مستخلصات معرفية

لماذا نقوم بأشياء نكرهها؟ نقاوم ما نحب ونتحمل ما نكره!

كثير منا نحتفظ برغبة عميقة في تبني هوية معينة، غالبًا ما نصور أنفسنا كأشخاص مختلفين عما نحن عليه.
على سبيل المثال، لطالما رغبت في أن أكون راكب أمواج. كان الأمر يبدو مثيرًا للغاية لدرجة أنني حجزت عدة أسابيع من دروس ركوب الأمواج في كوستاريكا.

ركوب الأمواج يمكن أن يكون تأمليًا للغاية، فهو يجبرك على التخلي عن السيطرة، والرد فقط على تقلبات المحيط غير المتوقعة (وهو ما ينبغي تجاه أمور الحياة الخارجة عن إرادتنا). لا يمكنك التحكم في الأمواج، كل ما يمكنك فعله هو التفاعل معها. يتطلب ذلك عقلية هادئة تتقبل كل ما يحدث وتستجيب بأفضل ما لديك (الهدوء والتواضع خصلتين مباركتين).

ومع ذلك، ورغم جاذبية الفكرة، أدركت حقيقة مؤلمة: كنت أحب فكرة أن أكون راكب أمواج أكثر من ممارسة ركوب الأمواج نفسها.
التفكير في الإمساك بالموجة المثالية كان مثيرًا، ولكن الواقع كان مليئًا بالانهيارات، والتجديف المتعب، والإرهاق.

الهواية مقابل الواقع

هناك فرق بين جاذبية الهواية وواقعها.
لماذا نسعى لتبني هذه الهويات؟
بالنسبة لي، كان ركوب الأمواج طريقة لسد شعور بالنقص، وسعيًا لأكون ذلك الشخص “الرياضي الرائع” على الشاطئ.

لكن من الضروري أن نفهم أن الرغبة في هواية معينة لا تعني الاستمتاع بالعمل اللازم لتحقيقها أو ممارستها، الرغبة شيء والجهد المبذول شيء آخر.
تعلمت هذا الدرس من الكتابة. من السهل أن تقول إنك كاتب – مثل صاحب موقع زاد، ولكن أن تقوم بالعمل الفعلي لتكون كاتبًا هو أمر مختلف تمامًا، مليء بالتحديات.
كثيرون يعبرون عن رغبتهم في أن يصبحوا كُتّابًا، ولكن الحقيقة هي أنهم غالبًا ما ينجذبون لفكرة الكاتب، وليس لبذل العمل والجهد اللازمين اللذين تتطلبهما الكتابة. إنهم يريدون الهواية فقط لا بذل الجهد.

الشجاعة اللازمة للتخلي

الاعتراف بالتباين بين الرغبة في هواية معينة وعدم الاستمتاع بالنشاط المتعلق بها يمكن أن يكون صعبًا.
اضطررت إلى مواجهة حقيقة أنني لم أجد ركوب الأمواج ممتعًا، رغم الوقت والمال الذي أنفقته عليه.
كثيرون منا يقعون في فخ تبني هواية معينة والاستمرار في أنشطة يكرهونها بسبب حب الصورة التي تمنحها. مثل المحامي الذي يكره وظيفته ولكنه يتمسك بهواية أو مفهوم “المحامي الناجح”، يسيطر على عقله منذ الصغر.

لديك الحرية في التخلي

إذن، السؤال هو:
ما الذي تفعله في حياتك وأنت لا تحبه بالفعل؟ أي تفعله بسبب الصورة الجميلة التي يوفرها لك فقط؟

تحديد هذه المجالات يمكن أن يساعدك على الوصول إلى سبب القلق أو التعاسة أو الاختلال الذي تعيشه. الهويات المزيفة تخلق احتكاكًا غير ضروري في حياتنا وتدفعنا إلى الدفاع عنها باستمرار.

التخلي عن الهويات التي لا تخدم سعادتك ورضاك أمر محوري لتحرير نفسك. وكما قال سينيكا بحكمة:

الرجل الغني ليس من يملك كل شيء، بل من لا يريد شيئًا.

فكر في المقولة السابقة؟ أين أنت منها؟

كلما رغبت في أشياء لا تتماشى معك حقًا، قل شعورك بالرضا. عملية التخلي تزيد من إحساسك بالرضا والسعادة. إنها بركات القناعة الجميلة.

عندما أدركت أنني لست مقدرًا لأن أكون “راكب أمواج رائع”، شعرت براحة هائلة. وجدت نفسي مرتاحًا في تقبل هويتي الحقيقية كـ “شخص مهووس بالكمبيوتر”.
شخص تافه يعني؟!

ساعدني هذا الإدراك على التخلي عن القناع المثقل وقبول نفسي كما أنا.

المفتاح لحياة غنية يكمن في القدرة على إيجاد السعادة الحقيقية في الأنشطة والأشياء التي نقوم بها، بدلاً من السعي وراء الصورة التي تعكسها هذه الأنشطة علينا.
عندما نربط السعادة بصورة الهواية التي نطمح لها مع عدم وجود المقدرة أو الراحة في الوصول إليها، فإننا نعرض أنفسنا لإحباط مستمر، لأن صور الهويات غالبًا ما تكون مجرد تصورات خارجية أو رغبات مبنية على توقعات الآخرين أو المجتمع.
قد نسعى لأن تصبح “شخصًا ناجحًا” أو “فنانًا محترمًا” لأنك تعتقد أن هذه الهويات ستمنحك التقدير أو القبول. لكن إذا كان الدافع الأساسي هو الحصول على اللقب أو الصورة، فقد تجد نفسك غير قادر على الاستمتاع بالعمل نفسه، لأنك تطارد شيئًا خارجيًا بدلاً من الاستمتاع بما تستمع بالقيام به فعليًا.

السعادة الحقيقية تأتي من التركيز على اللحظة الحالية والاستمتاع بتفاصيل ما تقوم به، سواء كانت كتابة، رسمًا، أو حتى أعمالًا بسيطة في الحياة اليومية.
عندما تقدر التجربة نفسها، تتحرر من الضغوط التي تفرضها عليك الهوايات، وتصبح أكثر رضا وارتباطًا بذاتك الحقيقية.

الحياة الغنية ليست في امتلاك أشياء أكثر أو تحقيق ألقاب مرموقة، بل في العيش بوعي، عيش اللحظة جيدا، والانغماس في ما تقوم به – مهما كان، والشعور بالفرح والسلام الداخلي في كل لحظة. هذا هو المفتاح للسعادة الدائمة.

سيد محمد

كاتب قصصي محب للحكاية، أؤمن أن في كل فكرة قصة، وفي كل قصة معنى يستحق أن يُروى. أكتب لأقرب الحلم من الواقع، وأشارككم هنا تأملاتي، تجاربي، وأخبارًا مختارة من زوايا مختلفة للعالم حولنا، في محاولة لفهمه… وربما تغييره ببعض الكلمات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!