كتابات سيد محمد

رواية فرسان الظلام

فكرة القصة

رواية فرسان الظلام، قصة خيالية متواضعة من تأليف سيد محمد خليل، أبطالها شخصيات حقيقية وخيالية، تهدف إلى إدخال البهجة والسرور إلى قلوب الأصدقاء والقراء.. هي مشروع ساخر، غير علمي البتة، بدأته منذ عقود، يتضمن السخرية من الأصدقاء وذلك الواقع الجميل، والخيال العلمي الكاذب..
اقترحتها في 2010 تقريبا، على أعضاء منتدى ستار تايمز، فتقبلوها مشكورين، وحصل تجاوب كبير من طرف أكثرهم بين التشجيع وطلب مكان بين الأبطال، فكان ما اقترحت عليهم كالتالي:

1)    فكرة القصة:
إدخال بعض الراغبين من زوار المنتدى في القصة كأبطال بأسمائهم وشخصياتهم المختارة، إضافة إلى آرائهم واقتراحاتهم مما يخدم السياق، أي المساعدة في تصميم عوالم القصة بما يتوافق مع رغبة أبطالها..
القصة خيالية.. تدور أحداثها في عوالم غريبة سبق أن كتبت الجزء الأول منها، ولا ينقصه إلا التعديل، وبعض الإضافات..

2) موضوع القصة:
يمكن لأي مشترك فيها، أن يقترح الفكرة التي يراها مناسبة لشخصيته..

3) أدوار البطولة:
يمكن للراغبين التقدم بطلب للحصول على دور، وذلك بملأ الإستمارة أسفله، والترشح بكتابة الرغبة في ذلك في تعليق، وحتى هنا في هذه الصفحة، يمكنك أيها القارئ أن تطلب دورا من أدوار الشر أو الخير أو البلاهة، فلا تتردد..
ويجب ذكر البريد الإلكتروني.. توجد أدوار كثيرة متأرجحة بين الخير والشر، والذكاء والغباء، والشجاعة والجبن، والوسامة والدمامة، إلخ.. وليس ضروريا أن تنطبق الصفات على المتقدم للدور، فالأمر مجرد تسلية، والشجاع الحقيقي هو من يقبل بدور الجبان، مثلا..

4) نشر القصة:
مكان النشر هنا، وكلما حدث تحديث للقصة يتم الإشارة إليه، ومراسلة الأبطال والقراء المشتركين في القائمة البريدية، بذلك..

5) الأدوار:
يحق لكل متابع لهذه الصفحة أن:
– يختار الاسم أو اللقب الذي يناسبه عند الإنضام، ويمكنه طلب حذف اسمه في أي وقت شاء، لكن ذلك يكلف 10 دولارات تشجيعا له على البقاء..
– للمشترك الحق في عرض وجهة نظره، وكل ما يرغب فيه، لكن من حق الكاتب مراعاة السياق بما يراه أنسب..

رواية فرسان الظلام

6) أبطال القصة:
– محسن Mohsin (من موريتانيا وأصله من مصر/ قائد الرحلة / يمثلني، وهو من قصص المغامرون الثلاثة)
– نور الدين محمود Nour Edin Mahmoud (من مصر / المساعد الأول للقائد/ من قصص ملف المستقبل)
– أدهم صبري Adham Sabri (من مصر / المساعد الثاني / من قصص رجل المستحيل)
– شَوْشَحْ Shoshah Offside (من الجزائر / علم ورياضي مشهور / من عالم التيكتوك)
– نجلاء Najla (من المغرب / عالمة / زميلة من مرتيل التسعينات)

7) استمارة الإشتراك:
على الراغب في الإنضمام للقصة ملء الإستمارة التالية ووضعها في تعليق:
– الإسم الشخصي: …..
– البلد: …..
– أجب على 3 أسئلة من التالية بنعم أو لا:
هل أنت مرح …..
هل أنت شجاع …..
هل أنت جذاب …..
هل أنت مندفع …..
هل أنت ذكي …..
هل أنت متباهي …..
هل أنت قيادي …..
هل أنت خجول …..

رواية فرسان الظلام


الجزء الأول: إقليم الظلام


الفصل الأول: آلة الزمن


الرحلة

كان يوما عظيما كيف لا وهو يوم التجربة الكبرى.. تجربة آلة الزمن، فبعد الاختراعات المستمرة التي لا يمل منها الإنسان ولا يكل، تمكن بطلنا من تحقيق ما لم يحققه غيره إلا في الأحلام أو أفلام الخيال العلمي الكاذبة.. تمكن من تجربة آلة الزمن في الهواء الطلق أمام أنظار الجميع.. توصل الدكتور “محسن” بعد مجهود ذهني ومادي عظيم، إلى اختراع آلة السفر عبر الزمن مؤكدا للجميع أن أسطورة السفر عبر الزمن يمكنها أن تصبح حقيقة، وفي قصتنا وحدها فقط..

كانت الفكرة في بدايتها مجرد فكرة سينمائية تافهة من أفكار العبقري في الذكاء والتخطيط، نور الدين محمود، ولكن عقلية القائد الطفولية المبدعة حولتها إلى حقيقة ملموسة يمكن التجول من خلالها في غياهب الزمن.. فتمكن رفقة مساعديه نور وأدهم، من الوصول إلى سر الزمن واختراع آلته العجيبة.. التي تشبه الخنفساء..

رواية فرسان الظلام

لكنه لم يكن أول من أطلق عليها إسم “آلة الزمن”، بل سبقه إلى ذلك الكثير من أهل الكذب من الكتاب والمخرجين قبيل انقراض حضارة أمريكا البائدة التي كادت تحول البشرية إلى مجموعة من الكفار الشواذ، والتي انقلب سحرها عليها فخربت بالمظاهرات والحروب الداخلية تحت تصفيقات كل شعوب العالم التي ليس فيها شعب واحد يتمنى لها الخير، إلا إذا كان منافقا..

كان يوما ملتهبا من صيف عام 2077 الخانق.. تمددت الشمس في كبد السماء لافحة بحرّها المتفرجين الذين قطعوا تذاكر العرض من مختلف دول العالم، لأجل حضور أول إطلاق لرحلة الزمن في التاريخ، ومن قلب الصحراء النابض، من مدينة العلم والإختراعات “نواشكوط”..

وُضعت الآلة على رأس كثيب، وغطيت بالعلم الوطني إشارة إلى قداستها، وحفظا لها من الأتربة المتمردة والغبار.. واحتشد في السفح آلاف الناس بين محدق في الآلة بفضول، وفاغر فاه دهشة، أو تهكما، في انتظار لحظة الإقلاع..
وعلى شاشات التلفزيون الزئبقية الطينية، وفي جميع أنحاء العالم، ظهرت المراسم الأولى لإنطلاق الرحلة الميمونة، رحلة المستقبل المجهول..
كان الإنسان في ذلك الزمن، وفي ذلك المكان، في قعر الصحراء الرهيب، يباهى بنجاحه في سبر أغوار الزمن.. أخيرا ستنطلق الرحلة العجيبة إلى المستقبل لتجلب معها العلم والخير والأزهار..

وُضعت الآلة على سرير من الأبنوس مرصع بالجواهر والياقوت، محاط بالمئات من رجال الأمن لحمايتها من اللصوص والجواسيس، والمتفرجين الذين لو خلا لأحدهم لسرق أستار الكعبة..
والتهت الشرطة بركل مؤخرات الفضولين بالعصي والأقدام، إبعادا عن الآلة، إذلالا واحتقارا وامتهانا، في زمن لم يعد لحقوق الحيوان التي خدعت بها أمريكا العالم، معنى..

وفي السماء حلق سرب من طائرات RIM265 الليزرية النبقية، لتأمين الانطلاقة الميمونة للآله..

كان الكل في انتظار وصول رواد الرحلة على أحر من الجمر.. وبعد طول انتظار إلى درجة التأفف، والبصق على صورهم المتناثرة في المكان، وصل اثنان منهما على متن طائرة نفاثة..
كانت الساعة الرابعة مساء، فهجم الصحفيون والجمهور عليهم.. سأل أحدهم قائلا:
– هل ستبقى الآلة على حالتها المادية عند بدء الرحلة أم ستتبخر في الهواء؟
أجابه القائد وهو يعدل من رباط عنقه كما لو كان السؤال يخنقه:
– اللعنة على ربطة العنق الأمركية، وعلى الثياب الأمريكية، أقسم أن الدراعة والجلابية خير منها، وأن أجدادنا الذين كانوا يعتدون بهما ولا يستبدلونهما بشيء، أعقل منا.. لا أعرف لماذا ما زلنا نتمسك بثياب هؤلاء الشواذ المجرمين؟ أم تبد حضارتهم؟ لماذا لا تبيد معها ثيابهم، وكل ما فيه رائحتهم؟ كيف تعجز دولة بنت “نواشكوط” العجيبة، من العدم وإليه، عن العودة إلى ثيابها آبائها وأصولها، وهي أقوى دولة في العالم الآن؟ اللعنة.. بالنسبة لسؤالك أيها اللعين.. أقصد أيها الصحفي المحترم، اعلم أن الآلة ستتمدد وتنكمش وتتجزأ وتتقطع، ثم تتحول إلى حزمة من الضوء، ثم هوب، تتلاشي..
تردد سؤال آخر:
– هل قمتم بتجربة الآلة قبل المخاطرة بحياتكم؟
صاح شوشح وهو يشير باصبعه إلى القائد:
– اسألوه.. لقد طلبنا منه ألف مرة تجربة الآلة على فأر كما يفعلون جميعا، ولكن رأسه حجر، لقد رفض خشية وقوعها في يد من هو أعقل من الفأر..
ضحك الحضور، في حين مسح القائد العرق المتصبب على جبينه حرجا، وابتسم، وهو يهمس لشوشح:
– فضحتنا أيها الغبي..

رواية فرسان الظلام

هتف آخر:
– ما هي سرعة الآلة؟
– تعادل سرعتي الضوء والظلام مجتمعتين، يعني مسافة شهر في الثانية..
صاح آخر:
– هل ستسافرون وحدكم؟
هتف شوشح ساخرا:
– إلا إذا كنت ترغب في مرافقتنا..
– أقصد هل أنتم عُزاب؟
– لا وقت لدينا للقيل والقال والمشاكل.
– هل فيكم متزوجون؟
– لا، لكن ربما في المستقبل القريب، فررنا بعقولنا من نسائكم الساحرات اللواتي يكافئن المتزوج بهن، بسحره، ووضعه تحت أفخاذهن كالمخدة ظلما وعدوانا، عليهن اللعنة..
تدخل القائد مقاطعا:
سيرافقنا “نور الدين محمود” الحاصل على الدكتوراه المربعة في العلوم المكعبة من جامعة نبيل فاروق الخيالية، والمتخصص في حل الألغاز العلمية التي قد تواجهنا..

رواية فرسان الظلام

ومعه عالم الرياضات البدنية والقتالية البطل الشجاع “أدهم صبري” الذي تربى في تِرع الصعيد وحواري الإسكندرية، لحمايتنا بعضلاته ومهاراته القتالية من المخاطر المتوقعة..

رواية فرسان الظلام

 معنا أيضا العالمة الجميلة، النبيهة الخبيرة في فن الطبخ والكنس، التي لا يشقى بها زوج، إن تزوجت، العانس حتى يومنا هذا، “نجلاء” صاحبة نظرية “القذارة العطرية” المستخلصة من مزيج الغبار النووي ودقيق القمح والبصل، التي اكتشفتها عندما كانت تكنس مركز الأبحاث العلمية العلوية والسفلية في مدينة “تطوان” المغربية.. أهم أدوارها هو تجهيز الطعام اللذيذ، وتنظيف الآلة، مع دراسة المخلوقات الدقيقة والكبيرة التي قد تصادفنا..

رواية فرسان الظلام

وصلت طائرة هليكوبتر تحمل بقية العلماء في تلك اللحظة.. كان أدهم صبري يضع قفازي ملاكمة ويقوم بحركات تسخينية.. أما نور فكان كعادته يتظاهر بالعبقرية.. أما نجلاء فحملت مكنستها الذهبية..
تعالت التصفيقات المشجعة بمجرد ظهور رواد الرحلة، وبدأ العد التنازلي للإنطلاق، ولكن مراسل إحدى القنوات التافهة أصر على سؤال أدهم:
– هل أنت خائف من المستقبل؟
أجابه وهو يلوح بقبضته:
– إن تحداني سأحطم أنفه وأنفك..

قام العلماء باستغلال الوقت المتبقي قبل الإقلاع في فحص الآلة والتأكد من قابليتها للحركة، ولم ينسوا أنفسهم، فقاموا بتمشيط رؤوسهم، وسكبوا عليهم قوارير من العطر الرخيص الذي لا يفارقهم، ولمعوا أحذيتهم.. من يدري قد يعثرون في ذلك المستقبل البعيد على الحب الذي طالما اعتبروه أكبر وهم وسخافة، والذي طالما في نفس الوقت انتظروه، وأملوا فيه..
كان كل واحد منهم يحلم بعالمه الوردي الخاص، فمنهم من كان يحلم بشابة جميلة تنسيه همومه، ومنهم من كان يحلم بما في المستقبل من وجبات لذيذة، ومنهم من كان يحلم بانتخابه رئيسا لجمهورية المستقبل المتحدة تقديرا لمجهوده العلمي الجبار.. كان الغوص في بحر أحلامهم السعيدة الذي لا قرار له، يتيح لهم استخراج أجمل الأصداف واللآلئ، لكنهم لم ينسوا أنهم محشورون في علبة ثقاب زمنية، قد تنفجر بهم في أية لحظة..
كان الخوف الأكبر من لحظة الإقلاع المجهولة التي كانت أشق مراحل الرحلة عليهم، لكن لوحة المستقبل المنيرة التي رسموا في مخيلاتهم تضيء لهم دهاليز الخوف المسودة، وتخفف عنهم ضيق الآلة المضغوطة، وتمنيهم بكنوز المستقبل التي تنتظرهم..

تسلق محسن الآلة مثل القط.. كان الحماس يلهب كلماته وهو يهتف قائلا:
– نحن اليوم في مهمة علمية سامية لم ولن يسبقنا إليها أحد.. سنسافر بعد إذنكم، إلى المستقبل البعيد، في رحلة ستقفز بنا ثلاثة قرون نحو المجهول.. سنكون بعد خمسة دقائق من اختفاء الآلة من أمام أعينكم، في عام 2377.. ومن يدري ما الذي ينتظرنا فيه؟! لكن المهم هو أننا سنعود إليكم حاملين معنا مفاتيح المستقبل إن نجونا من هذه علبة السردين هذه.. خنقته العبرات، فأخذ نور بزمام الكلام، وقال متحديا:
– تحية لك يا زوجتي العبقرية سلوى، ليتك معنا أنت والفريق، لكن لا تقلقوا، سأمثلكم وأمثل مصر العظيمة أم الدنيا، خير تمثيل.. لن أترك المجال للولد محسن أن ينتصر علي، ولا للحمار أدهم الذي عذب من طرف كل مخابرات العالم ولم يختلج له جفن، أن يكون أفضل مني..
جذب شوشح الميكروفون منه، وصاح:
– بعد خمسة دقائق من الآن ستكونون قد اقتربتم من منازلكم التي يرتع فيها الناموس، أتفووو، أما نحن فسنكون قد ابتعدنا عن منازلنا كثيرا..
أزاحه أدهم بعيدا وقال ملوحا بقبضته:
– دعوكم من هذا الفاشل حتى في كرة القدم.. سننتصر في معركة المستقبل، أعدكم بذلك..

دوت الهتافات والتصفيقات من كل مكان، وبدأت منافذ الآلة تنسد ببطء على من فيها، وبدأ محرك البرغوث الذري S99 المعتمد من شركة أَمْبَطَاسْ، في الدوران مصدرا فحيحا كالأفعى.. وفجأة انبعثت آهات التعجب من صدور الحضور عندما بدأت الآلة تتلاشي من أمامهم شيئا فشيئا قبل أن تختفي تماما..


عبر الزمن

كانت الأمور تجري في داخل الآلة كما هو مخطط لها.. محسن متكئ على كرسيه يشرب الشاي اللذيذ، مستمتعا بالأجواء والأضواء المتداخلة التي تحيط بالآلة.. تثائب مخاطبا نور:
– هل حسبت سرعة الضوء مجددا.. هل تأكدت من إحضار كيس السردين.. لا نريد أن نموت من الجوع على الأقل إن كنت لا تعرف الحساب..
رد عليه نور في تكاسل:
– كل شيء على ما يرام أيها المتذاكي.. السرعة ثابتة كما اخترعوها، ونحن نغوص في بحر الزمن بمنتهى السفه، لا أدري كيف رميت بنفسي معكم في هذه المخاطرة، وبمنتهى الغباء.. لكنه نداء مصر، أم الدنيا.. ولابد من تلبيته..

حاول شوشح فتح النافذة لإخراج رأسه، فصاح فيه محسن:
– أدخل رأسك أيها الغبي قبل أن يتحول إلى منبه أو كرة قدم.. لا تنس أننا نسبح في مجرى الزمن أيها الغبي..

كان الفضاء الملون الغريب الذي يلفهم يثير مخاوفهم.. فهتفت نجلاء متعجبة:
– كأني أسمع دق آلاف المنبهات..
غمغم أدهم وهو يزداد ارتخاء في كرسيه:
– لا تنسي أيتها الجميلة أننا في مجاري، أقصد مجري الزمن..
هتف مستدركا:
– ألم تلاحظوا أيها الحمير، أنه قد مضت 20 دقيقة منذ مغادرتنا، والمفروض أن نصل بعد خمس دقائق فقط..
أجابه محسن:
– أيها الغبي، الخمس دقائق بحساب زمننا، أما هنا داخل الآلة، فسنمضي ثلاثة أيام نقطع في كل يوم منها قرنا من الزمن..
عقد أدهم حاجبيه، وصاح غاضبا:
– لا ترميني بالغباء ثانية أيها المتخلف، فأنا رجل المستحيل..

أشاح محسن بوجهه عنه، وهو يرشف الشاي الصحرواي من كأسه الصغيرة، مصدرا صوتا مزعجا، يعبر عن مدى تلذذه باستحضار الأيام الخوالي، عندما كان يجتمع بالحبيبة الوحيدة التي عرف، على كثيب تحت ضوء القمر، وسط قعقعة كؤوس الشاي..

رواية فرسان الظلام

صاح فيه أدهم:
– لا ترشفنا مع ما في كأسك، من فضلك..

شرد شوشح ببصره عبر الزجاج وهو يهمس.. أيعقل أن التقي بأحفاد أحفادي في المستقبل؟
ترى هل سيعرفونني؟ هل حافظوا على دينهم العظيم وعلى أخلاق آبائهم، أم انسلخوا من كل ذلك؟
صاح فيه أدهم:
– هل أنت متزوج أصلا أيها الأبله؟
تجاهله شوشح قائلا:
– كم هو مثير أن يلتقي الواحد بحفيده العاشر!
– إطمئن أيها غبي، لن تلتقي بحفيدك الأول ولا العاشر.. ولا وقت لدينا للبحث عن أحفادك الأغبياء مثلك..
رمقه شوشح بنظرة حارقة وتمتم:
– أعتقد أن أحفادك مثلك.. مجرد وحوش ضارية.
قاطعهما محسن:
– لا نريد شجارا في المركبة.. تأكد يا نور من مؤشر الزمن.. وأنت يا نجلاء كفاك نوما، شغلي لنا فيلما هنديا في المجسم لنستمتع به قبل الوصول إلى وجهتنا..
ردد نور في شرود:
– مؤشر الزمن يشير إلى أننا قطعنا 70 كيلومترا حتى الآن.. أقصد 70 عاما، أما الكمبيوتر الرئيسي فيشير إلى وجود خطأ لم أعرف كنهه..

قاطعته نجلاء وهي تشغل المجسم:
– سيبدأ الفيلم الهندي بعد قليل، دعك من الكمبيوتر الغبي وأخطائه..
صكت أغاني الفيلم الهندي آذانهم، فهمس أدهم لنجلاء:
– يا له من منظر جميل.. انظري إلى البطل والبطلة الجميلين، إنهما يغنيان فوق هضبة خضراء بمنتهى الحب والسعادة، والجمهور يحشش في القاعة أسفلهما تحت تأثير ذلك.. ما أجمل الهنديات..
همس نور:
– كل هذه المقدمة من أجل الهنديات..
هتف شوشح ساخرا:
– أنت آخر من يتحدث عن الجمال يا جاسوس..
أطلق أدهم ضحكة ساخرة وهو يرد عليه:
– يبدو أنك يا صغيري المعتوه، تجهل أكثر من كرة القدم التي لا تفقه فيها شيئا، أن رجل المستحيل يمكنه قول وفعل كل شيء..
افتعل شوشح ضحكة صاخبة، وقال:
– أنت.. أنت مجنون إن اعتقدت أنك أفضل مني في الحب فأنا شاعر وشاعري.. قسما سأفسد بوسامتي شعري كل مغامرة غرامية تدخلها في المستقبل..
افتعل أدهم ضحكة أعلى، ورد عليه ساخرا:
– أنت أيها الأبله الدميم! ليكن، إنه التحدي إذن أيها الشاعر، لكني أنصحك بالإستعداد للصدمات بمجرد وصولنا، فلن أرحمك..
ضحك شوشح بحنق، وهتف:
– سنرى أيها الوحش..
قاطعه أدهم:
– دعك من كثرة الكلام، فأنت مسخرة، ولا تساوي بصلة، حتى الآلة القبيحة أكثر وسامة منك..

ضحك الحاضرون من عنادهما، في حين هتف محسن:
– يذكرني مخرج الفيلم بأننا ثبتنا بعض الكاميرات في الخارج.. انظروا هل التقطت شيئا ملفتا للإنتباه..
هتفت نجلاء بضجر:
– بعد الفيلم.. بعد الفيلم..
صاح نور الذي كان يراوح مكانه من حين لآخر لمراقبة الكمبيوتر:
– يوجد خطأ ما.. الكمبيوتر المجنون يصر على أنه خطأ فادح..
هتف محسن:
– بعد الفيلم.. بعد الفيلم..

بقي الخطأ معلقا في فضاء الآلة لا أحد يرغب في الاقتراب منه.. وظل الكمبيوتر يستغيث ولا أحد يعيره أي اهتمام، حتى صاحبه نور هجره لأجل الإستمتاع بالأحقاد في ذلك الفيلم الهندي.. فما كان منه إلا أن همس لنفسه:
– الأمر لا يعنيني.. هؤلاء الأغبياء هم رواد الرحلة، أما أنا فمجرد آلة.. ليذهبوا إلى المستقبل أو إلى الجحيم، الأمر سيان عندي..
قام بإدخال نفسه في سبات عميق كاتبا على شاشته “آسف للإزعاج.. لا يوجد خطأ.. أنا الحمار المخطئ في هذه العلبة.. فرجة ممتعة على الفيلم الهندي التافه”.. وبحبر بلون الخلفية لا يُرى بالعين المجردة كتب أسفل ذلك “أيها الهنادكة الأغبياء”..
نعم إنها دناءة منه أن يخدعهم بمثل تلك الوضاعة.. ولكنهم حرموه من فرصة التفاخر بخطأ اكتشفه بعبقريته، وذلك جرم لا يغتفر..
هتف نور مبتهجا:
– لقد اعتذر الكمبيوتر الغبي.. لا يوجد أي خطأ.. الخبيث، لقد تمنى لنا فرجة ممتعة على الفيلم..
هتفت نجلاء:
– ألم أقل لكم إن هذه الحواسيب الذكية مجنونة، الحواسيب القديمة أفضل، نعم هي أكثر بلادة، لكنها أخف دم..

مضت الأعوام تسابقهم نحو المستقبل حتى أشرفوا على أبوابه.. هتف محسن وهو يضغط على أزرار الكمبيوتر:
– سيداتي سادتي.. نتمنى أن تكونوا قد استمتعتم بالرحلة.. سنهبط بعد لحظات في المستقبل العجيب.. اربطوا أحزمة الأمان.. شكرا على استقلالكم لمركبتنا، لا تنسوا التصفيق لربان الرحلة بعد الهبوط..
هتف أدهم:
– أراهن أن رجال المستقبل أجبن من نسائه..
سأله نور :
– كيف عرفت ذلك؟
– إنه التطور.. كلما ازداد الإنسان تطورا كلما ازداد جشعا وأكلا وكسلا وجبنا ودناءة.. فالعضلات التي كان يبني بالأعمال المضنية لأجل لقمة اليوم، يقتلها بالجلوس المستمر أمام الحواسيب والتلفزيون.. والحركة الدائبة عملا يقتلها عمل الآلات بدلا منه..
هتف محسن:
– إن كنتم من الصوفية، والعياذ برب العالمين، فاقرؤوا أورادكم، وإن كنتم من السلفية مثلي، وهو خير لكم، فاقرؤوا تحصيناتكم، فقد بدأت الآلة في الهبوط، تشبثوا..

سمعوا في تلك الأثناء ما يشبه زقزقة العصافير، وفجأة حدث الارتطام.. اصطدمت الآلة بذلك المكان الموحش المقفر المظلم..

رواية فرسان الظلام


إقليم الظلام

ظهرت الآلة فجأة في عالم غريب وهي تتردى وسط صرخات محسن الذي عجز عن التحكم في هبوطها، لتستقر على رأس شجرة عملاقة حالت أغصانها المتشابة الغريبة دون تعرضها أو تعرض من فيها لضرر..
صاح شوشح متألما:
– آخ رجلي.. الآلة اللعينة كسرت رجلي التي ألعب بها..
ارتفعت الحواجز والنوافذ التي تفصل الآلة عما يحيط بها.. فهتف محسن بسعادة..
– النظام الإلكتروني سليم..

أصيبت نجلاء بالدوار بعد أن أخرجت رأسها، وتراجعت إلى الداخل بسرعة وهي تهتف في رعب:
– نحن معلقون على قرن شجرة لا يقل ارتفاعها عن مائة متر!
غمغم نور في قلق وهو يخطو نحو الحاجز بحذر:
– وجود مثل هذه الأشجار في مستقبل يسير نحو زوال الغابات والإحتباس المزعوم، أمر غريب..

تأمل أدهم الأشجار العملاقة التي تحيط بهم، وهتف وهو يداعب بنظره الحبال المعلقة التي تشكلت وتشابكت من الجذور:
– يمكننا استخدام هذه الحبال في الهبوط مثل طرزان..
صاح شوشح:
– أيها المجنون..
تأملها محسن، وتمتم وهو بالكاد يلتقط أنفاسه:
– طرزان محق..
هتف أدهم بسعادة:
– اطمئنوا، الشجاع منكم سيصل للطابق الأرضي دون دوار أو غثيان، أما الجبان كهذا، وأشار إلى شوشح، فقد لا يصل أصلا..
قالها وهو يتأمل شوشح ساخرا..
لم يجبه الأخير بل رد بقفزة من الآلة على أحد العروق المعلقة محاولا الإمساك به..
هتف محسن بهلع:
– الغبي رمى بنفسه من النافذة.. لا أصدق ما أرى!
أردف محاولا السيطرة على أعصابه، مخاطبا نجلاء:
– ليحمل كل واحد منا ما خف حمله وغلا ثمنه من الأجهزة العلمية، ولندع طرزان يحملنا إلى الأسفل.. بالمناسبة لا حاجة لنا إلى أجهزة البلاي ستيشن، وأجهزة تشغيل الأفلام الهندية.. هيا يا طرزان، لم يبق إلا أنا ونجلاء، فالمجنون شوشح دفعه عقله خارج الآلة، وكذلك نور..

قام أدهم بنقل محسن ونجلاء إلى الأسفل، وكان أكثر ما أزعجهما خلال ذلك هو صيحاته المنكرة التي قلد بها صيحات وحش الغابة الأمريكي اللعين طرزان.. كان في كل مرة يعود فيتسلق الشجرة العملاقة بخفة كالقرد، ويهبط بحمله الثقيل، وهو يطلق تلك الصيحات المنكرة لنجلاء في الإغماء أكثر من الإرتفاع الشاهق..

وفي الأسفل وجدو المحظوظ شوشح قد وقع في عش طائر رخ ضخم، لو لم يكن موجودا في ذلك المكان لتحطمت أضلاعه، وكانت قفزة الندم.. أما نور فقد عرف بذكائه وشجاعته وقوته كيف يهبط بخفة وسلام. تمتم:
– هذه الأشجار المتشابكة ضخمة إلى حد أن حشائشها تكاد تتجاوز المتر ارتفاعا.. وهذا الظلام.. ألم تلاحظوا كم هي مسودة أجواء هذا المكان..
همست نجلاء بشفتين مرتجفتين:
– أعتقد أننا خرجنا من الأرض..
هتف محسن:
– لن يخرج من الأرض جن ولا إنس إلا بسلطان، وليس سلطان العلم كما يزعمون.. السماء العظيمة عبارة عن سقف فوق الأرض العظيمة بدورها، والأخيرة مغلقة على من فيها.. لا تغتري بفكرة الفضاء السخيفة، فكلها أكاذيب أمريكية مفضوحة..
همس شوشح لنجلاء محذرا:
– لا تتمادي في النقاش مع هذا الوهابي، وإلا غير دينك.. ما أكثر أدلته..
هزت رأسها موافقة، وقالت مخاطبة محسن:
– معك حق.. ما رأيك في تغيير الموضوع..
رد عليها محسن:
– لماذا تستعجلون تغيير الموضوع كلما تضمن الأدلة الوهابية الناسفة لأباطيلكم وأكاذيبكم؟ ألا تلاحظون أن الشيطان هو الذي يحول بينكم وبين معرفة الحق، بذلك؟ ويشغلكم بأمور تافهة كالبغضاء والشحناءـ والحقد على الوهابية التي لا تريد لكم إلا الخير؟! ويلهيكم عن البحث العلمي المبني على الدليل، بالبحث الشيطاني المبني على القيل والقال والإستخفاف من الخصم والسخرية منه، مثلما كان يفعل كفار قريش! الوهابية أقوى حجة منكم، ولا تجدون غير اتهامها بالتبعية للسلطان، فما علاقة التبعية له بالأدلة الناسفة لأباطيلكم؟
تمتمت نجلاء:
– نعم، نعم، معك حق، معك حق.. لماذا لا تركز على ما يحيط بنا أكثر من تركيزك على بدعنا؟ ذلك أفضل لنا ولك في الوقت الحالي..

قام نور بمسح المكان بجهاز المسح الذي يحمل معه، وغمغم:
– يوجد في هذه الغابة كثير من المخلوقات الضخمة التي تتحرك كنقاط حرارية تكاد تطغى على شاشة الجهاز.. أردف بعد تفكير قصير:
– توجد على مقربة منا شجرة قصيرة نسبيا، طولها سبعة عشر متر، ما رأيكم في الإلتجاء إليها لحين اتضاح الرؤية؟
غمغم أدهم:
– قل لحين طلوع النهار..
غمغم محسن:
– أعتقد أننا في عز النهار..
– ما دليلك على ذلك..
– مجرد إحساس..
صاحت نجلاء مستقلة الفرصة للإنتقام:
– وفر أحاسيسك لنفسك، وأعطنا الدليل؟
صاح فيهم محسن:
– عودوا إلى العمل.. نور استخدم آلة الإحداثيات وبرمج طريق العودة إلى الآلة، فقد نضيع في هذه المجابات والمتاهات.. أما أنت يا أدهم فاستخدم جهاز الجيولوجيا الأحفوري لمعرفة عمر هذه الأرضية..
غمغم أدهم وهو يتأمل آلة الجيولوجيا باستغراب:
– لن تصدقوا.. نحن في زمن قريب من العصر الحجري.. والدليل هو..
كان على وشك الإسترسال في الشرح، لكن قاطعته نجلاء، وهي تصيح:
– فهمنا.. لا تشرح..

صاح نور وهو يهم بالعودة إلى الشجرة وتسلقها من أجل تحطيم الكمبيوتر:
– لقد فهمت الآن كنه الخطأ الذي حذرنا منه ذلك الحاسوب المنافق.. لقد كان يعلم أننا بدل السفر إلى المستقبل كنا ننجذب بسرعة رهيبة إلى الماضي.. لقد كان الماضي يبتلعنا، وهذا الكمبيوتر الأحمق يتفرج، بل يكذب وينافق!!
مضت برهة فغر فيها الجميع أفواههم من الدهشة، ثم هتف محسن وقد أسقط في يده:
– الكومبيوتر اللعين.. لم يعد أمامنا إلا تقبل الأمر الواقع، لا يمكننا فعل أي شيء الآن..
صاح شوشح:
– أقترح العودة فورا، فمهمتنا ليست البحث عن الديناصورات والهمجيين المتخلفين..
قال محسن:
– لن تتزحزح الآلة من مكانها قبل شهر من الآن.. هكذا تمت برمجتها.. كما يلزمها إصلاح بعض الأعطاب التي أحدثها الهبوط.. لم يعد أمامنا إلا استكشاف الوطن الجديد..
أطلق زفرة حارة وهو يلقى نظرة على الآلة التي عششت فوق الشجرة العملاقة، وكانوا قد ابتعدوا عنها:
– أعتقد أنها بأمان في مكانها ذلك إن لم يبتلعها طير..
تمتم نور:
– أتمنى ذلك..

وصلوا إلى مكان مناسب للراحة، فتسلقوا شجرة متوسطة الطول، واتخذ كل واحد منهم لنفسه مكانا بين أغصانها المتشابكة، وراحوا في سبات عميق.. وما أن ارتفع شخيرهم حتى أيقظهم وقع أقدام عملاقة تدك الأرض، فهبوا مذعورين، وسط صراخ نجلاء:
– وحوش.. وحوش..
بدأت الشجرة تهتز أكثر من قلوبهم، واقتربت الأقدام أكثر فأكثر.. وفجأة ظهر حيوان ضخم لم تلفت الشجرة ومن عليها انتباهه، فمر من فوقها متجاوزا دون اكتراث..
صاحت نجلاء وقد فقدت السيطرة على فكيها من شدة الرعب:
– هل رأيتم ذلك الوحش.. أعيدوني إلى أهلي الآن..
غمغم نور:
– كل هذا بسبب الكمبيوتر اللعين..
كان الظلام يزداد كثافة، فهمس:
– يبدو أن الليل قد بدأ في الحلول، أبشروا لقد كنا في النهار!
صاحت نجلاء:
– أريد العودة إلى أهلي.. الآن..
هتف أدهم ساخرا:
– المغامرة لم تبدأ بعد، وأنت تريدين العودة؟!

رواية فرسان الظلام

أحاط بهم فجأة أشخاص ضخام يسترون عوراتهم بجلود بدائية، ويحملون سيوفا غريبة متتلألئة، ومشاعل ملتهبة تضيء المكان..
صاح أدهم صيحة قتالية وهو يكسر أحد الأغصان، ثم قفز على الغرباء ضاربا أقربهم إليه على الصدر، لكن الغصن تهشم كما لو كان قد وقع على صخر، ولم يتزحزح الرجل من مكانه! فضربه بقبضته على فكه في جزء من الثانية، فلم يتحرك قيد أنملة..
أطلق أدهم صيحات منكرة متتابعة، وبدأ في الركل والرفس والضرب على غير هوادة، لكن بدون فائدة.. وبدلا من أن يتجلى الألم في وجه الرجل، غرق هو وأصحابه في ضحك هستيري من أدهم الذي وقف مشدوها، لا يدري كيف يتصرف.. ثم انقضوا عليه جميعا وقيدوه بجذور الأشجار المتينة، وأغلقوا فمه بقطعة قماش إخمادا لصيحاته.. ثم تسلق أحدهم الشجرة ورمى من عليها أصحابه ليقيدوه، كمن يرمي بثمار يانعة..

ولما لاحظ نور عدم فائدة القتال، رفع يديه مستسلما في انتظار فرصة أخرى للنيل منهم بطريقة أذكى..
أما شوشح فتحسس جانبه الأيمن بعد رميه من أعلى الشجرة، وتمتم:
– هل انكسر وركي؟ هذه السقطة أشد من السابقة..
رد عليه محسن وهو يحك أسفل ظهره متألما:
– هل لاحظتم الثعابين التي يلفون بها وسطهم..
– ربما تكون للزينة..
– غبية، ولا تفكرين إلا في الزينة مثل بنات عمك..
– إخرس..

ساقهم صائدوهم في ذلك الظلام دون راحة أو طعام، حتى أشرفوا على مدينة قديمة عجيبة البنيان عالية المقام، جدرانها ضاربة في الإرتفاع كأنها جبال في وسط الغابة المظلمة..

رواية فرسان الظلام

وبمجرد دخولهم خرج من فيها للفرجة عليهم، ولم تمض سوى لحظات حتى أحاط بهم سكانها من كل جانب.. كانت البدائية هي السمة الأساسية للذين يحيطون بهم.. أجساد ضخمة، وشعور طويلة كتسريحة الأسد، مفتقرة إلى أبسط عناية.. وسحن داكنة تميل إلى الإحمرار القاتم والسواد..
تحسس الناس الأسرى بأيديهم تحسس كباش الولائم، متعجبين من أشكالهم وأزيائهم.. وفجأة سقط الجميع على ركبهم عندما برز من بين الجدران شبح ضئيل يغطي جسده بما يشبه الحصير، مشي بخيلاء وسط الجموع التي شقت له الطريق باحترام وتقديس، وإلى جانبه أسد ضخم متوقد العينين، مرعب الشكل معقود الحاجبين..
تمتم أدهم:
– إنها فرصتنا للهرب..
صاح فيه نور:
– اصمت أيها الغبي، والتزم الهدوء..
أردف:
– ألا تلاحظون ضئالة جسد هذا الزعيم! رغم إعتزازه الظاهر بنفسه، ألا ترون كمية الفخر المتدفقة عليه، والخيلاء المبالغ فيها، التي يمشي بها ككل الحمقى والمتكبرين؟ اللعنة على الكِبر، إنه يهتز كريشة في مهب الريح من شدة الجنون بنفسه..

توقف القادم على مقربة منهم، وتأملهم من وراء قناعه، ثم رفع يده مهمهما بكلمات جعلت القوم يعتدلون وقوفا في خضوع واستكانة..
نزع الغطاء عن وجهه، فكانت المفاجأة.. فأمامهم وقفت شابة جميلة رسمت على وجهها ابتسامة مريحة، وهتفت بصوت رخيم يأسر الآذان والقلوب:
– الملكة مَرْيُومْ بنت الملك الأسود ابن عم الملك الأبيض خال الملك الأصفر جد الملك الأغبر، أخو.. أوووه، القائمة تطول.. المهم، ملكة “إقليم الظلام”، الذي لا ضوء فيه ولا سلام، ولا رقص ولا كلام، بل خوف وتهامس ونوم في الغيران..

رواية فرسان الظلام

فغر الأصدقاء أفواههم بدهشة مستغربين من وجود من يتحدث لغتهم، في ذلك العالم البعيد..

أمرتهم الملكة بأن يتبعوها، وأدخلتهم مكانا أكثر أناقة من ساحة الإعدام التي كانوا واقفين فيها.. وبعد أن جلس كل واحد منهم على صخرة من الصخور المنحوتة بإتقان ككراسي ضخمة مريحة.. قدمت لهم طعاما وشرابا، وبعد الفراغ سألتهم:
– من أنتم وماذا تفعلون في أرضنا؟
أجابها محسن بتودد:
– مولاتي الملكة العجيبة مريوم، ملكة الظلام الحبيبة.. نحن مجرد غرباء نطلب الأمن والأمان من حوادث الدهر والحدثان..
صاحت فيه نجلاء:
– كفاك نفاقا أيها الوهابي..
– متى وصلتم إلى الغابة المظلمة، وكيف؟
تمتم أدهم:
– تلك قصة يطول شرحها..
تمتم نور:
– أما كيف فلن تفهمي.. وأما من أين، فمن زمن آخر غير زمنكم هذا.. وأما متى، فلا نعرف، فعالمكم هذا كله ظلام في ظلام..
هتفت الملكة بدهشة:
– إنك تتحدث بلغة الحكماء.. هل أنت ساحر؟
أجابها وهو يضحك:
– ربما، فأنا عالم، والعلم والسحر قريبان من بعضهما البعض، ويصبان معا في الكفر..
مطت شفتيها وعقدت حاجبيها باستغراب، فهتف شوشح:
– كيف تتحدثين لغتنا؟
ابتسمت وهي تجيبه:
– بفضل الساحر “سَيْكُو” ساحر الإقليم الذي علمني الكلمات المفتاحية لجميع اللغات.. حتى أنني أستطيع في بعض الأحيان التحدث مع الطيور..
ضحك شوشح وهتف باستظراف مبالغ فيه:
– لكنك لن تستطيعي أبدا الطيران مثلها..
وكزه أدهم هامسا:
– اصمت فضحتنا أيها الغبي..

رمقته الملكة بنظرة جانبية أعطته بها تقيما بقدر نصف نجمة، وواصلت حديثها:
– يتكون عالمنا من سبعة أقاليم، أولها “إقليم الظلام”، وهو هذا الذي انتم فيه، يليه “إقليم الثعابين”، وهكذا، إلى سبعة أقاليم، لكل إقليم منها ملك، أو عدة ملوك في بعض الأحيان.. وبينها وبين بعضها، وحتى في داخلها، حروب لا تنتهي..
وأشد هذه الأقاليم ضراوة هو الإقليم السابع “إقليم السحرة”، ملكه ساحر، وفارس لا نظير لفروسيته وجبروته، يتلاعب بالسيوف والفرسان مثل تلاعب السنور بالفئران.. من حسن حظنا أن إقليمه هو الأبعد عنا وإلا لكان قضى علينا منذ زمن بعيد، فهو ملك ظالم، لا يقنع ولا يترك الآخرين يعيشون في قناعة.. أما إقليمنا هذا، فهو أضعف الأقاليم، وشعبنا المستضعف يعيش تحت الركام خوفا من الجبابرة والوحوش التي تجوبه..
هتفت نجلاء، وقد فقدت السيطرة على فكيها:
– الغابة المظلمة.. إقليم الثعلبين.. إقليم السحرة.. لا ينقص إلا إقليم الولايات المتفككة الأمريكية على حكوماتها المنقرضة اللعنة..
غمزها محسن متمتما:
– سيطري على فكيك يا عزيزتي، وراقبي ما تقولين، فأنت في عالم آخر أجمل ما فيه عدم وجودها يوما فيه..
واصلت الملكة مريوم حديثها:
– كان شعبي يعيش في رخاء قبل أن يحل بنا هذا المكروه، وتتحول حياتنا إلى جحيم أسود لا يطاق..
أطرقت برهة خيل إليهم فيها أنها تبكي حرقة، ثم رفعت رأسها وهي تردف:
– شعبي الضعيف عاجز، ويلزمنا فرسان أشداء شجعان مثلكم لينقذونا كما تقول النبوءة..
صاح شوشح:
– ومن قال لك أننا شجعان، أو حتى أذكياء؟
ابتسمت وهي تواصل حديثها:
– إن لم تخني فراستي فما ينقصكم هو القليل من التدريب، وذلك دورنا..
سكتت لحظة، ثم أردفت وهي ترسم على وجهها الجميل حاجبين متوسلين آسرين:
– أرجوكم.. ساعدوناااا..
غمغم محسن تحت تأثير سحرها الطاغي:
– سنحاول فعل كل ما يمكن فعله لأجلكم حتى إن كان نسيان المهمة الأصلية التي جئنا من أجلها..
دب فيها الأمل فانشرح وجهها منيرا مثل قمر في ليلة مظلمة، وهتفت بسعادة:
– إذن سنعلمكم المبارزة والقتال بالسيوف والأعمدة على ظهور الخيل والفيلة.. يا فرسان الظلام..
هتف شوشح:
– فهمنا دور الخيل في الفروسية، لكن ما دخل الأفيال؟
صاح فيه أدهم:
– بل ما دخلك أنت في الفروسية وكل هذا؟
ابتسمت الملكة وهي تجيب:
– جبابرة هذه الأقاليم يقاتلون بالأعمدة الثقيلة على الأفيال أيضا..
حاولت إخفاء ابتسامتها وهي تتأمل شوشح الذي فغر فاه عن آخره دهشة، وتمتم “نيك أماتهم”، وقالت:
– رغم تهكم قومي على صرخات فارسكم هذا، إلا أن أملي في شجاعته وشجاعتكم جميعا، كبير..
أحمر وجه أدهم خجلا، فهمس شوشح في أذنه:
– أسمعت صراخ.. مجرد صراخ..
هتف نور الذي ابتسم، متعجبا من تجاوزها له:
– إذا كان قومك بهذا الضعف الذي تصفين، فكيف لم تؤثر فيهم ضرباتي القوية..
ضحكت وهي تجيبه:
– لقد حماهم ساحر الإقليم سيكو بالثعابين التي يلفون بها وسطهم.. لكن ذلك ينفع فقط مع الجهلة بالسحر أمثالكم، أما مع جبابرة هذه الأقاليم، فلا..
– ولكنهم ضخام مثل البغال؟!
– العبرة بقوة القلب والمهارة لا ضخامة الجثة والمرعى.. فرساننا المشاهير قلة، وفارسنا الأكبر مسحور..
هتفت نجلاء:
– معك حق، لولا أن دعوات الشذوذ التي نشر شواذ أمريكا فيها، أفسدت الجيش الأمريكي الغاشم، وحولته إلى بغال ينزو بعضها على بعض، لما تمكن جيش “نواشكوط” من هزيمتهم..
صاح فيها محسن:
– دعينا من الأمريكان، هل لديك عقدة منهم؟ لقد مضوا عليهم اللعنة، وبادت حضارتهم عليها اللعنة قبل أن تولدي..
– إني أكرههم، أكرههم يا أخي، لقد خربوا كثيرا من دولنا قبل أن تخرب حضارتهم..
تمتمت الملكة مريوم:
– هل كان لأولئك الجبابرة الأمريكان ساحر؟
أجابها محسن:
– نعم، كانت لهم ساحرة خسيسة دنيئة تسمى الديمقراطية، ومعا ساحر وضيع كذاب يسمى الإعلام، سحروا بهما حكومات العالم وشعوبه، وخربوا الدين والأخلاق والدول؟

تساءلت نجلاء وهي تتأمل الأسد الذي برك بجانب الملكة في استكانة، وبدا من نظراته أنه يفهم ما يقولونه أكثر منها:
– وهذا الأسد المرعب، ما شأنه؟
ابتسمت الملكة وهي تربت على رأسه:
– إنه ليس أسدا.. هذا فارس إقليم الظلام الأوحد “ظَلْمُومْ”..

رواية فرسان الظلام

سألتها وهي تتأمله مستغربة:
– وماذا عن ساحركم كيسو.. آه، نسيت اسمه مرة أخرى.. لماذا لم يخلصه من السحر؟
– تقصدين سيكو.. إنه ساحر غير مرئي، ولكنكم ستسمعون كلامه قريبا، فلتعليماته المقدسة أكبر الأثر في نجاح مهامنا.. أما بالنسبة لظلموم فتلك قصة أخرى..

همست نجلاء لنفسها وهي تزيح عنها خاطر داعب خيالها “مستحيل.. لا يمكنني الوقوع في حب أسد”..
ألقت نظرة على الأسد، فخيل إليها أنه يغمز لها بعينه، فأشاحت بوجهها بعيدا في ارتباك..

أضافت الملكة مريوم بسعادة:
– ارتاحوا من عناء السفر، ففي الغد سيحتفل الإقليم كله بمقدمكم أيها المنقذون..
ابتسم أدهم بسعادة وهو يهمس لنفسه:
– أخيرا عادت المغامرات إلى عالمي الحافل، لكن هذه المرة بقلم كذاب آخر..

يتبع في: “المهمة العجيبة“..

رواية فرسان الظلام

محب التوحيد

قلمي بالحق نابض.. وحروفي تنادي بوضوح.. أن لا إله إلا الله.. محمد رسول الله.. أكتب للعقول.. وأغرس في القلوب حب التوحيد.. لعل كلماتي تكون سراجًا.. في درب الباحثين عن اليقين.. أنا حامل للواء السلف.. بنور من الكتاب والسنة.. لا أنحني لعواصف البدع.. ولا أسير في دروب الهوى.. أنظر إلى الصحابة بعين الإجلال.. وأقتفي آثارهم دون تردد.. هم النجوم، وهم الدليل.. لمن ضل عن الطريق.. أعلم الناس أن الله أحد.. لا شريك له ولا ولد.. فيا كل قلبٍ تائه.. عن الحق طريقك هنا.. في زاد من الكلمات.. تصدح بالتوحيد والنصيحة.. تنير لك درب الصواب..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!