الجنية

عرفتها وأنا طفل صغير، أركض في أزقة الحياة بحثًا عن السعادة. كانت في أواخر العقد الثالث من عمرها، نحيلة الجسم، تتجلى على محياها علامات الفطنة والذكاء. يغلب جمالها الروحي جمالها الخَلقي.

لا شغل لها سوى لعب الورق مع صويحباتها لملء ساعات الفراغ في ذلك الزمن البسيط والجميل.

كان أهم ما يميزها بالنسبة لنا نحن الأطفال، عاطفتها الجياشة نحونا، والتي كانت تجعلها أقرب إلينا من الكبار الآخرين.

في تلك الأيام، كنا نقطن في المقاطعة الخامسة من العاصمة نواكشوط، في ثمانينات القرن المنصرم. كانت العاصمة، مثل العديد من مدن القارة السوداء، تحتفل بعقدها الثالث من التأسيس.

وما أدراك ما المقاطعة الخامسة أيامها… كانت لؤلؤة براقة تسطع أنوارها في مخيلاتنا، لتملأ قلوبنا بالبهجة والسعادة.

كانت منازلها الصغيرة المتراصة كقطع من الطوب، وشجيراتها المتناثرة، مصدر إلهام لإبداعنا الوليد. كنا نزين شوارعها الضيقة بأجمل لوحات البراءة، وصدى ضحكاتنا الصافية يسابقنا بينها، مندفعين بحثًا عن السعادة البريئة التي كانت تشاركنا ألعابنا.

كانت البسمة تسكن شفاهنا كأنها جزء من ملامحنا، لا تفارقها أبدًا.

كانت العاصمة في تلك الأيام تصارع مسحة البداوة المجاورة لها. ورغم بساطتها، كانت نقية الأجواء والتربة، يغلب على أهلها الصدق والكرم. كانت صغيرة إلى حد يبعث على الدهشة.

ولعل من عاش تلك الحقبة يستغرب اليوم وهو يرى نفسه يدخل القرن الواحد والعشرين، من اتساعها، وتضاعف عدد سكانها، واتساخ طرقها، وتغير حال أهلها، وقتامة أجوائها التي أصبحت مشبعة بالغبار ودخان النفايات المحترقة.

كانت “امْرَيِّيمَ” – تصغيرًا لاسم مريم – في تلك الأيام تودع شبابها، شأنها شأن كل امرأة يرغمها الزمن على التخلي عن أغلى كنوزها من شبابها وجمالها. كانت محبة للحياة، لا يعكر صفوها إلا ما كان جللًا بحق.

أما اليوم، فقد أصبحت أكثر رزانة وحكمة، وأقل اندفاعًا ولهوًا. ربما خلصت بعد طول تجربة إلى أن دوام الحال من المحال، وأن من أوتي الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا، أو ربما كان الضعف سببًا في نفورها من اللهو.

ها هي اليوم تحكي لي سرها المكتوم، وتخصني أخيرًا بحكايتها الغريبة. حكاية تمنيت لو أنها روتها لي وأنا صغير ليكون لصداها أكبر أثر في أعماقي.

كنا في غرفة من غرف المنزل الجديد، البعيد عن المقاطعة الخامسة، تتقاذفنا أمواج الحديث من جزيرة إلى أخرى، ومن صحراء إلى أخرى. أنا… ذلك الطفل البريء الذي كبر وأصبح في الأربعينيات، وهي… تلك الشابة المتفجرة حيوية التي أصبحت عجوزًا.

ما أغرب الحياة، وما أسرع تبدل أحوالها. إنها تجعل الواحد منا مخزنًا للتجارب والأسرار، يظل أغلبها طي الكتمان.

وبعد طول إبحار تحت أشرعة الثرثرة والحكايات، طرحتنا الأمواج على شاطئ “الذين لا نسميهم”، وهو الاسم الذي نطلقه على الجن. قلت لها بعفوية:

  • إنهم موجودون، وقد أكد القرآن ذلك في أكثر من سورة. ورسولنا الكريم بُعث إليهم كما بُعث إلينا.

أجابتني بهدوء:

  • لقد رأيتهم بعيني هاتين اللتين سيأكلهما الدود – تعبير بلدي.

قلت لها بدهشة:

  • رأيتِهم؟!

قالت وهي تطلق زفرة عميقة تستحضر ماضيها السحيق:

  • كان ذلك في الستينات. كنت حينها فتاة يافعة في مقتبل العمر، أتميز عن صويحباتي بدراجتي الصغيرة وكرة قدم ألعب بها. كانتا من ألعاب الصبيان، وجعلني ذلك أقرب إلى الصبيان من البنات، ولم تكن لي منهن سوى صديقة واحدة.

الجنية

في تلك الأيام، كنا نقطن في الجانب الغربي من حي “مدينة 3″، بمحاذاة مزارع “لحرايث”. وكانت حدود العاصمة حينها تقف عند ذلك الجانب غربًا.

أما ما يُعرف اليوم بالمقاطعة الخامسة، فقد كان حينها مجرد فيافٍ تملؤها الأشجار والأوساخ… والأشباح.

كنا نتجاوز المزارع غربًا نحو الخلاء، بحثًا عن مكان رحب للعب الممتع. كنا ننطلق صباحًا ولا نعود إلا مع حلول المساء.

وكان بالقرب من مكان لعبنا موقع مخصص للتخلص من نفايات العاصمة، محاطًا بشجيرات السواك النادرة التي تملأ الفم بعبق رائع. تلك الشجيرات كانت مصدر سعادتنا، لكنها لم تعد موجودة اليوم إلا في أعماق الصحراء.

أذكر أني أصبت ذات يوم، على غير عادتي، بإرهاق شديد، فاستسلمت للنوم تحت شجرة من تلك الشجيرات. فلم أستيقظ إلا عند الرابعة عصرًا.

كان يومًا غائظًا… عاد الأطفال أدراجهم بدوني، يجرون أذيال السذاجة والبراءة، وتركوني في ذلك المكان الموحش.

وعندما استيقظت، كانت تجلس عند رأسي، تمسك يدي بين يديها الباردتين.

الجنية

سألتها باستغراب:

  • ما الذي أتى بك إلى هنا؟

أجابت:

  • جئت أبحث عنك.

رغم دهشتي، أقنعتني براءة الأطفال بقبول الأمر دون اعتراض. وإني اليوم ممتنة لتلك البراءة، التي لولاها لربما حدث لعقلي شيء.

سألتها باستغراب:

  • ما الذي أتى بك إلى هنا؟

أجابت:

  • جئت أبحث عنك..

استغربت.. ولكن براءة الأطفال أقنعتني بقبول الأمر دون اعتراض.. ولعلي اليوم ممتنة لتلك البراءة التي لولاها لربما حدث لعقلي شيء.

سألتها مستغربًا:

  • أكنتِ تعرفينها؟!

أجابت بحيرة، حاولت التماس مبرر لها دون جدوى:

  • أعتقد أنها ظهرت لي في صورة صديقتي الوحيدة التي ذكرت لك. كانت تشبهها في ابتسامتها الجميلة، لكن مع مرور الوقت اكتشفت أنها تفوقها جمالًا وأنصع بياضًا، بشعر طويل حالك يتجاوز ركبتيها.

كانت تغطيني بشعرها كلما استسلمت لإغفاءة ضياع، وبراءة الطفولة أقنعتني بأن كل ذلك طبيعي، فقبلته كما هو.

سألتها مستغربا:

  • أكنتِ تعرفينها؟!

أجابت بحيرة حاولت التماس مبرر لها فلم أجده:

  • أعتقد أنها جاءتني في صورة صديقتي الوحيدة. كان لها نفس ابتسامتها الجميلة، لكن مع مرور الوقت وبعد أن توطدت صداقتنا، اكتشفت أنها كانت أشد جمالًا منها، وأنصع بياضًا. كان شعرها الطويل الحالك يتجاوز ركبتيها، وكانت تغطيني به كلما حملتني إغفاءة ضياع في حضرتها. وكانت براءة الطفولة تقنعني بأن كل ذلك طبيعي، فقبلته على ذلك الأساس.

وفي ذلك اليوم، أخبرتني أنها تريد صداقتي، وأن بإمكانها تحقيق كل ما أتمنى، لكن بشرط أن أعطيها إبهام يدي اليمنى. رفضت بشدة، فطلبت إبهام اليسرى، ثم إبهام رجلي اليمنى واليسرى، لكني تمسكت بالرفض.
وحين يئست، طلبت أن أعطيها أول مولود لي. يا للغرابة… كيف لأحد أن يضحي ببكره من أجل متاع شيطاني زائل؟ أحمد الله أني رفضت ذلك رغم جهلي بمرادها آنذاك.

ثم قالت بعد طول جدال: “أعطني سورة الفاتحة”.
رددت باستغراب: “سورة الفاتحة؟!” قالت: “نعم”.

قلت: خذيها فأنا لا أستخدمها. كنت مستعدة لفعل أي شيء لاكتشاف قدراتها المزعومة، دون إدراك خطورة ما فعلت، وهو ما دفعت ثمنه غاليًا في مرحلة متقدمة من عمري.

قاطعتها قائلاً:

  • ألم تلاحظي أن كل ما طلبته منك كان يهدف إلى إفساد دينك؟ وهذا بالضبط ما يريده الشيطان من الإنسان؛ يمنحه القليل ليحرمه الكثير، ويضره لاحقًا في ماله وولده وصحته، فلا يجد راحة ولا فائدة فيما أعطاه.

تزاحمت في نفسي خواطر كثيرة حول أسباب تلك الأذية التي تعود إلى زمن بعيد. تذكرت عداوة الشيطان لأبينا آدم، وخطر ببالي أن كل شيطان ينجح في إفشال إنسان يحصل على ما يجعله أكثر حرصًا على إغواء بني آدم.
وتذكرت أن الشيطان يقرّب إليه من ينجح في إغواء البشر. ربما تكون تلك الحظوة هي الثمن، أو ربما شيئًا آخر. وربما يكونون مجبرين كما يحدث في السحر، أو أن ذلك من طبيعتهم. في النهاية، هم شياطين.

قطعت أفكاري وقالت:

  • نعم، لقد صارحتني في ذلك اليوم بأنها كافرة. وحذرتني من ذكر ربي أو قراءة البسملة، لأنها تجبرهم على الانصراف.

خطر ببالي أن مجتمعهم يحمل شبهًا كبيرًا بمجتمعنا. فهذه تحدثت بلغتها وجاءت بهيأتها، مما يدل على وجود العقل، وبالتالي التكليف. بل إنها طلبت صداقتها، ربما ببراءة من يريد الصداقة لوجهها. لكن بفطرتهم المؤذية، كانت البداية بأذيتها في دينها، وربما امتدت إلى عقلها وبدنها لاحقًا.

تساءلت: لماذا أصرت على إفساد دينها؟
كانت الإجابة واضحة… لأنها شيطانة.

قطعت علي أفكاري بقولها:

  • نعم.. لقد صارحتني في ذلك اليوم بأنها كافرة.. بل حذرتني من ذكر ربي أمامها.. وأخبرتني بأن قراءة البسملة تجبرهم على الانصراف..

هتفت قائلاً:

  • الكفرة منهم هم الشياطين. مهما كانت صداقتها معك، كانت أحرص على الإضرار بك من نفعك.

قالت موافقة:

  • نعم، ذلك ما تبين لاحقًا. فقد لبثت حتى منتصف الثمانينات وأنا عاجزة عن قراءة سورة الفاتحة كاملة، بسبب كلماتها التي ظلت ترافقني حتى عهد قريب. تخيل صلاة بدون الفاتحة؟!

مضت لحظات من الصمت وأنا أحاول استيعاب قولها. أما هي، فأطرقت برأسها ثم رفعته قائلة:

  • في ذلك اليوم، أعطتني ثلاثة أعواد، زعمت أن رميها يكشف لي الكثير من الأسرار. أذكر أني رميت أحدها، فأصبحت أرى أشياء لم أرها من قبل. علمتني أيضًا “لكزانة” – ضرب الرمل باستخدام الودع، فتحولت إلى طفلة خارقة يتحاشاها الجميع، حتى أقرب الناس إليها.

تملكتني رغبة شديدة في سؤالها عن الكلمات التي علمتها، لكن إيجازها أوضح لي أنها قد لا ترغب في الحديث عنها، فآثرت تركها في عالم الغموض الذي تحاول جاهدة الخروج منه.

قالت وهي تنفث دخان سيجارتها مستطردة:

  • هكذا بدأت صداقتنا. كنت أزورها صباحًا وأجلس معها تحت الشجرة حتى المساء. كنا نتحدث عن كل شيء، حتى أحاديث الكبار. ولن أنسى الأغطية الدافئة التي كانت تغطيني بها عندما يغلبني النوم عندها.

الجنية

كانت براءة الطفولة تخفف من رهبة تلك الصداقة الغريبة. وكنت إذا رجعت من عندها بعد الزوال أتجه إلى شجرتي الثانية، وهي من نفس فصيلة الأولى، تقع على بعد أمتار من المنزل ويفصلها شارع ضيق مهجور عنه.

والعجيب أن الأوساخ كانت تحيط بها تمامًا كما هو الحال مع الأولى. كنت أتخذها مكانًا للعب، وأحيانًا مسكنًا أبيت فيه. كان الهواء يعزف لحنًا خاصًا وهو يعبث بأغصانها الرقيقة.
صنعت مرجحة في أحد جذوعها، أستخدمها كلما أردت الترويح عن نفسي. كنت أتسلقها يوميًا لأطل منها على المزارع الخضراء الجميلة المحيطة بنا. لكني لم أكن بمفردي عليها… أو هكذا كان يخيل إليّ.

بدأت علاقتي بالتدخين بسبب عقب سيجارة ألقاه أحد المارة في ذلك الشارع المهجور. كنت جالسة على أحد أغصانها عندما شعرت بدافع غريب للنزول والتقاط ما تبقى من أنفاس ذلك العقب. لم أتركه حتى أجبرني الملل على رميه، دون أن ينقص منه شيء.

مرت سنوات حتى التقيت برجل صالح في الجزء الجنوبي من سوق العاصمة، وكانت وقتها ساحة مليئة بالأشجار المتشابكة يلجأ إليها الناس في ذلك الزمن للقيلولة. وجدته يصلي تحت غصن بدا وكأنه ينحني إجلالًا له.
جلست قريبًا منه حتى أنهى صلاته، فسلمت عليه. شعرت بالخجل من إخباره عن عادتي القبيحة في التدخين، لكنه أطرق برأسه وقال:
– أنت ابنة كرام. هم السبب، ولن تتمكني من التخلص منها، لكنها لن تضرك.
كنت أحمل ملحفة اشتريتها للتو من السوق، فحاولت منحه إياها تعبيرًا عن امتناني، لكنه رفض، فودعته ومضيت في طريقي.

كان حديثها غريبًا، وما زادني حرصًا على سماعه هو يقيني بوجود أشياء كثيرة لا تدركها عقولنا في هذا العالم.

سألتها بفضول:

  • ماذا عن صديقتك الإنسية التي ظهرت في صورتها؟

ضحكت قائلة:

  • الخوف الذي رأيته في عينيها بعد ذلك كان يثير ضحكي. الجميع علم بعلاقتي بـ “الذين لا نسميهم”، ولم يجرؤ أحد على الاقتراب مني سوى شخصين: الأول والدي، الذي كان سببًا في شفائي، والثاني طفل صغير امتلك الشجاعة لعدم الهروب مني كالآخرين. كان خلال مرضي يؤجر دراجتي للأطفال حتى جمع مبلغًا كافيًا لشراء كرة قدم جديدة.

أضحكني هذا الجزء من قصتها، ربما لأنه أضاء جانبًا طفوليًا عفويًا فيها. ففي داخل كل منا طفل يتمنى التحرر من قيوده واللعب مع الأطفال السعداء.

قلت لها:

  • وكيف كان مرضك؟

أجابت:

  • أخبرني والدي بعد شفائي أنه لاحظ ما اعتراني، فكان يقرأ الرقية على الماء، ويضع منه في شرابي وطعامي، ويصب البقية في جذع الشجرة التي أمام المنزل. وفي أحد الأيام، عندما كنت عندها في الخلاء، أحسست وكأن قطعة مني تُقتلع، وكانت تلك آخر مرة أراها فيها.

عدت إلى المنزل متكدرة لأجد أن الشجرة أمامه قد اقتلعت من جذورها. ألقيت بنفسي على الأرض الطينية المبللة بدون وعي. أمضيت أسبوعًا في ذلك المكان أقتات على ما يرسل إلي من طعام، دون أن أشعر بشيء مما حولي، بينما كان والدي يعمل طوال تلك الفترة على شفائي.

وفي اليوم الثامن، نهضت مستغربة وجودي في ذلك المكان. وكان أول ما سألت عنه هو دراجتي الصغيرة وكرتي، فأخبروني أن صديقي الصغير يؤجرها للأطفال من أجلي.

أخبرني والدي لاحقًا أن علي شكر ربي لأن صاحبتي كانت من كفارهم، وإلا لكان الخلاص منها صعب. تذكرت حينها قولها إنهم يخافون من البسملة وينصرفون عند ذكرها.

سألتها عن مصير صاحبتها، فأجابت:

  • تم حرقها.

قلت بدهشة:

  • ماتت؟!

أجابت:

  • لا أدري، فقط أخبروني أنها خرجت من عالمي بلا رجعة. وهو ما تحقق بالفعل. لكني رأيت أخاها بعد ذلك.

قلت متعجبًا:

  • أخوها؟!

قالت:

  • نعم، كانت قد عرفتني عليه مرة تحت الشجرة التي في الخلاء. ثم رأيته بعدها مرتين: الأولى في عام 1974 عندما مر بجانبي دون أن يكلمني، والثانية في عام 1985، وفيها جاءني في صورة شاب وسيم في ليلة مقمرة، يتسلل ضوؤها عبر نافذة من نوافذ البيت تطل على الطريق.
    لم أشعر به إلا وهو جالس عند رأسي. عقدت الدهشة لساني. فقدم نفسه، وذكرني بأخته، ثم طلبني للزواج. وعندما رفضت، اختفى كأن الأرض انشقت وابتلعته.

أمضيت بعدها ثلاثة أيام محمومة. وفي اليوم الرابع، زارنا شيخ صالح، فرويت له القصة. فأكد لي أني لن ألتقي بهم مجددًا، ورقاني ليكون ذلك اللقاء الأخير. وفعل ما فعل ليكون آخر لقاء لي بهم.

أما نسياني لأجزاء من الفاتحة أثناء الصلاة، فقد أخبرني أن شفائي من ذلك يتطلب قراءة الكلمات التي علمتني تحت شجرة من نفس فصيلة الأولى.
مرت سنوات قبل أن أجد شجرة مشابهة. كبرت العاصمة وانتشر البناء مكتسحًا تلك الأشجار، حتى اضطررت للخروج إلى أعماق الصحراء، بعد أن كانت أقرب إلينا من البيوت.
وبعد أن رددت الكلمات تحتها، شعرت بثقل ينزاح عن صدري، ولم أخطئ بعدها في قراءة الفاتحة.

تأملتها بدهشة؛ قصتها عجيبة إن كانت صادقة. إنها دليل على وجودهم وتأثير القرآن عليهم.

ألقيت نظرة ساهمة على وجهها الصغير الذي عركته السنون. أيعقل أن تستغل عجوز مثلها إصغائي لتروي لي خرافة من محض الخيال؟

استبعد ذلك، وإن كان كل شيء ممكن.


هذه القصة روتها لي صاحبتها. دارت أحداثها في المقاطعة الخامسة في نواكشوط، في ستينات القرن الماضي، يمكن وصفها بأنها قصة رعب حقيقية، ما رأيكم؟

رحمها الله وغفر لها

القصة إهداء لكل أطفال المقاطعة الخامسة الذين ضاع أكثرهم في الزحام.

محب التوحيد

سيدي محمد الشنقيطي. أعتز بالسير على نهج السلف، متمسكًا بالكتاب والسنة. أستلهم من الصحابة لأنهم منارات الهدى. لا أرى مجاملة أهل البدع، وفي نفس الوقت لا أرى الغلظة مع المخالفين. أكتب للعقول وأغرس حب التوحيد في القلوب، طامعًا في أن تكون كلماتي نورًا يهدي الباحثين عن الحق. وفقني الله وإياكم لكل خير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!