أنتِ هيّجتِ سقمهـا * * * ويمنع منها يـا بثيـن شفـاؤهـا
لقد كنت أرجـو أن تجـودي بنائل * * * فأخلف نفسـي من جداك رجاؤهـا
فلو أن نفسـي يا بثيـن تطيعـني * * * لقد طال عنكم صبرهـا وعزاؤهـا
ولكن عصتـني واستبدّت بأمرهـا * * * فأنتِ هـواهـا يا بثيـن وشاؤها
فأحيي هداك الله نفسـاً مريضةً * * * طويـلاً بكم تهْيامُها وعـنـاؤهـا
———
وأوّلُ ما قادَ المَودّةَ بيننا ، ** بوادي بَغِيضٍ ، يا بُثينَ ، سِبابُ
وقلنا لها قولاً ، فجاءتْ بمثلهِ ، ** لكلّ كلامٍ ، يا بثينَ ، جوابُ
———
ألا أيّها النـوّام وَيْحَـكُمُ هُبّوا * * * أُسائِلُكُمْ هل يَقْتُلُ الرّجلَ الحُبُّ؟
فقالوا : نعم حتّى يَسُلَّ عظامه * * * ويتركه حيـران ليس له لُـبُّ
———
أعاتب من يحلو لديّ عتابه * * * وأترك من لا أشتهي وأجانبه
———
ارحَمِيني ، فقد بلِيتُ ، فحَسبي ** بعضُ ذا الداءِ ، يا بثينةُ ، حسبي 7
لامني فيكِ ، يا بُثينةُ ، صَحبي ، ** لا تلوموا ، قد أقرحَ الحبُّ قلبي
زعمَ الناسُ أنّ دائيَ طِبّي ، ** أنتِ ، والله ، يا بُثينةُ ، طِبّي
———
وقالوا: يا جميل أتى أخوها * * * فقلت أتى الحبيبُ أخو الحبيبِ
———
وما بكتِ النساء على قتيلٍ * * * بأشرفَ من قتيل الغانياتِ
———
حلفتُ ، لِكيما تَعلمِيني صادقاً ، ** وللصدقُ خيرٌ في الأمرِ وأنجحُ
لتكليمُ يومٍ من بثينةَ واحدٍ ** ألذُّ من الدنيا ، لديّ وأملحُ 10
———
أظل نهـاري لا أراهـا وتلتقي * * * مع الليل روحي في المنام وروحها
فهل لي في كتمان حبي راحة ؟ * * * وهل تنفعني بوحـة لو أبـوحهـا
———
إذا قلتُ: ما بي يا بثينـة قـاتـلـي * * * من الوجـد، قالت: ثابت ويزيد
وإن قلتُ: ردّي بعض عقلي أعش به * * * مع الناس، قالت: ذاك منك بعيد
———
علقت الهـوى منهـا وليـدا فلم يزل * * * إلى اليوم ينمي حبّهـا ويزيد
———
ونغّص دهر الشّيب عيشي ولم يكن * * * ينغّصه إذ كنت والرأس أسود
نخصّ زمـان الشّيـب بالذّم وحده * * * وأي زمـان يا بثينـة يحمـد
———
فلا تكثرا لومي، فما أنا بالذي * * * سننت الهوى في الناس أو ذقته وحدي
———
والحـب أول ما يكون لجـاجـة * * * تأتي به وتسوقه الأقـدار
حتى إذا اقتحم الفتى لجج الهوى * * * جاءت أمور لا تطاق كبار
———
لا والذي تسجد الجباه له * * * ما لي بما دون ثوبها خبر
ولا بفيها ولا هممت بـه * * * ما كان إلا الحديث والنّظر
———
أقلّب طرفي في السّماء لعله * * * يوافق طرفي طرفها حين تنظر
———
إني ، عَشِيّةَ رُحتُ ، وهي حزينةٌ ، ** تشكو إليّ صبابةً ، لصبورُ
وتقول : بتْ عندي ، فديتكَ ليلةً ** أشكو إليكَ ، فإنّ ذاكَ يَسيرُ
غرّاءُ مِبسامٌ كأنّ حديثها ** دُرٌّ تحدّرَ نَظمُه ، منثور 41
محطوطةُ المَتنين ، مُضمَرةُ الحشا ، ** رَيّا الروادفِ ، خَلّقُها مَمكُور 42
لا حسنها حسنُ ، لا كدلالها ** دَلٌّ ، ولا كوقَارها توقير 43
———
ألا قاتل الله الهوى كيف قادني * * * كما قيد مغلول اليدين أسير
———
وكان التفرّق عند الصباح * * * عن مثل رائحة العنبر
خليـلان لم يقربا ريبـة * * * ولم يستخفا إلى المنكر 46
———
وآخرُ عهدٍ لي بها يومَ ودعتْ ، ** ولاحَ لها خدٌّ مليحٌ ومحجرُ
عشيةَ قالت : لا تضيعنّ سرّنا ، ** إذا غبتَ عنا ، وارعهُ حين تدبرُ
وطَرفَكَ ، إمّا جِئتنا ، فاحفَظنّهُ ، ** فذَيْعُ الهوى بادٍ لمن يتبصّر
وأعرضْ إذا لاقيتَ عيناً تخافها ، ** وظاهرْ ببُغضٍ ، إنّ ذلك أسترُ
فإِنَّكَ إِنْ عَرَّضْتَ فِينا مَقَالَةً ** يَزِدْ ، في الَّذِي قَدْ قُلْتَ ، واشٍ ويُكْثِر
وينشرُ سرّاً في الصديقِ وغيره ، ** يعزُّ علينا نشرهُ حين ينشرُ
إلى قوله:
سأمنَحُ طَرفي ، حين ألقاكِ ، غيرَكم ، ** لكيما يروا أنّ الهوى حيث أنظر
أقلّبُ طرفي في السماءِ ، لعله ** يوافقُ طَرفي طَرفَكُمْ حين يَنظُر
وأُكَنِّي بأسماءٍ سواكِ ، وأتقي ** زِيارَتَكُمْ ، والحُبّ لا يتغيّرُ
فكم قد رأينا واجِداً بحبيبةٍ ، ** إذا خافَ ، يُبدي بُغضَهُ حين يظهر 39
———-
إلى الله أشكو ، لا إلى الناس ، حبَّها ، ** ولا بُدّ من شكوى حبيبٍ يُروَّع
ألا تَتّقِينَ الله فيمَن قتلتهِ ، ** فأمسى إليكم خاشعاً يتضرّع
فإنْ يكُ جثماني بأرضِ سواكم ، ** فإنّ فؤادي عندكِ الدهرَ أجمع
———-
فيا ربّ حببنـي إليهـا وأعطني * * * المـودّة منها أنت تعطي وتمنع
وإلا فصبّرني وإن كنت كارهـا * * * فإني بها يـا ذا المعارج مولـع
تمتّعْتُ منها يوم بانـوا بنظـرة * * * وهل عاشـقٌ من نظـرةٍ يتمتّع
———-
كفى حزنا للمرء ما عاش أنه * * * ببين حـبـيـب لا يـزال يـروّع
فوا حزني لو ينفع الحزن أهله * * * ويا جزعي إن كان للنفس مجزع
فأي قلـوب لا تذوب لِما أرى * * * وأي عيـون لا تجـود فتـدمـع
———-
أتاركتي للمـوت أنـتِ لميّـتٌ * * * وعندك لي لو تعلميـن شفـا
فوا كبدي من حبّ من لا يحبّني * * * ومن عثـرات ما لهن شفـا
———-
صدعَ النعيَّ ، وما كنى بجميلٍ ، ** وثوى بمصرَ ثواءً غيرِ قفولِ 68
ولقد أجرُّ الذيلَ في وادي القرى ، ** نَشوانَ ، بينَ مَزارعٍ ونَخِيل 69
بكرَ النعيَّ بفارسِ ذي همٍ ، ** بطلٍ ، إذا حُمّ اللّقاءُ ، مُذيلِ 70
قُومي ، بثينةُ ، فاندُبي بعويلِ ، ** وابكي خليلكَ دونَ كلّ خليلِ
———-
فليتَ رجالاً فيكِ قد نذروا دمي ، ** وهَمّوا بقتلي ، يا بُثَينَ ، لقُوني
إذا ما رأوني طالعاً من ثنيةٍ ، ** يقولون : من هذا ؟ وقد عرفونيِ 71
يقولون لي : أهلاً وسهلاً ومرحباً ! ** ولو ظفروا بي خالياً ، تلوني 72
———-
تُشيِّبُ رَوعاتُ الفِراق مفَارقي ، ** وأنشَزنَ نفسي فوقَ حيثُ تكون
فوا حسرَتا ! إنْ حِيلَ بيني وبينها ، ** ويا حينَ نفسي كيف فيكِ تحينُ
وإني لأستغشي ، وما بيَ نَعسةٌ ** لعلّ لِقاءً ، في المنام يكون
———-
تصدّ إذا ما النّاس بالقول أكثروا * * * علينا وتجري بالصّفـاء الرسائل
فإن غفل الواشون عدنا لوصلنا * * * وعاد التّصـافي بيننا والتّراسـل
فيا حسنها إذ يغسل الدمع كحلها * * * وإذ هي تذري الدّمع منها الأنامل
عشيّة قالت في العتاب : قتلتني * * * وقتلـي بما قالـت هناك تحـاول
فقلت لها: جودي! فقالت مجيبة * * * أللجدّ هذا منك أم أنـت هـازل؟
———-
فما هكذا أحببتَ من كان قبلها * * * ولا هكذا فيما مضى كنتَ تفعل
فيا قلـب دع ذكرى بثينة إنها * * * وإن كنت تهواها تضنُّ وتبخل
———-
فما غاب عن عيني خيالك لحظة * * * ولا زال عنها والخيال يزول
———-
ألا ليت قلبي عن بثينة يذهل * * * ويبدو له الهجران أو يتبدّل
———-
يقولون: مهلا يا جميـل وإنني * * * لأقسم ما لي عن بثينـة من مهـل
إذا ما تراجعنا الذي كان بيننـا * * * جرى الدمع من عيني بثينة بالكحل
———-
أشاقتـك المعـارف والطلول * * * عَفَوْنَ وخفّ منهـنّ الحمـول
نعم فذكـرت دنيـا قد تقضّت * * * وأيّ نعيـم الدنـيـا لا يـزول
أسائـل دار بثنـة أين حلّـت * * * كأن الـدار تخبـر ما أقـول
———-
فلربّ عارضـة علينا وصلها * * * بالجـدّ تخلطه بقـول الهـازل
فأجبتهـا بالقـول بعد تستّـرٍ * * * حبّي بثينة عن وصالك شاغلي
———-
ويقلن: إنك قد رضيـت بباطل * * * منها فهل لك في اجتناب الباطل
ولبـاطل ممن أحـبّ حديثـه * * * أشهى إليّ من البغيـض الباذل
———-
ويقلـن : إنكِ يا بثينُ بخيلـة * * * نفسي فـداءك من ضنين باخل
ثم قال:
فصلي بحبلك يا بثيـن حبائلي * * * وعدي مواعـد منجز أو ماطل
———-
أتوهـا بقـولٍ لم أكـن لأقولـه * * * وكلّهـم حـرف عليّ ظلـوم
بقولٍ جزيت النـار إن كنت قلته * * * وكلّ جـزاء الظالميـن أليـم
لكِ الخير هلاّ عجت حتى تفهمي * * * وذو اللّب في كل الأمور فهيم
فتستيقني أن لم يكن من خلائقي * * * وذلك أمـر يا بثيـن عظيـم
———-
ألا ليتني أعمى أصمّ تقودني * * * بثينة لا يخفى عليّ كلامها
———-
شهـدت بأني لم تغيّر مودّتي * * * وأني بكم حتى الممات ضنين
وأن فؤادي لا يلين إلى هوىً * * * سواكِ وإن قالوا : بلى سيلين
وإني لأستغشي وما بي نعسةٌ * * * لعلّ لقـاءً في المنـام يكون
———-
أرى كلّ معشوقينِ ، غيري وغيرَها ، ** يَلَذّانِ في الدّنْيا ويَغْتَبِطَانِ 74
وأمشي ، وتمشي في البلادِ ، كأننا ** أسِيران ، للأعداءِ ، مُرتَهَنانِ
أصلي ، فأبكي في الصلاةِ لذكرها ، ** ليَ الويلُ ممّا يكتبُ الملكانِ
ضَمِنْتُ لها أنْ لا أهيمَ بغيرِهَا ، ** وقد وثقتْ مني بغيرِ ضمانِ
ألا ، يا عبادَ الله ، قوموا لتسمعوا ** خصومةَ معشوقينِ يختصمانِ
وفي كل عامٍ يستجدانِ ، مرةً ، ** عتاباً وهجراً ، ثمّ يصطلحانِ
يعيشانِ في الدّنْيا غَريبَينِ ، أينما ** أقاما ، وفي الأعوامِ يلتقيانِ
———-
يا عاذليَّ ، من الملامِ دعاني ، ** إنّ البليةَ فوقَ ما تصفاني
زعمتْ بثينةُ أنّ فُرقتنا غداً ** لا مرحباً بغدٍ ، فقد أبكاني
———-
ورُبّ حبالٍ ، كنتُ أحكمتُ عَقدَها ، ** أُتِيحَ لها واشٍ رَفيق ، فحَلّها
فعدنا كأنّا لم يكن بيننا هوىً ، ** وصارَ الذي حَلّ الحِبالَ هوًى لها
وقالوا : نراها ، يا جميلُ ، تبدّلتْ ، ** وغيرها الواشي ؛ فقلتُ : لعلها
———-
وددتُ ، على حبِّ الحياةِ ، لو أنها ** يزاد لها ، في عمرها ، من حياتيا
وأخبرتماني أنّ تَيْمَاءَ مَنْزِلٌ ** لليلى ، إذا ما الصيفُ ألقى المراسيا
فهذي شُهور الصيفِ عنّا قد انقضَتْ ، ** فما للنوى ترمي بليلى المراميا
وأنتِ التي إن شئتِ أشقيتِ عيشتي ، ** وإنْ شئتِ ، بعد الله ، أنعمتِ بالِيا
وأنتِ التي ما من صديقٍ ولا عداً ** يرى نِضْوَ ما أبقيتِ ، إلاّ رثى ليا
ومازلتِ بي ، يا بثنَ ، حتى لو أنني ، ** من الوجدِ أستبكي الحمامَ ، بكى ليا
إذا خدرتْ رجلي ، وقيل شفاؤها ** دُعاءُ حبيبٍ ، كنتِ أنتِ دُعائِيا
———-
ولو أرسلتْ ، يوماً ، بُثينةُ تبتغي ** يميني ، ولو عزّت عليّ يميني
لأعطيتها ما جاءَ يبغي رسولها ، ** وقلتُ لها بعد اليمين : سليني
سليني مالي ، يا بثينَ ، فإنّما ** يُبيَّنُ ، عند المالِ كلُّ ضَنين 73
فما لكِ لمّا خَبر الناسُ أنني ** غدرتُ بظهرِ الغيبِ لم تسليني
فأُبليَ عُذراً أو أجيءَ بشاهِدٍ ، ** من الناسِ عدلٍ أنهم ظلموني
بُثينَ الزمي لا ، إنّ لا ، إن لزمتِه ، ** على كثرة الواشينَ أيُّ معونِ
لحا الله من لا ينفعُ الوعدُ عنده ، ** ومَنْ حَبلُه إن مُدّ غيرُ متين
ومن هو ذو وجهين ليس بدائمٍ ** على العهدِ ، حلاف بكلّ يمينِ
ولستُ ، وإن عزّت عليّ ، بقائلٍ ** لها بعد صَرمٍ : يا بُثَينَ صِليني
———-
خليليّ إن قالـت بثينـة : ما له * * * أتانا بلا وعدٍ؟ فقولا لها : لها
أتى وهو مشغولٌ لعظـم الذي به * * * ومن بات يرعى السّها سهـا
بثينة تزري بالغزالة في الضحى * * * إذا برزت لم تبث يوما بِها بَها
لها مقلة كحـلاء نجـلاء خلقة * * * كأن أباها الظّبي أو أمّها مهـا
دهتني بودّ قاتـل وهـو متلفي * * * وكم قتلت بالودّ من ودّها دها
———-
أبلغ بثينـة أني لست ناسيهـا * * * ما عشت حتى تجيب النّفس داعيها
بانت فلا القلب يسلو من تذكّرها * * * يوما، ولا نحن في أمـر نلاقيهـا
———-
على الـدار التي لبست بِلاهـا * * * قفـا، يـا صاحبيّ، فسائلاهـا
ومـا يبكيـكِ من عرصات دارٍ * * * تقـادم عهدهـا وبـدا بِلاهـا
———-
وقـد طالبتهـا حتـى مللنـا * * * مواعدهـا وأعيانـا مُنـاهـا
فما جـادت لنـا حتى ورَدْنـا * * * حياض المـوت أو كدنا نراها
———-
أعدّ الليالي ليلة بعد ليلةٍ * * * وقد عِشت دهرا لا أعدّ اللياليا
———-
ألم تعلمي يا عذبةَ الريق أنني ** أظلُّ ، إذا لم ألقَ وجهكِ ، صاديا
لقد خِفْتُ أن ألقَى المنيّةَ بَغتَةً ، ** وفي النفسِ حاجاتٌ إليكِ كما هيا
وإني لينسيني لقاؤكِ ، كلما ** لقِيتُكِ يوماً ، أن أبُثّكِ ما بِيا
شرح المعاني
1
الرَّيْبُ: صَرْفُ الدَّهْر. و الرَّيْبُ و الرِّيبةُ: الشَّكُّ، والظِّنَّةُ، والتُّهمَةُ. و الرِّيبةُ، بالكسر، والـجمع رِيَبٌ. و الرَّيْبُ: ما رابَك مِنْ أَمْرٍ. وقد رابَنِـي الأَمْر، و أَرابَنِـي. و أَرَبْتُ الرجلَ: جَعَلْتُ فـيه رِيبةً. و ربْتُه: أَوْصَلْتُ إِلـيه الرِّيبةَ. وقـيل: رابَنـي: عَلِـمْتُ منه الرِّيبة، و أَرابَنِـي؛ أَوهَمَنـي الرِّيبةَ، وظننتُ ذلك به.
2
الصَّبْوَةُ: جَهْلَة الفُتُوَّةِ واللّهْوِ من الغَزَل، ومنه التَّصابـي و الصِّبا. صَبا صَبْواً و صُبُوًّا و صِبىً و صَباءً. و الصِّبْوَة: جمع الصَّبـيِّ؛ و الصِّبْـيةُ لغة، والـمصدر الصِّبا. يقال: رأَيتُه فـي صِباهُ أَي فـي صِغَرِه. و الصَّبـيُّ: من لَدُنْ يُولَد إِلـى أَنْ يُفْطَم، والـجمع أَصبِـيَةٌ و صِبْوةٌ وصِبْـيَةٌ و صَبْـيَةٌ و صِبْوانٌ و صُبْوانٌ و صِبْـيانٌ.
3
قال الشاعر يصف الدار: سأَلْتُها عن ذاك فاسْتَعْجَمَتْ / لم تَدْرِ ما مَرْجُوعةُ السَّائلِ..
4
اللجين: الفضة. الانضاء جمع نضو وهو المهزول الذاهب اللحم من الناس والإبل.
5
أَقْلَص البعيرُ إِذا ظَهَرَ سَنامُه شيئاً وارتفع والقَلْص والقُلُوص أَولُ سِمَنها. والقَلُوص الفَتِيَّة من الإِبل بمنزلة الجارية الفَتَاة من النساء.
6
شَرْخ كل شيءٍ: حرفه الناتـىءُ كالسهم ونـحوه. و شرْخا الفُوق: حرفاه الـمُشْرِفان اللذان يقع بـينهما الوَتر. وشَرْخُ الشباب: أَوَّله ونَضارته وقُوَّته.
7
البَلاء الاختبار يكون بالخير والشر.
والإبلاء الإنعام والإحسان يقال بَلَوْت الرجلَ وأَبْلَيْت عندَه بَلاء حسناً.
وبَلِيَ الثوبُ يَبْلَى بِلًى وبَلاء وأَبْلاه، قال العجاج: والمَرْءُ يُبْلِيهِ بَلاءَ السِّربالْ / كرُّ الليالي وانْتِقالُ الأَحوالْ. السِّرْبالُ القَميص والدِّرْع وقيل كُلُّ ما لُبِسَ فهو سِرْبالٌ وقد تَسَرْبَلَ به وسَرْبَلَه إِياه وسَرْبَلْتُه فَتَسَرْبَل أَي أَلبسته السِّرْبالَ.
8
أوب : الأَوْبُ: الرُّجُوعُ. آبَ إِلـى الشيءِ: رَجَعَ، يَؤُوبُ أَوْباً و إِياباً . هُدُوّاً أَي بعد هَدْءٍ من اللـيل. والنَّصْبُ: إِقامةُ الشيءِ ورَفْعُه.
9
شَعَرَ به أي علِم به، ولَيْتَ شِعْرِي أَي ليت علمي أَو ليتني علمت . والشِّعارُ جمع شَعَرٍ، والشِّعارُ ما ولي شَعَرَ جسد الإِنسان دون ما سواه من الثياب.
10
الـمِلْـحُ: الـحُسْنُ من الـمَلاحة. وقد مَلُـحَ يَمْلُـحُ مُلُوحةً و مَلاحةً و مِلْـحاً أَي حَسُنَ، فهو مَلـيح و مُلاحٌ و مُلَّاح. و الـمُلَّاحُ أَمْلَـحُ من الـمَلـيح.
11
في سراح أي في عجلة.
12
السَّفْحُ عُرْضُ الجبل حيث يَسْفَحُ فيه الماءُ. وسَفَح الدمعَ يَسْفَحُه سَفْحاً وسُفوحاً فَسَفَح أَرسله.
13
الضَّرْحُ التنحيةُ. والضَّرِيحُ الشَّقُّ في وسط القبر واللحدُ في الجانب.
14
اللَّوْحُ كلُّ صَفِيحة عريضة من صفائح الخشب. والصَّفْحُ الجَنْبُ وصَفْحُ الإِنسان جَنْبُه وصَفْحُ كل شيءٍ جانبه وصَفْحاه جانباه، وصَفْحَةُ الرجل عُرْضُ وجهه، وصَفْحُ السيف وصُفْحُه عُرْضُه والجمع أَصفاح.
15
القَذى ما يقع في العين وما تَرمي به وجمعه أَقذاء. وقَذِيت عينُه تَقْذى قَذًى وقَذْياً وقَذَياناً وقع فيها القذَى أَو صار فيها. والقَدْحُ والقادحُ أَكالٌ يَقَعُ في الشجر والأَسنان والقادحُ العَفَن. والقادحةُ الدودة التي تأْكل السِّنّ والشجر، تقول قد أَسرعت في أَسنانه القَوادحُ.
16
الـجَدُّ، أَبو الأَب. والـجَدُّ: البَخْتُ والـحُظْوَةُ. و الـجَدُّ: الـحظ والرزق؛ يقال: فلان ذو جَدَ فـي كذا أَي ذو حظ.
17
البَوْنُ والبُونُ مسافةُ ما بين الشيئين.
18
ثَنايا الإنسان في فمه الأربعُ التي في مقدم فيه. والثَّنِيّة طريق العقبة ومنه قولهم فلان طَلاَّع الثَّنايا إذا كان سامياً لمعالمي الأُمور. والثَّناءُ ما تصف به الإنسانَ من مَدْح أَو ذم وخص بعضهم به المدح. واسْتَثْنَيْتُ الشيءَ من الشيء حاشَيْتُه والثَّنِيَّة ما اسْتُثْني .
19
الأَشْتاتُ جمع شَتٍّ وهو المتفرّق.
20
هاجَ الشيءُ ثار لمشقة أَو ضرر تقول هاج به الدم وهاجَه غيرُه. وتَهايَجَ الفَريقان إِذا تواثبا للقتال وهاجَ الشَّرُّ بين القوم، والهَيْجاءُ الحرب بالمد والقصر لأَنها مَوْطِنُ غَضَبٍ. والهَيْجُ الريح الشديدة، والهَيْجُ هَيَجَانُ الدم أَو الجماع أَو الشَّوْقِ.
21
نواها: بعدها.
22
فَضَضْتُ الشيءَ أَفُضُّه فَضَّاً، فهو مَفْضُوضٌ و فَضِيضٌ: كسرتُه وفَرِّقْتُه، و فُضاضُ و فِضاضُ الشيء: ما تفرق منه عند كسرك إِياه.
23
العَذْلُ اللَّومُ.قال ابن الأَعرابي العَذْلُ الإِحْراق فكأَنَّ اللائم يُحْرِق بعَذْله قلبَ المَعْذول.
24
اللَّهَثُ واللُّهاثُ حر العطش. لَهَث الكلب بالفتح يَلْهَثُ لَهْثاً ولُهاثاً بالضم إِذا أَخرج لسانه من التعب أَو العطش وكذلك الرجل إِذا أَعيا.
25
خَـلِـيطُ الرجل: مُخالِطُه، والـخُـلْطةُ؛ بالضم: الشِّرْكة. والـخِـلْطةُ، بالكسر: العِشْرَةُ. والـخَـلِـيطُ: القوم الذين أَمْرُهم واحد؛ والـجمع خُـلَطاء وخُـلُطٌ.
26
الصَّدْعُ الشَّقُّ في الشيءِ الصُّلْبِ كالزُّجاجةِ والحائِطِ وغيرهما وجمعه صُدُوعٌ. وصَدَعَ الشيءَ يَصْدَعُه صَدْعاً وصَدَّعَه فانْصَدَعَ وتَصَدَّعَ شَقّه بنصفين. والصُّداعُ وجَعُ الرأْس.
27
كلُّ ما صار قُبالَتَك فهو صَدَدُك. وقوله تعالـى: “فأَنْتَ له تَصَدَّى”؛ أَي تتَعَرَّض. والكلَف شيء يعلو الوجه كالسِّمسم، والكُلْفَةُ حُمْرة كَدرة تعلو الوجه، وكَلِف بالشيء كلَفاً وكُلْفة فهو كلِفٌ ومُكلَّف لهِج به. وكلِفَ بها أَشْد الكَلَفِ أَي أَحَبَّها ورجل مِكْلاف مُحِبّ للنساء. وكلَّفه تكليفاً أَي أَمره بما يشق عليه وتكلَّفت الشيء تجشَّمْته على مشقَّة وعلى خلاف عادتك.
28
المَعْهَدُ الموضعُ كنتَ عَهِدْتَه أَو عَهِدْت هَوىً لك أَو كنتَ تَعْهَدُ به شيئاً والجمعُ المَعَاهِدُ. والمُعاهَدَةُ والاعْتِهادُ والتعاهُدُ والتَّعَهُّدُ واحد وهو إِحداثُ العَهْدِ بما عَهِدْتَه ويقال للمحافظ على العَهْدِ مُتَعَهِّدٌ.
29
الكاشِحُ: العَدُوُّ الـمُبْغِضُ. والكاشح: الذي يضمر لك العداوة.
30
النَّشْر: الـحياة. و أَنشر الله الريحَ: أَحياها بعد موت. قال الـجوهري: نَشَر الـمتاعَ وغيرَه و ينشُرُ نَشْراً بَسَطَه. قال ابن الأَعرابـي: امرأَة مَنْشُورة و مَشْنُورة إِذا كانت سخيَّة كريمة.
31
العَوَجُ الانعطاف.
32
الدَّمْع ماء العين والجمع أَدْمُعٌ ودُموعٌ والقَطْرةُ منه دَمْعة، والمَدامِعُ المآقي وهي أَطراف العين والمَدْمَع مَسِيل الدمع، والغَرْبُ والمَغْرِبُ خِلافُ الشَّرْق، والغُرُوبُ غُيوبُ الشمس، وغَرَّبَ القومُ ذَهَبُوا في المَغْرِبِ، وأَغْرَبُوا أَتَوا الغَرْبَ، وتَغَرَّبَ أَتَى من قِبَلِ الغَرْب، والغَرْبيُّ من الشجر ما أَصابته الشمسُ بحَرِّها عند أُفُولها، وفي التنزيل العزيز “زَيْتُونةٍ لا شَرْقِيَّةٍ ولا غَرْبِيَّةٍ” والغَرْبُ الذهابُ والتَّنَحِّي عن الناسِ، وقد غَرَبَ عنا يَغْرُبُ غَرْباً وغَرَّبَ وأَغْرَبَ وغَرَّبه وأَغْرَبه نَحَّاه.
والغَرْبة والغَرْبُ النَّوَى والبُعْد وقد تَغَرَّب وغَرَبَ أَي بَعُدَ ويقال اغْرُبْ عني أَي تباعَدْ.
33
زَرَى علـيه عَمَلَه إِذا عابَه وعَنَّفَه.
34
الشَّحْطُ و الشَّحَطُ: البُعْدُ
35
الـحَوَرُ: أَن يَشْتَدَّ بـياضُ العين وسَوادُ سَوادِها وتسدير حدقتها وترق جفونها ويبـيضَّ ما حوالـيها؛ وقـيل: الـحَوَرُ شِدَّةُ سواد الـمُقْلَةِ فـي شَدّة بـياضها فـي شدّة بـياض الـجسد.
36
الرُّضابُ: ما يَرْضُبُه الإِنسانُ من رِيقِه كأَنه يَمْتَصُّه، وإِذا قَبَّلَ جاريتَةَ رَضَبَ رِيقَها
37
الصَّدَى: جَسَدُ الإِنْسَانِ بعدَ مَوْتِهِ. و الصَّدَى: الدِّماغُ نَفْسُه، وحَشْوُ الرَّأْسِ، يقال: صَدَع اللَّهُ صَدَاهُ. و الصَّدَى: موضِعُ السَّمْعِ من الرَّأْسِ. و الصَّدى: طائِرٌ يَصِيحُ فـي هامَةِ الـمَقْتُولِ إِذا لَـمْ يُثْأَرْ به، وقـيل: هو طائِرٌ يَخْرُجُ من رَأْسِهِ إِذا بَلِـيَ، ويُدْعَى الهامَةَ، وإِنما كان يزعُم ذلك أَهلُ الـجاهِلـية. و الصَّدَى: الصَّوْت.
38
الغُرْمُ الدَّيْنُ، ورَجُلٌ غارمٌ عليه دَيْنٌ، والغَرامةُ ما يلزم أَداؤه وكذلك المَغْرَمُ والغُرْمُ.
39
الوُجْدُ والوَجْدُ والوِجْدُ: الـيسار والسَّعةُ. والواجِدُ: الغنـيُّ. ووجِدَ الشيءُ عن عدَم، فهو موجود. ووَجَد علـيه فـي الغضب يَجُدُ ويَجِدُ وَجْداً و جِدَةً و موجَدةً و وِجْداناً: غضب. ووَجَدَ به وَجْداً: فـي الـحُبِّ لا غير، وإِنه لَـيَجِدُ بفلانة وَجْداً شديداً إِذا كان يَهْواها ويُحِبُّها حُبّاً شديداً.
40
غَيِدَ غَيَداً وهو أَغْيَدُ: مالت عنقُه ولانَتْ أَعْطافُه، وقـيل: استرخت عنقه. وظبـي أَغْيَدُ كذلك.
41
دَرَّ اللبنُ والدمع ونحوهما يَدِرُّ ويَدُرُّ دَرّاً ودُرُوراً أي كثر.
قال الأَزهري الحَدْرُ من كل شيء تَحْدُرُه من عُلْوٍ إِلى سُفْلٍ. والنَّظْمُ التأْليفُ. ونظَمْتُ اللؤْلؤَ أي جمعته في السِّلْك.
42
المَتْنُ من كل شيء ما صَلُبَ ظَهْرُه والجمع مُتُون ومِتَانٌ، ومَتْنُ كل شيء ما ظهر منه، والمَتْنُ ما ارتفع من الأَرض واستوَى وقيل ما ارتفع وصَلُبَ والجمع المُتُونُ.
الضُّمْرُ والضُّمُر مثلُ العُّسْر والعُسُر الهُزالُ، والضَّمْرُ من الرجال الضامرُ البَطْنِ. والمَكْرُ احتيال في خُفية، وأَصل المَكْر الخِداع. وثوب مَمْكُورٌ ومُمْتَكَرٌ مصبوغ بالمَكْرِ وقد مَكَرَه فامْتَكَرَ أَي خَضَبَه فاخْتَضَبَ. والمَكْرَةُ الساقُ الغليظة الحسناء، وامرأَة مَمْكُورَةٌ مستديرة الساقين.
43
الوَقْرُ ثِقَلٌ في الأُذن بالفتح، والوِقْرُ بالكسر الثِّقْلُ يحمل على ظهر أَو على رأْس، ورجل مُوقَرٌ ذو وِقْرٍ، وامرأَةٌ مُوقَرَةٌ ذاتُ وِقْرٍ، وأَوْقَرَتِ النخلةُ أَي كَثُرَ حَمْلُها.
والوَقار الحلم والرَّزَانة. ووَقَرَ الرجل من الوَقار يَقِرُ فهو وَقُورٌ.
44
لحَظَه يَلْحَظُه لَحْظاً ولَحَاظاً ولَحَظَ إِليه نظره بمؤخِرِ عينِه من أَيّ جانبيه كان يميناً أَو شمالاً.
45
لَجَّ في الأَمر تمَادى عليه وأَبَى أَن يَنْصَرِفَ عنه، ولُجَّةُ الأَمرِ مُعْظَمُه ولُجَّةُ الماءِ بالضم مُعْظَمُه.
46
اسْتَخَفَّ فلان بحقي إذا اسْتَهانَ به، واسْتَخَفَّه الفرحُ إذا ارتاح لأَمر، واسْتَخَفَّه فلان إذا اسْتَجْهَله فحمله على اتِّباعه في غَيِّه ومنه قوله تعالى “ولا يَسْتَخفَّنَّكَ الذين لا يوقِنون”.
47
الجَزَعُ نَقِيضُ الصَّبْرِ.
48
الهَمْل بالتسكين مصدر قولك هَمَلتْ عينُه تَهْمُل وتَهْمِل هَمْلاً وهُمُولاً وهَمَلاناً وانْهَمَلتْ فاضت وسالت. والهَمَل المتروك ليلاً أَو نهاراً وما ترك الله الناس هَمَلاً أَي سُدىً بلا ثوابٍ ولا عِقاب،
49
ورَعَفَه يَرْعَفُه رَعْفاً سَبَقَه وتقدَّمَه، والرُّعاف دم يَسْبِقُ من الأَنف، والرّواعِفُ الرِّماحُ.
50
الرَّهَفُ مصدر الشيء الرُّهِيف وهو اللَّطيف الرقيق، ورجل مُرْهَفٌ رقيق
51
الوَجْفُ سُرْعة السير، وفي الحديث “لم يُوجِفوا عليه بخيل ولا ركاب” الإيجاف سُرعة السير.
52
النَّقْضُ إِفْسادُ ما أَبْرَمْتَ من عَقْدٍ أَو بِناء، وأَنْقَضَ الرَّحْلُ إِذا أَطَّ.
53
السَّجْلُ الدَّلْو الضَّخْمَة المملوءةُ ماءً.
54
الطَّرْفُ طرْفُ العين، والطرْفُ إطْباقُ الجَفْنِ على الجفْن الواحدة من ذلك طَرْفَةٌ يقال أَسْرَعُ من طرْفةِ عين، قال ابن سيده طَرَفَ يَطْرِفُ طَرْفاً لَحَظَ.
55
الصَّرْخَةُ الصيحة الشديدة عند الفزع أَو المصيبة
56
روي عن النبي أَنه قال ليس منا مَنْ سَلَقَ أَو حَلَق، سَلَق يعني رَفَعَ صوته عند موت إِنسان أَو عند المصيبة وقيل هو أَن تَصُكِّ المرأَةُ وجْهها وتَمْرُسَه والأَول أَصح.
57
شاقَني الشيءُ يَشُوقُني فهو شائِقٌ وأنا مَشوقٌ وقوله: يا دارَ سَلمى بِدَكادِيك البُرَقْ / صَبْراً فقد هَيَّجْتِ شَوقَ المُشْتَئِقْ، إنما أَراد المشتاق فأَبدل الألف همزة.
58
الشوى جلد، والخَدْل العَظيمُ الممتلئ، والخَدْلة من النساء الغليظةُ الساق المُسْتَدِيرَتُها
59
فَال رأْيُه يَفِيل فَيْلولة أَخْطأَ وضَعُف.
60
الحَوْل الحِيلة والقُوَّة
61
الوَجَل : الفزع والخوف
62
الامْتِراءُ في الشيءِ الشَّكُّ فيه وكذلك التَّماري والمِراءُ المُماراةُ والجدَل والمِراءُ أَيضاً من الامْتِراءِ والشكِّ
63
فاض الماء والدَّمعُ ، أَي كثر حتى سالَ على ضَفّةِ الوادي.
64
جَلَّ الشيءُ يَجِلُّ جَلالاً وجَلالةً وهو جَلٌّ وجَلِيلٌ وجُلال عَظُم والأُنثى جَلِيلة وجُلالة وأَجَلَّه عَظَّمه يقال جَلَّ فلان في عَيني أَي عَظُم وأَجْلَلته رأَيته جَلِيلاً نَبيلاً وأَجْلَلته في المرتبة وأَجْللته أَي عَظَّمته وجَلَّ فلان يَجِلُّ بالكسرِ جَلالة أَي عَظُم قَدْرُه فهو جَلِيل.
65
السَّجَحُ لِينُ الخَدِّ وخَدٌّ أَسْجَحُ سهلٌ طويل قليل اللحم واسع وقد سَجِحَ سَجَحاً وسَجاحةً وخُلُقٌ سَجِيح لَيِّنٌ سهل، ومِشْيةٌ سُجُحٌ أَي سهلة.
66
يقال فلان لا يملك إِلا قُلامَةَ ظُفْر.
67
أَبَتَ اليومُ بمعنى اشتدَّ حَرُّه وغَمُّه وسَكَنَتْ ريحه، وهَجِيرٍ أَبْتِ وهو يومٌ أَبْتٌ وليلةٌ أَبْتَةُ وكذلك حَمْتٌ وحَمْتَةٌ ومَحْتٌ ومَحْتَةٌ كل هذا في شدّة الحرّ.
68
الثَّواءُ طولُ المُقام ثَوَى يَثْوي ثَواءً وثَوَيْتُ بالمكان وثَوَيْته ثَواءً وثُوِيّاً، وأَثْوَيْت به أَطلت الإقامة، والمَثْوى الموضع الذي يُقام به وجمعه المَثاوِي ومَثْوَى الرجل منزله والمَثْوَى مصدر ثَوَيْت أَثْوِي ثَواءً ومَثْوىً. والقفول العودة.
69
النَّشا مقصور نَسِيم الرِّيح الطيبة وقد نَشِيَ منه ريحاً طيبة نِشْوةً ونَشْوة أَي شَمِمْت، ونشِيَ الرجل من الشراب نَشْواً ونُشْوةً ونَشوةً ونِشْوةً الكسر عن اللحياني وتَنَشَّى وانْتَشَى كله سَكِرَ فهو نَشْوان.
70
الذَّيْل آخر كل شيء وذَيْل الثوب والإِزارِ ما جُرَّ منه إِذا أُسْبِل، وذَيَّل فلان ثوبه تَذييلاً إِذا طوّله ومُلاءٌ مُذَيَّلٌ طويلُ الذيل.
71
ثنية: مرتفع..
72
تَلَوْتُه أَتلُوه وتَلَوْتُ عنه تُلُوّاً كلاهما خَذَلته وتركته وتَلا عَنِّي يَتْلُو تُلُوّاً إذا تركك وتخلَّف عنك وكذلك خَذَل يَخْذُل خُذُولاً وتَلَوْته تُلُوّاً تبعته يقال ما زلت أَتْلُوه حتى أَتْلَيْته أَي تَقَدَّمْته وصار خلفي وأَتْلَيْته أَي سبقته، واستَتْلَيْت فلاناً أَي انتظرته واسْتَتْلَيْته جعلته يَتْلوني.
73
ضنين: مانع، بخيل..
74
الغِبْطةِ بالغين المعجمة وهي الفرَح والسُّرُور وحُسْن الحال.