ملخص المعلقات السبع.. أجمل ما قال اصحاب المعلقات السبع، مجموع في صفحة واحدة، للإختصار وترك مساحة لما هو أفضل وأكثر فائدة.
تجد فهرست المواضيع في أسفل الصفحة، وهي قابلة للتحديث، مع الإشارة إلى التحديثات في الصفحة الرئيسية.
ملخص معلقة عنترة بن شداد
هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاءُ مِنْ مُتَـرَدَّمِ … أَمْ هَلْ عَرَفْتَ الدَّارَ بَعْدَ تَوَهُّمِ [1]
يَا دَارَ عَبْلَـةَ بِالجَوَاءِ تَكَلَّمِي … وَعِمِي صَبَاحاً دَارَ عَبْلَةَ وَاسْلَمِي [2]
فَوَقَفْتُ فِيهَا نَاقَتِي وَكَأنَّـهَا … فَدَنٌ لأَقْضِي حَاجَـةَ المُتَلَـوِّمِ [3]
وَتَحُلُّ عَبْلَـةُ بِالجَـوَاءِ وَأَهْلُنَـا … بِالْحَـزْنِ فَالصَّمَـانِ فَالمُتَثَلَّـمِ [4]
حُيِّيْتَ مِنْ طَلَلٍ تَقادَمَ عَهْدُهُ … أَقْوَى وَأَقْفَـرَ بَعْدَ أُمِّ الهَيْثَـمِ [5]
حَلَّتْ بِأَرْضِ الزَّائِرِينَ فَأَصْبَحَتْ … عَسِراً عَلَيَّ طِلاَبُكِ ابْنَـةَ مَخْرَمِ [6]
عُلِّقْتُهَا عَرَضَاً وَاقْتُـلُ قَوْمَهَا … زَعْماً لَعَمْرُ أَبِيكَ لَيْسَ بِمَزْعَـمِ [7]
وَلَقَدْ نَزَلْتِ فَلا تَظُنِّـي غَيْرَهُ … مِنِّي بِمَنْزِلَـةِ المُحِبِّ المُكْـرَمِ [8]
كَيْفَ المَزَارُ وَقَدْ تَرَبَّعَ أَهْلُهَـا … بِعُنَيْـزَتَيْـنِ وَأَهْلُنَـا بِالغَيْلَـمِ [9]
إِنْ كُنْتِ أزْمَعْتِ الفِرَاقَ فَإِنَّمَا … زُمَّتْ رِكَابُكُمُ بِلَيْـلٍ مُظْلِـمِ [10]
مَا رَاعَني إلاَّ حَمُولَـةُ أَهْلِهَـا … وَسْطَ الدِّيَارِ تَسُفُّ حَبَّ الخِمْخِمِ [11]
فِيهَا اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُـونَ حَلُوبَـةً … سُوداً كَخَافِيَـةِ الغُرَابِ الأَسْحَمِ [12]
ثم قال:
تُمْسِي وَتُصْبِحُ فَوْقَ ظَهْرِ حَشِيَّةٍ … وَأََبِيتُ فَوْقَ سَرَاةِ أدْهَمَ مُلْجَـمِ [20]
وَحَشِيّتِي سَرْجٌ على عَبْلِ الشَّوَى … نَهْدٍ مَرَاكِلُهُ نبيلِ الْمَحْزِمِ [21]
وقال:
إنْ تُغْدِفِي دُونِي القِنَاعَ فَإِنَّنِي … طَبٌّ بأخْذِ الفارِسِ الْمُسْتَلْئِمِ [22]
أَثْنِي عَلَيَّ بِمَا عَلِمْتِ فَإِنَّنِـي … سَمْحٌ مُخَالَقَتِي إِذَا لَمْ أُظْلَـمِ [23]
وإِذَا ظُلِمْتُ فَإِنَّ ظُلْمِي بَاسِـلٌ … مُـرٌّ مَذَاقَتُـهُ كَطَعْمِ العَلْقَـمِ [24]
وَلَقَدْ شَرِبْتُ مِنَ المُدَامَةِ بَعْدَمَـا … رَكَدَ الهَوَاجِرُ بِالمَشُوفِ المُعْلِـمِ [25]
بِزُجَاجَةٍ صَفْرَاءَ ذَاتِ أَسِـرَّةٍ … قُرِنَتْ بِأَزْهَرَ في الشِّمَالِ مُقَـدَّمِ [26]
فَإِذَا شَرِبْتُ فإِنَّنِـي مُسْتَهْلِـكٌ … مَالِي وَعِرْضِي وَافِرٌ لَمْ يُكْلَمِ [27]
وَإِذَا صَحَوْتُ فَمَا أُقَصِّرُ عَنْ نَدًى … وَكَمَا عَلِمْتِ شَمَائِلِي وَتَكَرُّمِـي [28]
وَحَلِيلِ غَانِيَةٍ تَرَكْتُ مُجَدَّلاً … تَمْكُو فَريصَتُهُ كَشِدْقِ الأَعْلَـمِ [29]
وقال:
سَبَقَتْ يَدايَ لَـهُ بِعَاجِلِ طَعْنَـةٍ … وَرَشَاشِ نَافِـذَةٍ كَلَوْنِ العَنْـدَمِ [30]
هَلاَّ سَأَلْتِ الخَيْلَ يَا ابْنَةَ مَالِكٍ … إِنْ كُنْتِ جَاهِلَـةً بِمَا لَمْ تَعْلَمِي [31]
إِذْ لا أَزَالُ عَلَى رِحَالةِ سَابِحٍ … نَهْـدٍ تَعَاوَرُهُ الكُمَاةُ مُكَلَّـمِ [32]
طَوْراً يُجَـرَّدُ لِلطِّعَانِ وَتَـارَةً … يَأْوِي إلى حَصِدِ القِسِيِّ عَرَمْرِمِ [33]
يُخْبِرْكِ مَنْ شَهِدَ الوَقِيعَةَ أَنَّنِـي … أَغْشَى الوَغَى وَأَعِفُّ عِنْدَ المَغْنَمِ [34]
وَمُدَّجِـجٍ كَرِهَ الكُمَاةُ نِزَالَـهُ … لا مُمْعِنٍ هَرَباً وَلاَ مُسْتَسْلِـمِ [35]
جَادَتْ لَـهُ كَفِّي بِعَاجِلِ طَعْنَـةٍ … بِمُثَقَّفٍ صَدْقِ الكُعُوبِ مُقَـوَّمِ [36]
فَشَكَكْتُ بِالرُّمْحِ الأَصَمِّ ثِيَابَـهُ … لَيْسَ الكَرِيمُ عَلَى القَنَا بِمُحَـرَّمِ [37]
فَتَرَكْتُـهُ جَزَرَ السِّبَاعِ يَنُشْنَـهُ … يَقْضِمْنَ حُسْنَ بَنَانِـهِ وَالمِعْصَـمِ [38]
ومِشَكِّ سَابِغَةٍ هَتَكْتُ فُرُوجَهَا … بِالسَّيْفِ عَنْ حَامِي الحَقِيقَةِ مُعْلِمِ [39]
رَبِذٍ يَدَاهُ بِالقِـدَاحِ إِذَا شَتَـا … هَتَّـاكِ غَايَاتِ التِّجَـارِ مُلَـوَّمِ [40]
لَمَّا رَآنِي قَـدْ نَزَلْتُ أُرِيـدُهُ … أَبْدَى نَواجِـذَهُ لِغَيرِ تَبَسُّـمِ [41]
عَهْدِي به مَدَّ النَّهارِ كأنما … خُضِبَ البَنَانُ ورَأْسُهُ بالعِظْلِمِ [42]
فَطَعَنْتُـهُ بِالرُّمْحِ ثُمَّ عَلَوْتُـهُ … بِمُهَنَّدٍ صَافِي الحَدِيدَةِ مِخْـذَمِ [43]
وقال:
لَمَّا رَأيْتُ القَوْمَ أقْبَلَ جَمْعُهُـمْ … يَتَذَامَرُونَ كَرَرْتُ غَيْرَ مُذَمَّـمِ [53]
يَدْعُونَ عَنْتَرَ وَالرِّمَاحُ كَأَنَّـهَا … أَشْطَانُ بِئْـرٍ في لَبَانِ الأَدْهَـمِ [54]
مَا زِلْتُ أَرْمِيهُمْ بِثُغْرَةِ نَحْـرِهِ … وَلَبَانِـهِ حَتَّى تَسَرْبَـلَ بِالـدَّمِ [55]
فَازْوَرَّ مِنْ وَقْـعِ القَنَا بِلَبَانِـهِ … وَشَكَا إِلَيَّ بِعَبْـرَةٍ وَتَحَمْحُـمِ [56]
لَوْ كَانَ يَدْرِي مَا المُحَاوَرَةُ اشْتَكَى … وَلَكانَ لَوْ عَلِمْ الكَلامَ مُكَلِّمِـي [57]
وَلَقَدْ شَفَى نَفْسِي وَأَبْرَأَ سُقْمَهَا … قِيْلُ الفَوارِسِ وَيْكَ عَنْتَرَ أَقْـدِمِ [58]
وَالخَيْلُ تَقْتَحِمُ الخَبَارَ عَوَابِـساً … مِنْ بَيْنِ شَيْظَمَـةٍ وَأَجْرَدَ شَيْظَمِ [59]
ذُلَلٌ رِكَابِي حَيْثُ شِئْتُ مُشَايعِي … لُبِّـي وَأَحْفِـزُهُ بِأَمْـرٍ مُبْـرَمِ [60]
وَلَقَدْ خَشَيْتُ بِأَنْ أَمُوتَ وَلَمْ تَدُرْ … لِلْحَرْبِ دَائِرَةٌ عَلَى ابْنَي ضَمْضَمِ [61]
الشَّاتِمَيْ عِرْضِي وَلَمْ أَشْتِمْهُمَا … وَالنَّاذِرِيْنَ إِذا لَقَيْتُهُمَـا دَمـِي [62]
إِنْ يَفْعَلا فَلَقَدْ تَرَكْتُ أَبَاهُمَـا … جَزَرَ السِّباعِ وَكُلِّ نَسْرٍ قَشْعَـمِ [63]
شرح المعاني 1
[1] المتردم: الموضع الذي يسترقع ويستصلح لما اعتراه من الوهن والوهي، والتردم أيضًا مثل الترنم، وهو ترجيع الصوت مع تحزين. يقول: هل تركت الشعراء موضعًا مسترقعًا إلا وقد رقعوه وأصلحوه؟ وهذا استفهام يتضمن معنى الإنكار، أي لم يترك الشعراء شيئًا يصاغ فيه شعر إلا وقد صاغه فيه، وتحرير المعنى: لم يترك الأول للآخر شيئًا، أي سبقني من الشعراء قوم لم يتركوا لي مسترقعًا أرقعه ومستصلحًا أصلحه، وإن حملته على الوجه الثاني كان المعنى: إنهم لم يتركوا شيئًا إلا رجعوا نغماتهم بإنشاء الشعر وإنشاده في وصفه ورصفه، ثم أضرب عن هذا الكلام وأخذ في فن آخر فقال مخاطبًا لنفسه: هل عرفت دار عشيقتك بعد شكّك فيها، وأم ههنا معناه بل أعرفت، وقد تكون أم بمعنى بل مع همزة الاستفهام، كما قال الأخطل: [الكامل]:كذبتك عينك أم رأيت بواسط / غلس الظلام ممن الرباب خيالا.. أي بل أرأيت، ويجوز أن تكون هل ههنا بمعنى قد كقوله عز وجل: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَان} [الإنسان: 1] أي قد أتى. [2] الجو: الوادي والجمع الجواء، والجواء في البيت موضع بعينه. عبلة: اسم عشيقته، وقد سبق القول في قوله: عِمِي صباحًا.
يقول: يا دار حبيبتي بهذا الموضع تكلمي وأخبريني عن أهلك ما فعلوا، ثم أضرب عن استخباره إلى تحيتها فقال: طاب عيشك في صباحك وسلمت يا دار حبيبتي. [3] الفدن: القصر، والجمع الأفدان. المتلوم: المتمكث. يقول: حبست ناقتي في دار حبيبتي، ثم شبه الناقة بقصر في عظمها وضخم جرمها، ثم قال: إنما حبستها ووقفتها فيها لأقضي حاجة المتمكث بجزعي من فراقها وبكائي على أيام وصالها. [4] يقول: وهي نازلة بهذا الموضع وأهلنا نازلون بهذه المواضع. [5] الإقواء والإقفار: الخلاء، جمع بينهما لضرب من التأكيد كما قال طرفة: [الطويل]: متى أدن منه ينأ عني ويبعد
جمع بين النأي والبعد لضرب من التأكيد. أم الهيثم: كنية عبلة. [6] الزائرون: الأعداء، جعلهم يزأرون زئير الأسد، شبه توعدهم وتهددهم بزئير الأسد.
يقول: نزلت الحبيبة بأرض أعدائي فعسر عليّ طلبها، وأضرب عن الخبر في الظاهر إلى الخطاب، وهو شائع في الكلام، قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ} [يونس: 22]. [7] قوله: عرضًا، أي فجأة من غير قصد له. التعليق هنا: التفعيل من العَلَق والعلاقة وهما العشق والهوى، يقال: علِق فلان بفلانة، إذا كَلِف بها عَلَقًا وعلاقة. العَمْر والعُمْر، بفتح العين وضمها: الحياة والبقاء، ولا يستعمل في القسم إلا بفتح العين. الزَّعم: الطمع. والمزعم: المطمع.
يقول: عشقتها وشغفت بها مفاجأة من غير قصد مني، أي نظرت إليها نظرة أكسبتني شغفًا وكلفًا مع قتلي قومها، أي مع ما بيننا من القتال، ثم قال: أطمع في حبك طمعًا لا موضع له؛ لأنه لا يمكنني الظفر بوصالك مع ما بين الحيين من القتال والمعاداة، والتقدير: أزعم زعمًا ليس بمزعم أقسم بحياة أبيك أنه كذلك. [8] يقول: وقد نزلت من قلبي منزلة من يحب ويكرم فتيقّني هذا واعلميه قطعًا ولا تظني غيره. [9] يقول: كيف يمكنني أن أزورها وقد أقام أهلها زمن الربيع بهذين الموضعين وأهلنا بهذا الموضع وبينهما مسافة بعيدة ومشقة مديدة؟ أي كيف يتأتى لها زيارتها وبين حلتي وحلتها مسافة؟ المزار في البيت: مصدر كالزيارة. التربع: الإقامة زمن الربيع. [10] الإزماع: توطين النفس على الشيء. الركاب: الإبل، لا واحد لها من لفظها، وقال الفراء: واحدها ركوب مثل قلوص وقلاص.
يقول: وإن وطنت نفسك على الفراق وعزمت عليه فإني قد شعرت به بِزَمِّكم إبلكم ليلًا (زم البعير: جعل له زمامًا استعدادًا للسفر)، وقيل: بل معناه قد عزمت على الفراق إبلكم قد زُمَّت بليل مظلم، فإن، على القول الأول حرف شرط، وعلى القول الثاني حرف تأكيد. [11] راعه روعًا: أفزعه. الحمولة: الإبل التي تطيق أن يحمل عليها. وسْطَ بتسكين السين، لا يكون إلا ظرفًا، والوسَط، بفتح السين، اسم لما بين طرفي الشيء. الخمخم: نبت تعلفه الإبل. السف والاستفاف معروفان.
يقول: ما أفزعني إلا استفاف إبلها حب الخمخم وسط الديار، أي ما أنذرني بارتحالها إلا انقضاء مدة الانتجاع والكلأ، فإذا انقضت مدة الانتجاع علمت أنها ترتحل إلى ديار حيّها.
[12] الحلوبة: جمع الحلوب عند البصريين، وكذلك قتوبة وقتوب (القتوب: الناقة التي وضع عليها رحلها) وركوبة وركوب، وقال غيرهم: هي بمعنى محلوب، وفعول إذا كان بمعنى المفعول جاز أن تلحقه تاء التأنيث عندهم. الأسحم: الأسود. الخوافي من الجناح: أربع من ريشها، والجناح عند أكثر الأئمة: ستة عشر ريشة، أربع قوادم وأربع خوافٍ وأربع مناكب وأربع أباهر، وقال بعضهم: بل هي عشرون ريشة وأربع منها كُلى.يقول: في حمولتها اثنتان وأربعون ناقة تحلب سودًا كخوافي الغراب الأسود، ذكر سوادها دون سائر الألوان لأنها أنفس الإبل وأعزها عندهم، وصف رهط عشيقته بالغنى والتموّل. [20] السراة: أعلى الظهر. يقول: تصبح وتمسي فوق فراش وطيء وأبيت أنا فوق ظهر فرس أدهم ملجم، يقول: هي تتنعم وأنا أقاسي شدائد الأسفار والحروب. [21] الحشية من الثياب: ما حشي بقطن أو صوف أو غيرهما، والجمع الحشايا. العبل: الغليظ، والفعل عبل عبالة. الشوى: الأطراف والقوائم. النهد: الضخم المشرف. المراكل: جمع المركل وهو موضع الركل، والركل: الضرب بالرجل، وافعل رَكَلَ يَرْكُل. النبيل: السمين، ويستعار للخير والشر لأنهما يزيدان على غيرهما زيادة السمين على الأعجف. المحزم: موضع الحزام من جسد الدابة.
يقول: وحشيتي سرج على فرس غليظ القوائم والأطراف ضخم الجنبين منتفخهما سمين موضع الحزام، يريد أنه يستوطئ سرج الفرس كما يستوطئ غيره الحشية، ويلازم ركوب الخيل لزوم غيره الجلوس على الحشية والاضطجاع عليها، ثم وصف الفرس بأوصاف يحمدونها وهي: غلظ القوائم وانتفاخ الجنبين وسمنهما. [22] الإغداف: الإرخاء. طَبٌّ: حاذق عالم. استلأم: لبس اللأمة (اللأمة: الدرع). يقول مخاطبًا عشيقته: إن ترخي وترسلي دوني القناع، أي تستتري عني، فإني حاذق بأخذ الفرسان الدارعين، أي لا ينبغي لك أن تزهدي فِيّ مع نجدتي وبأسي وشدة مراسي (المعلم: الذي فيه علامات)، وقيل: بل معناه إذا لم أعجز عن صيد الفرسان الدارعين فكيف أعجز عن صيد أمثالك؟ [23] الْمخالفة: مفاعلة من الخلق. يقول: أثني علي أيتها الحبيبة بما علمت من محامدي ومناقبي فإني سهل المخالطة والمخالقة إذا لم يهضم حقي ولم يبخس حظي. [24] باسل: كريه، ورجل باسل شجاع، والبسالة الشجاعة.
يقول: وإذا ظلمت وجدت ظلمي كريهًا مُرًّا كطعم العلقم، أي من ظلمني عاقبته عقابًا بالغًا يكرهه كما يكره طعم العلقم من ذاقه. [25] ركد: سكن. الهواجر: جمع الهاجرة وهي أشد الأوقات حرًّا. المشوف: المجلوّ. المدام والمدامة: الخمر، سميت بها لأنها أديمت في دِنّها.
يقول: ولقد شربت من الخمر بعد اشتداد حرِّ الهواجر وسكونه بالدينار المجلوّ المنقوش، يريد أنه اشترى الخمر فشربها، والعرب تفتخر بشرب الخمر والقمار، لأنها من دلائل الجود عندها. [26] الأَسِرَّة: جمع السر والسرر، وهما الخط من خطوط اليد والجبهة وغيرهما، وتجمع أيضًا على الأسرار ثم تجمع على أسارير. بأزهر أي: بإبريق أزهر. مفدّم: مسدود الرأس بالفِدام (الفِدَام: ما يوضع على الفم سِدَادًا له).
يقول: شربتها بزجاجة صفراء عليها خطوط قرنتها بإبريق أبيض مسدود الرأس بالفدام لأصب الخمر من الإبريق في الزجاجة. [27] يقول: فإذا شربت الخمر فإنني أهلك مالي بجودي ولا أشين عرضي، فأكون تام العرض مهلك المال لا يَكْلِم (يكلم: يجرح) عرضي عيب عائب، يفتخر بأن سكره يحمله على محامد الأخلاق ويكفه عن المثالب. [28] يقول: وإذا صحوت من سكري لم أقصّر عن جودي، أي يفارقني السكر ولا يفارقني الجود، ثم قال: وأخلاقي وتكرمي كما علمت أيتها الحبيبة، افتخر بالجود ووفور العقل إذ لم ينقص السكر عقله. وهذان البيتان قد حكم الرواة بتقدمهما في بابهما. [29] الحليل: بالمهملة: الزوج والحليلة الزوجة، وقيل في اشتقاقهما: إنهما من الحلول فسميا بهما لأنهما يحلان منزلًا واحدًا وفراشًا واحدًا، وقيل: بل هما مشتقان من الحلّ لأن كلًّا منهما يحل لصاحبه، وقيل: بل هما مشتقان من الحل، وسميا بهما لأن كلًّا منهما يحل إزار صاحبه. الغانية: ذات الزوج من النساء لأنها غنيت بزوجها عن الرجال؛ وقال الشاعر: [الطويل]:
أحب الأيامى إذ بثينة أَيِّمٌ / وأحببت لما أن غَنِيتِ الغوانيا.. وقيل: بل الغانية البارعة الجمال المستغنية بكمال جمالها عن التزين، وقيل: الغانية المقيمة في بيت أبويها لم تُزوَّج بعد، من غني بالمكان إذا أقام به، وقال عمارة بن عقيل: الغانية الشابة الحسناء التي تعجب الرجال ويعجبها الرجال، والأحسن القول الثاني والرابع. جدّلته: ألقيته على الْجَدالة، وهي الأرض، فتجدَّلَ أي سقط عليها. المكاء: الصفير. العَلَم: الشق في الشفة العليا.
يقول: ورُبَّ زوج امرأة بارعة الجمال مستغنية بجمالها عن التزين قتلته وألقيته على الأرض، وكانت فريصته تمكو بانصباب الدم منها كشدق الأعلم، قال أكثرهم: شبه سعة الطعن بسعة شدق الأعلم، وقال بعضهم: بل شبه صوت انصباب الدم بصوت خروج النفس من شدق الأعلم. [30] العندم: دم الأخوين، وقيل: بل هو البقم1، وقيل شقائق النعمان. يقول: طعنته طعنة في عجلة ترش دمًا من طعنة نافذة تحكي لون العندم. [31] يقول: هل سألت الفرسان عن حالي في قتالي إن كنت جاهلة بها؟ [32] التعاور: التداول، يقال: تعاوروه ضربًا جعلوا يضربونه على جهة التناوب، وكذلك الاعتوار. الكَلْم: الْجَرح، والتَّكليم التَّجريح.
والرّحالة: السَّرجُ. يقول: هلا سألت الفرسان عن حالي إذا لم أزل على سرج فرس سابح تناوب الأبطال في جرحه، أي جرحه كلّ منهم، ونهد من صفة السابح وهو الضخم. [33] الطور: التارة والمرّة، والجمع الأطوار. يقول: مرة أجرده من صف الأولياء لطعن الأعداء وضربهم وأنضم مرة إلى قوم محكمي القسي، كثير، يقول: مرة أحمل عليه على الأعداء فأحسن بلائي وأنكي فيهم أبلغ نكاية، ومرة أنضم إلى قوم أحكمت قسيهم وكثر عددهم، أراد أنهم رماة مع كثرة عددهم. العرمرم: الكثير. حصِد الشيء حصدًا إذا استحكم، والإحصاد: الإحكام. [34] يخبرك: مجزوم لأنه جواب هلا سألت. الوقعة والوقيعة: اسمان من أسماء الحروب، والجمع الوقعات والوقائع. الوغى: أصوات أهل الحرب ثم استعير للحرب. المغنم والغُنْمُ والغنيمة واحد.
يقول: إن سألت الفرسان عن حالي في الحرب يخبرك من حضر الحرب بأني كريم عالي الهمة آتي في الحروب وأعف عن اغتنام الأموال. [35] المدجَّج والمدجِّج: التام السلاح. الإمعان: الإسراع في الشيء والغلو فيه. الاستسلام: الانقياد والاستكانة.
يقول: ورب رجل تام السلاح كانت الأبطال تكره نزاله وقتاله لفرط بأسه وصدق مراسه، لا يسرع في الهرب إذا اشتد بأس عدوه، ولا يستكين له إذا صدق مراسه. [36] يقول: جادت يدي له بطعنة عاجلة برمح مُقَوَّم صلب الكعوب، والبيت جواب ربّ المضمر بعد الواو في: ومدجَّج. قوله: بعاجل طعنة، قدم الصفة على الموصوف ثم أضافها إليه، تقديره: بطعنة عاجلة. الصدق: الصلب. [37] الشكُّ: الانتظام، والفعل شَكَّ يشُكُّ، الأصمّ: الصَّلب. يقول: فانتظمت برمحي الصلب ثيابه، أي طعنته طعنة أنفذت الرمح في جسمه وثيابه كلها، ثم قال: ليس الكريم محرمًا على الرماح، يريد أن الرماح مولعة بالكرام لحرصهم على الإقدام، وقيل: بل معناه أن كرمه لا يخلصه من القتل المقدر له. [38] الجزر: جمع جَزَرَة وهي الشاة التي أعدت للذبح. النَّوْشُ: التناول، والفعل ناش ينوش نوشًا. القضم: الأكل بمقدم الأسنان، والفعل قضم يقضم.
يقول: فصيرته طعمة للسباع كما يكون الجزر طعمة للناس، ثم قال: تتناوله السباع وتأكل بمقدم أسنانها بنانه الحسن ومعصمه الحسن، ويريد أنه قتله فجعله عرضة للسباع حتى تناولته وأكلته. [39] المشكّ: الدرع التي قد شُكَّ بعضها إلى بعض، وقيل: مساميرها، يشير إلى أنه الزَّرَد، وقيل: الرجل التام السلاح. الحقيقة: ما يحق عليك حفظه أي يجب. المعلم، بكسر اللام: الذي أعلم نفسه أي شهرها بعلامة يعرف بها في الحروب حتى ينتدب الأبطال لبرازه، والمعلَم، بفتح اللام: الذي يشار إليه ويدل عليه بأنه فارس الكتيبة وواحد السرية. سَابِغَةٍ: الدرع الواسعة.
يقول: وربّ مِشكّ درع، أي رب موضع انتظام درع واسعة، شققت أوساطها بالسيف عن رجل حام له يجب عليه حفظه، شاهرٍ نفسه في حومة الحرب أو مشار إليه فيها، يريد أنه هتك مثل هذه الدرع مثل هذا الشجاع فكيف الظن بغيره. [40] الرَّبِذ: السريع. شتا: دخل في الشتاء، يشتو شتوًا. الغاية: راية ينصبها الخمار ليعرف مكانه بها. أراد بالتجار الخمارين. الملوم: الذي ليم مرة بعد أخرى. والبيت كله من صفة حامي الحقيقة.
يقول: هتكت الدرع عن رجل سريع اليد خفيفها في إجالة القداح في الميسر في برد الشتاء، وخصّ الشتاء؛ لأنهم يكثرون الميسر فيه لتفرّغهم، وعن رجل يهتك رايات الخمارين، أي كان يشتري جميع ما عندهم من الخمر حتى يقلعوا راياتهم لنفاد خمرهم، ملوم على إمعانه في الجود وإسرافه في البذل، وهذا كله من صفة حامي الحقيقة. [41] يقول: لَمّا رآني هذا الرجل نزلت عن فرسي أريد قتله كشر عن أسنانه غير متبسم، أي لفرط كلوحه (الكلوح: العبوس) من كراهية الموت قلصت شفتاه عن أسنانه، وليس ذلك لتكلم ولا لتبسّم ولكن من الخوف. ويروى: لغير تكلم. [42] مد النهار: طوله. العظلم: نبت يختضب به. العهد: اللقاء، يقال: عهدته أعهده عهدًا إذا لقيته. يقول: رأيته طول النهار وامتداده بعد قتلي إياه وجفاف الدم عليه كأنّ بنانه ورأسه مخضوبان بهذا النبت. [43] المخذم: السريع القطع. يقول: طعنته برمحي حين ألقيته من ظهر فرسه ثم علوته مع سيف مهند صافي الحديد سريع القطع. [53] التذامر تفاعل من الذمر وهو الحض على القتال. يقول: لما رأيت جمع الأعداء قد أقبلوا نحونا يحض بعضهم بعضًا على قتالنا عطفت عليهم لقتالهم غير مذمم، أي محمود القتال غير مذمومه. [54] الشطن: الحبل الذي يستقى به، والجمع الأشطان. اللبان: الصدر. يقول: كانوا يدعونني في حال إصابة رماح الأعداء صدر فرسي ودخولها فيه، ثم شبهها في طولها بالحبال التي يستقى بها من الآبار. [55] الثغرة: الوقبة (الوقبة: النقرة) في أعلى النحر، والجمع الثُغَر. يقول: لم أزل أرمي الأعداء بنحر فرسي حتى جرح وتلطخ بالدم وصار له بمنزلة السربال، أي عَمَّ جسده عموم السربال جسد لابسه. [56] الازورار: الميل. التحمحم: من صهيل الفرس ما كان فيه شبه الحنين لِيَرِقَّ صاحبه له.
يقول: فمال فرسي مما أصابت رماح الأعداء صدره ووقوعها به وشكا إلي بعبرته وحمحمته، أي نظر إلي وحمحم لأرقَّ له. [57] يقول: لو كان يعلم الخطاب لاشتكى إلَيّ مما يقاسيه ويعانيه، وكلمني لو كان يعلم الكلام، يريد أنه لو قدر على الكلام لشكا إلَيّ مما أصابه من الجراح. [58] يقول: ولقد شفى نفسي وأذهب سقمها قول الفوارس لي: ويلك يا عنترة أقدم نحو العدو واحمل عليه، يريد أن تعويل أصحابه عليه والتجاءهم إليه شفى نفسه ونفى غمه. [59] الخبار: الأرض اللينة. الشَّظِيم: الطويل من الخيل. يقول: والخيل تسير وتجري في الأرض اللينة التي تسوخ (تغوص) فيها قوائمها بشدة وصعوبة وقد عبست وجوهها لما نالها من الإعياء، وهي لا تخلو من فرس طويل أو طويلة، أي كلها طويلة. [60] ذُلُل: جمع ذَلول من الذل وهو ضد الصعوبة. الركاب: الإبل، لا واحد لها من لفظها عند جمهور الأئمة، وقال الفراء: إنها جمع ركوب مثل قلوص وقلاص ولقوح ولقاح. المشايعة: المعاونة، أخذت من الشياع وهو دقائق الحطب لمعاونته النار على الإيقاد في الحطب الجزل. الحفز: الدفع. الإبرام: الإحكام. القلوص: الناقة الفتية المجتمعة الخلق. الجزل: من الحطب العظيم اليابس.
يقول: تذلّ إبلي لي حيث وجهتها من البلاد ويعاونني على أفعالي عقلي، وأمضي ما يقتضيه عقلي بأمر محكم. [61] الدائرة: اسم للحادثة، سميت بها لأنها تدور من خير إلى شر ومن شر إلى خير ثم استعملت في المكروهة دون المحبوبة.
يقول: ولقد أخاف أن أموت ولم تدر الحرب على ابني ضمضم بما يكرهانه، وهما حصين وهرم ابنا ضمضم. [62] يقول: اللذان يشتمان عرضي ولم أشتمهما أنا، والموجبان على أنفسهما سفك دمي إذا لم أرهما، يريد أنهما يتواعدنه حال غيبته فأما في حال الحضور فلا يتجاسران عليه. [63] يقول: إن يشتماني لم أستغرب منهما ذلك؛ فإني قتلت أباهما وصيرته جزَر السباع وكل نسرٍ مُسِنٍّ.
ملخص معلقة امرؤ القيس
قِفَاَ نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلِ …. بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ [1]
فَتُوضِحَ فَالْمِقْرَاةِ لَمْ يَعْفُ رَسْمُهَا …. لِمَا نَسَجَتْهَا مِنْ جَنُوبٍ وَشَمْأَلِ [2]
تَرَى بَعَرَ الأَرْآمِ فِي عَرَصَاتِـهَا …. وقِيعَانِهَا كَأَنَّـهُ حَـبُّ فُلْفُـلِ [3]
كَأَنِّي غَدَاةَ الْبَيْنِ يَوْمَ تَحَمَّلُوا …. لَدَى سَمُرَاتِ الْحَيِّ نَاقِفُ حَنْظَلِ [4]
وقال:
وُقُوفاً بِهَا صَحْبِي عَلَيَّ مَطِيَّهُمْ …. يقُولُونَ : لا تَهْلِكْ أَسَىً وَتَجَمَّلِ [5]
وَإِِنَّ شِفَائِي عَبْـرَةٌ مُهْرَاقَـةٌ …. فَهَلْ عِنْدَ رَسْمٍ دَارِسٍ مِنْ مُعَوَّلِ [6]
كَدَأْبِكَ مِنْ أُمِّ الْحُوَيْرِثِ قَبْلَهَا …. وَجَارَتِها أُمِّ الرَّبَـابِ بِمَأْسَـلِ [7]
إِذَا قَامَتَا تَضَوَّعَ المِسْكُ مِنْهُمَا …. نَسِيمَ الصَّبَا جَاءَتْ بِرَيَّا الْقَرَنْفُلِ [8]
فَفَاضَتْ دُمُوعُ الْعَيْنِ مِنِّي صَبَابَةً …. عَلَى النَّحْرِ حَتَّى بَلَّ دَمْعِيَ مِحْمَلي [9]
وقال:
أَلاَ رُبَّ يَوْمٍ لَكَ مِنْهُنَّ صَالِحٍ …. وَلا سِيَّمَا يَوْمٍ بِدَارَةِ جُلْجُـلِ [10]
وَيَوْمَ عَقَرْتُ لِلْعَذَارَى مَطِيِّتي …. فَيَا عَجَباً مِنْ كُورِهَا الْمُتَحَمَّلِ [11]
فَظَلَّ الْعَذَارَى يَرْتَمِينَ بِلَحْمِهَا …. وَشَحْمٍ كَهُدَّابِ الدِّمَقْسِ الْمُفَتَّلِ [12]
وَيَوْمَ دَخَلْتُ الْخِدْرِ خِدْرَ عُنَيْزَةٍ …. فَقَالَتْ لَكَ الْوَيْلاتُ إِنَّكَ مُرْجِلي [13]
تَقُولُ وَقَدْ مَالَ الْغَبِيطُ بِنَا مَعَاً …. عَقَرْتَ بَعيري يَا امْرأَ القَيْسِ فَانْزِلِ [14]
فَقُلْتُ لَهَا سِيرِي وأَرْخِي زِمَامَهُ …. وَلا تُبْعِدِيني مِنْ جَنَاكِ الْمُعَلَّلِ [15]
وقال:
وَيَوْماً على ظَهْرِ الْكَثِيبِ تَعَذَّرَتْ …. عَليَّ وَآلَتْ حَلْفَـةً لم تَحَلَّـلِ [18]
أَفاطِمَ مَهْلاً بَعْضَ هذا التَّدَلُّلِ …. وَإِنْ كنتِ قد أَزْمعْتِ صَرْمي فأَجْمِلي [19]
أغَرَّكِ مِنِّي أَنَّ حُبَّـكِ قاتِلي …. وَأَنَّكِ مهما تأْمُري الْقَلْبَ يَفْعَلِ [20]
وَإِنْ تَكُ قد ساءَتْكِ مِني خَليقةٌ …. فسُلِّي ثيابي من ثيابِـكِ تَنْسُلِ [21]
وما ذَرَفَتْ عَيْنَاكِ إلا لِتَضْرِبِي …. بِسَهْمَيْكِ في أَعْشَارِ قَلْبٍ مُقَتَّلِ [22]
وَبَيْضَةِ خِدْرٍ لا يُرامُ خِبـاؤُها …. تَمتَّعْتُ من لَهْوٍ بها غيرَ مُعْجَلِ [23]
تجاوَزْتُ أَحْراساً إِلَيْها وَمَعْشَراً …. عَلَيَّ حِرَاصاً لَوْ يُسِرُّونَ مَقْتَلي [24]
إِذا ما الثُّرَيَّا في السَّمَاءِ تَعَرَّضَتْ …. تَعَرُّضَ أَثْناءِ الْوِشَاحِ الْمُفَصَّـلِ [25]
فَجِئْتُ وقد نَضَّتْ لِنَوْمٍ ثيابَها …. لدى السَّتْرِ إلاَّ لِبْسَةَ الْمُتَفَضِّلِ [26]
فقالتْ : يَمِينَ اللهِ ما لكَ حِيلَةٌ …. وَما إِنْ أَرى عَنْكَ الغَوَايَةَ تَنْجَلي [27]
خَرَجْتُ بها أَمْشِي تَجُرُّ وَراءنَا …. على أَثَرَيْنا ذَيْـلَ مِرْطٍ مُرَحَّـلِ [28]
فلمَّا أَجَزْنا ساحَةَ الحَيِّ وَانْتَحَى …. بنا بَطْنُ خَبْتٍ ذي حِقَافٍ عَقَنْقَلِ [29]
هَصَرْتُ بِفَوْدَيْ رأْسِهاَ فَتمايَلَتْ …. عَلَيَّ هضِيمَ الْكَشْحِ رَيَّا الْمُخَلْخَلِ [30]
مُهَفْهَفَةٌ بَيْضَـاءُ غيرُ مُفاضَـةٍ …. تَرَائِبُها مَصْقُولَـةٌ كالسَّجَنْجَـلِ [31]
كَبِكْرِ الْمُقَانَاةِ البَياضَ بِصُفْرَةٍ …. غَذَاها نَمِيرُ الماءِ غيرُ الْمُحَلَّـلِ [32]
تَصُدُّ وَتُبْدِي عَنْ أَسِيلٍ وَتَتَّقِي …. بناظِرَةٍ منْ وَحْشِ وَجْرَةَ مُطْفِلِ [33]
وجِيدٍ كجِيدِ الرِّئْمِ لَيْسَ بفاحشٍ …. إِذا هيَ نَصَّتْــهُ وَلا بِمُعَطَّـلِ [34]
وَفَرْعٍ يَزِينُ الْمَتْنَ أَسْودَ فاحِـمٍ …. أَثِيثٍ كَقِنْوِ النَّخْلَةِ الْمُتَعَثْكِـل [35]
غَدَائِرُهُ مُسْتَشْزِرَاتٌ إِلى العُـلا …. تَضِلُّ العِقَاصُ في مُثَنَّىً وَمُرْسَلِ [36]
وكَشْحٍ لطيفٍ كالجديلِ مُخَصَّرٍ …. وَسَاقٍ كأُنْبُوبِ السَّقِيِّ الْمُذَلَّـلِ [37]
وتُضْحِي فَتِيتُ المِسْكِ فوقَ فِراشِها …. نؤُومُ الضُّحَى لم تَنْتَطِقْ عَنْ تَفَضُّلِ [38]
وَتَعْطُو برُخْصٍ غيرِ شَثْنٍ كأنَّهُ …. أَسَارِيعُ ظَبْيٍ أوْ مَسَاوِيكُ إِسْحِلِ [39]
تُضِيءُ الظَّلامَ بالعِشَاءِ كأَنَّها …. مَنارَةُ مُمْسَـى رَاهِـب ٍ مُتَبَتِّـلِ [40]
إِلى مِثْلِها يَرْنُو الْحَلِيمُ صَبابَةً …. إِذا ما اسْبَكَرَّتْ بينَ دِرْعٍ ومِجْوَلِ [41]
تَسَلَّتْ عَماياتُ الرِّجَالِ عَنِ الصِّبَا …. وليسَ فُؤَادي عن هَوَاك ِ بِمُنْسَلِ [42]
أَلا رُبَّ خَصْمٍ فيكِ أَلْوَى رَدَدْتُه …. نَصِيحٍ على تَعْذَالهِ غيرِ مُؤْتَـلِ [43]
وَليلٍ كمَوْجِ الْبَحْرِ أَرْخَى سُدُولَهُ …. عَلَيَّ بأَنْـواعِ الْهُمُـومِ لِيَبْتَلي [44]
فَقلْتُ لَهُ لَمَّا تَمَطَّى بصُلْبِـهِ …. وَأَرْدَفَ أَعْجَازَاً وَنَـاءَ بِكَلْكَـلِ [45]
أَلا أَيُّها الَّليْلُ الطَّويلُ أَلا انْجَلي …. بصُبْحٍ وَمَا الإِصْبَاحُ مِنْكَ بِأَمْثَـلِ [46]
شرح المعاني 2
[1] قيل: خاطب صاحبيه، وقيل: بل خاطب واحدًا وأخرج الكلام مخرج الخطاب مع الاثنين؛ ويجوز أن يكون المراد به: قف قف، فإلحاق الألف أمارة دالة على أن المراد تكرير اللفظ، ، وقيل: أراد قفن على جهة التأكيد فقلب النون ألفًا في حال الوصل، وأنشد ابن الأنباري لحسان بن ثابت: بكت عيني وحق لها بكاها / وما يغني البكاء ولا العويل.السقط: منقطع الرمل حيث يستدق من طرفه، والسقط أيضًا ما يتطاير من النار، والسقط أيضًا المولود لغير تمام، واللوى: رمل يعوج ويلتوي. الدخول وحومل: موضعان.
يقول: قفا وأسعداني وأعيناني، أو قف وأسعدني على البكاء عند تذكري حبيبًا فارقته ومنزلًا خرجت منه، وذلك المنزل أو ذلك الحبيب أو ذلك البكاء بمنقطع الرمل المعوج بين هذين الموضعين. [2] توضح والمقراة موضعان وسقط اللوي بين هذه المواضع الأربعة، قوله: لم يعف رسمه، أي لم يَنْمَحِ أثرها. الرسم ما لصق بالأرض من آثار الدار مثل البعر والرماد وغيرهما. والجمع أرسم ورسوم، قوله: وشمأل، فيها 6 لغات. نسج الريحين: اختلافهما عليها وستر إحداهما إياها بالتراب وكشف الأخرى التراب عنها. يقول: لم ينمحِ ولم يذهب أثرها؛ لأنه إذا غطته إحدى الريحين كشفت عنه الأخرى، وقيل: بل معناه لم يقتصر سبب محوها على نسج الريحين بل كان له أسباب منها هذا السبب ومر السنين وترادف الأمطار وغيرها، وقيل: بل معناه لم يعف رسم حبها من قلبي وإن نسجتها الريحان، والمعنيان الأولان أظهر. [3] الأرآم: الظباء البيض الخالصة البياض، واحدها رئم، بالكسر، وهي تسكن الرمل. عرصات ساحات، وهي البقعة الواسعة التي ليس فيها بناء والجمع عراص. قيعان جمع قاع وهو المستوي من الأرض، وقيعة مثل القاع، وبعضهم يقول: هو جمع، وقاعة الدار ساحتها. الفلفل وهو بضم الفاءين من الأبزار.
يقول: انظر بعينيك تر هذه الديار التي كانت مأهولة مأنوسة بهم خصبة الأرض، كيف غادرها أهلها وأقفرت من بعدهم أرضها وسكنت رملها الظباء، ونثرت في ساحاتها بعرها حتى تراه كأنه حب الفلفل في مستوى رحباتها. “هذا الشرح ليس للزَّوزَني”. [4] الغداة الضحوة والجمع غدوات، البين: الفرقة. تحملوا واحتملوا بمعنى: أي ارتحلوا. لدى بمعنى عند. سمرات جمع سمرة، بضم الميم: من شجر الطلح. الحي: القبيلة من الأعراب، والجمع أحياء. وناقف الحنظل: الذي يشقه.
يقول: كأني عند سمرات الحي يوم رحيلهم ناقف حنظل، يريد وقف بعد رحيلهم في حيرة وقفة جاني الحنظلة ينقفها بظفره ليستخرج منها حبها. [5] والوقوف جمع واقف بمنزلة الشهود، ويجمع الصاحب على الأصحاب والصحب والصحاب والصحابة والصحبة والصحبان، ثم يجمع الأصحاب على الأصاحيب أيضًا ثم يخفف فيقال الأصاحب. المطي: المراكب، واحدتها مطية، وتجمع المطية على المطايا والمطي والمطيات، سميت مطية؛ لأنه يركب مطاها أي ظهرها، وقيل: بل هي مشتقة من المطو وهو المد في السير.
أي وقفوا عليه رواحلهم يأمرونه بالصبر وينهونه عن الجزع. [6] المهراق والمراق: المصبوب، المعوّل: المبكى، وقد أعول الرجل وعوّل إذا بكى رافعًا صوته به، والمعول: المعتمد والمتكل عليه أيضًا. العبرة: الدمع، وجمعها عبرات، وحكى “ثعلب” في جمعها العِبَر.
يقول: وإن برئي مما أصابني يكون بدمع أصبّه، ثم قال: وهل من معتمد ومفزع عند رسم قد درس. والمعنى عند التحقيق: ولا طائل في البكاء في هذا الموضع؛ لأنه لا يرد حبيبًا، ولا يجدي على صاحبه بخير. [7] الدأْبُ والدأَبُ، بتسكين الهمزة وفتحها: العادة، وأصلها متابعة العمل والجد في السعي، دأب يدأب دأبًا ودئابًا ودءوبًا، وأدأبت السير: تابعته. مأسَل، بفتح السين: جبل بعينه، ومأسِل، بكسر السين: ماء بعينه والرواية فتح السين.
يقول: عادتك في حب هذه كعادتك من تينك، أي: قلة حظك من وصال هذه ومعاناتك الوجد بها كقلة حظك من وصالهما، ومعاناتك الوجد بهما، قوله: قبلها أي: قبل هذه التي شغفت بها الآن.
[8] ضاع الطيب وتضوّع إذا انتشرت رائحته. الريّا: الرائحة الطيبة. يقول: إذا قامت أم الحويرث وأم الرباب فاحت ريح المسك منهما كنسيم الصبا إذا جاءت بعرف القرنفل ونشره. ، ثم لما وصفهما بالجمال وطيب النشر وصف حاله بعد بعدهما. [9] الصبابة: رقة الشوق، وقد صبّ الرجل يصب صبابة فهو صَبٌّ، والأصل صبب فسكنت العين وأدغمت في اللام. المحمل: حمالة السيف، والجمع المحامل، والحمائل جمع الحمالة.يقول: فسالت دموع عيني من فرط وجدي بهما وشدة حنيني إليهما حتى بلّ دمعي حمالة سيفي. [10] “ربّ” موضوع في كلام العرب للتقليل وكم موضوع للتكثير، ثم ربما حملت رُبّ على كم في المعنى فيراد بها التكثير، وربما حملت كم على رب في المعنى فيراد بها التقليل. والسيّ: المثل: يقال هما سيان أي مثلان. دارة جلجل غدير بعينه.
يقول: رب يوم فزت فيه بوصال النساء وظفرت بعيش صالح ناعم منهن ولا يوم من تلك الأيام مثل يوم دارة جلجل. [11] العذراء من النساء: البكر التي لم تفتض، والجمع العذارى. الكور: الرحل بأداته، والجمع الأكوار والكيران؛ فإن قيل: كيف نادى العجب وليس مما يعقل؟ قيل في جوابه: إن المنادى محذوف، والتقدير: يا هؤلاء أو يا قوم اشهدوا عجبي من كورها المتحمل فتعجبوا منه، فإنه قد جاوز المدى والغاية القصوى. [12] يقال: ظل زيد قائمًا إذا أتى عليه النهار وهو قائم، وبات زيد نائمًا إذا أتى عليه الليل وهو نائم، وطفق زيد يقرأ القرآن إذا أخذ فيه ليلًا ونهارًا. الْهُدَّاب والهدب: اسمان لما استرسل من الشيء نحو ما استرسل من الأشفار من الشعر ومن أطراف الأثواب، الواحدة هدابة وهدبة، ويجمع الهدب على الأهدب. الدمقس والمدقس: الإبريسم (هو أحسن الحرير)، وقيل: هو الأبيض منه خاصة.
يقول: فجعلن يلقي بعضهن إلى بعض شواء المطية استطابة أو توسعًا فيه طول نهارهن؛ وشبه شحمها بالإبريسم الذي أجيد فتله وبولغ فيه، وقيل هو القز. الشحم: السمن. [13] الخدر: الهودج، والجمع الخدور، ويستعار للستر والحجلة (الْحَجَلةُ: ساتر كالقبة يزين بالثياب والستور للعروس) وغيرهما، ومنه قولهم: خدرت الجارية، وجارية مخدَّرة أي: مقصورة في خدرها لا تبرز منه، ومنه قولهم: خدر الأسد إذا لزم عرينه. عنيزة: اسم عشيقته وهي ابنة عمه، وقيل: هو لقب لها واسمها فاطمة، وقيل: بل اسمها عنيزة وفاطمة غيرها. قوله: فقالت لك الويلات، أكثر الناس على أن هذا دعاء منها عليه، والويلات: جمع ويلة، والويلة والويل: شدة العذاب، وزعم بعضهم أنه دعاء منها له في معرض الدعاء عليه، والعرب تفعل ذلك صرفًا لعين الكمال عن المدعو عليه. ومنه قولهم: قاتله الله ما أفصحه! ومنه قول جميل:
رمى الله في عيني بثنية بالقذى / وفي الغر من أنيابها بالقوادح.. وصرف عنيزة لضرورة الشعر وهي لا تنصرف في غير الشعر للتأنيث والتعريف.
يقول: ويوم دخلت هودجها فدعت عليّ أو دعت لي، فهذا اليوم كان من محاسن الأيام الصالحة التي نلتها منهن أيضًا. [14] الغبيط: ضرب من الرِّحال، وقيل: بل ضرب من الهوادج، عقرت بعيري أي: أدبرت ظهره، ومنه قولهم: كلب عقور، ولا يقال في ذي الروح إلا عقور. يقول: كانت هذه المرأة تقول لي في حال إمالة الهودج أو الرحل إيانا: قد أدبرت ظهر بعيري فانزل عن البعير. [15] جعل العشيقة بمنزلة الشجرة، وجعل ما نال من عناقها وتقبيلها وشمها بمنزلة الثمرة لتناسب الكلام. المعلل: المكرر، من قولهم: علّه يعِلَه ويعلّه إذا كرر سقيه وعلله للتكثير والتكرير. المعلل: الملهي، من قولك: عللت الصبي بفاكهة أي ألهيته بها،
يقول: فقلت للعشيقة بعد أمرها إياي بالنزول سيري وأرخي زمام البعير ولا تبعديني مما أنال من عناقك وشمك وتقبيلك الذي يلهيني أو الذي أكرره. الجنى: اسم لما يجتني من الشجر، والجني المصدر.
[16] خفض فمثلك بإضمار رُبّ، أراد فرب امرأة حبلى. الطروق: الإتيان ليلًا. والمرضع والحامل والحائض والطالق إذا حملت على أنها من المنسوبات لم تلحقها علامة التأنيث، وإذا حملت على الفعل لحقتها علامة التأنيث، ومعنى المنسوب في هذا الباب أن يكون الاسم بمعنى ذي كذا أو ذات كذا، والاسم إذا كان من هذا القبيل عَرَّته العرب من علامة التأنيث. ومنه قوله تعالى: {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِه} [المزمل: 18] أي ذات انفطار به، وقوله تعالى: {لا فَارِضٌ} أي: لا ذات فرض. وتقول العرب: جمل ضامر وناقة ضامر، وجمل شائل1 وناقة شائل (الشائل من النوق: التي ترفع ذنبها للفحل). والتميمة: العوذة (هي الرقية التي يرقى بها الإنسان من فزعٍ أو جنونٍ)، والجمع التمائم. يقال: أحول الصبي إذا تم له حول فهو محول.وإنما خص الحبلى والمرضع؛ لأنهما أزهد النساء في الرجال وأقلهن شغفًا بهم وحرصًا عليهم، فقال: خدعت مثلهما مع اشتغالهما بأنفسهما فكيف تتخلصين مني؟ [17] شقّ الشيء: نصفه. وصف غاية ميلها إليه وكلفها به حيث لم يشغلها عن مرامه ما يشغل الأمهات عن كل شيء. كلفها: حبها وشدة ولوعها به. [18] الكثيب: رمل كثير، والجمع أكثبة وكُثُب وكثبان. التعذر: التشدد والالتواء والإيلاء والائتلاء والتألّي: الحلف، يقال: آلى وائتلى وتأَلّى إذا حلف، واسم اليمين. الأَلِيَّة والأَلوة والأُلوة معًا، والْحَلْف المصدر. والْحَلِف بكسر اللام. الاسم. الحلفة: المرة. التحلل في اليمين: الاستثناء.
يقول: وقد تشددت العشيقة والْتَوت، وساءت عشرتها يومًا على ظهر الكثيب المعروف، وحلفت حلفًا لم تستثن فيه أنها تصارمني وتهاجرني، هذا، ويحتمل أن يكون صفة حال اتفقت له مع عنيزة، ويحتمل أنها اتفقت مع المرضع التي وصفها. [19] مهلًا: أي رفقًا. الإدلال والتدليل: أي يثق الإنسان بحب غيره إياه فيؤذيه على حسب ثقته به، والاسم الدّالة والدال والدلال. أزمعت الأمر وأزمعت عليه: وطّنت نفسي عليه. يقول: يا فاطمة دعي بعض دلالك وإن كنت وطّنت نفسك على فراقي فأجملي في الهجران. [20] ألف الاستفهام دخلت على هذا القول للتقرير لا للاستفهام والاستخبار، ومنه قول جرير:
ألستم خيرَ من ركب المطايا / وأندى العالمين بطونَ راحِ.. يريد أنهم خير هؤلاء. [21] من الناس من جعل الثياب في هذا البيت بمعنى القلب، النسول: سقوط الريش والوبر والصوف والشعر، ومن الناس من حمل الثياب في البيت على الثياب الملبوسة، وقال: إن ساءك شيء من أخلاقي فاستخرجي ثيابي من ثيابك أي: ففارقيني وصارميني كما تحبين فإني لا أوثر إلا ما أثرت ولا أختار إلا ما اخترت لانقيادي لك. [22] ذرف الدمع ذريفًا وذرفانًا وتذرافًا إذا سال، استعار لِلَحْظِ عينيها ودمعهما اسم السهم لتأثيرهما في القلوب وجرحهما إياها كما أن السهام تجرح الأجسام وتؤثر فيها. والأعشار من قولهم: برمة أعشار إذا كانت قطعًا، ولا واحد لها من لفظها. المقتّل: المذلل غاية التذليل، والقتل في الكلام التذليل، ومنه قولهم: قتلت الشراب إذا قللت غرب سورته بالمزاج. وقال آخرون: أراد بالسهمين المعلّى والرقيب من سهام الميسر. والجزور يقسم على عشرة أجزاء، فمن فاز بهذين القدحين فقد فاز بجميع الأجزاء وظفر بالجزور، أي وما بكيت إلا لتملكي قلبي كله وتفوزي بجميع أعشاره وتذهبي بكله والأعشار على هذا القول جمع عشر؛ لأن أجزاء الجزور عشرة. والجزور: ما يصلح لأن يذبح من الإبل. [23] أي: ورب بيضة خدر، يعني: ورب امرأة لزمت خدرها، والنساء يشبهن بالبيض من ثلاثة أوجه: أحدها بالصحة والسلامة عن الطمث، والثاني: في الصيانة والستر؛ لأن الطائر يصون بيضه ويحضنه، والثالث: في صفاء اللون ونقائه. لأن البيض يكون صافي اللون نقيه إذا كان تحت الطائر، وربما شبهت النساء ببيض النعام، وأريد أنهن بيض تشوب ألوانهن صفرة يسيرة وكذلك لون بيض النعام. الرَّوم: الطلب والفعل منه يروم. الخباء: البيت إذا كان من قطن أو وبر أو صوف أو شعر، والجمع الأخبية. التمتع: الانتفاع. [24] الأحراس يجوز أن يكون جمع حارس بمنزلة صاحب وأصحاب وناصر وأنصار وشاهد وأشهاد، أو بمنزلة جبل وأجبال وحجر وأحجار أو بمنزلة خادم وخدّم وغائب وغيّب وطالب وطلّب وعابد وعبّد. والمعشر: القوم. والجمع المعاشر. الحراص: جمع حريص. الإسرار: الإظهار والإضمار جميعًا؛ وهو من الأضداد، ويروى: لو يشرون مقتلي بالشين المعجمة وهو الإظهار لا غير.
يقول: تجاوزت في ذهابي إليها وزيارتي إياها أهوالًا كثيرةً وقومًا يحرسونها حراصًا على قتلي لو قدروا عليه في خفية؛ لأنهم لا يجترئون على قتلي جهارًا، أو حراصًا على قتلي لو أمكنهم قتلي ظاهرًا لينزجر ويرتدع غيري عن مثل صنيعي؛ وحمله على الأول أولى؛ لأنه كان ملكًا والملوك لا يقدر على قتلهم علانية. [25] التعرض: الاستقبال، والتعرض إبداء العرض، والتعرض الأخذ في الذهاب عرضًا. الأثناء: النواحي، والأثناء: الأوساط، واحدها ثَنَى مثل عصى وثِنَى مثل مِعَى وثِنْي مثل نِحي (زِقُّ السمن). وكذلك الآناء بمعنى الأوقات والآلاء بمعنى النعم في واحدها. هذه اللغات الثلاث ذكرها كلها ابن الأنباري. المفصل: الذي فصل بين خرزه بالذهب أو غيره.
يقول: تجاوزت إليها في وقت إبداء الثريا عرضها في السماء كإبداء الوشاح الذي فصل بين جواهره وخرزه بالذهب أو غيره عرضه.
يقول: أتيتها عند رؤية نواحي كواكب الثريا في الأفق الشرقي، ثم شبه نواحيها بنواحي جواهر الوشاح. [26] نضا الثياب ينضوها نضوًا إذا خلعها، ونضّاها يُنضِّيها إذا أراد المبالغة، اللِبسة: حالة اللابس وهيئة لبسه الثياب. المتفضل: اللابس ثوبًا واحدًا إذا أراد الخفة في العمل والفضلة والفضل اسمان لذلك.
يقول: أتيتها وقد خلعت ثيابها عند النوم غير ثوب واحد تنام فيه وقد وقفت عند الستر مترقبة ومنتظرة، وإنما خلعت الثياب لتري أهلها أنها تريد النوم.
[27] اليمين: الحلف. الغواية والغي: الضلالة، والفعل: غوي يغوى غواية، ويروى العماية وهي العمى. الانجلاء: الانكشاف، وجلوته: كشفته فانجلى. الحيلة أصلها حولة فأبدلت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها. وإن في قوله “وما إن” زائدة، وهي تزاد مع ما النافية، ومنه قول الشاعر: [الوافر]: وما إن طِبُّنا جبن ولكن / منايانا ودولة آخرينا (الطبُّ: العادة).يقول: فقالت الحبيبة: أحلف بالله ما لي لدفعك عني حيلة، وقيل: بل معناه ما لك حجة في أن تفضحني بطروقك إياي وزيارتك ليلًا، يقال: ما له حيلة أي: ما له عذر وحجة، وما أرى ضلال العشق وعماه منكشفًا عنك. قال الرواة: هذا أغنج بيت في الشعر. [28] أخرجتها من خدرها، الأَثَرُ والإثر واحد، وأما الأثر. بفتح الهمزة وسكون الثاء. فهو فرند السيف. ويروى: على إثرنا أذيال، والذيل يجمع على الأذيال والذيول. المرط عند العرب. كساء من خز أو مرعزى (هو الزغب الذي تحت شعر العنز) أو من صوف، وقد تسمى الملاءة مرطًا أيضًا، والجمع المروط. المرحَّل: المنقش بنقوش تشبه رحال الإبل، يقال: ثوب مرحل وفي هذا الثوب ترحيل.
يقول: فأخرجتها من خدرها وهي تمشي وتجر مرطها على أثرنا لتُعَفِّي به آثار أقدامنا، والمرط كان موشّي بأمثال الرحال، ويروى: نير مرط، والنير: علم الثوب. [29] يقال: أجزت المكان وجزته إذا قطعته إجازة وجوازًا، الساحة تجمع على الساحات والساح والسوح مثل قارة وقارات وقار وقور. والقارة: الجبيل الصغير. الحي: القبيلة، والجمع الأحياء، وقد تسمى الحلة حيًّا. الانتحاء والتنحي والنحو: الاعتماد على الشيء، البطن: مكان مطمئن حوله أماكن مرتفعة والجمع أبطن وبطون وبطنان. الخبت: أرض مطمئنة. الحقف: رمل مشرف معوج، والجمع أحقاف وحقاف، ويروى ذي قفاف وهي جمع قف: وهو ما غلظ وارتفع من الأرض ولم يبلغ أن يكون جبلًا. العقنقل: الرمل المنعقد المتلبد. وأصله من العقل وهو الشد.
وتلخيص المعنى: فلمّا خرجنا من مجمع بيوت القبيلة وصرنا إلى مثل هذا الموضع طاب حالنا وراق عيشنا. [30] الهصر: الجذب والفعل هصر يهصر. الفودان جانبا الرأس. تمايلت أي: مالت. ويروى بغصني دومة، والدوم: شجر المقل (شجر المقل: نبات يشبه النخل)، واحدتها دومة، شبهها بشجرة الدوم وشبه ذؤابتيها (الذؤابة: شعر مقدم الرأس) بغصنين وجعل ما نال منها كالثمر الذي يجتنى من الشجر. والنول والإنالة والتنويل: الإعطاء، ومنه قيل للعطية نوال. هضيم الكشح: ضامر الكشح، والكشح: منقطع الأضلاع، والجمع كشوح وأصل الهضم الكسر، والفعل هضم يهضم، وإنما قيل لضامر البطن هضيم الكشح؛ لأنه يَدِقّ بذلك الموضع من جسده فكأنه هضيم عن قرار الردف والجنبين والوركين. ريّا: تأنيث الريان. المخلخل: موضع الخلخال من الساق، والمسوّر: موضع السوار من الذراع، والمقلد: موضع القلادة من العنق, والمقرّط: موضع القرط من الأذن. عبر عن كثرة لحم الساقين وامتلائهما بالري.
يقول: لَمّا خرجنا من الحلة وأمنّا الرقباء جذبت ذؤابتيها إلَيّ فطاوعتني فيما رمت منها ومالت عليّ مسعفة بطلبتي. [31] المهفهفة: اللطيفة الخصر الضامرة البطن. المفاضة: المرأة العظيمة البطن المسترخية اللحم. الترائب جمع التريبة: وهي موضع القلادة من الصدر. السقل والصقل، بالسين الصاد: إزالة الصدأ والدنس وغيرهما. والفعل منه سقل يسقل وصقل يصقل. السجنجل: المرآة، لغة رومية عربتها العرب، وقيل بل هو قطع الذهب والفضة.
يقول: هي امرأة دقيقة الخصر ضامرة البطن غير عظيمة البطن ولا مسترخيته، وصدرها بَرَّاق اللون متلألئ الصفاء كتلألؤ المرآة. [32] البكر من كل صنف: ما لم يسبقه مثله. المقاناة: الخلط يقال: قانيت بين الشيئين إذا خلطت أحدهما بالآخر، النمير: الماء النامي في الجسد. المحلّل ذكر أنه من الحلول، وذكر أنه من الحل. [33] الصد والصدود: الإعراض والصد أيضًا الصرف والدفع، والفعل منه صدَّ يصُدُّ، والإصداد الصرف أيضًا. الإبداء: الإظهار. الأسالة: امتداد وطول في الخد وقد أسل أسالة فهو أسيل. الاتقاء: الحجز بين الشيئين، يقال: اتقيته بترس أي: جعلت الترس حاجزًا بيني وبينه. وجرة: موضع، الْمُطفِل: التي لها طفل. الوحش: جمع وحشي.
يقول: تعرض العشيقة عني وتظهر خدًّا أسيلًا، وتجعل بيني وبينها عينًا ناظرة من نواظر وحش هذا الموضع التي لها أطفال، شبهها في حسن عينيها بظبية مُطْفِلِ أو بمهاة مطفل، وخصهن لنظرهن إلى أولادهن بالعطف والشفقة وهي أحسن عيونًا في تلك الحال منهن في سائر الأحوال. وقوله: من وحش وجرة، أي: من نواظر وحش وجرة، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه كقوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَة} [يوسف: 82] أي: أهل القرية.
[34] الرئم: الظبي الأبيض الخالص البياض، والجمع آرام. النص: الرفع، ومنه سمي ما تُجلى عليه العروس مِنَصَّة، ومنه النص في السير وهو حمل البعير على سير شديد، ونصصت الحديث أنصه نصًّا: رفعته. الفاحش: ما جاوز القدر المحمود من كل شيء.يقول: وتبدي عن عنق كعنق الظبي غير متجاوز قدره المحمود إذا ما رفعت عنقها، وهو غير معطل، عن الحلي، فشبه عنقها بعنق الظبية في حال رفعها عنقها، ثم ذكر أنه لا يشبه عنق الظبي في التعطل عن الحلي. [35] الفرع: الشعر التام، والجمع فروع، ورجل أفرع وامرأة فرعاء. الفاحم: الشديد السواد، مشتق من الفحم، يقال: هو فاحم بَيِّنَ الفحومة. الأثيث: الكثير، والأثاثة: الكثرة، يقال: أثّ الشعر والنبت. القنو يجمع على الأقناء والقنوان. العثكول والعثكال قد يكونان بمعنى القنو وقد يكونان بمعنى قطعة من القنو (القنو: من التمر كالعنقود من العنب)، والنخلة المتعثكلة: التي خرجت عثاكيلها أي: قنوانها.
يقول: وتبدي عن شعر طويل تام يزين ظهرها إذا أرسلته عليه، ثم شبه ذؤابتيها بقنو نخلة أخرجت قنوانها، والذوائب تشبه بالعناقيد، والقنوان يراد به تجعدها وأثاثتها. [36] الغدائر: جمع الغديرة: وهي الخصلة من الشعر، الاستشزار: الارتفاع والرفع جميعًا. العقيصة: الخصلة المجموعة من الشعر، والجمع عقص وعقائص، والفعل من الضلال والضلالة ضل يضِل ويضَلّ جميعًا.
يقول: ذوائبها وغدائرها مرفوعات أو مرتفعات إلى فوق، يراد به شدها على الرأس بخيوط، ثم قال: تغيب تعاقيصها في شعر مثنى وبعضه مرسل، أراد به وفور شعرها، والتعقيص التجعيد. [37] الجديل: خطام (ام: ما يجعل في أنف البعير ليقتاد به) يتخذ من الأدم، والجمع جدل. المخصر: الدقيق الوسط، ومنه نعل مخصرة. الأنبوب: ما بين العقدتين من القصب وغيره، والجمع الأنابيب السَّقِيِّ ههنا: بمعنى المسقي كالجريح بمعنى المجروح، والْجَنِي بمعنى المجني.
يقول: وتبدي عن كشح ضامر يحكي في دقته خطامًا متخذًا من الأدم، وعن ساق يحكي في صفاء لونه أنابيب بردي بين نخل وقد ذللت بكثرة الحمل فأظلت أغصانها هذا البردي، شبه ضمور بطنها بمثل هذا الخطام، وشبه صفاء لون ساقها ببردي بين نخيل تظله أغصانها، وإنما شرط ذلك ليكون أصفى لونًا وأنقى رونقًا وتقدير قوله كأنبوب السقي كأنبوب النخل المسقي، ومنهم من جعل السقي نعتًا للبردي أيضًا؛ والمعنى على هذا القول: كأنبوب البردي المسقي المذلل بالإرواء. [38] الإضحاء: مصادفة الضحى، وقد يكون بمعنى الصيرورة أيضًا، ويقال أضحى زيد غنيًّا أي: صار ومنه قول عدي بن زيد:
ثم أضحوا كأنهم ورق جَفَّ / فألوت به الصبا والدَّبور (الدبور: ريح تهب من المغرب تقابل الصبا التي تسمى القبول).. الفتيت والفتات: اسم لدقائق الشيء الحاصل بالفَتِّ. وقوله: نؤوم الضحى، عطَّل نؤومًا عن علامة التأنيث لأن فعولًا إذا كان بمعنى الفاعل يستوي لفظ صفة المذكر والمؤنث فيه، يقال: رجل ظلوم وامرأة ظلوم ومنه قوله تعالى: {تَوْبَةً نَصُوحًا} [التحريم: 8] قوله: لم تنتطق عن تفضل، أي بعد تفضل كما يقال: استغنى فلان عن فقره أي: بعد فقره؛ والتفضل: لبس الفضلة، وهي ثوب واحد يلبس للخفة في العمل.
يقول: تصادف العشيقة الضحى ودقائق المسك فوق فراشها الذي باتت عليه، وهي كثيرة النوم في وقت الضحى، ولا تشد وسطها بنطاق بعد لبسها ثوب المهنة، يريد أنها مخدومة منعَّمة تُخدم، ولا تَخدم. [39] العطو: التناول والفعل عطا يعطو عطوًا، والإعطاء المناولة، والتعاطي التناول، والمعاطاة الخدمة، والتعطية مثلها. الرخص: اللين الناعم. الشثن: الغليظ الكز (الكز: المتقبّض القبيح)، وقد شن شثونة الأسروع واليسروع دود يكون في البقل (البقل: العشب) والأماكن الندية، تشبه أنامل النساء به، والجمع الأساريع واليساريع. ظبي: موضع بعينه. المساويك جمع المسواك. الإسحل: شجرة تدق أغصانها في استواء، تشبه الأصابع بها في الدقة والاستواء.
يقول: وتتناول الأشياء ببنان رخص ليّن ناعم غير غليظ ولا كز، كأن تلك الأنامل تشبه هذا الصنف من الدود أو هذا الضرب من المساويك وهو المتخذ من أغصان هذا الشجر المخصوص المعيّن. [40] الإضاءة: قد يكون الفعل المشتق منها لازمًا وقد يكون متعديًّا، تقول: أضاء الله الصبح فأضاء، والضَّوء والضُّوء واحد، والفعل ضاء ضوءًا، وهو لازم. المنارة: المسرجة، الجمع المناور والمنائر. الممسى: بمعنى: الإمساء والوقت جميعًا؛ ومنه قول أمية:
الحمد لله ممسانا ومصبحنا / بالخير صبّحنا ربي ومسانا.. الراهب يجمع على الرهبان، مثل راكب وركبان وراع ورعيان، وقد يكون الرهبان واحد ويجمع حينئذ على الرهابنة والرهابين كما يجمع السلطان على السلاطنة والسلاطين. أنشد الفراء: [الرجز]:
لو أبصرت رهبانَ دير في جبل / لانحدر الرهبانُ يسعى ويُصَلْ.. جعل الرهبان واحدًا، لذلك قال: يسعى، ولم يقل: يسعون. المتبتل: المنقطع إلى الله بنيته وعمله، والبتل: القطع، ومنه قيل: مريم البتول لانقطاعها عن الرجال واختصاصها بطاعة الله تعالى، فالتبتل إذن الانقطاع عن الخلق والاختصاص بطاعة الله تعالى ومنه قوله تعالى: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل: 8].
يقول: تضيء العشيقة بنور وجهها ظلام الليل فكأنها مصباح راهب منقطع عن الناس، وخص مصباح الراهب؛ لأنه يوقده ليهتدي به عند الضلال فهو يضيئه أشد الإضاءة، يريد أن نور وجهها يغلب ظلام الليل كما أن نور مصباح الراهب يغلبه. [41] الاسبكرار: الطول والامتداد. الدرع: هو قميص المرأة، وهو مذكر، ودرع الحديد مؤنثة، والجمع أدرع ودروع. الْمِجْوَل: ثوب تلبسه الجارية الصغيرة.
يقول: إلى مثلها ينبغي أن ينظر العاقل كلفًا بها وحنينًا إليها إذا طال قدّها وامتدت قامتها بين من تلبس الدرع وبين من تلبس المجول، أي بين اللواتي أدركن الحلم وبين اللواتي لم يدركن الحلم، يريد أنها طويلة القد مديدة القامة وهي بعد لم تدرك الحلم وقد ارتفعت عن سن الجواري الصغار، قوله: بين درع ومجول، تقديره: بين لابسة درع ولابسة مجول، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. [42] سلا فلان عن حبيبه يسلو سلوًا، وسلى يسلي سًلِيًّا، وتسلّى تسليًا، وانسلى انسلاء أي زال حبه من قلبه أو زال حزنه. العماية والعمى واحد والفعل عمي يعمى. زعم أكثر الأئمة أن في البيت قلبًا تقديره: تسلت الرجالات عن عمايات الصبا أي خرجوا من ظلماته وليس فؤادي بخارج من هواها. وزعم بعضهم أن عن في البيت بمعنى بعد، تقديره: انكشفت وبطلت ضلالات الرجال بعد مضي صباهم، وفؤادي بعد في ضلالة هواها، وتلخيص المعنى: أنه رغم أن عشق العشاق قد بطل وزال وعشقه إياها باقٍ ثابت ولا يزول ولا يبطل. [43] الخصم لا يثنى ولا يجمع لا يؤنث في لغة شطر من العرب، ومنه قوله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} [ص: 21] ويثنى ويجمع في لغة الشطر الآخر من العرب، ويجمع على الخصام والخصوم. الألوى: الشديد الخصومة كأنه يلوي خصمه عن دعواه. النصيح: الناصح. التعذال والعَذْلُ والعَذَلُ: اللوم، والفعل عذل يعذله. الألو والائتلاء: التقصير، والفعل: ألا يألوا وائتلى يأتلي.
يقول: ألا ربّ خصم شديد الخصومة كان ينصحني على فرط لومه إياي على هواك غير مقصر في النصيحة واللوم رددته ولم أنزجر عن هواك بعذله ونصحه. وتحرير المعنى أنه يخبرها ببلوغ حبه إياها الغاية القصوى، حتى أنه لا يرتدع عنه بردع ناصح ولا ينجع (ينجع: ينفع) فيه لوم لائم، وتقدير لفظ البيت: ألا رُبّ خصم ألوى نصيح على تعذاله غير مؤتل رددته. [44] شبه ظلام الليل في هوله وصعوبته ونكارة أمره بأمواج البحر. السدول: الستور، الواحد منها سدل. الإرخاء: إرسال الستر وغيره. الابتلاء: الاختبار. الهموم جمع الهم. بمعنى الحزن وبمعنى الهمة. الباء في قوله: بأنواع الهموم بمعنى مع.
يقول: وربّ ليلٍ يحاكي أمواج البحر في توحشه ونكارة أمره وقد أرخى عليّ ستور ظلامه مع أنواع الأحزان، أو مع فنون الهم، ليختبرني أأصبر على ضروب الشدائد وفنون النوائب أم أجزع منها. لما أمعن في النسيب من أول القصيدة إلى هنا انتقل منه إلى التمدح بالصبر والْجَلَد. [45] تمطى أي: تمدد، ويجوز أن يكون التمطي مأخوذًا من المطا، وهو الظهر، فيكون التمطي مد الظهر، ويجوز أن يكون منقولًا من التمطط فقلبت إحدى الطاءين ياء كما قالوا: تظنّي تظنيًا والأصل تظنن تظننًا، والتمطط التفعل من المط، وهو المد. ولغة عربية وهي الصالب. الإرداف: الإتباع والاتِّباع وهو بمعنى الأول ههنا. الأعجاز: المآخير، الواحد عَجُز وعَجِز وعَجْز. ناء: مقلوب نأى بمعنى بعد، الكلكل: الصدر والجمع كلاكل. الباء في قوله ناء بكلكل. للتعدية، وكذلك هي في قوله: تمطى بصلبه، استعار لليل صلبًا واستعار لطوله لفظ التمطي ليلائم الصلب واستعار لأوائله لفظ الكلكل ولمآخيره لفظ الأعجاز.
وتلخيص المعنى: قلت لليل لَمّا أفرط طوله وناءت أوائله وازدادت أواخره تطاولًا، وطول الليل ينبئ عن مقاساة الأحزان والشدائد والسهر المتولد منها؛ لأن المغموم يستطيل ليله، والمسرور يستقصر ليله. [46] الانجلاء: الانكشاف، يقال: جلوته فانجلى أي: كشفته فانكشف. الأمثل: الأفضل، والمثلى الفضلى، والأماثل الأفاضل. يقول: قلت له ألا أيها الليل الطويل انكشف وتنحَّ بصبح، أي: ليزل ظلامك بضياء من الصبح، ثم قال: وليس الصبح بأفضل منك عندي لأني أقاسي الهموم نهارًا كما أعانيها ليلًا، أو لأن نهاري أظلم في عيني لازدحام الهموم عليَّ حتى حكى الليل.
ملخص معلقة عمرو بن كلثوم
أَلا هُبّي بِصَحنِكِ فَاَصبَحينا … وَلا تُبقي خُمورَ الأَندَرينا
مُشَعشَعَةً كَأَنَّ الحُصَّ فيها … إِذا ما الماءُ خالَطَها سَخينا
تَجورُ بِذي اللُبانَةِ عَن هَواهُ … إِذا ما ذاقَها حَتّى يَلينا
تَرى اللَحِزَ الشَحيحَ إِذا أُمِرَّت … عَلَيهِ لِمالِهِ فيها مُهينا
صَبَنْتِ الكَأْسَ عَنَّا أُمَّ عَمْرٍو … وَكَانَ الكَأْسُ مَجْرَاهَا الْيَمِينَا [4]
وَمَا شَـرُّ الثَّلاَثَةِ أُمَّ عَمْـروٍ … بِصَاحِبِكِ الَّذِي لاَ تَصْبَحِينَا [5]
وَكَأْسٍ قَدْ شَرِبْتُ بِبَعْلَبَـكَّ … وَأُخْرَى فِي دِمَشْقَ وَقَاصِرِينَا [6]
وَلإنَّا سَوْفَ تُدْرِكُنَا الْمَنَايَـا … مُقَـدَّرَةً لَنَـا وَمُقَدَّرِيـنَا [7]
قِفِي قَبْلَ التَّفَرُّقِ يَا ظَعِينَا … نُخَبِّرْكِ الْيَقِيـنَ وَتُخْبِرِينَـا [8]
قِفِي نَسْأَلْكِ هَلْ أَحْدَثْتِ صَرْماً … لِوَشْكِ البَيْنِ أَمْ خُنْتِ الأَمِينَا [9]
بِيَوْمِ كَرِيهَةٍ ضَرْباً وَطَعْناً … أَقَرَّ بِـهِ مَوَالِيـكِ العُيُونَـا [10]
وَإِنَّ غَداً وَإِنَّ اليَـوْمَ رَهْـنٌ … وَبَعْدَ غَدٍ بِمَا لاَ تَعْلَمِينَـا [11]
تُرِيكَ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى خَلاَءٍ … وَقَدْ أَمِنْتَ عُيُونَ الكَاشِحِينَا [12]
ذِرَاعَيْ عَيْطَلٍ أَدْمَـاءَ بِكْـرٍ … هِجَانِ اللَّوْنِ لَمْ تَطْرَأْ جَنِينَا [13]
وَثَدْيَاً مِثْلَ حُقِّ العَاجِ رَخْصاً … حَصَانَاً مِنْ أَكُفِّ اللاَمِسِينَا [14]
وقال:
أَبَا هِنْدٍ فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْنَا … وَأَنْظِرْنَا نُخَبِّـرْكَ اليَقِينَـا [22]
بِأَنَّا نُوْرِدُ الرَّايَـاتِ بِيضَـاً … وَنُصْدِرُهُنَّ حُمْرَاً قَدْ رَوِينَا [23]
وَأَيَّـامٍ لَنَـا غُـرٍّ طِـوَالٍ … عَصَيْنَا المَلْكَ فِيهَا أَنْ نَدِينَا [24]
وَسَيِّدِ مَعْشَرٍ قَـدْ تَوَّجُـوهُ … بِتَاجِ المُلْكِ يَحْمِي المُحْجَرِينَا [25]
تَرَكْنَا الْخَيْلَ عَاكِفَةً عَلَيْـهِ … مُقَلَّـدَةً أَعِنَّـتَهَا صُفُونَـا [26]
وَأَنْزَلْنَا البُيُوتَ بِذِي طُلُوحٍ … إِلَى الشَامَاتِ نَنْفِي المُوعِدِينَا [27]
وَقَدْ هَرَّتْ كِلاَبُ الحَيِّ مِنَّا … وَشَذَّبْنَا قَتَادَةَ مَنْ يَلِيـنَا [28]
مَتَى نَنْقُلْ إِلَى قَوْمٍ رَحَانَـا … يَكُونُوا فِي اللِّقَاءِ لَهَا طَحِينَا [29]
وقال:
نَعُمُّ أُنَاسَنَا وَنَعِـفُّ عَنْهُمْ … وَنَحْمِلُ عَنْهُمُ مَا حَمَّلُونَا [30]
نُطَاعِنُ مَا تَرَاخَى النَّاسُ عَنَّا … وَنَضْرِبُ بِالسِّيُوفِ إِذَا غُشِينَا [31]
بِسُمْرٍ مِنْ قَنَا الْخَطّيّ لُدْنٍ … ذَوَابِلَ أَوْ بِبِيضٍ يَخْتَلينا [32]
كَأَنّ جَمَاجِمَ الأَبْطالِ فِيهَا … وُسُوقٌ بالأماعِزِ يَرْتَمِينَا [33]
نَشُقُّ بِها رُؤوسَ القَومِ شَقًّا … وَنَخْتَلِبُ الرِّقَابَ فَتَختَلينا [34]
وقال:
أَلاَ لاَ يَعْلَمُ الأَقْـوَامُ أَنَّـا … تَضَعْضَعْنَا وَأَنَّـا قَدْ وَنِينَـا [48]
أَلاَ لاَ يَجْهَلَنْ أَحَـدٌ عَلَيْنَا … فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الجَاهِلِينَا [49]
بِأَيِّ مَشِيئَةٍ عَمْرَو بْنَ هِنْـدٍ … نَكُونُ لِقَيْلِكُمْ فِيهَا قَطِينَـا [50]
بِأَيِّ مَشِيئَةٍ عَمْرَو بْنَ هِنْـدٍ … تُطِيْعُ بِنَا الوُشَاةَ وَتَزْدَرِينَا [51]
تَهَـدَّدُنَا وَتُوْعِـدُنَا رُوَيْـدَاً … مَتَى كُنَّا لأُمِّكَ مَقْتَوِينَـا [52]
فَإِنَّ قَنَاتَـنَا يَا عَمْرُو أَعْيَتْ … عَلَى الأَعْدَاءِ قَبَلَكَ أَنْ تَلِينَا [53]
وقال:
وَرِثْنَا مَجْدَ عَلْقَمَةَ بْنِ سَيْفٍ … أَبَاحَ لَنَا حُصُونَ المَجْدِ دِينَا [57]
وَرِثْتُ مُهَلْهِلاً وَالخَيْرَ مِنْـهُ … زُهَيْراً نِعْمَ ذُخْرُ الذَّاخِرِينَا [58]
وَعَتَّـاباً وَكُلْثُـومَاً جَمِيعـاً … بِهِمْ نِلْنَا تُرَاثَ الأَكْرَمِينَا [59]
وَذَا البُرَةِ الذِي حُدِّثْتَ عَنْـهُ … بِهِ نُحْمَى وَنَحْمِي المُلْتَجِينَا [60]
وَمِنَّا قَبْلَـهُ السَّاعِي كُلَيْـبٌ … فَأَيُّ المَجْدِ إِلاَّ قَدْ وَلِينَـا [61]
مَتَى نَعْقِدْ قَرِينَـتَنَا بِحَبْـلٍ … تَجُذُّ الحَبْلَ أَوْ تَقْصِ القَرِينَا [62]
وَنُوجَدُ نَحْنُ أَمْنَعَهُمْ ذِمَارَاً … وَأَوْفَاهُمْ إِذَا عَقَدُوا يَمِينَا [63]
وَنَحْنُ غَدَاةَ أُوقِدَ فِي خَزَازَى … رَفَدْنَا فَوْقَ رِفْدِ الرَّافِدِينَا [64]
وَنَحْنُ الحَابِسُونَ بِذِي أَرَاطَى … تَسَفُّ الجِلَّةُ الخُورُ الدَّرِينَـا [65]
وَنَحْنُ الحَاكِمُونَ إِذَا أُطِعْـنَا … وَنَحْنُ العَازِمُونَ إِذَا عُصِينَا
وَنَحْنُ التَّارِكُونَ لِمَا سَخِطْنَا … وَنَحْنُ الآخِذُونَ لمَا رَضِينَا
وَكُنَّا الأَيْمَنِينَ إِذَا التَقَـيْنَا … وَكَانَ الأَيْسَرِينَ بَنُو أَبِينَـا [66]
فَصَالُوا صَوْلَةً فِيمَنْ يَلِيهِـمْ … وَصُلْنَا صَوْلَةً فِيمَنْ يَلِينَـا [67]
فَآبُوا بِالنِّهَـابِ وَبِالسَّبَايَـا … وَأُبْنَـا بِالمُلُـوكِ مُصَفَّدِينَا [68]
وقال:
كَأَنَّا وَالسُّيُـوفُ مُسَلَّـلاَتٌ … وَلَدْنَا النَّاسَ طُرًّا أَجْمَعِينَا [86]
يُدَهْدِهْنَ الرُّؤُوسَ كَمَا تُدَهْدِي … حَزَاوِرَةٌ بِأَبْطَحِهَا الكُرِينَـا [87]
وَقَدْ عَلِمَ القَبَائِلُ مِنْ مَعَـدٍّ … إِذَا قُبَبٌ بِأَبْطَحِهَا بُنِينَا [88]
بِأَنَّا المُطْعِمُـونَ إِذَا قَدَرْنَـا … وَأَنَّا المُهْلِكُونَ إِذَا ابْتُلِينَـا [89]
وَأَنَّـا المَانِعُـونَ لِمَا أَرَدْنَـا … وَأَنَّا النَّازِلُونَ بِحَيْثُ شِينَـا [90]
وَأَنَّا التَارِكُونَ إِذَا سَخِطْنَـا … وَأَنَّا الآخِذُونَ إِذَا رَضِينَـا [91]
وَأَنَّا العَاصِمُونَ إِذَا أُطِعْـنَا … وَأَنَّـا العَازِمُونَ إِذَا عُصِينَا [92]
وَنَشْرَبُ إِنْ وَرَدْنَا المَاءَ صَفْواً … وَيَشْرَبُ غَيْرُنَا كَدِراً وَطِيـنَا [93]
أَلاَ أَبْلِغْ بَنِي الطَّمَّاحِ عَـنَّا … وَدُعْمِيًّا فَكَيْفَ وَجَدْتُـمُونَا [94]
إِذَا مَا المَلْكُ سَامَ النَّاسَ خَسْفَاً … أَبَيْنَا أَنْ نُقِرَّ الذُّلَّ فِينَـا [95]
مَلأْنَا البَرَّ حَتَّى ضَاقَ عَنَّـا … وَظَهْرَ البَحْرِ نَمْلَؤُهُ سَفِيـنَا [96]
إِذَا بَلَغَ الفِطَـامَ لَنَـا صَبِيٌّ … تَخِرُّ لَـهُ الجَبَابِرُ سَاجِدِينَـا [97]
شرح المعاني 3
[1] هبّ من نومه هبًّا: إذا استيقظ. الصحن: القدح العظيم، والجمع الصحون. الصبح: سقي الصبوح، والفعل صبح يصبح. أبقيت الشيء وبقيته بمعنى. الأندرون: قرى بالشام.يقول: ألا استيقظي من نومك أيتها الساقية واسقيني الصبوح بقدحك العظيم، ولا تدخري خمر هذه القرى. [2] شعشعت الشراب: مزجته بالماء. الحص: الورس نبت له نوّار أحمر يشبه الزعفران. ومنهم من جعل سخينًا صفة ومعناه الحار، من سخن يسخُن سخونة، ومنهم من جعله فعلًا من سخي يسخى سخاءً، وفيه ثلاث لغات: إحداهن ما ذكرنا، والثانية سَخُوَ يسخو، والثالثة سخا يسخو سخاوة. [4] الصبن: الصرف، والفعل صبن يصبن. يقول: صرفت الكأس عنا يا أم عمرو، وكان مجرى الكأس على اليمين فأجريتها على اليسار. [5] يقول: ليس بصاحبك الذي لا تسقينه الصبوح شر هؤلاء الثلاثة الذين تسقينهم، أي لستُ شرَّ أصحابي، فكيف أخرتني وتركت سقيي الصبوح؟ [6] يقول: ورب كأس شربتها بهذه البلدة، ورب كأس شربتها بتينك البلدتين. [7] يقول: سوف تدركنا مقادير موتنا، وقد قدّرت تلك المقادير لنا وقدرنا لها.
المنايا: جمع المنية وهي تقدير الموت. [8] أراد يا ظعينة فرخَّم، والظعينة: المرأة في الهودج، سميت بذلك لظعنها مع زوجها، فهي فعيلة بمعنى فاعلة، ثم كثر استعمال هذا الاسم للمرأة حتى يقال لها ظعينة وهي في بيت زوجها.
يقول: قفي مطيّتك أيتها الحبيبة الظاعنة نخبرك بما قاسينا بعدك، وتخبرينا بما لاقيت بعدنا. [9] الصرم: القطيعة. الوشك: السرعة، والوشيك: السريع. الأمين: بمعنى المأمون.
يقول: قفي مطيتك نسألك هل أحدثت قطيعة لسرعة الفراق، أم هل خنت حبيبك الذي تؤمن خيانته؟ أي هل دعتك سرعة الفراق إلى القطيعة أو إلى الخيانة في مودة من لا يخونك في مودته إياك؟ [10] الكريهة: من أسماء الحرب، والجمع الكرائه، سميت لأن النفوس تكرهها، وإنما لحقتها التاء لأنها أخرجت مخرج الأسماء مثل: النطيحة والذبيحة، ولم تخرج مخرج النعوت مثل: امرأة قتيل وكف خضيب، ونصب ضربًا وطعنًا على المصدر أي يضرب فيه ضربًا ويطعن فيه طعنًا.
قولهم: أقر الله عينك قال الأصمعي: معناه أبرد الله دمعك، أي سَرّك غاية السرور، وزعم أن دمع السرور بارد ودمع الحزن حار، وهو عندهم مأخوذ من القرور وهو الماء البارد، ورد عليه أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب هذا القول وقال: الدمع كلّه حار جلبه فرح أو ترح. وقال أبو عمرو الشيباني: معناه أنام الله عينك وأزال سهرها لأن استيلاء الحزن داعٍ إلى السهر، فالإقرار على قوله إفعال من قر يقر قرارًا، لأن العيون تقرّ في النوم وتطرف في السهر, وحكى ثعلب عن جماعة من الأئمة أن معناه: أعطاه الله مناك ومبتغاك حتى تقر عينك عن الطموح إلى غيره؛ وتحرير المعنى: أرضاك الله؛ لأن المترقب للشيء يطمح ببصره إليه، فإذا ظفر به قرت عينه عن الطموح إليه.
يقول: نخبرك بيوم حرب كثير فيه الضرب والطعن، فأقر بنو أعمامك عيونهم في ذلك اليوم، أي فازوا ببغيتهم وظفروا بمناهم من قهر الأعداء. [11] أي بما لا تعلمين من الحوادث.
يقول: فإن الأيام رهن بما لايحيط علمك به أي ملازمة له. [12] الكاشح: المضمر العداوة في كشحه (الكشح: ما بين الخاصرة والضلوع)، وخصت العرب الكشح بالعداوة لأنه موضع الكبد، والعداوة عندهم تكون في الكبد، وقيل: بل سمي العدوّ كاشحًا؛ لأنه يكشح عن عدوه أي يعرض عنه فيوليه كشحه، يقال: كشح عنه يكشح كشحًا.
يقول: تريك هذه المرأة إذا أتيتها خالية وأمنت عيون أعدائها. [13] العيطل: الطويلة العنق من النوق. الأدماء: البيضاء منها. البِكْر: الناقة التي حملت بطنًا واحدًا ويروى بَكر بفتح الباء، وهو الفتي من الإبل. ويروى: تربعت الأجارع والمتونا، تربعت: رعت ربيعًا. الأجارع جمع الأجرع وهو المكان الذي فيه جرع، والجرع: جمع جرعة، وهي دعص من الرمل (أي قطعة مستديرة من الرمل) غير منبت شيئًا. المتون: جمع متن وهو الظهر من الأرض الهجان: الأبيض الخالص البياض، لم تقرأ جنينًا أي لم تضم فيه رحمها ولدًا.
يقول: تريك ذراعين ممتلئتين لَحْمًا كذراعي ناقة طويلة لم تلد بعد أو رعت أيام الربيع في مثل هذا الموضع، ذكر هذا مبالغة في سمنها، أي ناقة سمينة لم تحمل ولدًا قط، بيضاء اللون. [14] رخصًا: لينا. حصانًا: عفيفة. يقول: وتريك ثديًا مثل حق (وعاء صغير ذو غطاء يتخذ من عاج أو زجاج أو غيرها) من عاج بياضًا واستدارة، محرزة من أكف من يلمسها. [22] يقول: يا أبا هند لا تعجل علينا وأنظرنا نخبرك باليقين من أمرنا وشرفنا، يريد عمرو بن هند فكناه. [23] الراية: العلم، والجمع الرايات والراي.
يقول: نخبرك باليقين من أمرنا بأنا نورد أعلامنا الحروب بيضًا، ونرجعها منها حمرًا قد روين من دماء الأبطال. هذا البيت تفسير اليقين من البيت الأول. [24] يقول: نخبرك بوقائع لنا مشاهير كالغر1 من الخيل عصينا الملك فيها كراهية أن نطيعه ونتذلل له. الأيام: الوقائع هنا. الغُرّ بمعنى المشاهير كالخيل الغرّ لاشتهارها فيما بين الخيل. قوله: أن ندين، أي كراهية أن ندين، فحذف المضاف، هذا على قول البصريين، وقال الكوفيون: تقديره أن لا ندين، أي لئلا ندين، فحذف لا. [25] يقول: ورب سيد قوم متوج بتاج الملك حام للملجئين قهرناه. أحجرته: ألجأته. [26] العكوف: الإقامة، والفعل عكف يعكف. الصُّفون: جمع صافن، وقد صفن الفرس يصفن صفونًا إذا قام على ثلاث قوائم وثَنَّى سنبكه الرابع.
يقول: قتلناه وحبسنا خيلنا عليه وقد قلّدناها أعنتها في حال صفونها عنده. [27] يقول: وأنزلنا بيوتنا بمكان يعرف بذي طلوح إلى الشامات ننفي من هذه الأماكن أعداءنا الذين كانوا يوعدوننا. [28] القتاد: شجر ذو شوك، والواحدة منها قتادة. التشذيب: نفي الشوك والأغصان الزائدة والليف عن الشجر. يلينا، أي: يقرب منا.
يقول: وقد لبسنا الأسلحة حتى أنكرتنا الكلاب وهرّت (صاتت دون نباح) لإنكارها إيانا، وقد كسرنا شوكة من يقرب منا من أعدائنا، استعار لفَلِّ الغرب وكسر الشوكة تشذيب القتادة (فلّ غرب السيف: ثَلَمَ حدّه). [29] أراد بالرحى: رحى الحرب وهي معظمها.
يقول: متى حاربنا قومًا قتلناهم، لما استعار للحرب اسم الرحى استعار لقتلاها اسم الطحين. [30] يقول: نَعُمّ عشائرنا بنوالنا وسيبنا، ونعفّ عن أموالهم ونحمل عنهم ما حملونا من أثقال حقوقهم ومؤنتهم. [31] التراخي: البعد. الغشيان: الإتيان. يقول: نطاعن الأبطال ما تباعدوا عنا، أي وقت تباعدهم عنا، ونضربهم بالسيوف إذا أُتينا، أي أتونا، فقربوا منا، يريد أن شأننا طعن من لا تناله سيوفنا. [32] يقول: وإن الضغن بعض الضغن تفشو آثاره ويخرج الداء المدفون من الأفئدة أي يبعث على الانتقام. [33] لأبطال: جمع بطل وهو الشجاع الذي يبطل دماء أقرانه. الوسوق: جمع وسق وهو حمل بعير. الأماعز: جمع الأمعز وهو المكان الذي تكثر حجارته.
يقول: كأن جماجم الشجعان منهم أحمال إبل تسقط في الأماكن الكثيرة الحجارة، شبه رءوسهم في عظمها بأحمال الإبل، والارتماء لازم ومتعد، وهو في البيت لازم. [34] الاختلاب: قطع الشيء بالمخلب وهو المنجل الذي لا أسنان له. الاختلاء: قطع الخلا وهو رطب الحشيش.
يقول: نشق بها رءوس الأعداء شقًّا ونقطع بها رقابهم فيقطعن. [48] التضعضع: التكسّر والتذلل، ضعضعته فتضعضع أي كسرته فانكسر. [49] أي لا يسفهن أحد علينا فنسفه عليهم فوق سفههم، أي نجازيهم بسفههم جزاء يُرْبِي عليه، فسمِّيَ جزاء الجهل جهلًا لازدواج الكلام وحسن تجانس اللفظ، كما قال الله تعالى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِم} [البقرة: 15] وقال الله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] وقال جل ذكره: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} [آل عمران: 54]. وقال جل وعلا: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء: 142]. سمي جزاء الاستهزاء والسيئة والمكر والخداع استهزاء وسيئة ومكرًا وخداعًا لما ذكرنا. [50] يقول: كيف تشاء يا عمرو بن هند أن نكون خَدَمًا لِمَن وليتموه أمرنا من الملوك الذين وليتموهم؟ أي: أيّ شيء دعاك إلى هذه المشيئة المحالة؟ يريد أنه لم يظهر منهم ضعف يطمع الملك في إذلالهم باستخدام قيله إياهم. [51] ازدراه وازدرى به: قصر به واحتقره. يقول: كيف تشاء أن تطيع الوشاة بنا إليك وتحتقرنا وتقصر بنا؟ أي: أيّ شيء دعاك إلى هذه المشيئة؟ أي لم يظهر منا ضعف يطمع الملك فينا حتى يصغي إلى من يشي بنا إليه ويغريه بنا فيحتقرنا. [52] القَتْو: خدمة الملوك، والفعل قتا يقتو، والمقتى مصدر كالقتو، تنسب إليه فتقول: مقتويّ، ثم يجمع مع طرح ياء النسبة فيقال مقتوون في الرفع، ومقتوين في الجر والنصب، كما يجمع الأعجمي بطرح ياء النسبة فيقال أعجمون في الرفع، وأعجمين في النصب والجر.
يقول: تَرَفّق في تهددنا وإيعادنا ولا تمعن فيهما، فمتى كنا خدمًا لأمك؟ أي: لم نكن خدمًا لها حتى نعبأ بتهديدك ووعديك إيانا، ومن روى: تهددنا وتوعدنا، كان إخبارًا، ثم قال: رويدًا أي دع الوعيد والتهديد وأمهله. [53] العرب تستعير للعز اسم القناة. يقول: فإن قناتنا أبت أن تلين لأعدائنا قبلك، يريد أن عزهم أبى أن يزول بمحاربة أعدائهم ومخاصمتهم ومكايدتهم، يريد أن عزهم منيع لا يرام. [57] الدين: القهر، ومنه قوله عز وجل: {فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِين} [الواقعة: 86] أي غير مقهورين.
يقول: ورثنا مجد هذا الرجل الشريف من أسلافنا، وقد جعل لنا حصون المجد مباحة قهرًا وعنوة، أي غلب أقرانه على المجد ثم أورثنا مجده ذلك. [58] يقول: ورثت مجد مهلهل (جد الشاعر لأمه، وهو أخو كليب)، ومجد الرجل الذي هو خير منه وهو زهير (جد الشاعر الرابع) فنعم ذخر الذاخرين هو، أي مجده وشرفه للافتخار به. [59] يقول: ورثنا مَجْدَ عتاب وكلثوم وبهم بلغنا ميراث الأكارم أي حزنا مآثرهم ومفاخرهم فشرفنا بها وكرمنا. [60] ذو البرة: من بني تغلب، سُمّي به لشعر على أنفه يستدير كالحلقة.
يقول: وورثت مجد ذي البرة الذي اشتهر وعرف وحُدِّثْتُ عنه أيها المخاطب وبمجده يحمينا سيدنا وبه نحمي الفقراء الملجئين إلى الاستجارة بغيرهم. [61] يقول: ومنا قبل ذي البرة الساعي للمعالي كليب، يعني كليب وائل، ثم قال: وأي المجد إلا وقد ولينا، أي قربنا منه فحوينا. [62] يقول: متى قرَنّا ناقتنا بأخرى قطعت الحبل أو كسرت عنق القرين، والمعنى: متى قرنا بقوم في قتال أو جدال غلبناهم وقهرناهم. الجذ: القطع والفعل جذ يجذ. الوقص: دق العنق، والفعل وقص يقص. [63] يقول: تجدنا أيها المخاطب أمنعهم ذمة وجوارًا وحلفًا وأوفاهم باليمين عند عقدها. الذمار: العهد والحلف والذمة، سُمِّي به لأنه يتذمر له أي يتغضب لمراعاته. [64] الرّفد: الإعانة، والرفد الاسم. يقول: ونحن غداة أوقدت نار الحرب في خزازى أعنّا نزارًا فوق إعانة المعينين، يفتخر بإعانة قومه بني نزار في محاربتهم اليمن. [65] تسف: أي تأكل يابسًا، والمصدر السفوف. الْجِلّة: الكبار من الإبل، الخور: الكثيرة الألبان، وقيل: الخور الغزار من الإبل والناقة خوراء. الدَّرين: ما اسود من النبت وقدم.
يقول: ونحن حبسنا أموالنا بهذا الموضع حتى سفت النوق الغزار قديم النبت وأسوده لإعانة قومنا ومساعدتهم على قتال أعدائهم. [66] يقول: كنا حماة الميمنة إذا لقينا الأعداء وكان إخواننا حماة الميسرة، يصف غناءهم في حرب نزار واليمن عندما قتل كليب وائل لبيد بن عنق الغساني عامل ملك غسان على تغلب حين لطم أخت كليب وكانت تحته. [67] يقول: فحمل بنو بكر على من يليهم من الأعداء، وحملنا على من يلينا. [68] النِّهاب: الغنائم، الواحد نهب. الأوب: الرجوع، التصفيد: التقييد، يقال: صَفَدْته وَصَفَّدْتُه أي قيدته وأوثقته.
يقول: فرجع بنو بكر بالغنائم والسبايا ورجعنا مع الملوك مقيدين، أي اغتنموا الأموال وأسرنا الملوك. [86] يقول: كأن حال استلال السيوف من أغمادها، أي حال الحرب، ولدنا جميع الناس، أي نحميهم حماية الوالد ولده. [87] الْحَزَّوْر: الغلام الغليظ الشديد، والجمع الحزاورة. يقول: يدحرجون رءوس أقرانهم كما يدحرج الغلمان الغلاظ الشداد الكرات في مكان مطمئن من الأرض. [88] يقول: وقد علمت قبائل معد إذا بنيت قبابها بمكان أبطح. القبب والقباب جمعا قبة. [89] يقول: قد علمت هذه القبائل أنا نطعم الضيفان إذا قدرنا عليه، ونهلك أعداءنا إذا اختبروا قتالنا. [90] يقول: وأنا نمنع الناس ما أردنا منعه إياهم، وننزل حيث شئنا من بلاد العرب. [91] يقول: وأنّا نترك ما نسخط ونأخذ إذا رضينا، أي لا نقبل عطايا من سخطنا عليه ونقبل هدايا من رضينا عليه. [92] يقول: وأنا نعصم ونمنع جيراننا إذا أطاعونا ونعزم عليهم بالعدوان إذا عصونا. [93] يقول: ونأخذ من كل شيء أفضله وندع لغيرنا أرذله، يريد لهم السادة والقادة وغيرهم أتباع لهم. [94] يقول: سل هؤلاء كيف وجدونا؟ شجعانًا أم جبناء؟ [95] الْخَسْف: والْخُسْف: بفتح الخاء وضمها: الذل. السَّوم: أن تجشّم إنسانًا مشقة وشرًّا، يقال: سامه خسفًا، أي حمله وكلفه ما فيه ذل.
يقول: إذا أكره الملك الناس على ما فيه ذلهم أبينا الانقياد له. [96] يقول: عممنا الدنيا برًّا وبحرًا فَضَاقَ البر عن بيوتنا والبحر عن سفننا. [97] يقول: إذا بلغ صبياننا وقت الفطام سجدت لهم الجبابرة من غيرنا.
ملخص معلقة طرفة بن العبد
وَفِي الْحَيّ أحوَى ينفضُ الْمَرْدَ شادنٌ … مُظاهرُ سِمْطَيْ لُؤلُؤ وزَبَرْجَدِ [3]
خَذولٌ تُرَاعي رَبْرَبًا بِخَميلَةٍ … تَناوَلُ أَطْرَافَ البَريرِ وَتَرْتَدِي [4]
وَتَبْسِمُ عن أَلْمَى كأنّ مُنَوّرًا … تَخَلّلَ حُرّ الرّمْلِ دِعْصٍ له نَدِ [5]
سَقَتْهُ إياةُ الشّمْسِ إلَّا لِثاتِهِ … أُسِفّ وَلَمْ تَكْدِمْ عَليهِ بإثْمِدِ [6]
وَوَجْهٍ كَأَنَّ الشَّمْسَ أَلْقَـتْ رِدَاءَهَا … عَلَيْهِ نَقِيِّ اللَّوْنِ لَمْ يَتَخَدَّدِ [7]
وَإِنِّي لأُمْضِي الهَمَّ عِنْدَ احْتِضَـارِهِ … بِعَوْجَاءَ مِرْقَالٍ تَرُوحُ وتَغْتَدِي [8]
وقال:
وجاشَتْ إلَيْهِ النفسُ خوفًا وَخاله … مُصَابًا وَلَوْ أمسَى على غيرِ مَرْصَدِ [9]
إِذَا القَوْمُ قَالُوا مَنْ فَتَىً خِلْتُ أنَّنِي … عُنِيْتُ فَلَمْ أَكْسَلْ وَلَمْ أَتَبَلَّـدِ [10]
أَحَلْتُ عَلَيْها بالقَطيعِ فَأَجْذَمتْ … وَقَدْ خَبّ آلُ الأَمْعَزِ الْمُتَوَقِّدِ [11]
فَذالتْ كما ذالتْ وَليدَةُ مَجْلِسٍ … تُرِي رَبّها أذيالَ سَحْلٍ مُمَدَّدِ [12]
وَلَسْتُ بِحَلاَّلِ التِّلاَعِ مَخَافَـةً … وَلكِنْ مَتَى يَسْتَرْفِدِ القَوْمُ أَرْفِدِ [13]
فَإِنْ تَبْغِنِي فِي حَلْقَةِ القَوْمِ تَلْقَنِي … وَإِنْ تَلْتَمِسْنِي فِي الحَوَانِيتِ تَصْطَدِ [14]
وقال:
وَمَا زَالَ تَشْرَابِي الخُمُورَ وَلَذَّتِي … وبَيْعِي وإِنْفَاقِي طَرِيفِي ومُتْلَـدِي [20]
إِلَى أنْ تَحَامَتْنِي العَشِيْرَةُ كُلُّهَا … وَأُفْرِدْتُ إِفْرَادَ البَعِيـرِ المُعَبَّـدِ [21]
رَأَيْتُ بَنِي غَبْرَاءَ لاَ يُنْكِرُونَنِي … وَلاَ أَهْلُ هَذَّاكَ الطِّرَافِ المُمَـدَّدِ [22]
أَلاَ أَيُّهَا اللاَّئِمِي أَشْهَدُ الوَغَـى … وَأَنْ أَنْهَلَ اللَّذَّاتِ هَلْ أَنْتَ مُخْلِدِي [23]
فَإِنْ كُنْتَ لاَ تَسْطِيعُ دَفْعَ مَنِيَّتِي … فَدَعْنِي أُبَادِرْهَا بِمَا مَلَكَتْ يَـدِي [24]
وَلَوْلاَ ثَلاثٌ هُنَّ مِنْ عَيْشَةِ الفَتَى … وَجَدِّكَ لَمْ أَحْفِلْ مَتَى قَامَ عُـوَّدِي [25]
فَمِنْهُنَّ سَبْقِي العَاذِلاتِ بِشَرْبَـةٍ … كُمَيْتٍ مَتَى مَا تُعْلَ بِالمَاءِ تُزْبِـدِ [26]
وَكَرِّي إِذَا نَادَى المُضَافُ مُجَنَّبـاً … كَسِيدِ الغَضَا نَبَّهْتَهُ المُتَـورِّدِ [27]
وتَقْصِيرُ يَوْمِ الدَّجْنِ والدَّجْنُ مُعْجِبٌ … بِبَهْكَنَةٍ تَحْتَ الخِبَاءِ المُعَمَّـدِ [28]
كَأَنَّ البُرِينَ والدَّمَالِيجَ عُلِّقَـتْ … عَلَى عُشَرٍ أَوْ خِرْوَعٍ لَمْ يُخَضَّـدِ [29]
كَرِيْمٌ يُرَوِّي نَفْسَـهُ فِي حَيَاتِـهِ … سَتَعْلَمُ إِنْ مُتْنَا غَداً أَيُّنَا الصَّدِي [30]
أَرَى قَبْرَ نَحَّامٍ بَخِيـلٍ بِمَالِـهِ … كَقَبْرِ غَوِيٍّ فِي البَطَالَةِ مُفْسِدِ [31]
نَرَى جُثْوَتَيْنِ مِن تُرَابٍ عَلَيْهِمَـا … صَفَائِحُ صُمٌّ مِنْ صَفِيحٍ مُنَضَّـدِ [32]
أَرَى المَوْتَ يَعْتَامُ الكِرَامَ ويَصْطَفِي … عَقِيْلَةَ مَالِ الفَاحِشِ المُتَشَـدِّدِ [33]
أَرَى العَيْشَ كَنْزاً نَاقِصاً كُلَّ لَيْلَةٍ … وَمَا تَنْقُصِ الأيَّامُ وَالدَّهْرُ يَنْفَـدِ [34]
لَعَمْرُكَ إِنَّ المَوتَ مَا أَخْطَأَ الفَتَـى … لَكَالطِّوَلِ المُرْخَى وثِنْيَاهُ بِاليَـدِ [35]
فَمَا لِي أَرَانِي وَابْنَ عَمِّي مَالِكـاً … مَتَى أَدْنُ مِنْهُ يَنْأَ عَنِّي ويَبْعُـدِ [36]
يَلُوْمُ وَمَا أَدْرِي عَـلامَ يَلُوْمُنِـي … كَمَا لامَنِي فِي الحَيِّ قُرْطُ بْنُ مَعْبَدِ [37]
وأَيْأَسَنِي مِنْ كُلِّ خَيْـرٍ طَلَبْتُـهُ … كَأَنَّا وَضَعْنَاهُ إِلَى رَمْسِ مُلْحَـدِ [38]
عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ قُلْتُهُ غَيْـرَ أَنَّنِـي … نَشَدْتُ فَلَمْ أُغْفِلْ حَمُولَةَ مَعْبَـدِ [39]
وَقَرَّبْتُ بِالقُرْبَى وجَـدِّكَ إِنَّنِـي … مَتَى يَكُ أمْرٌ للنَّكِيثَةِ أَشْهَـدِ [40]
وإِنْ أُدْعَ للْجُلَّى أَكُنْ مِنْ حُمَاتِهَا … وإِنْ يِأْتِكَ الأَعْدَاءُ بِالجَهْدِ أَجْهَدِ [41]
وَإِنْ يقْذِفُوا بِالقَذْعِ عِرْضَكَ أَسْقِهِمْ … بِكأسِ حِيَاضِ المَوْتِ قَبْلَ التَّهَدُّدِ [42]
بِلاَ حَدَثٍ أَحْدَثْتُهُ وكَمُحْـدَثٍ … هِجَائِي وقَذْفِي بِالشَّكَاةِ ومُطْرَدِي [43]
فَلَوْ كَانَ مَوْلايَ امْرَءاً هُوَ غَيْرَهُ … لَفَرَّجَ كَرْبِي أَوْ لأَنْظَرَنِي غَدِي [44]
ولَكِنَّ مَوْلايَ امْرُؤٌ هُـوَ خَانِقِـي … عَلَى الشُّكْرِ والتَّسْآلِ أَوْ أَنَا مُفْتَدِ [45]
وظُلْمُ ذَوِي القُرْبَى أَشَدُّ مَضَاضَةً … عَلَى المَرْءِ مِنْ وَقْعِ الحُسَامِ المُهَنَّدِ [46]
فَذَرْنِي وخُلْقِي إِنَّنِي لَكَ شَاكِرٌ … وَلَوْ حَلَّ بَيْتِي نَائِياً عِنْدَ ضَرْغَدِ [47]
فَلَوْ شَاءَ رَبِّي كُنْتُ قَيْسَ بنَ خَالِدٍ … وَلَوْ شَاءَ رَبِّي كُنْتُ عَمْروَ بنَ مَرْثَدِ [48]
فَأَصْبَحْتُ ذَا مَالٍ كَثِيرٍ وَزَارَنِـي … بَنُونَ كِرَامٌ سَـادَةٌ لِمُسَـوَّدِ [49]
أَنَا الرَّجُلُ الضَّرْبُ الَّذِي تَعْرِفُونَهُ … خَشَاشٌ كَرَأْسِ الحَيَّةِ المُتَوَقِّـدِ [50]
فَآلَيْتُ لا يَنْفَكُّ كَشْحِي بِطَانَةً … لِعَضْبٍ رَقِيْقِ الشَّفْرَتَيْنِ مُهَنَّـدِ [51]
حُسَامٍ إِذَا مَا قُمْتُ مُنْتَصِراً بِـهِ … كَفَى العَوْدَ مِنْهُ البَدْءُ لَيْسَ بِمُعْضَدِ [52]
أَخِي ثِقَةٍ لا يَنْثَنِي عَنْ ضَرِيبَةٍ … إِذَا قِيْلَ مَهْلاً قَالَ حَاجِزُهُ قَدِي [53]
إِذَا ابْتَدَرَ القَوْمُ السِّلاحَ وجَدْتَنِي … مَنِيعاً إِذَا بَلَّتْ بِقَائِمَهِ يَـدِي [54]
وقال:
فَإِنْ مُتُّ فَانْعِينِي بِمَا أَنَا أَهْلُـهُ … وشُقِّي عَلَيَّ الجَيْبَ يَا ابْنَةَ مَعْبَدِ [61]
ولا تَجْعَلِينِي كَأَمْرِىءٍ لَيْسَ هَمُّـهُ … كَهَمِّي ولا يُغْنِي غَنَائِي ومَشْهَدِي [62]
بَطِيءٍ عَنْ الجُلَّى سَرِيعٍ إِلَى الخَنَى … ذَلُولٍ بِإِجْمَاعِ الرِّجَالِ مُلَهَّدِ [63]
فَلَوْ كُنْتُ وَغْلاً فِي الرِّجَالِ لَضَرَّنِي … عَدَاوَةُ ذِي الأَصْحَابِ والمُتَوَحِّدِ [64]
وَلَكِنْ نَفَى عَنِّي الرِّجَالَ جَرَاءَتِي … عَلَيْهِمْ وإِقْدَامِي وصِدْقِي ومَحْتِدِي [65]
لَعَمْرُكَ مَا أَمْرِي عَلَيَّ بُغُمَّةٍ … نَهَارِي ولا لَيْلِي عَلَيَّ بِسَرْمَدِ [66]
ويَوْمٍ حَبَسْتُ النَّفْسَ عِنْدَ عِرَاكِهِ … حِفَاظاً عَلَى عَوْرَاتِهِ والتَّهَـدُّدِ [67]
عَلَى مَوْطِنٍ يَخْشَى الفَتَى عِنْدَهُ الرَّدَى … مَتَى تَعْتَرِكْ فِيْهِ الفَرَائِصُ تُرْعَدِ [68]
وأَصْفَرَ مَضْبُوحٍ نَظَرْتُ حِوَارَهُ … عَلَى النَّارِ واسْتَوْدَعْتُهُ كَفَّ مُجْمِدِ [69]
سَتُبْدِي لَكَ الأيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِلاً … ويَأْتِيْكَ بِالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ [70]
وَيَأْتِيْكَ بِالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تَبِعْ لَهُ … بَتَاتاً وَلَمْ تَضْرِبْ لَهُ وَقْتَ مَوْعِدِ [71]
شرح المعاني 4
[1] خولة: اسم امرأة كلبية، الطلل: ما شخص من رسوم الدار، والجمع أطلال وطلول، البرقة والأبرق والبرقاء: مكان اختلط ترابه بحجارة أو حصى، والجمع الأبارق والبراق والبرق والبرقاوات، إذا حمل على معنى البقعة أو الأرض قيل البرقاء، وإذا حمل على المكان أو الموضع قيل الأبرق. ثهمد: موضع. تلوح: تلمع، واللوح اللمعان. الوشم: غرز ظاهر اليد وغيره بإبرة وحشو المغارز بالكحل أو النقش بالنيلج، والفعل منه وشم يشم وشْمًا، ثم جعل اسْمًا لتلك النقوش، وتجمع بالوشام والوشوم. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: “لعن الله الواشمة والمستوشمة” فالواشمة هي التي تشم اليد، والمستوشمة هي التي يفعل بها ذلك، ثم تبالغ فتقول: وشَّم يوشِّم توشيمًا إذا تكرر ذلك منه وكثر.يقول: لهذه المرأة أطلال ديار بالموضع الذي يخالط أرضه حجارة وحصى من ثهمد، فتلمع تلك الأطلال لمعان بقايا الوشم في ظاهر الكف، شبه لمعان آثار ديارها ووضوحها بلمعان آثار الوشم في ظاهر الكف. [2] تفسير البيت هنا كتفسيره في قصيدة امرئ القيس. التجلد: تكلّف الجلادة وهو التصبر. [3] الأحوى: الذي في شفتيه سمرة، والأنثى الحواء، والجمع الْحُوّ. وأيضًا الأحوى ظبي في لونه حُوّة، والشادن أحوى لشدة سواد أجفانه ومقلتيه، قال الأصمعي: الْحُوّة: حمرة تضرب إلى السواد، ، يقال: حوي الفرس مال إلى السواد، فعلى هذا شادن صفة أحوى، وقيل: بدل من أحوى، وينفض المرد صفة أحوى. الشادن: الغزال الذي قوي واستغنى عن أمه. المظاهر الذي لبس ثوبًا فوق ثوب أو درعًا فوق درع أو عقدًا فوق عقد. السمط: الخيط الذي نظمت فيه الجواهر والجمع سموط.
يقول: وفي الحي حبيب يشبه ظبيًا أحوى في كحل العينين وسمرة الشفتين في حال نفض الظبي ثمر الأراك؛ لأنه يمد عنقه في تلك الحال، ثم صرح بأنه يريد إنسانًا، وقال: قد لبس عقدين أحدهما من اللؤلؤ والآخر من الزبرجد، شبهه بالظبي في ثلاثة أشياء: في كحل العينين، وحوة الشفتين، وحسن الجيد (العنق)، ثم أخبر أنه مُتَحَلٍّ بعقدين من لؤلؤ وزبرجد. [4] خذول: أي خذلت أولادها. تراعي ربربًا. أي ترعى معه. الربرب: القطيع من الظباء وبقر الوحش. الخميلة: رملة منبتة، قال الأصمعي: هي أرض ذات شجر، والجمع الخمائل. البرير: ثمر الأراك المدرك البالغ، الواحدة بريرة، الارتداء والتردي: لبس الرداء.
يقول: هذه الظبية التي أشبهها الحبيب ظبية خذلت أولادها وذهبت مع صواحبها في قطيع من الظباء ترعى معها في أرض ذات شجر أو ذات رملة منبتة تتناول أطراف الأراك وترتدي بأغصانه، وإنما خص تلك الحال لمدها عنقها إلى ثمر الشجرة، شبه طول عنق الحبيب وحسنه بذلك. [5] الألمى: الذي يضرب لون شفتيه إلى السواد، والأنثى لمياء، والجمع لُمْي، والمصدر اللَّمَى، والفعل لمي يلمى. البسم والتبسم والابتسام واحد. كأن منورًا يعني أقحوانًا منورًا، فحذف الموصوف اجتزاء بدلالة الصفة عليه. نوَّر النبت إذا خرج نوره فهو مُنوّر. حر كل شيء: خالصه. الدعص: الكثيب من الرمل، والجمع الأدعاص. الندى يكون دون الابتلال، والفعل ندي يندى ندى، وندَّيته تندية.
يقول: وتبسم الحبيبة عن ثغر ألمى الشفتين كأنه أقحوان خرج نَوره في دعص نَدٍ يكون ذلك الدعص فيما بين رمل خالص لا يخالطه تراب، وإنما جعله نديًّا ليكون الأقحوان غضًّا ناضرًا، شبه به ثغرها وشرط لمى الشفتين ليكون أبلغ في بريق الثغر. وشرط كون الأقحوان في دعص ند لما ذكرنا، وتقدير الكلام كأن به أقحوانًا منورًا تخلل دعص له نَدٍ حر الرمل ثغرها، فحذف الخبر. [6] إياة الشمس وإياها: شعاعها. اللثة: مغرز الأسنان، والجمع اللثات. الإسفاف: إفعال من سففت الشيء أسفه سفًّا. الإثمد: الكحل. الكدم: العض. ثم وصف ثغرها فقال: سقاه شعاع الشمس، أي: كأن الشمس أعارته ضوءها. ثم قال: إلا لثاته، يستثني اللثات؛ لأنه لا يستحب بريقها. ثم قال: أُسِفّ عليه الإثمد، أي ذر الإثمد على اللثة، ولم تكدم بأسنانها على شيء يؤثر فيها، وتقديره: أسف بإثمد ولم تكدم عليه بشيء. ونساء العرب تذر الإثمد على الشفاه واللثات فيكون ذلك أشد للمعان الأسنان. [7] التخدد: التشنج والتغضن. يقول: وتبسم عن وجه كأن الشمس كسته ضياءها وجمالها، فاستعار لضياء الشمس اسم الرداء ثم ذكر أن وجهها نقي اللون غير متشنج متغضن، وصف وجهها بكمال الضياء والنقاء والنضارة، وجر الوجه عطفًا على ألمى. [8] الاحتضار والحضور واحد. العوجاء: الناقة التي لا تستقيم في سيرها لفرط نشاطها. المرقال: مبالغة مرقل من الإرقال: وهو بين السير والعدو.
يقول: وإني لأمضي همي وأنفذ إرادتي عند حضورها بناقة نشيطة في سيرها تخب (الخبب: نوع من السير فيه خطو فسيح) خببًا وتذمل (الذميل: نوع من السير اللين أبطأ من الخبب) ذميلًا في رواحها واغتدائها، يريد أنها تصل سير الليل بسير النهار، وسير النهار بسير الليل؛ يقول: وإني لأنفذ همي عند حضوره بإتعاب ناقة مسرعة في سيرها. [9] خاله: أي ظنه، والخيلولة الظن. المرصد: الطريق، والجمع المراصد، وكذلك المرصاد. يقول: وارتفعت نفسه أي زال قلبه عن مستقره لفرط خوفه فظنه هالكًا وإن أمسى على غير الطريق.
يقول: إن صعوبة هذه الفلوات جعلته يظن أنه هالك، وإن لم يكن على طريق يخاف قطاع الطريق. [10] يقول: إذا القوم قالوا من فتى يكفي مُهِمًّا أو يدفع شرًّا؟ خلت أنني المراد بقولهم فلم أكسل في كفاية المهم ودفع الشر ولم أتبلد فيهما. وعنيت من قولهم: عنى يعني عنيًا بمعنى أراد، ومنه قولهم: يعني كذا أي يريده، وأيش تعني بهذا أي أيش تريد بهذا، ومنه المعنى وهو المراد، والجمع المعاني. [11] الإحالة: الإقبال هنا. القطيع: السوط، الإجذام: الإسراع في السير. الآل: ما يُرى شبه السراب طرفي النهار، والسراب ما كان نصف النهار، الأمعز: مكان يخالط ترابه حجارة أو حصى، و إذا حمل على الأرض أو البقعة قيل المعزاء، والجمع الأماعز.
يقول: أقبلت على الناقة أضربها بالسوط، فأسرعت في السير في حال خبب آل الأماكن التي اختلطت بتربتها بالحجارة والحصى.
(أقول: طرفة أكثر من وصف ناقته، ولم أورد أكثر أبياته في ذلك). [12] الذيل: التبختر، والفعل ذال يذيل، الوليدة: الصبية والجارية، وهي في البيت بمعنى الجارية. السحل: الثوب الأبيض من القطن وغيره.
يقول: فتبخترت هذه الناقة كما تتبختبر جارية ترقص بين يدي سيدها فتريه ذيل ثوبها الأبيض الطويل في رقصها، شبّه تبخترها في السير بتبختبر الجارية في الرقص وشبّه طول ذنبها بطول ذيلها. [13] الْحَلَّال: مبالغة الحال من الحلول. التلعة: ما ارتفع من مسيل الماء وانخفض عن الجبال إلى قرار الأرض، والجمع التلعات والتلاع. الرفد والإرفاد. الإعانة، والاسترفاد الاستعانة.
يقول: أنا لا أحل التلاع مخافة حلول الأضياف بي أو غزو الأعداء إياي، ولكني أعين القوم إذا استعانوا بي إما في قِرى الأضياف، وإما في قتال الأعداء والحساد. [14] البغاء: الطلب، والفعل بغى يبغي. الحلقة تجمع على الْحَلَق بفتح الحاء واللام، وهذا من الشواذ، وقد تجمع عى الْحِلَق مثل بدرة وَبِدَر (البدرة: كيس فيه مقدار من المال) وثَلَّة وَثِلَل (الثلة: جماعة الغنم). الحانوت، بيت الخمار، والجمع الحوانيت. الاصطياد: الاقتناص.
يقول: وإن تطلبني في محفل القوم تجدني هناك، وإن تطلبني في بيوت الخمارين تصطدني هناك. يريد أن يجمع بين الجد والهزل. [20] التشراب: الشرب، وتفعال من أوزان المصادر مثل التقتال بمعنى القتل التنقاد بمعنى النقد، الطريف والطارف: المال الحديث. التليد والتلاد والمتلد: المال القديم الموروث.
يقول: لم أزل أشرب الخمر وأشتغل باللذات وبيع الأعلاق النفيسة وإتلافها حتى كأن هذه الأشياء لي بمنزلة المال المستحدث والمال الموروث، يريد أنه التزم القيام بهذه الأشياء لزوم غيره القيام باقتنائه المال وإصلاحه (الأعلاق: جمع علق وهو النفيس من كل شيء يتعلق بالقلب). [21] التَّحامي: التجنب والاعتزال، البعير المعبّد: المذلل المطلي بالقطران، والبعير يستلذ ذلك فيذل له. يقول: فتجنبتني عشيرتي كما يتجنب البعير المطلي بالقطران. وأفردتني لما رأت أني لا أكف عن إتلاف المال والاشتغال باللذات. [22] الغبراء: صفة الأرض جعلت كالاسم لها. الطِّراف: البيت من الأدم (الأدم: الجلد)، والجمع الطّروف، وكنَّى بتمديده من عِظَمه.
يقول: لما أفردتني العشيرة رأيت الفقراء الذين لصقوا بالأرض من شدة الفقر لا ينكرون إحساني وإنعامي عليهم، ورأيت الأغنياء الذين لهم بيوت الأدم لا ينكرونني لاستطابتهم صحبتي ومنادمتي. يقول: إن هجرتني الأقارب وصلتني الأباعد، وهم الفقراء والأغنياء، فهؤلاء لطلب المعروف وهؤلاء لطلب العلا. [23] الوغى: أصله صوت الأبطال في الحرب ثم جعل اسْمًا للحرب. الخلود: البقاء والفعل خلد يخلد، والإخلاد والتخليد الإبقاء.
يقول: ألا أيها الإنسان الذي يلومني على حضور الحرب وحضور اللذات هل تخلدني إن كففت عنها؟ [24] اسطاع يسطيع، لغة في استطاع. يقول: فإن كنت لا تستطيع أن تدفع موتي عني فدعني أبادر الموت بإنفاق أملاكي، يريد أن الموت لا بدّ منه فلا معنى للبخل بالمال وترك اللذات وامتناع الذوق. [25] الْجَدّ: الحظ والبخت، والجمع الجدود وقد جد الرجل يجد جدًّا فهو جديد وجُدَّ يَجُدُّ جدًّا فهو مجدود إذا كان ذا جد، وقد أجدَّه الله إجدادًا جعله ذا جد، وقوله: وجدّك قسم. الحفل المبالاة. العُوَّد جمع عائد من العيادة.
يقول: فلولا حُبّي ثلاث خصال هن من لذة الفتى الكريم لم أبالِ متى قام عُوَّدي من عندي آيسين من حياتي، أي لم أبالِ متى مِتُّ. [26] يقول: إحدى تلك الخلال أني أسبق العواذل بشربة من الخمر كُمَيْت اللون متى صُبَّ الماء عليها أَزبدت، يريد أن يباكر شرب الخمر قبل انتباه العواذل (الكميت: ما كان لونه بين الأحمر والأسود). [27] الكرُّ: العطف. والكرور: الانعطاف. المضاف: الخائف والمذعور، والمضاف الملجأ. المحنب: الذي في يده انحناء، والمجنّب الذي في رجله انحناء. السِّيدُ: الذئب والجمع السيدان. الغضا: شجر. الورد والتورّد واحد.
يقول: والخصلة الثانية عطفي -إذا ناداني الملجأ إلي والخائف عدوه مستغيثًا إياي- فرسًا في يده انحناء، يسرع في عدوه إسراع ذئب يسكن فيما بين الغضا إذا نبهته وهو يريد الماء، جعل الخصلة الثانية إغاثته المستغيث وإعانته اللاجئ إليه فقال: أعطف في إغاثته فرسي الذي في يده انحناء وهو محمود في الفرس إذا لم يفرط، ثم شبّه فرسه بذئب اجتمع له ثلاث خلال: إحداها كونه فيما بين الغضا، وذئب الغضا أخبث الذئاب، والثانية إثارة الإنسان إياه، والثالثة وروده الماء، وهما يزيدان في شدة العَدْوِ. [28] قصَّرتُ الشيء: جعلته قصيرًا. الدجن: إلباس الغيم آفاق السماء. البهكنة: المرأة الحسنة الخلق السمينة الناعمة. الْمُعَمَّد: المرفوع بالعمد.
يقول: والخصلة الثالثة أني أقصر يوم الغيم بالتمتع بامرأة ناعمة حسنة الخلق تحت بيت مرفوع بالعمد، وجعل الخصلة الثالثة استمتاعه بحبائبه، وشرط تقصير اليوم؛ لأن أوقات اللهو والطرب أقصر الأوقات؛ ومنه قول الشاعر؛ [الوافر]:
شهور ينقضين وما شعرنا / بأنصاف لهن ولا سرار.. وقوله: والدَّجنُ معجب أي: يعجب الإنسان. [29] البرة: حلقة من صُفْرٍ أو شَبَهٍ أو غيرهما تجعل في أنف الناقة، والجمع البُرَا والبرات والبرون في الرفع والبرين في النصب والجر، استعارة للأسورة والخلاخيل. الدملج والدملوج: الْمِعْضَد، والجمع الدماليج والدمالج. العُشَر والخِرْوَع: ضربان من الشجر. التَّخضيد: التشذيب من الأغصان والأوراق.والعشر وصف البهكنة (المعضد: حلي كالسِّوار يلبس على العضد).
يقول: كأن خلاخيلها وأسورتها ومعاضدها معلّقة على أحد هذين الضربين من الشجر، وجعله غير مخضد ليكون أغلظ، شبه ساعديها وساقيها بأحد هذين الشجرين في الامتلاء والنعمة والضخامة. [30] يقول: أنا كريم يروِّي نفسه أيام حياته بالخمر، ستعلم إن متنا غدًا أينا العطشان، يريد أنه يموت ريَّان وعاذله يموت عطشان. [31] النحّام: الحريص على الجمع والمنع. الغويّ: الغاوي الضال، والغي والغواية الضلالة، وقد غوى يغوي.
يقول: لا فرق بين البخيل والجواد بعد الوفاة فَلِمَ أبخل بأعلاقي، فقال: أرى قبر البخيل والحريص بماله كقبر الضال في بطالته المفسد بماله. [32] الجثوة: الكومة من التراب وغيره، والجمع الجثى. التنضيد: مبالغة النضد.
يقول: أرى قبري البخيل والجواد كومتين من التراب عليهما حجارة عراض صلاب، فيما بين قبور عليها حجارة عراض قد نضدت. [33] الاعتيام: الاختيار. العقائل: كرائم المال والنساءِ، الواحدة عقيلة، الفاحش: البخيل. يقول: أرى الموت يختار الكرام بالإفناء، ويصطفي كريمة مال البخيل المتشدد بالإبقاء، وقيل: بل معناه أن الموت يعم الأجواد والبخلاء، فيصطفي الكرام، وكرائم أموال البخلاء؛ يريد أنه لا تخلص منه لواحد من الصنفين، فلا يجدي البخل على صاحبه بخير فالجود أحرى لأنه أحمد. [34] شبه البقاء بكنز ينقص كل ليلة، وما لا يزال ينقص فإن مآله إلى النفاد، فقال: وما تنقصه الأيام والدهر ينفد لا محالة، فكذلك العيش صائر إلى النفاد لا محالة؛ والنفاد الفناء، والفعل نفد ينفد، والإنفاد الإفناء. [35] العَمْر والعُمْر والعُمُر بمعنى، ولا يستعمل في القَسَم إلا بفتح العين، قوله: ما أخطأ الفتى، فما مع الفعل هنا بمنزلة مصدر حل محل الزمان، نحو قولهم: آتيك خفوق النجم ومقدم الحاج، أي: وقت خفوق النجم ووقت مقدم الحاج. الطِّوَل: الحبل الذي يُطَوَّلُ للدابة فترعى فيه. الإرخاء: الإرسال. الثني: الطرف، والجمع الأثناء.
يقول: أقسم بحياتك أن الموت في مدة إخطائه الفتى، أي: مجاوزته إياه، بمنزلة حبل طُوِّلَ للدابة ترعى فيه وطرفاه بيد صاحبه، يريد أنه لا يتخلص منه، كما أن الدابة لا تفلت ما دام صاحبها آخذًا بطرفي طولها، لما جعل الموت بمنزلة صاحب الدابة التي أرخى طولها، قال: متى شاء الموت قاد الفتى لهلاكه، ومن كان في حبل الموت انقاد لقوده. [36] النأي والبعد واحد، فجمع بينهما للتأكيد وإثبات القافية، كقول الشاعر: [الطويل]: وهند أتى من دونها النأي والبعد..
يقول: فما لي أراني وابن عمي متى تقربت منه تباعد عني؟ يستغرب هجرانه إياه مع تقربه منه. [37] يلومني مالك وما أدري ما السبب الداعي إلى لومه إياي، كما لامني هذا الرجل في القبيلة، يريد أن لومه إياه ظلم صراح كما كان لوم قُرْط إياه كذلك. [38] الرّمس: القبر وأصله الدفن. ألحدت الرجل: جعلت له لحدًا. يقول: قنطني مالك من كل خير رجوته منه حتى كأنا وضعنا ذلك الطلب إلى قبر رجل مدفون في اللحد، يريد أنه آيسه من كل خير طلبه كما أن الميت لا يرجى خيره. [39] النّشدان: طلب المفقود، الإغفال: الترك. الحمولة: الإبل التي تطيق أن يحمل عليها. معبد: أخوه. يقول: يلومني على غير شيء قلته وجناية جنيتها، ولكنني طلبت إبل أخي ولم أتركها، فنقم ذلك مني وجعل يلومني، وقوله: غير أنني، استثناء منقطع تقديره ولكنني. [40] القربى: جمع قربة، وقيل: هو اسم من القرب والقرابة، وهو أصح القولين، النكيثة: المبالغة في الجهد وأقصى الطاقة، يقال: بلغت نكيثة البعير أي أقصى ما يطيق من السير.
يقول: وقربت نفسي بالقرابة التي ضَمَّنا حبلها ونظمنا خيطها، وأُقسمُ بحظك وبختك أنه متى حدث له أمر يبلغ فيه غاية الطاقة ويبذل فيه المجهود أحضره وأنصره. [41] الْجُلَّى: تأنيث الأجل، وهي الخطة العظيمة، والجلاء بفتح الجيم والمد لغة فيها. الحماة: جمع الحامي من الحماية.
يقول: وإن دعوتني للأمر العظيم والخطب الجسيم أكن من الذين يحمون حريمك، وإن يأتك الأعداء لقتالك أجهد في دفعهم عنك غاية الجهد، والباء في قوله بالجهد زائدة. [42] القَذْعُ والقَذَعُ: الفحش. العرض: موضع المدح والذم من الإنسان، قاله ابن دريد، وقد يفسر بالحسب، والعرض النفس، ومنه قول حسان: [الوافر]: فإن أبي ووالده وعرضي / لعرض محمد منكم وقاء.. أي: نفسي فداء، والعرض: العرق وموضع العرق، والجمع الأعراض في جميع الوجوه، التهدد والتهديد: واحد. القذف: السب.
يقول: وإن أساء الأعداء القول فيك وأفحشوا الكلام، أوردتهم حياض الموت قبل أن أهددهم؛ يريد أنه يبيدهم قبل تهديدهم، أي لا يشتغل بتهديدهم بل يشتغل بإهلاكهم، ومن روى بشرب فهو النصيب من الماء، والشرب بضم الشين، مصدر شرب، يريد أسقهم شرب حياض الموت، فالباء زائدة والمصدر بمعنى المفعول والإضافة بتقدير من. [43] يقول: أجفى وأهْجَرَ وأضام من غير حدث إساءة أحدثته، ثم أهجى وأشكى وأطرد كما يهجى من أحدث إساءة وجرّ جريرة وجنى جناية ويشكي ويطرد، والشكاية والشكوى، والشكيّة والشكاة واحد، والمطرد بمعنى الإطراد، وأطردته صيرته طريدًا. [44] يقول: فلو كان ابن عمي غير مالك لفرج كربي أو لأمهلني زمانًا. فَرَجْتُ الأَمْرَ وفرّجته: كشفته، والفرج انكشاف المكروه. كربه الغم: إذا ملأ صدره، والكربة اسم منه، والجمع كرب. الإنظار: الإمهال، والنَظرة اسم بمعنى الإنظار. [45] خنقت الرجل خنقًا: عصرت حلقه. التسآل: السؤال. يقول: ولكن ابن عمي رجل يضيق الأمر علي حتى كأنه يأخذ عليّ متنفسي على حال شكري إياه وسؤالي عوارفه وعفوه، أو كنت في حال افتدائي نفسي منه. يقول: هو لا يزال يضيّق الأمر عليّ سواء شكرته على آلائه، أو سألته بره وعطفه، أو طلبت تخليص نفسي منه (العوارِف: جمع عارفةٍ وهي الإحسان). [46] مضَّني الأمر وأمضَّني: بلغ من قلبي وأثَّر في نفسي تهييج الحزن والغضب، يقول: ظلم الأقارب أشد تأثيرًا في تهييج نار الحزن والغضب من وقع السيف القاطع المحدَّد أو المطبوع بالهند. الحسام: فُعَال من الحسم وهو القطع. [47] ضرغد: جبل. يقول: خلّ بيني وبين خلقي وكلني إلى سجيتي، فإني شاكر لك وإن بعدت غاية البعد حتى ينزل بيتي عند هذا الجبل الذي سمي بضرغد، وبينهم وبين ضرغد مسافة بعيدة وشقة شاقة وبينونة بليغة. [48] هذان سيدان من سادات العرب مذكوران بوفور المال ونجابة الأولاد، وشرف النسب وعظم الحسب.
يقول: لو شاء الله بلَّغني منزلتهما وقدرهما. [49] يقول: فصرت حينئذ صاحب مال كثير وزارني بنون موصوفون بالكرم والسؤدد لرجل مسوَّد يعني به نفسه، والتسويد مصدر سوَّدته فسَادَ. يقول: لو بلَّغني الله منزلتهما لصرت وافر المال، كريم العقب وهو الولد. [50] الضرب: الرجل الخفيف اللحم. يقول: أنا الضرب الذي عرفتموه، والعرب تتمدح بخفة اللحم؛ لأن كثرته داعية إلى الكسل والثقل، وهما يمنعان من الإسراع في دفع الملمات وكشف المهمات ثم قال: أنا دَخّال في الأمور بخفة وسرعة، شبه تيقظه وذكاء ذهنه بسرعة حركة رأس الحية وشدة توقّده (الخشاش: الرجل الذكي اللطيف الرأس). [51] لا ينفك: لا يزال، وما انفكّ ما زال، البطانة: نقيض الظهارة. العضب: السيف القاطع. شفرتا السيف: حدّاه، والجمع الشفرات والشفار. يقول: ولقد حلفت أن لا يزال كشحي لسيف قاطع رقيق الحدّين طبعته الهند بمنزلة البطانة للظهارة. [52] الانتصار: الانتقام. المعضد: سيف يقطع به الشجر، والعضد قطع الشجر، والفعل عضد يعضد.
يقول: لا يزال كشحي بطانة لسيف قاطع إذا ما قمت منتقمًا به من الأعداء كفى الضربة الأولى به الضربة الثانية فيغني البدء عن العود، وليس سيفًا يقطع به الشجر، نفى ذلك؛ لأنه من أَرْدَأ السيوف. [53] أخي ثقة: يوثق به، أي صاحب ثقة. الثني: الصرف، والفعل ثنى يثني والانثناء: الانصراف. الضريبة: ما يضرب بالسيف، والرمية: ما يرمى بالسهم، والجمع الضرائب والرمايا. مهلًا: أي كف. قدي وقدني: أي حسبي.
يقول: هذا السيف سيف يوثق بمضائه كالأخ الذي يوثق بإخائه لا ينصرف عن ضريبة أي لا ينبو عما ضرب به، إذا قيل لصاحبه كُفَّ عن ضرب عدوك قال مانع السيف وهو صاحبه: حسبي فإني قد بلغت ما أردت من قتل عدوي، يريد أنه ماضٍ لا ينبو عن الضرائب، فإذا ضرب به صاحبه أغنته الضربة الأولى عن غيرها.
[54] ابتدر القوم السلاح: استبقوه. المنيع: الذي لا يقهر ولا يغلب. بلَّ بالشيء يبلّ به بلًّا إذا ظفر به. ويقول: إذا استبق القوم أسلحتهم وجدتني منيعًا لا أقهر ولا أغلب إذا ظفرت يدي بقائم هذا السيف. [61] لما فرغ من تعداد مفاخره أوصى ابنة أخيه -ومعبدٌ أخوه- فقال: إذا هلكت فأشيعي خبر هلاكي بثنائي الذي أستحقه وأستوجبه وشقي جيبك عليّ، يوصيها بالثناء عليه والبكاء. النعي: إشاعة خبر الموت، والفعل نعى ينعى، أهله أي مستحقه، كقوله تعالى: {وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} [الفتح: 26]. والجيب: من القميص ونحوه، ما يدخل منه الرأس عند لبسه. [62] يقول: ولا تُسوّي بيني وبين رجل لا يكون همه مطلب المعالي كهمّي، ولا يكفي المهم والملم كفايتي، ولا يشهد الوقائع مشهدي، والهمّ أصله القصد، يقال: هم بكذا أي قصد له، ثم يجعل الهم والهمة اسْمًا لداعية النفس إلى العلا. الغناء: الكفاية. المشهد في البيت بمعنى الشهود وهو الحضور، أي: ولا يغني غناء مثل غنائي ولا يشهد الوقائع شهودًا مثل شهودي.يقول: لا تعدلي بي من لا يساويني في هذه الخلال فتجعلي الثناء عليه كالثناء عليّ والبكاء عليه كالبكاء عليّ. [63] البطء: ضد العجلة، والفعل بطؤ يبطأ، الجلّي: الأمر العظيم. الخنا: الفحش. جُمع الكف، وجَمعها لغتان يقال: ضربه بجمع كفه إذا ضربه بها مجموعة، والجمع الأجماع. التلهيد: مبالغة اللهد وهو الدفع بجمع الكف، يقال: لهده يلهده لهدًا. والبيت كله من صفة من ينهى ابنة أخيه أن تعدل غيره به.
يقول: ولا تجعليني كرجل يبطأ عن الأمر العظيم ويسرع إلى الفحش وكثير ما يدفعه الرجال بأجماع أكفهم فقد ذل غاية الذل. [64] لوغل: أصله الضعيف يستعار للئيم. يقول: لو كنت ضعيفًا من الرجال لضرّتني معاداة ذي الأتباع والمنفرد الذي لا أتباع له، إياي، ولكنني قوي منيع لا تضرني معاداتهما إياي ويروى وغدًا، وهو اللئيم. [65] الجرأة والجراءة واحد، والفعل جرؤ يجرؤ، والنعت جريء، وقد جرَّأه على كذا أي شجعه، المحتد: الأصل. يقول: ولكن نفى عني مباراة الرجال ومجاراتهم شجاعتي وإقدامي في الحروب وصدق صريمتي وكرم أصلي (الصريمة: إحكام الأمر والعزيمة فيه). [66] الغمة والغم واحد، وأصل الغم التغطية، والفعل غم يغم ومنه الغمام؛ لأنه يغم السماء أي يغطيها، ومنه الأغم والغماء، لأن كثرة الشعر تغطي الجبين والقفا.
يقول: أقسم ببقائك ما يغم أمري رأيي، أي ما تغطي الهموم رأيي في نهاري، ولا يطول عليّ ليلي حتى كأنه صار دائمًا سرمدًا، وتلخيص المعنى: أنه تمدح بمضاء الصريمة وذكاء العزيمة، يقول: لا تغمني النوائب فيطول ليلي ويظلم نهاري. [67] العراك والمعاركة: القتال، وأصلهما من العرك وهو الدلك، الحفاظ: المحافظة على ما تجب المحافظة عليه من حماية الحوزة والذب عن الحريم ودفع الذم عن الأحساب.
يقول: وربّ يوم حبست نفسي عن القتال والفزعات وتهدد الأقران محافظة على حسبي. [68] الموطن: الموضع. الردى: الهلاك، والفعل ردي يردى، والإرداء: الإهلاك. الاعتراك والتعارك واحد. الفرائص: جمع فريصة وهي لحمة عند مجمع الكتف ترعد عند الفزع.
يقول: حبست نفسي في موضع من الحرب يخشى الكريم هناك الهلاك ومتى تعترك الفرائص فيه أرعدت من فرط الفزع وهول المقام. [69] ضبحت الشيء: قربته من النار حتى أثرت فيه، أضبحه ضبحًا. الحوار والمحاورة: مراجعة الحديث، وأصله من قولهم: حار يحور إذا رجع؛ ومنه قول لبيد: [الطويل]: وما المرء إلا كالشهاب وضوئه يحور رمادًا بعدَ إذ هو ساطع.. نظرت: أي انتظرت، والنظر الانتظار، ومنه قوله تعالى: {انْظُرُونَاَ نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد: 13]. استودعته وأودعته واحد. المجمد: الذي لا يفوز، وأصله من الجمود.
يقول: ورب قدح أصفر قد قرب من النار حتى أثرت فيه، وإنما فعل ذلك ليصلب ويصفر، انتظرت مراجعته أي انتظرت فوزه أو خيبته ونحن مجتمعون على النار له، وأودعت القدح كفَّ رجل معروف بالخيبة وقلة الفوز، يفتخر بالميسر وإنما افتخرت العرب به لأنه لا يركن إليه إلا سمح جواد، ثم كمل المفخرة بإيداع قدحه كف مجمد قليل الفوز. [70] يقول: ستطلعك الأيام على ما تغفل عنه وسينقل إليك الأخبار من لم تزوده. [71] باع قد يكون بمعنى اشترى، وهو في البيت بهذا المعنى، البتات: كساء المسافر وأداته [والجمع أبتّة]. ولم تضرب له أي لم تبين له كقوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا} [النحل: 75] أي بيّن وأوضح.
يقول: سينقل إليك الأخبار من لم تشترِ له متاع المسافر، ولم تبيّن له وقتًا لنقل الأخبار إليك.
ملخص معلقة زهير بن ابي سلمى
أَمِنْ أُمِّ أَوْفَى دِمْنَةٌ لَـمْ تَكَـلَّمِ … بِـحَوْمانَةِ الـدُّرَّاجِ فَالْـمُتَثَلَّـمِ [1]
وَدارٌ لَهَـا بِالرَّقْمَتَيْـنِ كَأَنَّهَـا … مَراجِيعُ وَشْمٍ في نَواشِـرِ مِعْصَـمِ [2]
بِهَا العَيْنُ وَالأَرْآمُ يَمْشِينَ خِلْفَةً … وَأَطْـلاؤُهَا يَنْهَضْنَ مِنْ كُلِّ مِجْثَمِ [3]
وَقَفْتُ بِهَا مِنْ بَعْدِ عِشْرِينَ حِجَّـةً … فَـلَأْياً عَرَفْتُ الـدَّارَ بَـعْدَ تَـوَهُّمِ [4]
أَثَافِيَّ سُفْعاً في مُعَرَّسِ مِرْجَـلٍ … وَنُـؤْياً كَجِذْمِ الحَوْضِ لَـمْ يَتَثَلَّمِ [5]
فَلَمَّا عَرَفْتُ الدَّارَ قُلْتُ لِرَبْعِهَـا … أَلا أنْعِمْ صَبَاحَاً أَيُهَا الرَّبْعُ وَاسْلَـمِ [6]
تَبَصَّرْ خَليلِي هَلْ تَرَى مِنْ ظَعائِـنٍ … تَـحَمَّلْنَ بِـالْعَلْياءِ مِنْ فَوْقِ جُرْثُمِ [7]
وقال:
وَوَرّكْنَ في السُّوبانِ يَعلونَ مَتْنَهُ … عَلَيْهِنّ دَلُّ النّاعِمِ الْمُتَنَعّمِ [8]
بكرْنَ بكورًا واسْتَحَرْنَ بسُحْرَةٍ … فَهُنّ وَوَادِي الرَّسِّ كاليَدِ لِلفَمِ [9]
وَفيهِنّ مَلْهىً للطّيفِ وَمَنْظَرٌ … أنيقٌ لِعَينِ النَّاظِرِ الْمُتَوَسّمِ [10]
كأنّ فُتَاتَ العِهْنِ في كلّ مَنزِلٍ … نَزَلنَ به حَبُّ الفَنا لم يُحَطَّمِ [11]
وقال:
فَأَقْسَمْتُ بالبَيْتِ الذي طافَ حوْلَهُ … رِجالٌ بَنَوْهُ من قُرَيشٍ وَجُرْهُمِ [12]
يَمينًا لَنِعْمَ السّيّدانِ وُجِدْتُمَا … على كلّ حالٍ مِنْ سَحيلٍ وَمُبْرَمِ [13]
تَدَارَكتُما عَبْسًا وَذُبيان بَعْدَمَا … تَفَانَوا وَدَقّوا بَينَهم عطرَ مَنشمِ [14]
وقد قلتما: إنْ نُدْرِك السّلمَ وَاسعًا … بمالٍ وَمَعْروفٍ من القول نَسلمِ [15]
فَأَصْبَحْتُمَا مِنْهَا عَـلَى خَيْرِ مَوْطِنٍ … بَـعِيدَيْن فِيهَا مِنْ عُقُوقٍ وَمَـأْثَمِ [16]
عَظِيمَيْنِ في عُلْيَا مَـعَدٍّ هُدِيتُمَـا … وَمَنْ يَسْتَبِحْ كَنْزاً مِنْ المَجْدِ يَعْظُمِ [17]
وقال:
فَلاَ تَـكْتُمُنَّ اللهَ مَا فِي نُـفُوسِكُمْ … لِـيَخْفَى وَمَهْمَا يُـكْتَمِ اللهُ يَـعْلَمِ [18]
يُـؤَخَّرْ فَيُوضَعْ فـي كِتَابٍ فَيُدَّخَرْ … لِـيَوْمِ الْحِسَابِ أَوْ يُعَجَّلْ فَـيُنْقَمِ [19]
وَمَا الـحَرْبُ إِلاَّ مَـا عَلِمْتُمْ وَذُقْتُمُ … وَمَا هُـوَ عَنْهَا بِـالحَدِيثِ المُرَجَّمِ [20]
مَتَـى تَـبْعَثُوهَا تَـبْعَثُوهَا ذَمِـيمَةً … وَتَضْـرَ إِذَا ضَـرَّيْتُمُوهَا فَـتَضْرَمِ [21]
فَـتَعْرُككُمُ عَرْكَ الـرَّحَى بِـثِفَالِهَا … وَتَلْـقَحْ كِشَافاً ثُمَّ تُنْـتِجْ فَـتُتْئِمِ [22]
فَتُنْـتِجْ لَكُمْ غِلْمَانَ أَشْـأَمَ كُـلُّهُمْ … كَأَحْمَرَ عَـادٍ ثُمَّ تُـرْضِعْ فَـتَفْطِمِ [23]
وقال:
سَئِمْتُ تَكَالِيفَ الـحَياةِ وَمَنْ يَعِشْ … ثَـمَانِينَ حَوْلاً لا أَبَـا لَكَ يَـسْأَمِ [32]
وأَعْـلَمُ مَا فِي الْيَوْمِ وَالأَمْسِ قَبْلَهُ … وَلـكِنّني عَـنْ عِلْمِ مَا فِي غَدٍ عَمِ [33]
رَأَيْتُ المَنَايَا خَبْطَ عَشْوَاءَ مَنْ تُصِبْ … تُـمِتْهُ وَمَنْ تُـخْطِىءْ يُعَمَّرْ فَيَهْرَمِ [34]
وَمَنْ لَـمْ يُـصَانِعْ في أُمُورٍ كَثِيرةٍ … يُـضَرَّسْ بِأَنْيَابٍ وَيُـوطَأْ بِمَنْسِمِ [35]
وَمَنْ يَجْعَلِ المَعْرُوفَ مِنْ دُونِ عِرْضِهِ … يَفِرْهُ وَمَنْ لا يَتَّقِ الـشَّتْمَ يُشْتَمِ [36]
وَمَنْ يَـكُ ذَا فَـضْلٍ فَيَبْخَلْ بِفَضْلِهِ … عَلَى قَـوْمِهِ يُسْـتَغْنَ عَنْهُ وَيُذْمَمِ [37]
وَمَنْ يُـوْفِ لا يُذْمَمْ وَمَنْ يُهْدِ قَلْبُهُ … إِلى مُـطْمَئِنِّ الْـبِرِّ لا يَتَجَمْجَمِ [38]
وَمَنْ هَـابَ أَسْـبَابَ الـمَنَايَا يَنَلْنَهُ … وَإِنْ يَرْقَ أَسْـبَابَ السَّمَاءِ بِـسُلَّمِ [39]
وَمَنْ يَجْعَلِ المَعْرُوفَ فِي غَيْرِ أَهْلِهِ … يَكُنْ حَـمْدُهُ ذَماً عَـلَيْهِ وَيَـنْدَمِ [40]
وَمَنْ يَـعْصِ أَطْـرافَ الزِّجَاجِ فَإِنَّهُ … يُـطِيعُ الـعَوَالِي رُكِّبَتْ كُلَّ لَهْذَمِ [41]
وَمَنْ لَـمْ يَـذُدْ عَنْ حَوْضِهِ بِسِلاحِهِ … يُـهَدَّمْ وَمَنْ لا يَظْلِمِ الـنَّاسَ يُظْلَمِ [42]
وَمَنْ يَـغْتَرِبْ يَحْسِبْ عَدُواً صَدِيقَهُ … وَمَنْ لا يُكَرِّمْ نَـفْسَهُ لا يُـكَرَّمِ [43]
وَمَهْمَا تَـكُنْ عِنْدَ أمرِيءٍ مَنْ خَلِيقَةٍ … وَإِنْ خَالَهَا تَخْفَى عَلَى النَّاسِ تُعْلَمِ [44]
وَكَائِنٍ تَرَى مِنْ صَامِتٍ لَكَ مُعْجِبٍ … زِيَـادَتُـهُ أَو نَقْصُهُ فِي الـتَّكَلُمِ [45]
لِسَانُ الفَتَى نِصْفٌ وَنِصْفٌ فُؤَادُهُ … فَـلَمْ يَبْقَ إَلا صُورَةُ الـلَّحْمِ وَالدَّمِ [46]
وَإَنَّ سَفَاهَ الـشَّيْخِ لا حِلْمَ بَـعْدَهُ … وَإِنَّ الـفَتَى بَعْدَ الـسَّفَاهَةِ يَحْلُمِ [47]
سَألْـنَا فَأَعْطَيْتُمْ وَعُدْنَا فَـعُدْتُمُ … وَمَنْ أَكْثَرَ الـتَّسْآلَ يَوْماً سَيُحْرَمِ [48]
شرح المعاني 5
[1] الدّمنة: ما اسوّد من آثار الدار بالبعر والرماد وغيرهما، والجمع الدِّمَن، والدمنة الحقد، والدمنة السرجين (السرجين: الزبل). وهي في البيت بمعنى الأول. حومانة الدراج والمتثلم: موضعان. وقوله: لم تكلّم، جزم بلم ثم حرك الميم بالكسر؛ لأن الساكن إذا حرِّك كان الأحرى تحريكه بالكسر. ولم يكن بدّ ههنا من تحريكه ليستقيم الوزن ويثبت السجع ثم أشبعت الكسرة بالإطلاق؛ لأنّ القصيدة مطلقة القوافي.يقول: أمن منازل الحبيبة المكناة بأم أوفى دمنة لا تجيب سؤالها بهذين الموضعين. أخرج الكلام في معرض الشك ليدل بذلك على أنه لبعد عهده بالدمنة وفرط تغيرها لم يعرفها معرفة قطع وتحقيق. [2] الرقمتان: حرّتان (الحرة: الأرض ذات الحجارة السود) إحداهما قريبة من البصرة والأخرى قريبة من المدينة. المراجيع: جمع المرجوع، من قولهم: رجعه رجعًا، أراد الوشم المجدد والمردّد. نواشر المعصم: عروقه، الواحد: ناشر، وقيل ناشرة، والمعصم: مواضع السوار من اليد والجمع المعاصم.
يقول: أمن منازلها دار بالرقمتين؟ يريد أنها تحل الموضعين عند الانتجاع (طلب الكلأ ومساقط الغيث).
وتلخيص المعنى: أنه أخرج الكلام في معرض الشك في هذه الدار أهي لها أم لا، ثم شبه رسومها بالوشم المجدد في المعصم، وقوله: ودار لها بالرقمتين، يريد: وداران لها بهما، فاجتزأ بالواحد عن التثنية لزوال اللُّبس إذ لا ريب في أن الدار الواحدة لا تكون قريبة من البصرة والمدينة؛ وقوله: كأنها، أراد كأن رسومها وأطلالها، فحذف المضاف. [3] بها العِين أي: البقر العِين، فحذف الموصوف لدلالة الصفة عليه، والعين: الواسعات العيون، والعَيَن سعة العين. الأرْآم: جمع رئم وهو الظبي الأبيض خالص البياض؛ وقوله: خلفة، أي: يخلف بعضها بعضًا إذا مضى قطيع منها جاء قطيع آخر ومنه قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً} [الفرقان: 62] يريد أن كلًّا منهما يخلف صاحبه، فإذا ذهب النهار جاء الليل، وإذا ذهب الليل جاء النهار، الأطلاء: جمع الطلا وهو ولد الظبية والبقرة الوحشية، ويستعار لولد الإنسان ويكون هذا الاسم للولد من حين يولد إلى شهر أو أكثر منه. الجثوم للناس والطير والوحوش بمنزلة البروك للبعير، والفعل جثم يجثم، والمجثم: موضع الجثوم، والمجثم الجثوم، فالمفعل من باب فعل يفعل، إذا كان مفتوح العين كان مصدرًا، وإذا كان مكسور العين كان موضعًا، نحو: المضرَب بالفتح والمضرِب بالكسر.
يقول: بهذه الدار بقر وحش واسعات العيون، وظباء بيض يمشين بها خالفات بعضها بعضًا وتنهض أولادها من مرابضها لترضعها أمهاتها. [4] الحجة: السنة، والجمع الحجج، الّلأيُ: الجهد والمشقة.
يقول: وقفت بدار أم أوفى بعد مضي عشرين سنة من بينها، وعرفت دارها بعد التوهم بمقاساة جهد ومعاناة مشقة، يريد أنه لم يثبتها إلا بعد جهد ومشقة لبعد العهد بها ودروس أعلامها. [5] الأُثفية والإثْفية: جمعها الأثافِي والأثافِيُّ، بتثقيل الياء وتخفيفها، وهي حجارة توضع القدر عليها، ثم إن كان من الحديد سُمّي منصبًا، والجمع المناصب ولا يسمى أثفية. السفع: السود، والأسفع مثل الأسود، والسفاع مثل السواد، المعرس: أصل المنزل، من التعريس وهو النزول في وقت السحر، ثم استعير للمكان الذي تنصب فيه القدر. المرجل: القدر عند ثعلب من أي صنف من الجواهر كانت. النؤي: نهير يحفر حول البيت ليجري فيه الماء الذي يَنْصَّبُ من البيت عند المطر ولا يدخل البيت، الجمع الآناء والنُئِيّ. الجذم: الأصل، ويروى: كحوض الجد، والجد: البئر القريبة من الكلأ، وقيل: بل هي البئر القديمة.
يقول: عرفت حجارة سودًا تنصب عليها القدر، وعرفت نهيرًا كان حول بيت أم أوفى بقي غير متثلم كأنه أصل حوض، نصب أثافي على البدل في قوله: عرفت الدار؛ يريد أن هذه الأشياء دلته على أنها دار أم أوفى. [6] كانت العرب تقول في تحيتها: انعم صباحًا، أي طاب عيشك في صباحك، من النعمة وهي طيب العيش، وخص الصباح بهذا الدعاء؛ لأن الغارات والكرائه تقع صباحًا، وفيها أربع لغات: انعم صباحًا، بفتح العين من نَعِمَ ينعَم مثل علم يعلم. والثانية: انعِم، بكسر العين، من نَعِمَ ينعِم مثل حسب يحسب، ولم يأت على فَعِلَ يفْعِل من الصحيح وغيرهما، وقد ذكر سيبويه أن بعض العرب أنشده قول امرئ القيس: [الطويل]: ألا انعم صباحًا أيها الطلل البالي / وهل ينعمن من كان في العصر الخالي.. بكسر العين من ينعم. والثالثة: عَمْ صباحًا، من وَعَمَ يَعَمُ مثل وضع يضع. والرابعة: عِمْ صباحًا من وَعَمَ يَعِمُ مثل: وعد يعد.
يقول: وقفت بدار أم أوفى فقلت لدارها محييًا إياها وداعيًا لها: طاب عيشك في صباحك وسلمت. [7] الظعائن: جمع ظعينة؛ لأنها تظعن مع زوجها، من الظَعْن والظَعَن وهو الارتحال. بالعلياء أي: بالأرض العلياء أي: المرتفعة. جرثم: ماء بعينه.
يقول: فقلت لخليلي: انظر يا خليلي هل ترى بالأرض العالية من فوق هذا الماء نساء في هوادج على إبل؟ يريد أن الوجد برّح به والصبابة ألَحّت عليه حتى ظن المحال لفرط ولهه؛ لأن كونهن بحيث يراهن خليله بعد مضي عشرين سنة محال. التبصّر: النظر. التحمل: الترحل. [8] السوبان: الأرض المرتفعة اسم علم لها. التوريك: ركوب أوراك الدواب. الدل والدلال والدالة واحد، وقد أدلت المرأة وتدللت. النعمة: طيب العيش. والتنعم: تكلف النعمة.
يقول: وركبت هؤلاء النسوة أوراك ركابهن في حال علوهن متن السوبان، وعليهن دلال الإنسان الطيب العيش الذي يتكلف ذلك. [9] بكر وابتكر وبكّر وأبكر: سار بكرة. استحر: سار سحرًا. سُحرة: اسم للسحر، ولا تصرف سحرة وسحر إذا عنيتهما من يومك الذي أنت فيه، وإن عنيت سحرًا من الأسحار صرفتهما. وادي الرس: واد بعينه.
يقول: ابتدأن السير وسرن سحرًا وهن قاصدات لوادي الرسِّ لا يخطئنه، كاليد القاصدة للفم لا تخطئه. [10] الملهى: اللهو وموضعه. اللطيف: المتأنق الحسن المنظر. الأنيق: المعجب. والإيناق: الإعجاب. التوسّم: التفرس، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِين} [الحجر: 75]. وأصله من الوسام والوسامة وهما الحسن، كأن التوسم تتبع محاسن الشيء، وقد يكون من الوسم فيكون تتبع علامات الشيء وسماته. [11] الفتات: اسم لما انفت من الشيء أي: تقطع وتفرق. التحطم: التكسر، والحطم: الكسر. العهن: الصوف المصبوغ، والجمع العهون. [12] يقول: حلفت بالكعبة التي طاف حولها من بناها من القبيلتين. جرهم: قبيلة قديمة تزوج فيهم إسماعيل، عليه السلام، فغلبوا على الكعبة والحرم بعد وفاته عليه السلام، وضعف أمر أولاده، ثم استولى عليها بعد جرهم خزاعة إلى أن عادت إلى قريش، وقريش اسم لولد النضر بن كنانة. [13] السحيل: المفتول على قوة واحدة. المبرم: المفتول على قوتين أو أكثر، ثم يستعار السحيل للضعيف والمبرم للقوي.
يقول: حلفت يمينًا، أي: حلفت حلفًا، نعم السيدان وجدتما على كل حال ضعيفة وحال قوية، لقد وجدتما كاملين مستوفيين لخلال الشرف في حال يحتاج فيها إلى ممارسة الشدائد وحال يفتقر فيها إلى معاناة النوائب، وأراد بالسيدين هرم بن سنان والحارث بن عوف، مدحهما لإتمامهما الصلح بين عبس وذبيان وتحملهما أعباء ديات القتلى. [14] التدارك: التلافي، أي تداركتما أمرهما. التفاني: التشارك في الفناء. منشم، قيل فيه: إنه اسم امرأة عطارة اشترى قوم منها جفنة من العطر وتعاقدوا وتحالفوا وجعلوا آية الحلف غمسهم الأيدي في ذلك العطر، فقاتلوا العدو الذي تحالفوا على قتاله فقُتلوا عن آخرهم، فَتَطَيَّرَ العرب بعطر منشم وسار المثل به، وقيل: بل كان عطارًا يشترى منه ما يحنَّطُ به الموتى فسار المثل بعطره.
يقول: تلافيتما أمر هاتين القبيلتين بعدما أفنى القتال رجالهما وبعد دقهم عطر هذه المرأة أي بعد إتيان القتال على آخرهم كما أتى على آخر المتعطرين بعطر منشم. [15] السلم: الصلح، يذكر ويؤنث. يقول: وقد قلتما: إن أدركنا الصلح واسعًا، أي إن اتفق لنا إتمام الصلح بين القبيلتين ببذل المال وإسداء معروف من الخير سلمنا من تفاني العشائر. [16] العقوق: العصيان. المأثم: الإثم، يقال: أثم الرجل يأثم إذا أقدم على الإثم، وأثمه الله يؤثمه إثامًا وإثْمًا إذا جازاه بإثمه، وآثمه إيثامًا صيره ذا إثم، وتأثَّم الرجل تأثُّمًا إذا تجنب الإثم، مثل تحرج وتحنث وتحوب إذا تجنب الحرج والحنث والحوب.
يقول: فأصبحتما على خير موطن من الصلح بعيدين في إتمامه من عقوق الأقارب والإثم بقطيعة الرحم، وتلخيص المعنى: إنكما طلبتما الصلح بين العشائر ببذل الأعلاق وظفرتما به وبعدتما عن قطيعة الرحم والضمير في منها يعود إلى السلم، يذكر ويؤنث. [17] العليا: تأنيث الأعلى، وجمعها العليات والعلى مثل الكبرى في تأنيث الأكبر والكبريات والكبر في جمعها، وكذلك قياس الباب. وقوله: هديتما، دعاء لهما. الاستباحة: وجود الشيء مباحًا، وجعل الشيء مباحًا، والاستباحة الاستئصال. ويروى يعظم من الإعظام بمعنى التعظيم، ونصب عظيمين على الحال.
يقول: ظفرتما بالصلح في حال عظمتكما في الرتبة العليا من شرف معد وحسبها، ثم دعا لهما، فقال: هديتما إلى طريق الصلاح والنجاح والفلاح. [18] يقول: لا تخفوا من الله ما تضمرون من الغدر ونقض العهد ليخفى على الله، ومهما يكتم من شيء يعلمه الله، يريد أن الله عالم بالخفيات والسرائر ولا يخفى عليه شيء من ضمائر العباد. [19] أي يؤخر عقابه ويرقم في كتاب فيدخر ليوم الحساب أو يعجل العقاب في الدنيا قبل المصير إلى الآخرة فينتقم من صاحبه، يريد لا مخلص من عقاب الذنب آجلا أو عاجلًا. [20] الذوق: التجربة، الحديث الْمُرجَّم: الذي يرجم فيه بالظنون أي يحكم فيه بظنونها.
يقول: ليست الحرب إلا ما وعدتموها وجربتموها ومارستم كراهتها، وما هذا الذي أقول بحديث مرجّم عن الحرب، أي هذا ما شهدت عليه الشواهد الصادقة من التجارب وليس من أحكام الظنون. [21] الضّرى: شدة الحرب واستعار نارها، وكذلك الضَّراوة، والفعل ضري يضرى، والإضراء والتضرية الحمل على الضراوة، ضرمت النار تضرم ضرمًا واضطرمت وتضرمت: التهبت، وأضرمتها وضرمتها: ألهبتها.
يقول: متى تبعثوا الحرب تبعثوها مذمومة أي تذمون على إثارتها، ويشتد ضرمها إذا حملتموها على شدة الضرى فتلهب نيرانها، وتلخيص المعنى: إنكم إذا أوقدتم نار الحرب ذممتم، ومتى أثرتموها ثارت وهيجتموها هاجت. يحثّهم على التمسك بالصلح، ويعلمهم سوء عاقبة إيقاد نار الحرب. [22] ثفال الرحى: خرقة أو جلدة تبسط تحتها ليقع عليه الطحين. الباء في قوله بثفالها بمعنى مع. اللقح واللقاح: حمل الولد، يقال: لقحت الناقة، والإلقاح جعلها كذلك. الكشاف: أن تلقح النعجة في السنة مرتين. أنتجت الناقة إنتاجًا: إذا ولدت عندي، ونتجت الناقة تنتج نتاجًا. الإتآم: أن تلد الأنثى توأمين، وامرأة متآم إذا كان ذلك دأبها، والتوأم يجمع على التؤام.
يقول: وتعرككم الحرب عرك الرحى الْحَبَّ مع ثفاله. جعل إفناء الحرب إياهم بمنزلة طحن الرحى الحب، وجعل صنوف الشر تتولد من تلك الحروب بمنزلة الأولاد الناشئة من الأمهات، وبالغ في وصفها باستتباع الشر شيئين: أحدهما جعله إياها لاقحة كشافًا، والآخر إتآمها. [23] الشؤم: ضد اليمن، ورجل مشئوم ورجال مشائيم كما يقال ميمون ورجال ميامين، والأشأم أفعل من الشؤم وهو مبالغة المشئوم، وكذلك الأيمن مبالغة الميمون وجمعه الأشائم وأراد بأحمر عاد أحمر ثمود وهو عاقر الناقة، واسمه قدار بن سالف.
يقول: فتولد لكم أبناء في أثناء تلك الحروب كل واحد منهما يضاهي في الشؤم عاقر الناقة ثم ترضعهم الحروب وتفطمهم، أي تكون ولادتهم ونشوؤهم في الحروب فيصبحون مشائيم على آبائهم. [30] حلال: جمع حال مثل صاحب وصحاب وصائم وصيام وقائم وقيام، يعصم: يمنع. الطروق: الإتيان ليلًا، والباء في قوله بمعظم يجوز كونه بمعنى مع وكونه للتعدية. أعظم الأمر أي سار إلى حال العظم، كقولهم: أجز البر وأجد التمر وأقطف العنب، أي: يعقلون القتلى لأجل حي نازلين يعصم أمرهم جيرانهم وحلفاءهم إذا أتت إحدى الليالي بأمر فظيع وخطب عظيم، أي إذا نابتهم نائبة عصموهم ومنعوهم. [31] الضغن والضغينة واحد: وهو ما استكن في القلب من العداوة ، والجمع الأضغان والضغائن. التبل: الحقد، والجمع التبول، الجارم والجاني واحد والجارم: ذو الجرم، كاللابن والتامر بمعنى ذي اللبن وذي التمر. الإسلام: الخذلان.
يقول: لحي كرام لا يدرك ذو الوتر (الوِتر: الثأر) وتره عندهم ولا يقدر على الانتقام منهم من ظلموه وجنى عليهم من فتيانهم وحلفائهم وجيرانهم. [32] سمئت الشيء سآمة: مللته. التكاليف: المشاق الشدائد. لا أبا لك: كلمة جافية لا يراد بها الجفاء وإنما يراد بها التنبيه والإعلام.
يقول: مللت مشاق الحياة وشدائدها، ومن عاش ثمانين سنة ملَّ الكبر لا محالة. [33] يقول: وقد يحيط علمي بما مضى وما حضر، ولكني عميُّ القلب عن الإحاطة بما هو منتظر متوقع. [34] الخبط: الضرب باليد، والفعل خبط يخبط. العشواء: تأنيث الأعشى، وجمعها عُشْو، والياء في عشِيَ منقلبة عن الواو كما كانت في رضي منقلبة عنها، والعشواء: الناقة التي لا تبصر ليلًا، ويقال في المثل: هو خابط خبط عشواء، أي قد ركب رأسه في الضلالة كالناقة التي لا تبصر ليلًا فتخبط بيديها على عمى، فربما تردَّت في مهواة وربما وطئت سبعًا أو حية أو غير ذلك.
قوله: ومن تخطئ أي ومن تخطئه، فحذف المفعول، وحذفه سائغ كثير في الكلام والشعر والتنزيل. التعمير: تطويل العمر. [35] يقول: ومن لم يصانع الناس ولم يدارهم في كثير من الأمور قهروه وغلبوه وأذلوه وربما قتلوه، كالذي يضرس بالناب ويوطأ بالمنسم. الضرس: العض على الشيء بالضرس، والتضريس مبالغة. المنسم للبعير: بمنزلة السنبك للفرس (السنبك: طرف الحافر)، والجمع المناسم. [36] يقول: ومن جعل معروفه ذابًّا ذم الرجال عن عرضه، وجعل إحسانه واقيًا عرضه وفر مكارمه، ومن لا يتق شتم الناس إياه شُتِم؛ يريد أن من بذل معروفه صان عرضه، ومن بخل معروفه عرَّض عرضه للذم والشتم. وفَرت الشيء أفِره وفرًا: أكثرته، ووفرته فوفر وفورًا. [37] يقول: من كان ذا فضل ومال فبخل به استغني عنه وذم، فأظهر التضعيف على لغة أهل الحجاز؛ لأن لغتهم إظهار التضعيف في محل الجزم والبناء على الوقف. [38] وفيت بالعهد أفي به وفاء وأوفيت به إيفاء، لغتان جيدتان والثانية أجودهما؛ لأنها لغة القرآن قال الله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُم} [البقرة: 40] ويقال: هديته الطريق وهديته إلى الطريق وهديته للطريق. [39] رقي في السلم يرقى رقيًّا: صعد فيه، يقول: ومن خاف وهاب أسباب المنايا نالته، ولم يُجْدِ عليه خوفه وهيبته إياها نفعًا ولو رام الصعود إلى السماء فرارًا منها. [40] يقول: ومن وضع أياديه في غير من استحقها، أي من أحسن إلى من لم يكن أهلًا للإحسان إليه والامتنان عليه، ذمَّه الذي أُحسن إليه ولم يحمده، وندم المحسن الواضع إحسانه في غير موضعه. [41] الزِّجاج، جمع زُجّ الرمح: وهو الحديد المركب في أسفله، وإذا قيل: زُجّ الرمح، عني به ذلك والسنان. اللهذم: السنان الطويل. عالية الرمح ضد سافتله، والجمع العوالي، إذا التقت فئتان من العرب سددت كل واحدة منهما زجاج الرماح نحو صاحبتها وسعى الساعون في الصلح، فإن أبتا إلا التمادي في القتال قلبت كل واحدة منها الرماح واقتتلتا بالأسنة.
يقول: ومن عصى أطراف الزجاج أطاع عوالي الرماح التي ركّبت فيها الأسنة الطوال؛ وتحرير المعنى: من أبى الصلح ذللته الحرب وليَّنته، وقوله: يطيع العوالي، كان حقه أن يقول: يطيع العوالِيَ، بفتح الياء، ولكنّه سكن الياء لإقامة الوزن، وحمل النصب على الرفع والجر؛ لأن هذه الياء مسكنة. [42] الذود: الكفُّ والرَّدع. يقول: ومن لا يكفّ أعداءه عن حوضه بسلاحه هدم حوضه، ومن كف عن ظلم الناس ظلمه الناس، يعني ومن لم يَحْمِ حريمه استبيح واستعار الحوض للحريم. [43] يقول: من سافر واغترب حسب الأعداء أصدقاء؛ لأنه لم يجربهم فتوقفه التجارب على ضمائر صدورهم، ومن لم يكرم نفسه بتجنب الدنايا لم يكرمه الناس. [44] يقول: ومهما كان للإنسان من خلق فظن أنه يخفى على الناس علم ولم يَخْفَ، والخلق والخليقة واحد، والجمع الأخلاق والخلائق، وتحرير المعنى: أن الأخلاق لا تخفى والتخلّق لا يبقى. [45] في كائن ثلاث لغات، كأيِّن وكائن وكأي، مثل كعين، وكاعن وكَيْع. الصَّمت والصُّمات والصموت واحد، والفعل صمت يصمت.
يقول: وكم صامت يعجبك صمته فتستحسنه وإنما تظهر زيادته على غيره ونقصانه عن غيره عند تكلمه. [46] هذا كقول العرب: المرء بأصغريه لسانه وجنانه. [47] يقول: إذا كان الشيخ سفيهًا لم يُرْجَ حِلْمه؛ لأنه لا حال بعد الشيب إلا الموت، والفتى وإن كان نزقًا سفيهًا أكسبه شيبه حلمًا ووقارًا، ومثله قول صالح بن عبد القدوس: [الرجز]: والشيخ لا يترك أخلاقه / حتى يوارى في ثرى رمسه. [48] يقول: سألناكم رفدكم ومعروفكم فجدتم بهما، فعدنا إلى السؤال وعدتم إلى النوال، ومن أكثر السؤال حرم يومًا لا محالة. والتسآل: السؤال: وتفعال من أبنية المصادر.