فتنة النساء آخر الزمان.. بعض ما ورد في أعظم فتنة على مدى الأيام والدهور، وهي فتنة النساء.
فتنة النساء هي الأعظم
الأمر خطير، والخطب جلل، والفساد في انتشار بسبب فتنة النساء، خاصة في هذا الزمان الذي لم يمر في العالم زمان مثله (زمن الحضارة الغربية الغير مسبوقة في الفسق والفجور والإلحاد، حتى أصبح بإمكان الأطفال الإطلاع على عورات النساء في هواتفهم!).
زمان زُينت فيه المرأة لفتنة الرجال، واجتهد فيه أعداء الله في إبرازها وكشف مستورها، فترى عوامل الجذب والفتنة في الملابس الضيقة والمفتوحة والشفافة، والكعب العالي، والمناكير على الأظفار، ورائحة العطور، والصوت والأزياء الفاضحة، وحتى النقاب الذي تلبسه بعض النساء والبرقع اليوم ربما يكون أشد فتنة مما لو كشفت وجهها بالكلية، والأفلام، والقصص الفاسدة، والمجلات، والدعايات لا تكاد توجد سلعة إلا وعليها صورة امرأة ولا بد، وعروض الأزياء، كل ذلك يزين المرأة في نظر الرجال في الشوارع والأسواق وغيرها، وهذه المساحيق والمكياجات التي تجعل أشد النساء دمامة لوحة فنية من الأصباغ، وما تفعله الكوافيرات بهن..
لمثل هذا يذوب القلبُ من كمدٍ *** إن كان في القلبِ إسلامٌ وإيمانُ
وتأمل ماذا أحدثه هذا الهاتف من الفتنة في بدء العلاقة وتطويرها وتنميتها، والتخطيط للخروج ثم الخروج. وتأمل كيف يزين الشيطان الحيل بحجة خروجها إلى السوق أو الدراسة مع صاحبتها أو زيارتهن، وأثناء غياب الزوج في العمل أو الوردية الليلية، وأيام الاختبارات، وأيام البر حيث تتخلف الأسرة هناك، والشاب هنا لوحده، كل هذه الأمور التي تؤدي إلى الفتنة والوقوع في الفاحشة.
تأمل في واقعنا ثم قارن ما ورد في قوله تعالى: “وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ”، “وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ”، “فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا”، “وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى”، “وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ” .كيف تستهل البنت ذلك في ظل هذه الآيات الواضحة البيان.
المسألة كانت على الخلخال، والآن تفتح العباءة، وتلبس عدة مرات لتصلح من هندامها بزعمها. وهي في وسط الرجال، قارن بقول النبي صلى الله عليه وسلم: أن “المرأة إذا استعطرت، فخرجت، فمرت بالمجلس، فهي كذا وكذا، يعني: زانية”.
إن القضية بحاجة شديدة إلى مصابرة ومجاهدة، وبعض الناس يقولون: لا تلوموا الشباب، ولوموا الفتيات، كيف ذلك؟
اللوم يقع على الجميع، على الفتاة التي تبرجت، وعلى الشباب الذي استجاب، وعلى وليهما الذي لم يرب هذا، ولم يمنع تلك من الخروج، وعلى الذي يضع العراقيل في طريق الزواج بحجج واهية ويغلي المهور، اللوم على الجميع.
لقد خلق الله تعالى الإنسان في دار ابتلاء وامتحان، وجعل الجنة مقراً لأوليائه وأحبابه الذين يؤثرون رضاه على رضى أنفسهم (وهذا شرط مهم، علينا التفكير في رضا ربنا قبل رضا الأنفس الأمارة والهوى)، وطاعته على راحة أبدانهم، وجعل النار مستقراً لمن عصاه من عباده، وآثر هوى النفس على رضاه قال تعالى: “تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا”، وقال: “وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى”، وقال عن أهل النار: “فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا”، وقال: “ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا”، وقال: “فأما من طغى * وآثر الحياة الدنيا * فإن الجحيم هي المأوى”.
فعلى المسلم أن يجاهد نفسه في عبادة الله، والابتعاد عما يغضب الله، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، قال تعالى:”والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين”، تخيل لحظة تصل فيها إلى معية الله، فيكون الله معك ضد نفسك وأعدائك من شياطين الإنس والجن، فيا له من فوز، وبشارة بالخير الوفير في الدنيا والآخرة.
ومن أسباب الافتتان بالمرأة ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في قوله في الحديث الصحيح: “المرأة عورة “، فكلها عورة، لم يستثن وجهاً ولا كفين أمام الرجال، “فإذا خرجت استشرفها الشيطان”، أي نظر إليها ليُغويها ويُغوي بها. والأصل في الاستشراف رفع البصر للنظر إلى الشيء، وبسط الكف فوق الحاجب للتأمل فيه. والمعنى: أن المرأة يُستقبح بروزها وظهورها، فإذا خرجت أمعن الشيطان النظر إليها ليغويها بغيرها ويغوي غيرها بها، فيوقع الإثنين في الفتنة.
والشيطان يزين المرأة في أعين الناظرين؛ فترى المرأة إذا خرجت إلى الشارع تمشي، ارتفعت إليها أبصار الرجال؛ ذلك لأن الشيطان حريص على تزيينها، وعلى رفع الأبصار إليها.
يستشرفها أي يجعلها هدفاً منصوباً ملفتاً للإنتباه، لينظر إليها الرجال، فهي وسيلته لإغواء الناس.
قال الله تعالى: “زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب”.
قال القرطبى: “من النساء. بدأ بهن لكثرة تشوف النفوس إليهن؛ لأنهن حبائل الشيطان وفتنة الرجال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما تركت بعدي فتنة أشد على الرجال من النساء”. ففتنة النساء أشد من كل الفتن. ويقال: “في النساء فتنتان، وفي الأولاد فتنة واحدة”. فأما اللتان في النساء فإحداهما أن تؤدي إلى قطع الرحم؛ لأن المرأة تأمر زوجها بقطعه عن الأمهات والأولاد والإخوة والأخوات. والثانية أن يبتلى بجمع المال من الحلال والحرام. وأما البنون فإن الفتنة فيهم واحدة، وهي جمع المال لأجلهم”.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تُسكنوا نساءكم الغرف ولا تعلموهن الكتاب”. فحذر من ذلك؛ لأن في إسكانهن الغرف تطلعا إلى الرجال، أي عدم تحصينهن وسترهن؛ لأنهن قد يشرفن على الرجال فتحدث الفتنة، فقد خُلقن من الرجل؛ لذا همتهن منحصرة في الرجل، وكذلك الرجل فيه الشهوة وجعلت سكنا له؛ فلا يؤمن أحدهما على صاحبه. وفي تعلمهن الكتاب هذا المعنى من الفتنة، وأشد”.
فعلى الإنسان إذا لم يصبر في هذه الأزمان أن يبحث عن ذات الدين ليسلم له دينه؛ قال صلى الله عليه وسلم: “عليك بذات الدين تربت يداك”. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تزَوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن، ولا تزَوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن، ولكن تزَوجوهن على الدين، ولأمة سوداء خرماء ذات دين أفضل”.
قال مالك: “المرأة فتنة إلا فيما جبل الله تعالى النفوس عليه من النفرة عن محارم النسب”.
قال ابن كثير في الأية: “يخبر تعالى عما زين للناس في هذه الحياة الدنيا من أنواع الملاذ من النساء والبنين، فبدأ بالنساء لأن الفتنة بهن أشد، كما ثبت في الصحيح أنه صلى اللّه عليه وسلم قال: “ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء”، فأما إذا كان القصد بهن الإعفاف وكثرة الأولاد، فهذا مطلوب مرغوب فيه مندوب إليه، كما وردت الأحاديث بالترغيب في التزويج والاستكثار منه، وأن خير هذه الأمة من كان أكثرها نساء، وقوله صلى اللّه عليه وسلم: “الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة، إن نظر إليها سرَّته، وإن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله”. وقوله صلى اللّه عليه وسلم: “حبّب إليّ النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة”.
قال العلماء: “ذكر الله تعالى أربعة أصناف من المال، كل نوع من المال يتمول به صنف من الناس؛ أما الذهب والفضة فيتمول بها التجار، وأما الخيل المسومة فيتمول بها الملوك، وأما الأنعام فيتمول بها أهل البوادي، وأما الحرث فيتمول بها أهل الرساتيق. فتكون فتنة كل صنف في النوع الذي يتمول، أما النساء والبنون ففتنة للجميع”.
قال طاوس: “ليس يكون الإنسان في شيء أضعف منه في أمر النساء”.
وروي عن ابن عباس أنه قرأ: “وخُلق الإنسان ضعيفا”، فقال: أي لا يصبر عن النساء.
وقالوا: “لا تعقد قلبك مع المال لأنه فيء ذاهب، ولا مع النساء لأنها اليوم معك وغدا مع غيرك، ولا مع السلطان لأنه اليوم لك وغدا لغيرك”. ويكفي في هذا قول الله تعالى: “إنما أموالكم وأولادكم فتنة”، وقوله تعالى: “إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم”.
قال أسامة بن زيد رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: “ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء”.
“فتنة” أي سببا للفتنة بتكليف الرجال من النفقة ما لا يطيقون أحيانا، وبإغرائهم وإمالتهم عن الحق، إذا خرجن واختلطن بهم، لا سيما إذ كن سافرات متبرجات. و”أضر” أي أكثر ضررا وأشد فسادا لدينهم ودنياهم”.
قال ابن حجر: “وفي الحديث أن الفتنة بالنساء أشد من الفتنة بغيرهن، ويشهد له قوله تعالى: “زين للناس حب الشهوات من النساء”، فجعلهن من حب الشهوات، وبدأ بهن قبل بقية الأنواع إشارة إلى أنهن الأصل في ذلك. ويقع في المشاهدة حب الرجل ولده من امرأته التي عنده، أكثر من حبه ولده من غيرها، ومن أمثلة ذلك قصة النعمان بن بشير في الهبة. وقد قال بعض الحكماء: “النساء شر كلهن وأشر ما فيهن عدم الاستغناء عنهن”.
وأخرج مسلم من حديث أبي سعيد في أثناء حديث: “واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء”.
وصَلّىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَالنّاسُ مَعَهُ، فَقَالَ:”إِنّ الشّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللّهِ. لا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ. فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا اللّهَ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئاً فِي مَقَامِكَ هَذَا. ثُمّ رَأَيْنَاكَ كَفَفْتَ فَقَالَ:”إِنّي رَأَيْتُ الْجَنّةَ. فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُوداً. وَلَوْ أَخَذْتُهُ لأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدّنْيَا. وَرَأَيْتُ النّارَ. فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مَنْظَراً قَطّ. وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النّسَاءَ”. قَالُوا: بِمَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ:”بِكُفْرِهِنّ” قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللّهِ؟ قَالَ:”يَكْفُرْنَ الْعَشِيرِ، وَبِكفْرِ الإِحْسَانِ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَىَ إِحْدَاهُنّ الدّهْرَ، ثُمّ رَأَتْ مِنْكَ شَيئاً، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْراً قَطّ”.
وقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم:”قُمْتُ عَلَىَ بَابِ الْجَنّةِ فَإِذَا عَامّةُ مَنْ دَخَلَهَا الْمَسَاكِينُ، وَإِذَا أَصْحَابُ الْجَدّ مَحْبُوسُونَ، إِلاّ أَصْحَابَ النّارِ، فَقَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَىَ النّارِ. وَقُمْتُ عَلَىَ بَابِ النّارِ، فَإِذَا عَامّةُ مَنْ دَخَلَهَا النّسَاءُ”.
وعن ابْنَ عَبّاسٍ قال: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم:”اطّلَعْتُ فِي الْجَنّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ. وَاطّلَعْتُ فِي النّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النّسَاءَ”.
وعن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:”إِنّ أَقَلّ سَاكِنِي الْجَنّةِ النّسَاءُ”.
وقال الله تعالى: “والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم”.
قوله تعالى: “غير متبرجات بزينة” أي غير مظهرات ولا متعرضات بالزينة ليُنظر إليهن؛ فإن ذلك من أقبح الأشياء وأبعده عن الحق. والتبرج هو التكشف والظهور للعيون؛ ومنه “بروج مشيدة”. وبروج السماء والأسوار؛ أي لا حائل دونها يسترها.
وقالت عائشة: “يا معشر النساء، قصتكن قصة امرأة واحدة، أحل الله لكنّ الزينة غير متبرجات لمن لا يحل لكن أن يروا منكن محرما”. قال عطاء: “هذا في بيوتهن، فإذا خرجت فلا يحل لها وضع الجلباب”. وعلى هذا “غير متبرجات” يعني غير خارجات من بيوتهن.
وقيل: “من التبرج أن تلبس المرأة ثوبين رقيقين يصفانها”.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا”.
قال ابن العربي (ليس ابن عربي الصوفية الزنديق): “وإنما جعلهن كاسيات لأن الثياب عليهن، وإنما وصفهن بأنهن عاريات لأن الثواب إذا رق يصفهن ويبدي محاسنهن؛ وذلك حرام”. قال القرطبى: هذا أحد التأويلين للعلماء في هذا المعنى. والثاني: أنهن كاسيات من الثياب عاريات من لباس التقوى الذي قال الله تعالى فيه: “ولباس التقوى ذلك خير”. وأنشدوا:
إذا المرء لم يلبس ثيابا من التقى *** تجرد عريانا ولو كان كاســــــيا
فخير لباس المرء طاعة ربه *** ولا خير في من كان لله عاصيا
فلو كانت الدنيا تدوم لأهلها *** لكـــان رســـــــــول الله حيـــا وباقيــــا
ولكنـــها تفنى ويفنى نعيمــها *** وتبقى الذنوب والمعاصي كمــــا هيا
قال القرطبى: “البخت ضرب من الإبل عظام الأجسام، عظام الأسنمة؛ شبه رؤوسهن بها لما رفعن من ضفائر شعورهن على أوساط رؤوسهن. وهذا مشاهد معلوم، والناظر إليهن ملوم”.
وقال النووى فى شرح مسلم: قوله صلى الله عليه وسلم: “لا تمنعوا إماء الله مساجد الله”، هذا وشبهه من أحاديث الباب، ظاهر في أنها لا تمنع المسجد لكن بشروط ذكرها العلماء مأخوذة من الأحاديث، وهي أن لا تكون متطيبة، ولا متزينة، ولا ذات خلاخل يسمع صوتها، ولا ثياب فاخرة، ولا مختلطة بالرجال، ولا شابة ونحوها ممن يفتتن بها، وأن لا يكون في الطريق ما يُخاف به مفسدة ونحوها.
وقال أيضا: وفيها جواز حضور النساء الجماعة في المسجد إذا لم تُخش عليهم فتنة أو بهن.
وفيه أن النساء إذا حضرن صلاة الرجال ومجامعهم يكن بمعزل عنهم خوفاً من الفتنة أو نظرة أو فكر ونحوه.
وقد فرَّق الله تعالى بين الرجال والنساء قدراً، وفرَّق بينهما شرعاً. أما قدراً فنجد أن تركيبة المرأة ليست كتركيبة الرجل، بل بينهما اختلاف عظيم، فصوت المرأة يختلف عن صوت الرجل، وقدرتها على التحمل أقل، وهكذا..
وأما شرعاً، فعلى النساء واجبات ليست على الرجال، وعلى الرجال واجبات ليست على النساء، وإن كان الأصل أن يتساوى الرجال والنساء في أحكام الله، لكن هناك أحكام اقتضت حكمة الرب عز وجل أن تختص بالنساء، وأحكام اقتضت حكمة الله أن تكون للرجال.
وفتن الحياة الدنيا كثيرة، فمنها فتنة المال، وفتنة الفقر، وفتنة الغنى، وفتنة الأولاد، وفتنة الحرب، وفتنة الاضطهاد والإيذاء، وغير ذلك من أنواع الفتن، ولكن فتنة النساء أشد من الفتنة بغيرهن.
وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء” رواه مسلم.
وفي رواية للإمام أحمد رحمه الله تعالى: “إن الدنيا خضرة حلوة فاتقوها، واتقوا النساء، ثم ذكر نسوة ثلاثاً من بني إسرائيل.. اتخذت – إحداهن – رِجلين من خشب من تحت الثياب لتطول، وصاغت خاتماً، فحشته من أطيب الطيب، وجعلت له غُلفاً، فإذا مرت بالملأ، أو بالمجلس فتحته؛ ففاح ريحه، هكذا تحايلت لتلفت نظر الرجال إليها”.
مقاومة هذه الفتنة
من الفتن التي ابتلينا بها فتنة النساء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء”، وقد اتخذ الشارع سائر الإجراءات الكفيلة بحماية الرجل من الوقوع في هذه الفتنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “إياكم والدخول على النساء، فقال رجل: يا رسول الله، أرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت”، وهو قريب الزوج، أخوه وسائر أقاربه، وذلك لخطره، لأنه يؤدي إلى موت الدين.
وقال صلى الله عليه وسلم: “لا تسافر امرأة إلا ومعها ذو محرم”، “لا يخلون أحدكم بامرأة فإن الشيطان ثالثهما”، كل هذه الإجراءات من أجل درء فتنة النساء.
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم النساء بحافات الطريق، فالمرأة لا تمشي في وسطه، بل تمشي في الجوانب، والرجال يمشون في الوسط، هكذا كانت الشوارع في المجتمع الإسلامي الأول، كانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به.
فمن الوسائل التي تعين على تجنب هذه الفتنة:
– الإيمان بالله عز وجل، فالإيمان بالله والخوف منه، هو صمام الأمان والعاصم للعبد من مواقعة الحرام والإنسياق وراء الشهوات العارضة. فالمؤمن إذا تربى على مراقبة الله ومعرفة أسمائه وصفاته كالعليم والسميع والبصير والرقيب والشهيد والحسيب والحفيظ والمحيط، أثمر ذلك خوفه منه سبحانه في السر والعلن، والإنتهاء عن معصيته، وبالتالي صد داعي الشهوة الذي يؤز الكثيرين إلى الحرام أزاًّ .
– غض البصر عن المحرمات، لأن النظر يثمر في القلب خواطر سيئة رديئة، ثم تتطور إلى أفكار ثم إلى شهوات ثم إلى إرادة ثم عزيمة ثم فعل للحرام. تأمل في هذه الآية التي ربطت بين أول خطوات الحرام وآخرها، قال الله تعالى: “قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ”.
قال ابن كثير:”فإن اتفق أن وقع البصر على محرم من غير قصد، فليصرف بصره عنه سريعا”.
– مدافعة الخواطر، لأن الخاطرة السيئة في القلب خطر. ومتى انساق العبد معها ولم يدافعها تطورت إلى فكرةٍ ثم إرادة ثم عزيمةٍ ثم إقدامٍ على فعل للحرام .. فيجب الحذر من الاسترسال مع الخطرة، والواجب هو مدافعتها ومزاحمتها بالخواطر الطيبة، وإشغال النفس بالفكر فيما ينفعها.
– الزواج، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ”.
أقول: الزواج من أهم أولويات الحياة، فيجب المبادرة به، وعدم انتظار توفر ما يعتقد الواحد أنه من اللوازم، وكلها أوهام من الشيطان لتأخيره عن ذلك الخير وتسهيل إيقاع في الحرام. والرزق بيد الله، وقد وعد المتزوج إعفافا لنفسه بأن يغنيه من فضله، حتى قال بعض السلف “ابتغوا الغنى في الزواج”. فلا ينبغي تأخيره لأي سبب من الأسباب، بل البدء به، ثم عمل أو إنجاز كل ما سواه وهو متزوج، حتى إكمال الدراسة، فذلك أفضل لما فيه من تحصين مهم ضد الحرام، ودخول مبكر إلى شارع الحياة، فالمتزوج يفتح بيتا في ذلك الشارع بعكس الأعزب، ويبدأ حياته بالطريقة السليمة المباركة بعكس مؤخر الزواج الذي يظل مراهقا حتى بعد الخمسين أو الستين، لا بيت له ولا وجود في المجتمع، بل قد يظل جاهلا بالفرق بين الرجل والمراهق حتى وقت متأخر من عمره، وهو حال الكثير من المعرضين عن الزواج أو المؤخرين له بسبب الشيطان الذي يوهمهم بأنه سابع المستحيلات أو بلا فائدة، فيريهم سلبياته ويحجب عنه إيجابياته، وهي أضعاف أضعاف سلبياته، وأولها قضاء وطره، تلك الشهوة التي تعتبر أساسا في الحياة – هي وشهوة البطن، وهما أساس جميع مشاكل الناس – لابد منها، فإما أن تكونا بالحلال أو بالحرام، فهل يؤخر الواحد حلالا لابد له منه.
– الصيام لمن لم يستطع الزواج؛ للحديث السابق وفيه:”وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ”. قال القرطبي: “كلما قل الأكل ضعفت الشهوة، وكلما ضعفت الشهوة قلت المعاصي”.
– البعد عن رفقاء السوء. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل”.
– البعد عن أماكن الفتن، فلا يخفى أننا نعيش اليوم في مجتمع قد ملئ بالفتن، وتظهر آثار ذلك في الأسواق وغيرها، فالمعاكسات على قدم وساق، وفي الفضائيات، والإنترنت … الخ، فعليك بالفرار من الفتن، والبعد عنها؛ ليسلم لك دينك.
– الحرص على استغلال الوقت في طاعة الله عز وجل، فالوقت نعمة عظيمة من نعم الله على العبد، لكن المغبون فيها كثير. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ”.
– تذكر نعيم الآخرة، ومن أهمه الحور العين، تذكر أوصافهن التي أعدها الله لمن صبر عن معاصيه، فهذا مما يعين المسلم على الزهد في المتاع الفاني المحرم الذي لا يورث إلا الندم والحسرات.
– قال صلى الله عليه وسلم: “لا تتبع النظرة النظرة”؛ فإن لك الأولى وليست لك الآخرة. وعن جرير بن عبد الله قال:”سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة، فأمرني أن أصرف بصري”، ولما رأى الفضل ينظر إلى امرأة وضيئة صرف وجهه إلى الشق الآخر.
فإذن مسألة غض البصر هي أساس العلاج؛ لأن المسألة في أولها، وهو أهون شيء، النظر. قال العلاء بن زياد: “لا تتبع بصرك رداء امرأة؛ فإن النظرة تجعل في القلب شهوة”، وقال أحد الصالحين لابنه:”يا بني امش وراء الأسد والأسود – أي وراء الأسد والحية والثعبان – ولا تمش وراء امرأة!”.
وكان السلف رحمهم الله في غاية الحرص على هذه المسألة، قال سفيان: “كان الربيع يغض بصره، فمر به نسوة، فأطرق إطراقاً شديداً، حتى ظن النسوة أنه أعمى، فتعوذن بالله من العمى”.
وعن عبد الله بن أبي الهذيل قال:”دخل عبد الله بن مسعود على مريض يعوده، ومعه قوم، وفي البيت امرأة، فجعل رجل من القوم ينظر إلى المرأة، فقال عبد الله: “لو انفقأت عينك كان خيراً لك”. لو انفقأت عينك، وصارت مصيبة، واحتسبت عند الله كان خيراً لك من النظر، واستعمال البصر بالمعصية.
ثم إنه إذا كرره حصل في القلب زرع الفتنة، وذلك أمر يصعب قلعه؛ ولذلك لا بد من الحمية بسد باب النظر؛ فإنه إذا سده سهل بعد ذلك انحسار الأمر.
وقال الشاعر:
كـل الحوادث مبدأها من النظر *** ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها *** فتك الســهام بلا قوس ولا وتر
والعبــد ما دام ذا عين يقلبها *** في أعين الغيد موقوف على الخطر
يسـر مقلته ما ضـر مهجـته *** لا مـرحبا بسرور عاد بالضـرر
– قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تباشر المرأة المرأة، فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها”، وهذه أصل في سد الذرائع، وأن وصف المرأة لرجل الأجنبي عنها يؤدي إلى الافتتان بالموصوفة.
وإذا رأى الواحد امرأة فأعجبته؛ فإن كان له زوجة أو مملوكة أتاها مباشرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا رأى أحدكم امرأة، فأعجبته؛ فليأت أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه”.
وأما الأعزب، فإنه يستعين بالصبر والصلاة، والصيام الذي هو من أسباب تقليل الشهوة، وقال صلى الله عليه وسلم: “إذا أحدكم أعجبته المرأة؛ فوقعت في قلبه، فليعمد إلى امرأته، فليواقعها؛ فإن ذلك يرد ما في نفسه؛ لأن الذي معها مثل الذي معها”. ليُسكن نفسه، ويدفع شهوته.
ويجب تجنب أماكن الفتنة، وأماكن الخلوة.
وإذا تعرضت له المرأة لا يلتفت إليها، وكثير من النساء اليوم هي التي تتعرض للرجل. أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن العابد جريح الذي تكلم الصبي من أجله، فقد كان في بني إسرائيل امرأة بغي يُتمثل بحسنها، فقالت لهم: إن شئتم فتنت هذا العابد الزاهد. فتعرضت له، فلم يلتفت إليها – وهذا هو المهم -، فأتت راعياً كان يأوي إلى صومعته، فأمكنته من نفسها؛ فحملت… الحديث، وفيه كيف خلص الله جريج بسبب صبره، الشاهد قوله: “فلم يلتفت إليها”، وهو ما يجب فعله اليوم تفاديا للفتنة.
– لا بد من التأمل في مسألة الفاحشة، فإن الشيطان كتابه الوشم، وقرآنه الشعر، ورسله الكهنة، وطعامه ما لم يذكر اسم الله عليه، وشرابه كل مسكر، وبيته الحمام، ومصائده النساء، ومؤذنه المزمار، ومسجده السوق، وكل هذه الأشياء مع بعضها البعض تؤدي للفتنة العظيمة.
والزنا من أعظم الذنوب والفواحش، وبعضه أشد من بعض، فمن أفحشه الزنا بالمحارم، ومن أفحشه الرجل يزني بزوجة الرجل، مما يؤدي إلى اختلاط المياه والأنساب، ومن أفحشه أن تكون المرأة المزني بها جارة، ولأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره. وأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن عقوبة الزناة والزواني في البرزخ قبل دخول جهنم، فهم في تنور في فرن، يأتيهم اللهب من أسفل منهم فيرتفعون فيصيحون، فإذا خمد اللهب سقطوا، ثم يأتيهم مرة أخرى فيرتفعوا حتى يكادوا أن يخرجوا، وهكذا إلى قيام الساعة، هذا عقاب الزناة والزواني في البرزخ.
وحكى لنا النبي صلى الله عليه وسلم عن أشخاص كادوا أن يقعوا في الفاحشة، وربما يصل الأمر إلى هذه الدرجة، فماذا يفعل الشخص حينئذ؟
في الحديث قصة الثلاثة انسد عليهم باب الغار، قال الثاني منهم: “اللهم إنه كانت لي ابنة عم أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء، فطلبت إليها نفسها، فأبت حتى آتيها بمائة دينار، فسعيت حتى جمعت مائة دينار، فلقيتها بها، فلما قعدت بين رجليها قالت: يا عبد الله، اتق الله، ولا تفتح الخاتم إلا بحقه، والحق هو عقد الزواج الشرعي فقمت عنها وهي أحب الناس إليه”، إذن يمكن للمسلم – لو أنه ساقته نفسه والشيطان والمرأة إلى الفاحشة – أن يتراجع في اللحظة الأخيرة بذكر الله تعالى؛ فيقوم.
– تجنُّب الخَلوة بالمرأة بغير مَحرَم، فالخلوة بالمرأة الأجنبية من غير مَحرم من أعظم الأسباب في الوقوع فيما حرَّم الله، وهياج الغريزة، وضياع الشرف والعفَّة، وكم من الجرائم تأتي من هذا الباب!
وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك في كثير من الأحاديث، ومنها قوله: “لا يخلونَّ رجل بامرأة، ولا تسافرنَّ امرأة إلا ومعها مَحرم”، فقام رجل فقال: “يا رسول الله، إني اكتُتبتُ في غزوة كذا وكذا، وخرجتِ امرأتي حاجَّة، فقال: اذهب فحجَّ مع امرأتك”. وقوله”لا يخلونَّ رجل بامرأة إلَّا كان ثالثهما الشيطان”.
– الزواج فإنه من أعظم أسباب الوقاية من هذه الفتنة، وهو علاج نبوي، فقد قال صلى الله عليه وسلم:”يا مَعشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغضُّ للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنَّه له وِجاء”.
وهنا يجدر تنبيه المرأة إلى ضرورة التزين لزوجها بالعناية بنظافتها وتسريح شعرها واستعمال الطيب ووسائل الزينة المباحة ؛ لتعين زوجها على العفاف والاستغناء بالحلال الطيب عن الحرام الخبيث، فإن الرجل قد تقع عينه على نساء متبرِّجات كاسيات عاريات، يختلط بهن في الشارع والعمل وما أشبه ذلك، وربما يتعمَّد بعضهنَّ إثارته وإغراءه، وإهمالُ الزَّوجة التزينَ لزوجها وإرضاءه قد يَجعله يفتتن بهنَّ، وقد يقع فيما حرَّم الله تعالى ولو بالنظر والإعجاب. نسأل الله تعالى أن يحفظنا والمسلمين من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
التفكير فيما أعد الله من ثواب
فكر في الفوز بالجنة، قال الله تعالى: “وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى”. وقال صلى الله عليه وسلم: “من يضمن لي ما بين لحييه، وما بين رجليه، أضمن له الجنة” (أي لسانه وفرجه، بالنسبة للسان احفظه من الغيبة، فحتى مجرد الحديث عن الآخرين سخرية أو انتقادا أو تطيرا وتشاؤما منهم، قد يوقع في الأمر العظيم، حفظنا الله وإياكم من ذلك).
اعمل للجنة يا أخي تنجو من الفتنة، نعم، على الواحد منا أن يتمعن فيما أعد الله له من الأجر والثواب إن هو صبر واتقى، فإن من شرب الخمر في الدنيا ولم يتب، لا يشربها في الآخرة، ومن لبس الحرير من الذكور في الدنيا ولم يتب، لا يلبسه في الآخرة، والذي يزني في الدنيا ولم يتب يحرم نفسه من الحور العين! الكواعب الأتراب اللاتي جرى في أعضائهن ماء الشباب، وتجري الشمس في محاسن وجوههن إذا برزن، ويضيء البرق من بين ثناياهن إذا ابتسمن.. لو طلعت إحداهن على الدنيا لملأت ما بين الأرض والسماء ريحاً، ولاستنطقت أفواه الخلائق تهليلاً وتكبيراً وتسبيحاً، ولزخرف لها ما بين الخافقين، ولأغمضت عن غيرها كل عين، ولطمست ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم، ولآمن من على ظهرها بالحي القيوم، ونصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها، ووصالها أشهى إليه من جميع أمانيها، لا تزداد على طول الأحقاب إلا حسناً وجمالاً، ولا يزداد لها طول المدى إلا محبة ووصالاً، مبرأة من الحبل والولادة، والحيض والنفاس، مطهرة من المخاط والبصاق، والبول والغائط، وسائر الأدناس، لا يفنى شبابها، ولا تبلى ثيابها، ولا يخلق ثوب جمالها، ولا يمل طيب وصالها، قد قصرت طرفها على زوجها؛ فلا تطمح لأحد سواه، وقصر طرفه عليها؛ فهي غاية أمنيته وهواه.
وإن سألت عن السن، فأتراب في أعدل سن الشباب. وإن سألت عن حسن الخلق، فهن الخيرات الحسان، اللاتي جمع لهن بين الحسن والإحسان، وإن سألت عن حسن العشرة، ولذة ما هنالك، فهن العُرْبُ المتحببات إلى الأزواج بلطافة التبعل التي تمتزج بالروح أي امتزاج، فما ظنك بامرأة إذا ضحكت في وجه زوجها أضاءت الجنة من ضحكها، وإذا حاضرت زوجها فيا حسن محاضرتها، وإن خاصرته فيا لذة تلك المعانقة والمخاصرة، وإن غنت فيا لذة الأبصار والأسماع، وإن آنست وأمتعت فيا حبذا تلك المؤانسة والإمتاع. قال الله تعالى: “إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا”.
لكن تفضل المرأة الصالحة في الدنيا، تلك المرأة من الحور العين، بصلاتها وصيامها، ويجعلها الله تعالى من العُرب، وهي التي جمعت إلى حلاوة الصورة حسن التأني والتبعل والتحبب إلى الزوج، والعَروب من النساء المطيعة لزوجها العاشقة له المتحببة إليه، أبكاراً، ذلك لفضل وطء البكر على الثيب، فجعلهن الله أبكاراً، ولو كانت في الدنيا ثيبة.
وقال الله تعالى عن الحور العين: “لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ”، فلم يطأهن ولم يغشهن إنس ولا جان من قبل، كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ، شبههن بالياقوت لصفائه، وبالمرجان لبياضه، فجمعن بين البياض والصفاء.
قال أبو هريرة: “ألم يقل أبو القاسم إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والتي تليها على أضوء كوكب دري في السماء، لكل امرئ منهم زوجتان اثنتان يُرى مخ سوقهما من وراء اللحم، وما في الجنة أعزب”، وقال صلى الله عليه وسلم: “ولو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحاً، ولطاب ما بينهما، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها”، فهذا قدر الخمار، فما بالك بقدر اللابسة؟!
يغنين لأزواجهن، قال الله عن المؤمنين “فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ”، أي يسمعون النساء. قال صلى الله عليه وسلم: “إن أزواج أهل الجنة ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات ما سمعها أحد قط”، إن مما يغنين: نحن الخيرات الحسان، أزواج قوم كرام، ينظرن بقرة أعيان، وإن مما يغنين به: نحن الخالدات فلا يمتن، نحن الآمنات فلا يخفن، نحن المقيمات فلا يظعن، يقلن: نحن الحور الحسان، خبئن لأزواج كرام، وهكذا يتقلب المرء من أهل الجنة بين زوجاته، وهو في هذه الخيمة من اللؤلؤة المجوفة سبعون ميلاً، في كل زاوية له أهل لا يراهم الآخرون.
ولا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين: “لا تؤذيه قاتلك الله، فإنما هو عندك دخيل يوشك أن يفارقك إلينا”، إنها مشتاقة إليه من الآن، إنها تعلم عنه الآن، الآن هي تعلم عنه.
وقد أخبر علي رضي الله عنه في الحديث الموقوف الذي له حكم الرفع: “أنه إذا دخل الجنة خف إليه الغلمان، فتحلقوا حوله، خدمه وحشمه، يستقبلونه، يذهب واحد منه مسرعاً إلى بيته، فيخبر تلك الحورية بأن زوجها على وشك الوصول؛ فلا تصبر حتى تخرج إلى أسْكُفَّة الباب لتستقبله”، فإنه استقبال عظيم، و”يومئذ يعطى الرجل قوة مائة في الجماع”.
يصل إلى نسائه في الجنة، وتهب ريح الشمال – كما جاء في صحيح مسلم – كل جمعة، فتحثوا في وجوههم وثيابهم؛ فيزدادون حسناً وجمالاً، فيرجعون إلى أهليهم، وقد ازدادوا حسناً وجمالاً، فيقول لهم أهلوهم: “والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً، فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً”.
فأين هذا من لذة ساعة شر إلى قيام الساعة؟ فإذا قامت الساعة كان أشد وأنكى، أين هذا من ذاك يا عبد الله؟!
هذه صفات الحور العين، فمن هؤلاء النسوة اللواتي مهما تجملن، فغالب زينتهن مكياج زائف وخداع!ّ ومهما كانت جميلة، فالنظر إليها بعد سنين يتغير، بل قد تصبح في غاية القبح والذمامة، عجوزاً شوهاء، ومع ذلك الاستمتاع بها مكدر في حيضها ودمها، وطمثها وإفرازاتها، وسائر الأشياء المقرفة التي تخرج منها، أين هذا من أولئك الأزواج الطاهرات؟
من صبر هنا كان له ذلك هناك، ومن لم يصبر هنا فيا سوء حرمانه، نعوذ بالله من الخذلان.
قادرون على الإلتزام بعون الله
تأتي فتنة النساء على رأس الفتن، وقد كانت فتنة بني إسرائيل في النساء كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن مقاومة هذه الشهوات أيضًا من الصعوبة بمكان، وليس بالأمر السهل، لذلك رتب الله تبارك وتعالى عليه ثوابًا عظيمًا وأجرًا كبيرًا، لذلك ورد: “من غض بصره عمَّا حرم الله رزقه الله حلاوة يجدها في قلبه يوم يلقاه”، فكونك تغض بصرك عن الحرام معنى ذلك أنك أصبحت من المجاهدين الذين قال الله تبارك وتعالى عنهم في كتابه: “والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين”.
فكونك بفضل الله تعالى تقاوم وتجتهد في المقاومة، وتنجح بفضل الله تعالى في كبح جماح نفسك، هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أنك على خير، وأنك إلى خير أيضًا، وأن لديك القدرة بإذن الله تعالى على مواصلة هذه العصمة الطيبة التي أكرمك الله تبارك وتعالى بها، وأيضًا على مواصلة مقاومة الإغراءات الشيطانية وحظ النفس الذي يزين لك الباطل ويوقعك فيما لا يُرضي الله سبحانه وتعالى.
وما دمت قد جربت المقاومة، ونجحت، حتى وإن كان هناك شيئا من الصعوبة، فثق وتأكد أنك قادر على ترك الأمر كله بإذن الله تعالى، لأن الذي يصوم يومًا يستطيع أن يصوم شهرًا، والذي يترك الحرام مرة يستطيع أن يتركه كل مرة، لماذا؟ لأنه أقام بذلك الدليل على أنه قادر، وأن الله منحه القدرة، قد تقاوم وتحاول وتشعر أحيانًا كأنك كالقابض على الجمر بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لكن هذا إن دل على شيء فإنما يدل فعلاً على أنك صادق في التزامك بمنهج الله تعالى، وتريد النجاة من عذاب الله جل جلاله.
ولذلك عليك بمواصلة مسألة غض البصر، حتى تعان على ذلك بالابتعاد عن المثيرات، والتي قد تكون مسلسلات أو أفلاما أو برامج أو مواقع انترنت وبرامج خبيثة. قد تضعف إذا كنت وحدك، خاصة إذا كنت في وقت متأخر من الليل، فحاول التمسك بالتوبة والعزم على مقاومة الإغراءات، وستنجح في ذلك بعد حين. واجتهد في تجنب كل المغريات، وبذلك تغلق كمًّا هائلاً من أبواب الشيطان التي يدخل بها إلى قلبك، ويفسد من خلالها حرصك على غض بصرك وتحصين فرجك وحفظ علاقتك بربك وحيائك منه.
عليك بغض البصر والمقاومة والحرص على التوبة النصوح، لا تيأس ولا تقل إني إنسان سيئ أو ضعيف أو لأجرب مرة، لا تنتكس، ولا تقل ذنوبي كثيرة وأنا مجرد بشر ضعيف، فإن الله تبارك وتعالى أوصانا بقوله: “قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم”، فذنبك أحد الذنوب التي يغفرها الله تبارك وتعالى جل جلاله وتقدست أسمائه فلا تقنط ولا تستلم للشيطان والنفس الأمارة، ويكفيك من هذه الذنوب أنها غير مريحة ولا تغني من جوع، وفيها الجرأة بالمعصية وانعدام الحياء من ربك.
فعليك مواصلة المقاومة، ومواصلة التوبة، ومواصلة الأعمال الصالحة لتشغل وقتك وجهدك، وتحل بها الحسنات محل السيئات، فلا يوجد فراغ كبير في حياتك قد يستغله الشيطان ضدك ليعيدك إلى نقطة البداية بالإنتكاس، وقد يدفع للوقوع فيما هو أعظم من ذلك عياذًا بالله تعالى.
وابحث عن صحبة صالحة تحول بينك وبين الذنوب، وتذكرك بالصلاح، لتقضي معها أوقات فراغك، فذلك مما يساعد على التخلص من المعاصي والعادات السيئة، وستُشحن بشحن إيمانية قوية تسهم في تحصينك.
واجعل وردا يوميا من القرآن، إقرأه بتأمل وتدبر لتتنظف نفسك وقلبك، ويزيد إيمانك، وتحصل على الإرشادات الربانية، فانت تتكلم مع ربك بالقرآن. وحاول أيضا معرفة التوحيد، لا يغرنك قول القائل أولئك وهابية أو جامية أو مرجئة أو مجسمة، فكلها أكاذيب يردها أقرب شيء وهو الدليل، فهو متوفر، لا تعادي أهل الحق قبل الإطلاع بنفسك على ما عندهم، ولن تجد إلا الخير، فلا تتبع الإفتراءات والشائعات.
خصص وقتا لتعلم دينك، وأوله التوحيد (وطالع ملخصات موقع سرد الثقافي الدينية فاكثرها عبارة عن مسودات طالب علم مثلك).
وحافظ كذلك على الصلوات الخمس في الجماعة، فذلك يباعد بينك وبين التفكير في المعاصي، ويقربك من ربك والدين أكثر، وفيه بركة عظيمة ستنفعك.
وحافظ على أذكار الصباح وأذكار المساء، خاصة قول النبي صلى الله عليه وسلم: “بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم”. وقوله: “أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق”، والتهليلات المائة “لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير”، فهذه أعمال تعينك – بفضل الله تعالى – على الطاعة، وتأخذ بيدك وناصيتك إلى الخير بإذن الله جل وعلا.
وعليك بالدعاء، والإلحاح على الله تبارك وتعالى أن يعافيك من كل سوء، لا تستسلم لكيد الشيطان، ولا يضحك عليك بقوله: أنت عاص وضعيف فاستسلم، لأنك كلما تبت رجعت. يريد بذلك أن يصرفك عن التوبة الجادة الصادقة، فعليك بمواصلة التوبة والإكثار من الاستغفار كل يوم، والدعاء، والتوجه إلى الله تعالى ليعافيك من المعاصي ويطهرك منها بحوله وقوته، واطلب من والديك الدعاء لك أيضًا، وعليك بالصيام إن استطعت إلى ذلك سبيلاً، والاجتهاد في الابتعاد عن مواطن الفتن، وأبشر بفرج من الله قريب.
خوف السلف الصالح من هذه الفتنة
كان السلف رحمهم الله يحرصون على عدم الوقوع في فتنة النساء، ويخافون على أنفسهم أشد الخوف منها، مع عبادتهم وزهدهم وورعهم.
كان سعيد بن المسيب رحمه الله يقول – وقد أتت عليه ثمانون سنة منها خمسون يصلي فيها الصبح بوضوء العشاء – وهو قائم على قدميه يصلي من الليل: “ما شيء أخوف عندي علي من النساء”، يقول هذا وهو ابن ثمانين سنة قائما يصلي من الليل يعبد الله سبحانه وتعالى.
وأرسل بعض الخلفاء إلى الفقهاء بجوائز، فقبلوها، وردها الفضيل، فقالت له امرأته: “ترد عشرة آلاف، وما عندنا قوت يومنا، فقال: مثلي ومثلكم كقوم لهم بقرة يحرثون عليها، فلما هرمت ذبحوها، وكذا أنتم أردتم ذبحي على كبر سني، موتوا جوعاً قبل أن تذبحوا فضيلاً”.
وقد أخبرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم عن قصة ثلاثة ممن كانوا قبلنا، كانوا في سفر، فأمطرتهم السماء، فأووا إلى غار، فجرف السيل صخرةً، فاطبقت على فم الغار، فأصبحوا كالمقبورين وهم أحياء، وعلموا أنه لا منجى من الله إلا إليه، فتقربوا بأفضل ما عملوه لله، فانفرجت الصخرة، وخرجوا يمشون، فقد جعل الله لهم من ضيقهم فرجًا، ومن بلائهم يسرًا.
جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: “خرج ثلاثة نفر يمشون، فأصابهم المطر، فدخلوا في غار في جبل، فانحطّت عليهم صخرة، فقال بعضهم لبعض: ادعوا الله بأفضل عمل عملتموه. فقال أحدهم: اللهم إني كان لي أبوان شيخان كبيران، فكنت أخرج فأرعى، ثم أجيء فأحلب فأجيء بالحلالب، فآتي به أبويّ فيشربان، ثم أسقي الصبية وأهلي وامرأتي، فاحتبست ليلة، فجئت فإذا هما نائمان، قال: فكرهت أن أوقظهما، والصبية يتضاغون عند رجليّ، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهما حتى طلع الفجر، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج عنا فرجة نرى منها السماء، قال: ففرج عنهم. وقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أني كنت أحب امرأة من بنات عمي كأشد ما يحب الرجل النساء، فقالت لا تنال ذلك منها حتى تعطيها مائة دينار، فسعيت فيها حتى جمعتها، فلما قعدت بين رجليها، قالت: اتق الله ولا تفضَّ الخاتم إلا بحقه، فقمت وتركتها، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجة، قال ففرج عنهم الثلثين. وقال الآخر: اللهم إنك كنت تعلم أني استأجرت أجيرًا بفرق من ذرة فأعطيته، وأبى ذاك أن يأخذ، فعمدت إلى ذلك الفرق فزرعته، حتى شريت منه بقرًا وراعيها، ثم جاء فقال: يا عبدالله أعطني حقي، فقلت: انطلق إلى تلك البقر وراعيها فإنها لك، فقال: أتستهزئ بي؟ فقلت: ما استهزئ بك، ولكنها لك، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا، فكشف عنهم”.
وأورد ابنُ الجوزي قصة رجل من الصالحين اسمه أبو قدامة الشامي، وكان رجلاً قد حبب إليه الجهاد والغزو في سبيل الله، فجلس مرة في الحرم المدني فسأله سائل فقال: يا أبا قدامة أنت رجل قد حبب إليك الجهاد والغزو في سبيل الله، فحدثنا بأعجب ما رأيت من أمر الجهاد والغزو، فقال أبو قدامة: إني محدثكم عن ذلك. خرجت مرة مع أصحاب لي لقتال الصليبيين على بعض الثغور فمررت في طريقي بمدينة الرقة (في العراق على نهر الفرات)، واشتريت منها جملاً أحمل عليه سلاحي، ووعظت الناس في مساجدها وحثثتهم على الجهاد، فلما جن علي الليل اكتريت منزلاً أبيت فيه، فلما ذهب بعض الليل إذا بالباب يطرق عليّ، فلما فتحت الباب إذا بامرأة متحصنة قد تلفعت بجلبابها، فقلت: ما تريدين؟ قالت: أنت أبو قدامة؟ قلت: نعم. قالت : أنت الذي جمعت المال اليوم للثغور؟ قلت: نعم، فدفعت إلي رقعة وخرقة مشدودة، وانصرفت باكية، فنظرت إلى الرقعة فإذا فيها: إنك دعوتنا إلى الجهاد، ولا قدرة لي على ذلك، فقطعت أحسن ما فيَّ وهما ضفيرتاي، وأنفذتهما إليك لتجعلهما قيد فرسك لعل الله يرى شعري قيد فرسك في سبيله، فيغفر لي. قال أبو قدامة: فعجبت والله من حرصها وبذلها، وشدة شوقها إلى المغفرة والجنة. فلما أصبحنا خرجت أنا وأصحابي من الرقة، فلما بلغنا حصن مسلمة بن عبد الملك إذا بفارس يصيح وراءنا وينادي يقول: يا أبا قدامة يا أبا قدامة، قف عليَّ يرحمك الله، قال أبو قدامة: فقلت لأصحابي تقدموا عني وأنا أنظر خبر هذا الفارس، فلما رجعت إليه، بدأني بالكلام وقال: الحمد لله الذي لم يحرمني صحبتك ولم يردني خائباً. فقلت له ما تريد: قال أريد الخروج معكم للقتال. فقلت له: أسفر عن وجهك أنظر إليك، فإن كنت كبيراً يلزمك القتال قبلتك، وإن كنت صغيراً لا يلزمك الجهاد رددتك. فكشف اللثام عن وجهه فإذا بوجه مثل القمر وإذا هو غلام عمره سبع عشرة سنة. فقلت له: يا بني، عندك والد؟ قال: أبي قد قتله الصليبيون، وأنا خارج أقاتل الذين قتلوا أبي. قلت: أعندك والدة؟ قال: نعم، قلت: ارجع إلى أمك فأحسن صحبتها فإن الجنة تحت قدمها، فقال: أما تعرف أمي؟ قلت: لا. قال: أمي هي صاحبة الوديعة. قلت: أي وديعة؟ قال: هي صاحبة الشكال. قلت: أي شكال؟ قال: سبحان الله ما أسرع ما نسيت!! أما تذكر المرأة التي أتتك البارحة وأعطتك الكيس والشكال؟ قلت: بلى. قال: هي أمي، أمرتني أن أخرج إلى الجهاد، وأقسمت عليَّ أن لا أرجع، وقالت لي: يا بني إذا لقيت الكفار فلا تولهم الدبر، وهَب نفسك لله واطلب مجاورة الله، ومساكنة أبيك وأخوالك في الجنة، فإذا رزقك الله الشهادة فاشفع فيَّ، ثم ضمتني إلى صدرها، ورفعت بصرها إلى السماء، وقالت: إلهي وسيدي ومولاي، هذا ولدي وريحانةُ قلبي وثمرةُ فؤادي سلمته إليك فقربه من أبيه وأخواله. ثم قال: سألتك بالله ألا تحرمني الغزو معك في سبيل الله، أنا إن شاء الله الشهيد ابن الشهيد، فإني حافظ لكتاب الله، عارف بالفروسية والرمي، فلا تحقرَنِّي لصغر سني. قال أبو قدامة : فلما سمعت ذلك منه أخذته معنا، فوالله ما رأينا أنشط منه، إن ركبنا فهو أسرعنا، وإن نزلنا فهو أنشطنا، وهو في كل أحواله لا يفتر لسانه عن ذكر الله تعالى أبداً. فنزلنا منزلاً، وكنا صائمين، وأردنا أن نصنع فطورنا، فأقسم الغلام أن لا يصنع الفطور إلا هو، فأبينا وأبى، فذهب يصنع الفطور، وأبطأ علينا، فإذا أحد أصحابي يقول لي يا أبا قدامة اذهب وانظر ما أمر صاحبك، فلما ذهبت فإذا الغلام قد أشعل النار بالحطب ووضع من فوقها القدر، ثم غلبه التعب والنوم ووضع رأسه على حجر ثم نام، فكرهت أن أوقظه من منامه، وكرهت أن أرجع الى أصحابي خالي اليدين، فقمت بصنع الفطور بنفسي وكان الغلام على مرأى مني، فبينما هو نائم لاحظته بدأ يتبسم، ثم اشتد تبسمه فتعجبت، ثم بدأ يضحك ثم اشتد ضحكه ثم استيقظ، فلما رآني فزع وقال: ياعمي أبطأت عليكم، دعني أصنع الطعام عنك، أنا خادمكم في الجهاد. فقال أبو قدامة: لا والله لست بصانع لنا شيء حتى تخبرني ما رأيت في منامك وجعلك تضحك وتتبسم. فقال: يا عمي هذه رؤيا رأيتها، فقلت: أقسمت عليك أن تخبرني بها. فقال: دعها بيني وبين الله تعالى، فقلت: أقسمت عليك أن تخبرني بها
قال: رأيت ياعمي في منامي أني دخلت إلى الجنة فهي بحسنها وجمالها كما أخبر الله في كتابه، فبينما أنا أمشي فيها وأنا بعجب شديد من حسنها وجمالها، إذ رأيت قصراً يتلألأ أنواراً، لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وإذا شُرفاته من الدرّ والياقوت والجوهر، وأبوابه من ذهب، وإذا ستور مرخية على شرفاته، وإذا بجواري يرفعن الستور، وجوههن كالأقمار.. فلما رأيت حسنهن أخذت أنظر إليهن وأتعجب من حسنهن، فإذا بجارية كأحسن ما أنت رائي من الجواري، وإذ بها تشير إلي وتحدث صاحبتها وتقول هذا زوج المرضية هذا زوج المرضية، فقلت لها أنتي المرضية؟ فقالت: أنا خادمة من خدم المرضية. تريد المرضية؟ ادخل إلى القصر. تقدم يرحمك الله، فإذا في أعلى القصر غرفة من الذهب الأحمر عليها سرير من الزبرجد الأخضر، قوائمه من الفضة البيضاء، عليه جارية وجهها كأنه الشمس، لولا أن الله ثبت علي بصري لذهب وذهب عقلي من حسن الغرفة وبهاء الجارية. فلما رأتني الجارية قالت : مرحباً بولي الله وحبيبه، أنا لك وأنت لي، فلما سمعت كلامها اقتربت منها وكدت أن أضع يدي عليها، فقالت: يا خليلي يا حبيبي أبعد الله عنك الخناء قد بقي لك في الحياة شيء، وموعدنا معك غدًا بعد صلاة الظهر. فتبسمت من ذلك وفرحت منه يا عم. فقلت له: رأيت خيرًا إن شاء الله.
ثم إننا أكلنا فطورنا ومضينا الى أصحابنا المرابطين في الثغور ثم حضر عدونا، وصف الجيوش قائدنا، وبينما أنا أتأمل في الناس، إذ كل منهم يجمع حوله أقاربه وإخوانه، إلا الغلام، فبحثت عنه فوجدته في مقدمة الصفوف، فذهبت إليه، وقلت: يا بني هل أنت خبير بأمور الجهاد؟ قال لا يا عم، هذه والله أول معركة لي مع الكفار. فقلت يا بني إن الأمر خلاف على ما في بالك، إن الأمر قتال ودماء، فيا بني كن في آخر الجيش فان انتصرنا، فأنت معنا من المنتصرين، وإن هُزمنا لم تكن أول القتلى. فقال متعجبا: أنت تقول لي ذلك؟ قلت: نعم أنا أقول ذلك. قال: يا عم أتود أن أكون من أهل النار؟ قلت أعوذ بالله، لا والله، والله ما جئنا إلى الجهاد إلا خوفًا منها. فقال الغلام: فان الله تعالى يقول: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ”، هل تريدني أوليهم الأدبار فأكون من أهل النار؟ فعجبت والله من حرصه وتمسكه بالآيات، فقلت له يا بني إن الآية مخرجها على غير كلامك، فأبى أن يرجع، فأخذت بيده أُرجعه إلى آخر الصفوف، وأخذ يسحب يده عني، فبدأت الحرب وحالت بيني وبينه.
فجالت الأبطال، ورُميت النبال، وجُرِّدت السيوف، وتكسرت الجماجم، وتطايرت الأيدي والأرجل. واشتد علينا القتال حتى اشتغل كلٌ بنفسه، وقال كل خليل كنت آمله، لا ألهينك إني عنك مشغول، حتى دخل وقت صلاة الظهر، فهزم الله جل وعلا الصليبين، فلما انتصرنا جمعت أصحابي وصلينا الظهر، وبعد ذلك ذهب كل منا يبحث عن أهله وأصحابه، إلا الغلام فليس هنالك من يسأل عنه، فذهبت أبحث عنه، فبينما أنا اتفقده وإذا بصوت يقول: أيها الناس ابعثوا إلي عمي أبا قُدامة، ابعثوا إلي عمي أبا قدامة، فالتفت إلى مصدر الصوت فإذا الجسد جسد الغلام، وإذا الرماح قد تسابقت إليه، والخيلُ قد وطئت عليه فمزقت اللحمان، وأدمت اللسان، وفرقت الأعضاء، وكسرت العظام. وإذا هو يتيم مُلقى في الصحراء. قال أبو قدامة، فأقبلت إليه، وانطرحت بين يديه، وصرخت: ها أنا أبو قدامة.. ها أنا أبو قدامة، فقال: الحمد لله الذي أحياني إلى أن أوصي إليك، فاسمع وصيتي. قال أبو قدامة : فبكيت والله على محاسنه وجماله، ورحمةً بأمه التي فجعت عام أول بأبيه وأخواله، وتفجع الآن به، وأخذت طرف ثوبي أمسح الدم عن وجهه. فقال : تمسح الدم عن وجهي بثوبك!! بل امسح الدم بثوبي لا بثوبك، فثوبي أحق بالوسخ من ثوبك.. قال أبو قدامة: فبكيت والله، ولم أحر جواباً.. فقال: يا عم، أقسمت عليك إذا أنا مت أن ترجع إلى الرقة، ثم تبشر أمي بأن الله قد تقبل هديتها إليه، وأن ولدها قد قُتل في سبيل الله مقبلاً غير مدبر، وأن الله إن كتبني في الشهداء فإني سأوصل سلامها إلى أبي وأخوالي في الجنة.. ثم قال: يا عم إني أخاف ألا تصدق أمي كلامك فخذ معك بعض ثيابي التي فيها الدم، فإن أمي إذا رأتها صدقت أني مقتول، وقل لها إن الموعد الجنة إن شاء الله.. يا عم: إنك إذا أتيت إلى بيتنا ستجد أختاً لي صغيرة عمرها تسع سنوات، ما دخلتُ المنزل إلا استبشرتْ وفرحتْ ، ولا خرجتُ إلا بَكتْ وحَزنتْ، وقد فُجعت بمقتل أبي عام أول وتفجع بمقتلي اليوم، وإنها قالت لي عندما رأت علي ثياب السفر: يا أخي لا تبطئ علينا وعجل الرجوع إلينا، فإذا رأيتها فطيب صدرها بكلمات، وقل لها يقول لك أخوكِ: الله خليفتي عليكِ..
ثم تحامل الغلام على نفسه، وقال: يا عمّ صدقت الرؤيا ورب الكعبة، والله إني لأرى المرضية الآن عند رأسي وأشم ريحها.. ثم انتفض وتصبب العرق وشهق شهقات ثم مات..
قال أبو قدامة: فأخذت بعض ثيابه، فلما دفناه لم يكن عندي هم أعظم من أن أرجعَ إلى الرقة وأبلغَ رسالته لأمه.. فرجعت إلى الرقة وأنا لا أدري ما اسم أمه وأين تسكن.. فبينما أنا أمشي وقفت عند منزل تقف على بابه فتاة صغيرة ما يمر أحد من عند بابهم وعليه أثر السفر إلا سألته يا عمي من أين أتيت فيقول من الجهاد فتقول له معكم أخي؟.. فيقول ما أدري من أخوك ويمضي.. وتكرر ذلك مرارًا مع المارة ويتكرر معها نفس الرد.. فبكت أخيرًا، وقالت: مالي أرى الناس يرجعون وأخي لا يرجع..
فلما رأيت حالها أقبلت عليها.. فرأت علي أثر السفر، فقالت: يا عم من أين أتيت؟ قلت: من الجهاد، فقالت معكم أخي، فقلت أين هي أمك؟ قالت: في الداخل، ودخلت تناديها.. فلما أتت الأم وسمعت صوتي عرفتني وقالت: يا أبا قدامة أقبلت معزيًا أم مبشرًا؟ فقلت: كيف أكون معزيًا ومبشرًا؟ فقالت: إن كنت أقبلت تخبرني أن ولدي قُتل في سبيل الله مقبلا غير مدبر، فأنت تبشرني بأن الله قد قبل هديتي التي أعددتها من سبعة عشر عامًا. وإن كنت قد أقبلت كي تخبرني أن ابني رجع سالمًا معه الغنيمة فإنك تعزيني لأن الله لم يقبل هديتي إليه.. فقلت لها: بل أنا والله مبشر، إن ولدك قد قتل مقبلا غير مدبر..فقالت ما أظنك صادقًا وهي تنظر إلى الكيس، ثم فتحت الكيس وإذ بالدماء تغطي الملابس، فقلت لها أليست هذه ثيابه التي ألبستيه إياها بيدك؟ فقالت الله أكبر، وفرحت.. أما الصغيرة فشهقت ثم وقعت على الأرض ففزعت أمها ودخلت تحضر لها ماء تسكبها على وجهها.. أما أنا فجلست أقرأ القرآن عند رأسها.. ووالله مازالت تشهق وتنادي باسم أبيها وأخيها، وما غادرتها إلا ميتة.. فأخذتها أمها وأدخلتها وأغلقت الباب، وسمعتُها تقول: “اللهم إني قد قدمت زوجي وإخواني وولدي في سبيلك، اللهم أسألك أن ترضى عني وتجمعني وإياهم في جنتك”.
التقوى هي الحل لكل المشاكل
قال الله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته”. وقال تعالى: “فاتقوا الله ما استطعتم”. وهذه الآية مبينة للمراد من الأولى.
والتقوى هي امتثال أوامر الله تعالى، واجتناب نواهيه حسب الطاقة، وأصلها في اللغة: اتخاذ وقاية تقيك مما تخافه وتحذره.
قال تعالى: “يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم”، والآيات في الأمر بالتقوى كثيرة معلومة.
قال ابن كثير: يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين بتقواه، وأن يعبدوه عبادة من كأنه يراه، وأن يقولوا قولا سديدا، أي مستقيما لا اعوجاج فيه ولا انحراف، ووعدهم أنهم إذا فعلوا ذلك أثابهم عليه بأن يصلح لهم أعمالهم، أي يوفقهم للأعمال الصالحة، وأن يغفر لهم الذنوب الماضية، وما قد يقع منهم في المستقبل، يلهمهم التوبة منها.
ثم قال: {ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما} [الأحزاب: 71]، وذلك أنه يجار من نار الجحيم، ويصير إلى النعيم المقيم.
وقال تعالى: “ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب”.
قال ابن كثير: أي ومن يتق الله فيما أمره به وترك ما نهاه عنه يجعل له من أمره مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب، أي من جهة لا تخطر بباله.
وفي “المسند” عن ابن عباس قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب”.
وقال تعالى: “إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم”. والآيات في الباب كثيرة معلومة.
قال ابن إسحاق: فرقانا أي فصلا بين الحق والباطل.
قال ابن كثير: فإن من اتقى الله بفعل أوامره وترك زواجره، وُفق لمعرفة الحق من الباطل، فكان ذلك سبب نصره ونجاته، ومخرجه من أمور الدنيا، وسعادته يوم القيامة، وتكفير ذنوبه، وهو محوها وغفرها وسترها عن الناس، وسببا لنيل ثواب الله الجزيل.
وأما الأحاديث عن التقوى:
– عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله، من أكرم الناس؟ قال: “أتقاهم”. فقالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: “فيوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله”، قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: “فعن معادن العرب تسألوني؟ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا”. متفق عليه. و”فقهوا” بضم القاف على المشهور وحكي كسرها: أي علموا أحكام الشرع. أي أن أصحاب المروءات ومكارم الأخلاق في الجاهلية هم أصحابها في الإسلام إذا عملوا أحكام الشرع.
– عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء”. رواه مسلم.
في هذا الحديث: التحذير من الاغترار بالدنيا، والميل إلى النساء، فإنهما فتنة لكل مفتون.
– عن ابن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: “اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى. رواه مسلم. الهدى: الرشاد. والتقى: امتثال الأوامر واجتناب النواهي. والعفاف: التنزه عما لا يباح، وما لا يليق بالمروءة. والغنى: غنى النفس، والاغتناء عما في أيدي الناس. وفي الحديث شرف هذه الخصال والالتجاء إلى الله في سائر الأحوال.
– عن أبي طريف عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من حلف على يمين ثم رأى أتقى لله منها فليأت التقوى”. رواه مسلم. يعني أن من حلف على فعل شيء أو تركه، فرأى غيره خيرا من التمادي على اليمين واتقى الله، فعله وكفر عن يمينه.
– عن أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع، فقال: “اتقوا الله وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم، وأطيعوا أمراءكم تدخلوا جنة ربكم”. رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن صحيح). بدأ بالتقوى لأنها الأساس؛ لتناولها فعل سائر المأمورات، وترك سائر المناهي، وعطف عليها ما بعدها وهو من عطف العام على الخاص، والله أعلم.