هذه شخبطة كتبتها في ال 2000 عندما كانت الديمقراطية صنم يعبد عندنا بقوة من طرف السياسيين والطامعين في مشاركة الدولة في أموال الشعب، ولا زالت حتى يومنا هذا – لكن بدرجة أخف، وإن كانت بثوث التيكتوك تدل على غير ذلك، فالشباب اليوم – العاطل منه عن العمل وغير العاطل، لا هم له إلا الحديث في السياسة، كأنهم جميعا دولة؟
أو كأن الشأن العام من تخصصهم؟
بعكس البثوث العربية التي تجدها تتحدث في أشياء أكثر علاقة بالمواطن من السياسة مثل الدين والحياة والقصص إلخ، أما السياسة فقليل منهم من يجرؤ على الخوض فيها، خوفا على نفسه، وذلك أفضل لهم ولبلدانهم، لهذا أعتقد شخصيا أن ما يسمونه بالدكتاتورية خير ألف مرة من هذه الديمقراطية، فالحكم والبلد شأن من يتولاه لا غيره، وسيحاسبه الله عليه أشد الحساب إن اخطأ، فما الذي يعني العوام من أمره؟ عليه رعيته وهي محيطهم الضيق، أما غيره فليس من مسؤولياتهم.
أما عندنا – وربما هو علامة على ضعف الدولة، فلا يتحدثون إلا عن السياسة، وبما أنها مركوب الجميع – الوضيع قبل الرفيع، فإن أمور ك“العنصرية”، و“اتهام الناس بالنهب والسرقة والفساد جزافا”، وأمثال ذلك، أصبحت محور الحديث، حفظ الله من تبعاتها.
هذه سلسلة كتابات ساخرة لشومير – عاطل عن العمل، يتجول هنا وهنالك مبرزا بعض الأوجه الإجتماعية والسياسية والدينية حينها وحتى الآن، مكتوب بعضها عندي، سأحاول نقله إلى الموقع.
هذه الحلقة تتناول محاولة “فضولي” العاطل عن العمل الإنضمام إلى حزب المعارضة – أكبر حزب معارض (التكتل عندنا في زمن كتابة هذه الخاطرة)، ليس أملا في إصلاح البلد كما يزعم كل من يسير في دروب السياسة المظلمة من الكذابين والأفاقين، بل في إصلاح وضعه المادي فقط – مثل الجميع.
💥 الحزب المحكوم
منذ إصابة مجتمعه بمرض الوعد الديمقراطية الموعود، و”فضولي” يتقلب على أحر من الجمر من أجل تذوق طعمها.. سمع بأن رجال السياسة أكذب من الشياطين، وأخنز من الملاعين، لكنه كان دائما ما يفاخر بأنهم لم ينجحوا في سلبه صوته الثمين، ربما خدروا والده البسيط بالكلام المعسول والوعود البراقة وسلبوه صوته، لكنهم لم ينجحوا في ذلك معه بدليل بعده التام عن صخب السياسة ونفاقها رغم حاجته الماسة إلى النقود.
لكن الفضول أبى إلا أن يدفعه إلى دس أنفه في ما لا يعنيه – كالعادة، فقرر الإنتساب لأحد الأحزاب المعارضة اللئيمة، الوقوف بنفسه على حقيقة الديمقراطية، ودعاوي عبدة محرابها من كرامات وخوارق العادات..
في اليوم الذي ذهب فيه إلى مقر الحزب المعارض الملعون، أخبره البواب بأن الوطن عبارة عن حقل أخضر والحزب الحاكم جراد يأكله! صدقه ببراءة، ولم يناقشه في تلك الدعوى المعارضاتية ككل المواطنين، فمن وقف عليهم وهم يأكلون ذلك الحشيش الأخضر؟
من لديه شهود على ذلك غير المعارض فلان أو علان؟
اصطدم في طريقه إلى الداخل اصطدم بأحد المعارضين الضخام مثل الفيلة، ممن يربون عضلاتهم استعدادا ليوم الملحمة الكبرى ضد الحزب الحاكم، فصاح بألم: انتبه فأنت تعترض طريقي أيها الغول..
أجابه المعارض وهو يواصل طريقه بدون اكتراث:
– لا تنس أنك في مقر المعارضة يا جحش.. لابد من اعتراض طريقك يا حيوان..
اقترب منه مهرولا وهو يهتف:
– يبدو من ضخامتك أنك معارض معتمد في الحزب..
أجابه المعارض باستخفاف:
– لم تر غير ضخامتي؟! ألا توحي لك تجاعيد وجهي التي تجسد الهم والغم والإقصاء بشيء؟
رد عليه فضولي بلهفة:
– أرجوك.. إنها مسألة حياة أو موت، أريد أن أصبح معارضا وبأي ثمن، هل يوجد زيّ خاص، أو تسريحة شعر، أو قلادة.. أي شيء يعبر عن مدى معارضتي للحزب الحاكم والبغل المتحكم فيه وفي البلد..
أجابه المعارض:
– اسمع مني هذه النصيحة، عارض من أجل المعارضة وحدها. .ابحث عن المشاكل ولو في الصين.. لا توافق على أي حل ولو كان وسطا، واكره الحزب الحاكم والشعب المنافق من كل قلبك، ولا تنخدع بالإخوة الذين في الأحزاب الأخرى فكلهم أعداء ولو كانوا معارضين مثلك.. أخيرا، لا تسمح لتكشيرة المعارضة البغيضة ولا لكآبتها المريحة بمغادرة محياك الدميم، و…
قاطعه فضولي:
– لكن مبادئ الديمقراطية مبنية على معارضة الأفكار والأقوال والأفعال، دون كراتين أصحابها، أقصد أشخاصهم؟
صاح فيه المعارض غاضبا:
– وماذا بوسع الأفكار والأقوال والأفعال أن تفعل بعيدا عن كراتين أصحابها؟ هل تأكل أموال الدولة بدلا منهم؟ هل تبني القصور بدلا منهم؟ هل تستمتع بنساء الفقراء بدلا منهم؟
اسمع أيها الجحش المنافق الصغير، عارض الأشخاص لتتمكن من معارضة أفكارهم..
أجابه فضولي وقد بدأ الخوف من المعارضة يتسلل إلى نفسه:
– المهم عند الصادق هو هو حدوث التغيير إالإيجابي سواء على يد المعارضة أو المولاة، أليس كذلك..
صاح فيه المعارض بغضب وهو يمسك بتالابيبه خانقا:
– اخرس.. لقد ضقنا ذرعا بهؤلاء الكلاب المنافقين وأغلبيهم الشيطانية، لا تذكر اسمهم أمامي ثانية..
تساءل فضولي بخفوت مستغربا:
– لماذا تعارض وأنت أصلا ضد مبادئ الديمقراطية المقدسة؟ الموالاة من الديــمـــقـــــ……
انفجر المعارض كالقنبلة 💥 ونطحه نطحة أطاحت به أرضا،، وصاح:
– ألم أحذرك من عدم ذكر ذلك الاسم البغيض أمامي ثانية؟
أحس فضولي بانه يسبح في الفضاء فاقدا وعيه تدريجيا، فصاح قبل ذلك:
– كلب.. كلاب.. أمكم المعارضة هي أكبر كلبة..
أفاق على نفسه ملقى أمام مقر المعارضة وقد تجمهر حوله جمهور من الفضوليين، فوقف بمساعدة بعضهم ورأسه تدور به في دوامة غير ديمقراطية.. جفف الدماء المتدفقة من منخريه..
تمتم البواب الذي كان يربت على كتفه بنفاق:
– رب شجار أدى إلى و فاق..
لم يجبه فضولي بكلمة.. غادر المكان في خطوات ثقيلة، فواصل البواب دعايته للمعارضة قائلا:
– متى ستأتي لتأخذ استمارة انتسابك إلى الحزب؟
أجابه بسخط:
– عندما يرشحونك لرئاسة الجمهورية..
واصل ابتعاده عن المكان في تثاقل وقد تولدت في أعماقه كراهية عمياء للمعارضة.. وقرر في أعماقه الإنتساب للموالاة والحزب الحاكم عندا في المعارضة..
يتبع في الجزء الثاني: الحزب الحاكم 💥