قصة حب وحياة – لسان الدين بن الخطيب وصديقه الوفي ابن خلدون
لسان الدين بن الخطيب
هو المؤرخ الكبير لسان الدين بن الخطيب، ظهر في الأندلس في أواخر أيام المسلمين فيها، بعد ان انحصر ملكهم في غرناطة جنوب شرق اسبانيا قبل السقوط. فكان وزيرا أولا لدى ملوك بني الأحمر فيها.
درس الطب والفلسفة، وكان ذكيا أوصه ذكاؤه وشغفه بالبحث إلى الوزارة. أن صار وزيرا أولا عند ملوك بني نصر أوبني الأحمر في عهد الحجاج يوسف الأول وابنه محمد الخامس الغني بالله كان شاعرا ، يخصص الليل للقراءة والتآليف يساعده في ذلك أرق أصابه، بينما كان يخصص النهار لشؤون الحكم والسياسية، ولهذا لقب بذي العمرين.
وكان له مكانة وقبول عند ملوك المسلمين وحتى المسيحيين، وكان يبعث لهم بالنصائح، ومنها رسالة بالإسبانية بعث بھا إلى ملك قشتالة بدرو القاسي.
كما أهتم بتاريخ الدول الإسلامية التي في المغرب.
وفي سنة 160 (1359) حدث انقلاب في مملكة غرناطة أدى إلى خلع سلطانها محمد الغنى بالله، وتولى أخيه إسماعيل بن يوسف مكانه. ففر إلى المغرب الأقصى، والتجأ إلى سلطانه أبي سالم إبراهيم المريني ، وصحبه ابن الخطيب مع حاشيته، وكانت معه زوجته التي رافقته في دروب الحياة.
ورحب بهم سلطان المغرب، وأنزلهم في بعض قصوره بمدينة فاس عاصمة الدولة المرينية.
ودامت مدة النفي 3 سنوات لم يخلد فيها للراحة كما فعل من معه، بل عكف على القراءة والتأليف وقرض الشعر والتنقل بين البلدان المغربية لمشاهدة آثارها و الاتصال بعلمائها ، تم انتهى به المطاف إلى مدينة سلا (بجوار الرباط)، حيث استقر بها مرابطا بجوار أضرحة ملوك بني مرين.
ثم أصيب في أقرب الناس إليه وأعزهم عليه، ماتت زوجته وأم أولاده التي كانت تقيم معه في بلد الغربة. فاشتدت آلامه، وغمرته موجة من الحزن ظهرت آثارها بوضوح في نظمه ونثره، وفي هذا يقول:
رَوَّعَ بَالِي وَهَاجَ بَلْبَالِي وَسَامَنِي الثَّكْلَ بَعْدَ إقْبَالِ
ذَخِيرَتِي حِينَ خَانَنِي زَمَنِي وَعُدَّتِي فِي اشْتِدَادِ أَهْوَالِ
حَفَرْتُ فِي دَارِيَ الضَّرِيحَ لَهَا تَعَلُّلاً بِالْمُحَالِ فِي الْحَالِ
وَغِبْطَةً تُوهِمُ الْمُقَامَ مَعِي وَكَيْفَ لِي بَعْدَهَا بِإِمْهَالِ
سَقَى الْحَيَا قَبْرَكِ الْغَرِيبَ وَلاَ زَالَ مُنَاخًا لِكُلِّ هَطَّالِ
قَدْ كُنْتِ مَالِي لَمَّا اقْتَضَى زَمَنِي ذَهَابَ مَالِي وَكُنْتِ آمَالِي
أَمَّا وَقَدْ غَابَ فِي تُرَابِ سَلاَ وَجْهُكِ عَنِّي فَلَسْتُ بِالسَّالِي
وَاللَّهِ حُزْنِي لاَ كَانَ بَعْدُ عَلَى ذَاكَ الشَّبَابِ الْجَدِيدِ بِالْبَالِي
فَانْتَظِرِينِي فَالشَّوْقُ يُقْلِقُنِي وَيَقْتَضِي سُرْعَتِي وَإِعْجَالِي
وَمَهِّدِي لِي لَدَيْكِ مُضْطَجَعًا فَعَنْ قَرِيبٍ يَكُونُ تَرْحَالِي
وَاسْمُكِ مَقْلُوبُهُ يُبَيِّنُ لِي مَآلَ أَمْرِي فِي مَعْرِضِ الْفَالِ
وفى سنة 763هـ (1362م)، عاد السلطان إلى عرشه في غرناطة بعد حروب وخطوب شد أزره فيها ملك قشتالة بدرو القاسي وملك المغرب أبو سالم ابراهيم المريني.
فعاد إلى وطنه ومنصبه. فكتب عدة كتب منها “الإحاطة في أخبار غرناطة”، و هو عبارة عند تراجم لملوك وأمراء وعلماء غرناطة وجمع للوافدين عليها.
وقد رسم سياسة خارجية ثابتة تجاه المغرب قوامها الإرتباط بفاس وإرضاء سلاطينها في كل ما يطلبونه من مملكة غرناطة.
وفي ذلك يقول ابن خلدون: “وكانت عينه ممتدة إلى المغرب وسكناه، فكان لذلك يقدم السوابق والوسائل عند ملوكه”.
وقد أثار ذلك معارضة الكثير من رجال الدولة، فکثرت الدعايات ضده، وتلبد الجو بينه وبين سلطانه، واضطر في آخر الآمر إلى الهروب إلى المغرب، والإلتجاء إلى سلطانه أبي فارس عبد العزيز المريني الذي رحب به وأحله من مجلسه محل الإصطفاء والقرب، وذلك سنة 773 هـ (1371م).
والمهم هنا أنه بعد استحكام العداء بينه وبين ملك غرناطة ، حرض سلطات فاس على الإستيلاء على غرناطة ليصل بذلك إلى هدفه الرئيسي وهو تحقيق الوحدة مع المغرب. ويبدو أن هذه السياسة صادفت هوى في نفس السلطان عبد العزيز، لا سيما بعد أن ضم المغرب الأوسط إلى مملكة، فوعد بتنفیذھا.
كانت نهاية ابن الخطيب مأساوية إذ تمكن سلطان غرناطة من القبض عليه وقتله وحرقه بعد امتحانه وتعذيبه ومصادرة أمواله سنة 776هـ ( 1374م)، وبهذا كان فقدانه على هذا النحو خسارة فادحة إذ انقطع بموته أهم مصدر عربي لتاريخ غرناطة.
لكن قصة وفائه وحبه لزوجته، وأبياته الرائعة، هي سبب كتابة هذه الخاطرة، ففكر فيها يا محروم، وأحب الناس ليحبوك.
عبد الرحمن بن خلدون (732) – 808 ھ ، 1332 – 1406م )
ولد في تونس، وكان أجداده أندلسيين من إشبيلية، وقد درس على يد الكثير من العلماء الذين هاجروا إلى تونس واستقروا فيها.
واجتذبه في شبابه بلاط بني مرين في فاس للخدمة فيه، وهنالك اتصل بالوزير الغرناطي لسان الدين بن الخطيب، وتوطدت بينها صداقة متينة تظهر في الترجمة الدقيقة التي أفردها له ابن الخطيب بعد عودته إلى وطنه في كتابه الإحاطة، قال فيها: “وأما المترجم به (أي ابن خلدون) فهو رجل فاضل حسن الخلق، جم الفضائل ظاهر الحياء ، أصيل المجد، وقور المجلس، عزوف عن الضيم، صعب المقادة، قوي الجأش، طامح لفن الرياسة، شديد البحث، صحيح التصور، كثير الحفظ، حسن العشرة، مفخر من مفاخر التخوم المغربية، شرح البردة شرحا بديعا دل على غزارة حفظه وتفنن إدراكه، ولخص كثيرا من كتب ابن رشد، وعلق للسلطان أبي سالم في العقليات تقييدا مفيدا في المنطق، ولخص محصل الإمام فخر الدين الرازي، وألف كتاباً في الحساب”.
وفي سنة 764 هـ ( 1363م ) سافر ابن خلدون إلى اسبانيا في مهمة رسمية تتعلق بتأكيد صلح بين ملك المغرب وملك قشتالة بدر و القاسي الذي كان مقيما في إشبيلية مقر أجداد ابن خلدون ، وقد عرض عليه البقاء فها، وأن يرد عليه أملاك أسرته، ولكن ابن خلدون اعتذر شاكرا، ثم رحل إلى غرناطة حيث لقى صديقه ابن الخطيب، وتسرى بجارية اسبانية تدعى هند. وعاد بعد فترة قصيرة إلى المغرب حيث انغمر في حياة سياسية حافلة بالأحداث سواء في بلاط المرينيين بفاس، أو الحفصيين في تونس، أو يني عبد الواد في تلمسان.
وحينما حلت بابن الخطيب تلك المحنة التي أودت بحياته، لم يتردد ابن خلدون في العمل على انقاذ حياة صديقه، اذ يقول في هذا الصدد: “وبعث إلي ابن الخطيب من محبسه مستصرخا بي ومتوسلا، فخاطبت في شأنه أهل الدولة – وذكر بعض الأسماء.. فلم تنجح تلك السعاية، وقتل ابن الخطيب في مجسه، وكان ذلك في سنة 776هـ”.
وتشير الروايات إلى أنه بعد هذا الحادث مل السياسة والحياة العامة وآثر الإعتزال والانطواء أربع سنوات قضاها في قلعة “بني سلامة”، أو قلعة “تاوغزوت” التي تبعد عن مدينة فرندة بولاية وهران غربي الجزائر خمسة كيلومترات.
وكتب في خلوته تلك التي استمرت من 776هـ-780م، مقدمة تاريخه الخالدة التي قال فيها: “سالت فيها شآبيب الكلام والمعاني على الفكر، حتى امتخضت زبدتها، وتألفت نتائجها على ذلك النحو الغريب الذي اهتديت إليه في تلك الخلوة”.
عاش ابن خلدون بعد ذلك ما يقارب الثلاثين سنة، انتقل خلالها إلى الشام ومصر حيث ولي منصب قاضي القضاة المالكية في القاهرة ست مرات.
ولما حاصر تيمورلنك المغولي دمشق تصادف أن كان ابن خلدون بداخلها، فاستعمل الحيلة حتى خرج منها، وقصد تيمورلنك راجيا انقاذ المدينة، وحدثه حديثا عذبا كله إطراء ومديح، فأعجب به تيمور، وقرر أن يستبقيه في خدمته، فلم يرفض، وإنما استأذنه في أن يذهب إلى القاهرة ليعود باهله وكتبه، فأذن له، فرحل إلى مصر وهو لا يكاد يصدق بالنجاة.
وقد درس علي يده عدد من المؤرخين المصريين، منهم تقي الدين أحمد المقريزي الذي صاهره وتأثر به في بعض كتاباته.
توفي ابن خلدون بمصر سنة 808 هـ. ومن أشهر مؤلفاته كتاب “العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر من ذوي الشأن الأكبر”. وهو كتاب في سبعة أجزاء، الأول منها هو المقدمة المشهورة التي نظر فيها للتاريخ على أنه فرع من الحكمة أي الفلسفة، وأن باطنه نظر وتحقيق، وتعليل للكائنات ومبادئها، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها، ومن ثم لابد من دراسة طبائع البشر والعمران لفهم الحوادث ونقدها، واستقصاء عللها وأسبابها.
وقد تضمنت المقدمة معلومات مهمة عن حضارة المغرب والأندلس، وأنظمة الحكم فيها، أما بقية الأجزاء فتناولت أخبار العرب وأجيالهم منذ بدأ الخليقة إلى عصره، ثم أخبار البربر وأجيالهم ودولهم بديار المغرب.
وكتب كذلك كتابا تضمن أخباره ورحلاته في المشرق والمغرب، بعنوان: “التعريف بابن خلدون ورحلته غربا وشرقا”.
تعليق
1. لاحظ أن لسان الدين بن الخطيب كان ذكيا فطنا لبقا، لذا وجد له مكانة عند ملوك بني الأحمر، ثم تدرج حتى صار وزيرا أولا في عهد أحدهم. قطعا لم يبلغ ذلك عبثا، بل باستحقاق وجهاد في سبيله، وربما أيضا لأن ذلك فقط كان المقدر له.
يعني لا يملك الإنسان إلا اختيار الطريق الذي يسير فيه، اما التوفيق فمن الله سبحانه وتعالى وحده.
لذا يقولون كن دائما في المكان المناسب، المكان الصحيح لكي تجد نفسك تحقق ما تريد.
ولن يقع شيئا إلا في وقته، أي عندما يحين وقت وقوعه، مهما فعلنا.
لكن لكل شيء ثمن، فمن ثمن ذلك الإعتداد بالنفس، والتعود على المخاطرة، لذا يقع أصحاب الطموح غالبا في مشاكل يسلم منها أبسط الناس، وتلك ضريبة الرفعة، فلها ثمن.. ليست مجانية إلا نادرا.
إن لم يضر الواحد حاسدوه، ضرته نفسه واقرب المقربين منه نتيجة للحقيقة المبنية عليها الدنيا، وهي انها دار ابتلاء وامتحان، لا استقرار ورفاهية دائمة.
كان ذكيا عالما شاعرا، لبقا دبلوماسيا، يحبه قطعا كل من يخالطه. حتى أنه كان يراسل الملوك بالنصائح من برجه العلمي العالي الذي خول له إمكانية فعل ذلك، فالعلم يرفع ولا يضع، لذا نجد في رحلة ابن بطوطة كيف انه تولى عدة مناصب في عدة ممالك مر بها لمجرد فقهه في اللغة والدين.
أما اليوم، فلدينا هؤلاء المثقفين والفلاسفة التافهين، الذين لا انتاج لأحد منهم من الأدب، وغن كان فتافه او ثقيل الدم مثله.
كل هم الواحد منهم هو التأصيل وابتاع قواعد لا يفهمها ولا توضح مراده ولا علمه للناس. يظل يؤصل ليل نهار دون أن يتضح شيئا مما يريد إيصاله.
وهذه اللهجة سرت كالعدوى حتى إلى علماء الدين، فأصبحوا فلاسفة بدورهم. يقول لك الواحد منهم علينا البحث في قواعد الفرقة – بغض النظر عن بدعها الواضحة، أو اليهود او غيرهم، قبل أن نحكم عليهم! فيظل يبحث ويؤصل ويضع القواعد، ثم لا يخرج الواحد منه بحق!
مثال ذلك من يعترض على الشيعة لطعنهم في ثوابت المسلمين، يأتيك الواحد من هؤلاء بالعجب تفننا وتعالما وتبحرا، ويخرج لك بنتيجة مفادها أن لهم مكانة بين المسلمين!
وأكثرهم يسير على المنهج الأكاديمي – كما يسمونه، الغربي، والعنة عليه من منهج.
2. ثم حدث الإنقلاب، فقد ضاع ملك صاحبه، فاضطر إلى الفرار معه إلى المغرب، وهنالك توفيت زوجته التي يتضح من كلامه عنها أنه كان يحبها جدا، ربما لأنها رفيقة درب حياته، ومعينته ومسليته في وحدته وعالمه المغلق عليه بين أربعة جدران، المرأة هي أو معين للرجل مثلما هو أول معين لها، وهي البسمة والحياة والأمل والسلوى.
قصته مؤثرة، تدل على أن دوام الحال سواء في سعادة أو ضدها، من المحال.
حزن عليها حزنا شديدا، وقال فيها قصيدته السابقة الرائعة، مذكرا كل صاحب قلب من حجر بأن المرأة هي أساس الحياة، ومن وفق إلى المرأة الصالحة الجميلة (معا، وإلا الأولى) المحبة الصادقة، فذلك أعظم متاع في الدنيا مثلما الحور العين من أعظم متاع الجنة.
قصته مؤثرة، وأنا طالما استهنت بأهمية المرأة – ليس كبرا والعياذ بالله، بل جهلا بقيمتها وطيشا وغفلة عما ينفع حقا في مرحلة من حياتي، انشغلت فيها ببعض المعاصي رغم تمسكي بالأصل وهو بغضها، وعرفت مع الوقت أن العمر الذي لا امرأة محبوبة فيه كزوجة لا عشيقة ولا غيره، عمر ضائع. والشاب الذي لا يفكر في الزواج من أول يوم من شبابه، يضيع وقته وجهده، وربما دينه، والعياذ بالله.
وأنت؟ ما رأيك (أضفه في تعليق، كن صريحا ولا تهرب).
فكر في هذا البيت الجميل الذي يعكس إيقاف الدهر لإندفاع الإنسان فجأة، وفقنا الله وإياكم لكل خير، وادام علينا نعمه:
رَوَّعَ بَالِي وَهَاجَ بَلْبَالِي وَسَامَنِي الثَّكْلَ بَعْدَ إقْبَالِ
وفي هذا البيت الذي يدل على مدى الحزن واليأس الذي سكن قلب من فقد حبيبا، أدام الله علينا نعمة أحبائنا، خاصة وهو الطريد الغريب عن أوطانه:
وَمَهِّدِي لِي لَدَيْكِ مُضْطَجَعًا فَعَنْ قَرِيبٍ يَكُونُ تَرْحَالِي
ترى كيف كانت حياتهما في دارهما الجميلة في غرناطة الرائعة عندما كانت الدنيا مقبلة، والبناء يلعبون في ساحة الدار تحت أشعة الشمس المشرقة في الحديقة الخضراء المشرفة من الجبل الأخضر على الدنيا!!
كيف كانت تستقبله زوجته الحبيبة بابتسامتها عندما يرجع من العمل متعبا مثقلا بالمهام التي وجل إليه الخليفة، فتضحك في وجهه، وتلقمه بيده وتمسح على وجهه ورأسه، وعندما يحزن تأخذه بالأحضان وتواسيه وتسنده، وعندما يحتار لا يجد أفضل من مشورتها ورأيها.
3. عاد بعد فراقها إلى وطنه بعد أن عاش في المغرب عدة أعوام، لكنه قطعا لم يعد كما كان، بل لعله عاد ليشد الرحل إليها كما قال في قصيدته، فدب الخلاف بينه وبين ملكه إلى درجة عودته إلى المغرب هاربا بنفسه، لكن صاحبه الذي كان أكبر أوليائه، وفرق بينهما ذلك الإختلاف، بعث إليه من قبض عليه وجاءه به، فعذبه وحرقه وقتله!!
أمر مروع، فهل كان يستحق ذلك؟
أين صحبتهما السابقة؟
أين مرافقته له هاربين من نفس المصير؟
الإنسان يحكم بهواه، وصحبة الملوك أخطر من صحبة قطاع الطرق أحيانا، والدنيا على كف عفريت، السلامة من شرها أمر صعب بل شبه مستحيل إلا بتوفيق من الله، لذا وجب الإرتكان إليه سبحانه وتعالى، ودعاؤه في كل لحظة أن يحفظ من شياطين الإنس والجن، ومن كل أذى. فهو وحده الحافظ، وهو وحده المعين.
وأحيانا تجني قوة الشخصية والطموح على صاحبها فيتبع مقولة إما حياة بعز أو موت في سبيل ذلك، فتكون النتيجة الموت، ولو قنع بما هو فيه لكان خير له.
ولا أقصد بذلك عالمنا، بل هذا كثير في الناس، والطمع يقل مما جمع كما يقول إخوتنا المصريون.
بهذا انتهت حياة بطلنا بتلك الصورة البشعة المؤسفة، وهو العالم النافع الذي لا أعتقد أنه كان يستحق ما وقع له مهما بلغ فعله.
4. ثم ظهر صديقه ابن حزم، الذي عاش بعده أكثر من ثلاثين سنة، وقطعا استفاد من تجربته، وكان جهبذا مبدعا مثله.
لاحظ كيف اعتزل كل شيء بعد مأساة صديقه. عرف حقيقة الدنيا القاسية، وخطورة الملوك، فآثر الاعتزال، وكتب في عزلته أعظم كتاب من كتبه وهو “مقدمة تاريخه”.
أجب في تعليق على ما يلي حتى أتأكد من أنك فهمت ما أقصد:
1. أيهما أذكى في رأيك؟
2. أي الكتابين أقوى عموما؟ مع العلم أن كتاب كل واحد منهما متخصص في مجال، فكتاب “الإحاطة في اخبار غرناطة” أفاد في أخبار الأندلس في آخر أيامها، أما كتاب “المقدمة”، فهو وجهة نظر في التاريخ، وتعليم للمؤرخين وغيرهم.
3. هل تؤمن بأهمية تقديم الزواج حتى على الدراسة الجامعة وانتظار الوظيفة، وهي أمور قد تستغرق أكثر من 10 سنين، أم أن انتظار ذلك لابد منه؟
شرح الأبيات
قصيدة لسان الدين بن الخطيب تعكس حزن الشاعر العميق على فقدان شخص عزيز عليه، يعبر فيها عن مشاعره بأبيات مؤثرة مليئة بالحنين والشوق.
بدأ الشاعر بالتعبير عن حزنه العميق وقلقه الشديد بسبب فقدانه لشخص عزيز بعد فترة من السعادة والازدهار.
وفي البيت الثاني وصف الفقيدة بأنها كانت دعمه وسنده عندما خانه الزمن واشتدت عليه المصاعب. وفاء لها.
وفي الثالث يشير إلى أنه حفر قبرًا لها في منزله، ربما تعبيرًا عن استحالة تقبله لرحيلها، أو رغبته في بقائها قريبة منه، أو كلاهما.
وفي الرابع عبر عن أمله الوهمي في بقائها معه، ويتساءل كيف يمكنه الاستمرار في الحياة بدونها.
وفي الخامس يدعو بأن يُنزل الله المطر على قبرها الغريب، وأن يبقى مكانًا يتساقط عليه الغيث دائمًا.
وفي السادس يوضح أنها كانت ثروته الحقيقية عندما فقد أمواله، وكانت هي أمله الوحيد.
وفي السابع يشير إلى أن وجهها قد اختفى في تراب “سلا” (مدينة في المغرب)، وأنه لن ينسى ذلك أبدًا.
وفي الثامن يقسم بأن حزنه ليس فقط على شبابها الذي ذهب، بل على كل ما فقده برحيلها.
وفي التاسع يطلب منها أن تنتظره، فشوقه لها يسبب له القلق ويدفعه للإسراع في اللحاق بها.
وفي العاشر يطلب منها أن تجهز له مكانًا بجانبها، لأنه سيأتي إليها قريبًا.
وفي الحادي عشر يلاحظ أن اسمها إذا قُلب يُظهر له مصيره، ربما في إشارة إلى تفاؤله بلقائها بعد الموت.
زوجته هي السيدة مريم بنت محمد بن عبدون، وهي من مدينة بجاية. وقد رُزق منها بأولاده. وفي عام 762 هـ (1361 م)، توفيت في مدينة سلا بالمغرب، ودفنها في بستان متصل بداره هناك.
وعبّر عن حزنه العميق على فقدانها في قصيدته المؤثرة هذه. وطبعا قضى الأيام والليالي جالسا عند قبرها في بستانه الذي بداره، يفكر في الدنيا والمآل والحب الضائع والرفقة المفقودة. ثم تركها وغادر إلى الأندلس حيث لقي حتفه وربما دفن هنالك بعيدا عنها، وهو الراجح!