الطرق الصوفية نشأتها وعقيدتها.. ملخص من بحث للشيخ عبد الله بن دجين السهيلي، يتضمن أهم ما بني عليه التصوف والطرق الصوفية منذ القرن الثاني الهجري حتى يومنا هذا، وكيف تحول بعد القرن السادس إلى الكفر، نظرية وحدة الوجود التي اخترعها ابن عربي، وكفر العلماء أهلها، والتي انحرفت بالتصوف انحرافا كبيرا وخطيرا، وجعلته يبتعد عن منهج الإسلام وتوغل في دروب الكفر والخسران، ولا توجد طريقة واحدة من الطرق الصوفية اليوم، تسلم من هذه النظرية الملعونة..
1- مدخل إلى التصوف
ا- تعريف التصوف:
التصوف هو حركة دينية نشأت في القرن الثالث الهجري داعية إلى الزهد وشدة العبادة كردة فعل على الإنغماس في الملذات، ثم تطور حتى صار بعد القرن السادس طُرقا مميزة تبنت مجموعة من العقائد والعبادات المحدثة.
وقد ذكر الهجويري انه حتى القرن الخامس الهجري كانت هنالك 12 طريقة صوفية كلها مقبولة عند الصوفية ما عدا “السالمية” و”الحلاجية” لقولهما بالحلول وامتزاج الله تعالى بخلقه !
لكن بعد القرن السادس أصبحت الطرق لها بيعة معينة وأوراد وأزياء خاصة يسمونها “الخرقة”، وموالد وأضرحة تعبد من دون الله ، وزوايا يجتمعون فيها، وأصبح لكل شيخ خلفاء يرثون المشيخة منه في الغالب !
فتأصلت البدع في القرن السابع وما بعده، وأصبح من شروط السالك في أي طريقة صوفية التزام البيعة لشيخ الطريقة أو أحد خلفائه، والإلتزام بزي معين كالأبيض للقادرية والأسود للرفاعية (أو الحالك الزرقة أو القاتم الخضرة)، وأصبح لكل طريقة أوراد معينة من وضع شيخها لا يُشترط ورودها عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أحد من السلف ! بل يتضمن أكثرها الشرك الأكبر، كما أصبح لكل طريقة أضرحة وقبور تزار وتعبد من دون الله عز وجل، يستغلون مواردها !
ويدعي كل مشايخ التصوف أنهم من آل البيت، ويعلنون الشرك الأكبر باتباع الزنديق الأكبر ابن عربي الذي أضلهم بوحدة الوجود.
أما التصوف في القرنين الثالث والرابع فكان له اتجاهان مميزان أحدهما أقرب إلى العبادة والزهد، والثاني فلسفي ينزع إلى الشطح والقول بالحلول والإتحاد، ويمثل الإتجاه الأول – العبادة والزهد – أبو القاسم الجنيد بن محمد (ت 297 هـ)، وهو خير صوفية القرن الثالث التزاما بالنصوص، والغالب عليه هو الإستقامة، وقد أثنى عليه العلماء.
أما الإتجاه الثاني فمؤسسه هو ذو النون المصري (ت 245 هـ)، وقد رُمي بالزندقة وهجره العلماء، ووافقه فيما سار عليه الحلاج وأبو طالب المكي والغزالي والطرق المعاصرة التي ظهرت بعد القرن الثامن الهجري، وافقوه على قضايا مثل ارتباط التصوف بعلم الكلام (الفلسفة)، ومتابعة الجهم بن صفوان (رأس الجهمية) في الجبر وغير ذلك.
قال ابن تيمية: “إن البدعة التي يعد بها الرجل من أهل الأهواء هي ما اشتهر عند اهل العلم بالسنة مخالفتها للكتاب والسنة” .
وقد اتفقت كل الطرق الصوفية في القرن الثامن الهجري وما بعده على عقائد الحلول والإتحاد ووحدة الوجود، وإن اختلفوا في التصريح بذلك أو عدمه، فمثلا أبوطالب والغزالي وابن عربي قالوا بنظريات الحلاج الكفرية على تفاوت بينهم، فأبو طالب والغزالي كنيا، أما ابن عربي فصرح، ثم تابعت الطرق الصوفية كلها ابن عربي بعد القرن الثامن الهجري فيما قال، وشرحوا كتبه وعظموه ودافعوا عنه ! ولهذا هم جميعا يقولون بوحدة الوجود !
فمذهب التصوف واحد، قال الهجويري (وهو أول من ذكر الطرق الصوفية): “فإنهم متفقون في أصول وفروع الشرع والتوحيد” ، واختلافهم هو فقط في الزي والأوراد والرسوم العملية !
ولهذا لم يبق من أتباع صوفية القرن الثالث والرابع الهجري أحد اليوم، وأصبح الجميع – بعد القرن الثامن – اتباعا لإبن عربي !
أما الأوراد المبتدعة والزي الخاص الذي لكل طريقة وإقامة الأضحة على الشيوخ وسدانة القبور، فهذه أمور لم تعرف إلا القرون المتأخرة جدا (أي ابتداء من القرن الثامن).
ويدعي الصوفية أن منهجهم تصفية الروح والعبادة والزهد، وهذا قد صح منه شيء في القرنين الثاني والثالث مع شيء من الإبتداع، ولكن بعد ذلك أصبح التصوف طرقيا مبنيا على أساس البدع ووحدة الوجود.
وما تجاسر الزنادقة على رفض الشريعة حتى جاء المتصوفة فقالوا: حقيقة وشريعة ! فإذا كانت الشريعة هي ما وضع الله لمصالح الخلق، فما الحقيقة بعد ذلك سوى ما وقع في النفوس من إلقاء الشيطان ! يقول الواحد منهم: حدثني قلبي عن ربي، وما حدثه قلبه إلا عن شيطانه !
فالعبادات مبناها على أمرين: أن لا يعبد إلا الله وحده، وأن يعبد بما أمر به على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
روى أبو نعيم أن الشافعي رحمهما الله قال: “التصوف مبني على الكسل، ولو تصوف رجل أول النهار لم يأت الظهر إلا وهو أحمق” (والشافعي أدرك بدايات التصوف، وكان من أكثر العلماء والأئمة إنكاراً على الصوفية).
وعن الرازي روي عن الشافعي أنه قال: “لا يكون الصوفي صوفياً حتى يكون فيه أربع خصال: كسول أكول نئوم كثير الفضول”.
وروى ابن الجوزي في “تلبيس إبليس” عن الشافعي قوله: “ما لزم أحدٌ الصوفيين أربعين يوماً فعاد عقله أبداً”.
وقال رحمه الله: “تركت بالعراق شيئاً يقال له التغبير، أحدثه الزنادقة، ويصدُّون الناس عن القرآن”.
وقوم يغبرون بذكر الله أي يهـللون ويرددون الصوت بالقراءة ونحوها. قال يزيد بن هارون: “ما يغبر إلا فاسق، ومتى كان التغبير ؟” .
وقال الإمام أبو بكر الطرطوشي: “مذهب التصوف بطالة وجهالة وضلالة، وما الإسلام إلا كتاب الله وسنة رسوله”.
وقال الذهبي: “إن الفناء والبقاء من ترهات الصوفية”، وقال عن ابن الفارض: “ينعق بالإتحاد الصريح في شعره”.
وقال أحمد الخريصي: “لا بلية أصابت المسلمين في عباداتهم وعقائدهم أخطر من بلية المتصوفة إذ من بابهم دخلت على المسلمين تصورات ومفاهيم اجنبية غريبة لا عهد لهم بها، ومن بابهم دخلت الوثنية وبدعة إقامة الموالد ومواسم الأضرحة”.
ب- أصول التلقي عند الصوفية:
المنامات: أقام الصوفية المنامات مقام الحقائق، وجعلوها مصدراً للتشريع وترويج بدعهم وضلالاتهم، فأحلوا بها الحرام وحرموا الحلال، وبدّّلوا بها دين العباد.
قال الشاطبي: “وأضعف هؤلاء احتجاجاً قوم استندوا في أخذ الأعمال إلى المنامات، وأقبلوا وأعرضوا بسببها، فيقولون: رأينا فلانا الرجل الصالح، فقال لنا: اتركوا كذا واعملوا كذا، ويتِّفق مثل هذا كثيرا للمتمرسين برسم التصوف”.
ومذهب السلف رحمهم الله أنّ المنامات الصادقة هي بشائر للمؤمنين، لا تثبت بها الأحكام ولا تشرّع بها الشرائع. قال النووي: “إن الرائي وإن كانت رؤياه حقاً، ولكن لا يجوز إثبات حكم شرعي بما جاء فيها”.
الكشف: “وهو الاطلاع إلى ما وراء الحجاب من المعاني الغيبية والأمور الحقيقية وجوداً وشعوراً”. والكشف بهذا المعنى جعل الصوفية يزهدون في علوم الشريعة، ويتكّلون على هذا الكشف المزعوم في معرفة أحكام الدين، فضلّوا بذلك ضلالاً مبيناً”.
قال الغزالي مقرّراً منهج الصوفية في الاستدلال بالكشف: “هم الموفقون الذين يدركون الأمور بنور إلهي لا بالسماع، ثم إذا انكشفت لهم أسرار الأمور على ما هي عليه نظروا إلى السمع والألفاظ الواردة فما وافق ما شاهدوه بنور اليقين قرروه وما خالف أوّلوه”.
العلم اللدنّي (الإلهام): “وهو ما يلقى في الروع، بطريق الفيض من علم من غير استدلال بآية، ولا نظر في حجّة”.
والإلهام عند الصوفيّة سميّ للوحي، فلا فرق عندهم بين وحي الأنبياء وإلهام الأولياء.
قال أبو يزيد البسطامي: “أخذتم علمكم ميّتاً عن ميّت، وأخذنا علمنا عن الحيّ الذي لا يموت، يقول أمثالنا: حدّثني قلبي عن ربي، وأنتم تقولون: حدثني فلان، وأين فلان؟ قالوا: مات”.
*التلقِّي مباشرة من النبي صلى الله عليه وسلم: فهم يدّعون لقاءه في اليقظة، ويعتبر الصوفية هذا المنهج في التلقّي من أوثق المناهج التي يستقون منها علومهم، ومصنفاتهم تطفح بهذه الروايات.
قال الغزالي: “ومن أول الطريقة تبتدئ المكاشفات والمشاهدات، حتى أنهم في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء، ويسمعون أصواتاً، ويقتبسون منهم فوائد”.
أقوال وأفعال المشايخ والأقطاب: أضفى الصوفية على أقوال وأفعال مشايخهم صفة القدسية، واعتقدوا فيها العصمة من الخطأ والزلل والنسيان، وجعلوها المعين الذي يستقون منه علومهم ومعارفهم.
قال القشيري: “فإن هؤلاء – الصوفية – حججهم في مسائلهم أظهر من حجج كل أحد، وقواعد مذهبهم أقوى من قواعد كل مذهب، والناس إمَّا أصحاب النقل والأثر، وإما أرباب العقل والفِكر، وشيوخ هذه الطائفة ارتقوا عن هذه الجملة؛ فالذي للناس غيب، فهو لهم ظهور.. فهم أهل الوصال والناس أهل الاستدلال”.
ت- من مميزات التلقي عندهم:
التساهل في أخذ الدين من غير الكتاب والسنة وآثار السلف الذين ورثوا الإسلام الصافي النقي، حتى أنه لا يمكن حصر ما نقله أبو طالب المكي صاحب “القوت” في كتابه عن أهل الكتاب ! وتابعه الغزالي في الإحياء، بل منهم من نقل عن الوثنيين !
كما يعتمدون على الرؤى والحلام والمنامات والحكايات التي لا أصل لها ولا دليل، قال ابن تيمية في بيان مصادر التلقي: “هي الكتاب والسنة والإجماع، وبإزائه لقوم آخرين: المنامات والإسرائيليات والحكايات”.
قال الشاطبي: “وأضعف هؤلاء احتجاجا قوم استندوا في أخذ الأعمال إلى المنامات، يقولون: رأينا فلانا – الرجل الصالح – فقال لنا اتركوا كذا، واعملوا كذا !”.
قال: “ويتفق مثل هذا للمتمرسين برسم الصوفية، وربما قال بعضهم: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، فقال كذا، وأمرني بكذا، فبعمل به معرضا عن الحدود الموضوعة في الشريعة، وهو خطأ” (الإعتصام للشاطبي).
الإعتماد على الأحاديث الضعيفة والموضوعة، فيظنون بجهلهم أنها صحيحة، وقد نقل أبو طالب الكثير منها رغم انه أكثر اعتصاما بالسنة ممن جاء بعده كما قال ابن تيمية.
الخوارق التي ظنوا انها آيات وهي من أحوال الشياطين، ومن المعلوم أن الشياطين تدخل في الأصنام وتكلم الناس لتضلهم، وتخبر الكهان بالمغيبات، وتتصور في شكل البشر كالخضر وغيره لتضل الزهاد وغيرهم.
ث- الآثار الأخلاقية والسلوكية للتصوف:
التشديد على النفس وإرهاقها بأنواع التكاليف: ومن صور هذا الغلو والتشديد: زعم المتصوّفة أنّ ملازمة الجوع وإطالة السهر والتعرّي ولباس الصوف، هو الطريق الأوحد لتهذيب النفس وإصلاحها، ولكنهم غلو في ذلك غلواً كبيراً.
قال ابن الجوزي رحمه الله: “بالغ إبليس في تلبيسه على قدماء الصوفية, فأمرهم بتقليل المطعم وخشونته، ومنعهم شرب الماء البارد.. وكان فيهم من لا يكون له سوى ثوب واحد زاهداً في الدنيا”.
معاقبة النفس بأنواع العقوبات: غلت الصوفية في علاج أمراض النفس وآفاتها، ولم تكتفي بالمجاهدة الشرعية وإلزام النفس بأنواع النوافل، بل شرعت طقوساً وألواناً للعقوبات ما أنزل الله بها من سلطان، وقد أورد الإمام الغزالي في “الإحياء” صوراً كثيرة من معاقبة النفس وتعذيبها، وأثنى على من فعل ذلك.
التَّبَتـُّـل: هو الانقطاع عن النساء وترك النكاح انقطاعاً إلى عبادة الله. وكان للصوفية أحوال عجيبة في هذا الأمر، فمنهم أقوامٌ جبوا أنفسهم، وعمد من تزوّج منهم إلى هجر زوجه وولده.
العزلة وهجر الناس: لبّس إبليس على كثير من المتصوّفة، وزيّن لهم الانقطاع عن الناس، وهجر الجُمَع والجماعات والدعوة إلى الله تعالى، وغير ذلك من الحقوق والواجبات، بدعوى الهروب من الفتـن والاشتغال بعيوب النفس، والتفرّغ للعبادة، وغير ذلك من الدعاوى.
وقد تنادى الصوفية بالعزلة والخلوة، وألزموا بها المريدين، وشرَّعوا لذلك طقوساً وبدعاً ما أنزل الله بها من سلطان.
الآثار الاجتماعية: منها ترك عمارة الأرض، فالتصوّف مبني على الكسل، وقد حذّر من آثاره وآفاته على معايش العباد أكثر أئمة الإسلام، ومن ذلك: قول الإمام الشافعي رحمه الله: “التصوّف مبني على الكسل، و لو تصوف رجل أول النهار لم يأت الظهر إلا و هو أحمق”.
وقال أبو بكر الطرطوشي رحمه الله: “مذهب الصوفية بطالة وجهالة وضلالة”.
ومنها الاستسلام للأعداء والإعراض عن الجهاد في سبيل الله، فتزهّد الطرق الصوفية الناس في الأخذ بأسباب القوّة في مواجهة أعداء الإسلام، وقد عاصر أئمة التصوّف الغزو التتري لبلاد المسلمين، ولم يحرّكوا ساكناً، بل ثبّطوا عزائم الناس بدعوى التوكل.
ج- أهداف الصوفية:
لقد حمل التصوّف في أصوله وطقوسه وتعاليمه جملة من الأهداف سعى سعياً حثيثاً لتحقيقها وقطف ثمارها، وهذه الأهداف على ضربين:
أهداف معلنة: فيعلنون أنّ التصوّف إنما جاء لتهذيب النفوس والأخلاق، وربما كان ذلك عند أوائل المتصوفة في القرن الثاني للهجرة، ولكن حاد أكثر الصوفية عن هذه الأهداف، فصار التصوّف معولاً لهدم الدين والأخلاق.
ويعلنون انهم يسعون إلى الوصول إلى درجة الكمال عن طريق الرياضة والمجاهدة من أجل الحلول والاتحاد مع الذات الإلهية، تعالى عن ذلك علواً كبيراً. قال الحلاّج: “من هذب نفسه في الطاعة وصبر على اللذات والشهوات، ارتقى إلى مقام المقربين، ثم لا يزال يصفو ويرتقى في درجات المصافاة حتى يصفو عن البشرية، فإذا لم يبق فيه من البشرية حظ حلّ فيه روح الإله الذي حلّ في عيسى بن مريم، ولم يرد حينئذ شيئا إلا كان كما أراد، وكان جميع فعله فعل الله تعالى”.
أهداف خفيّة: وهي أهداف لا يكاد يقف عليها إلاّ من سبر مذهب القوم، لأنّ الصوفية أحاطوا هذه الأهداف بالسريّة والكتمان، ولم يصرحوا بها، ومن ذلك:
تحريف العقيدة الصحيحة، فقد سعى أعلام الصوفية سعياً حثيثاً لتحريفها حتى يتسنى لهم بثّ عقائدهم الباطلة، بل تمادى بهم الأمر إلى تصحيح عقائد الكفار من اليهود والنصارى، فعل ذلك ابن عربي والتلمساني وابن هود وغيرهم، بل بعض الطرق انتسب لها نصارى كالطريقة البكتاشية.
ومنها الكيد للإسلام والمسلمين، فقد تآلبت كثير من طرق الصوفية على الإسلام وأهله، وأقامت التحالفات مع أعداء الدين والملّة. وفي ذلك يقول محمود أبو ريّة: “الكلام في رجال طرق الصوفية ومناصرتهم في كلّ زمان لأعداء الدين والمسلمين من المستعمرين في أقطار الأرض عامّة، وشمال إفريقيا خاصة مما يحتاج إلى مؤلفات”.
ومما يجلّي هذا التآمر أنّ التصوف يعتبر من أهم وسائل الاستشراق، ولذا حمل المستشرقون على عاتقهم نشر الفكر الصوفي وبعثه في المجتمعات المسلمة والغربيّة على حد سواء.
ومنها جمع حطام الدنيا، حيث يلهث أكثر الصوفية وراء جمع الحطام الفاني رغم ادعاؤهم الزائف للزهد، ولذلك غدت موائدهم عامرة، وقصورهم فارهة، يقتاتون على التلبيس والدجل، والقرابين التي تقدم للقبور باسم الأولياء.
ويكفي لتعرف مقدار ما يدخل إلى هذه الأضرحة من جباية أن ما يصل ضريح الجيلاني في السنة كان يفوق ما تنقفه الدولة العثمانية على الحرمين الشريفين في السنة أضعافا، فالسدنة من أغنى الناس كما ذكر الجبرتي، والمشايخ يتنافسون على خدمة الضريح لأجل ما يغدقه عليهم.
ومنها الرئاسة والسيادة على الخلق، حيث اتّخذ كثير من الصوفية التصوّف سُلَّماً للارتقاء إلى أعلى المناصب، وتحملوا لأجل بلوغ هذه الغاية المصاعب والأهوال. إذ تُجمع الطرق الصوفية على أنّ لشيخ الطريقة وأعوانه التسلّط على الخلق، بحيث لا ترد لهم أوامر ولا تمنع عنهم رغبة، فهم المتصرّفون الآمرون، وأتباعهم العبيد المطيعون.
ح- وسائل الصّوفية لنشر التصوف:
للمتصوّفة أساليب شتى ووسائل متعدّدة لنشر دعوتهم الباطلة، وممارسة طقوسهم المبتدعة، ومن أبرز هذه الوسائل البدعية:
مجالس الذكر الصوفي:”كانت مجالس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع أصحابه؛ عامتها مجالس تذكير بالله وترغيب وترهيب؛ إما بتلاوة القرآن أو بما آتاه الله من الحكمة والموعظة الحسنة، وتعليم ما ينفع في الدين”، أمّا متصوِّفة الزمان فقد أحدثوا بدعاً منكرة أخرجت هذه المجالس عن مقصودها الشرعي، وصارت هذه المجالس مراتع لمنكرات والاختلاط والفحش، متضمّنة لألون من البدع كالذكر الجماعي والسماع والرقص، وغير ذلك من البدع المنكرة.
وكانت مجالس الذكر تعقد في الزوايا والخلوات غالباً، وربما عقدت في المساجد أحياناً.
الزوايا والتكايا والأربطة: وتعتبر أهم محاضن الصوفية، وأكثر نقاط تجمع أصحابها، وكان الصوفيون في كثير من الأحيان يبادرون إلى بناء زواياهم لأن الزوايا بالنسبة إليهم تمثل شرايين الحياة التي تجري فيها طرقهم وطقوسهم وبدعهم.
الوجد والسماع والشعر (انظر بابه).
القصص: انحرف القصص عند الصوفية – في مقصده ومضمونه – وتشبّعت كتب أصحاب الطرق الصوفية بقصص الأولياء المزعومة التي تعجّ بالبدع والمخالفات والشرك والكفر والغلو، وبعض هذه القصص مكذوبة على أصحابها منسوبة لأعلام السلف زوراً من أجل ترويج هذه الطرق البدعية.
ومن أشهر الكتب التي جمعت هذه القصص: “طبقات الصوفية”لأبي عبد الرحمن السلمي، و”الحلية” لأبي نعيم، و”الأربعون في شيوخ الصوفية” للماليني.
الوعظ والترغيب والترهيب: انحرف الصوفية في جانب الوعظ والترغيب والترهيب، فحمّلوا الموعوظين والمريدين فوق ما تطيقه أبدانهم، وحملوا الناس على ترك دورهم وأموالهم وشؤونهم، كما غلت طوائف الصوفية في باب الترهيب والتخويف، وخرجت به عن حدّ التوسّط والاعتدال، بل زاد الأمر بها إلى أن وضعت أحاديث في التخويف والوعيد بقصد زجر الناس عن اقتراف المعاصي، وأغلقت باب التوبة دون المذنبين والعصاة، فتولّد عن ذلك اليأس والقنوط من رحمة الله عز وجل.
المؤلفات والمصنفات: دأب شيوخ الصوفية في مصر وغيرها، على تصنيف المؤلفات لترويج مذاهبهم الباطلة حتى أصبح لكل طريقة مصنفاً جامعاً منه يصدرون وإليه يردون. وتنوّعت هذه المصنفات في مضمونها وطرائقها، فبعضها ألف في بيان أحوال مشايخ الصوفية، وبعضها في بيان أوراد الطريقة، وأخرى في بيان واجبات المريد تجاه شيخه وطريقته، وإن كانت أغلب الطرق الصوفية ترجع إلى كتابين مهمّين، وهما: “قوت القلوب” لأبي طالب المكي، و”إحياء علوم الدين” لأبي حامد الغزالي.
وسائل معاصرة: الوسائل المرئية، الوسائل المسموعة، المواقع الالكترونية، الجمعيات والمؤسسات، الصحف والمجلات: فقد اغتنمت الطرق الصوفية هذا التطور الإعلامي واستغلّته في بثّ تعاليم طريقتها.
خ- أسباب انتشار الطرق الصوفية:
تسلط الصوفية على المراكز العلمية في بعض البلدان كما في مصر في زمن الدولة العثمانية، حيث لم يكن شيخ الأزهر يعين إلا بموافقة شيخ مشايخ الطرق الصوفية ! مما أدى إلى انخراط بعض مشايخ الأزهر في هذه الطرق وساهم في انتشارها !
دعم حكام بعض الدول للطرق الصوفية، ودعم المستعمر لها، فمثلا ساندت الدولة العثمانية والمستعمر البريطاني الطريقة الختمية، كما ساند الإستعمار الفرنسي الطريقة التيجانية.
وقد نشأت طرق في العصر الحديث لأغراض سياسية منها الطريقة الشاذلية التي كان مؤسسها عضوا في الأحزاب الإشتراكية.
زعمهم ضمان الجنة لمريديهم، زعم التيجاني ذلك، والميرغني وغيرهم. وهو من أهم أسباب انتشار الطرق الصوفية.
2- عقائد الصوفية وعباداتهم
معنى الحلول: أن الله تعالى يصطفي أجساماً يحلّ فيها بمعاني الربوبية، فيزيل عنها معاني البشرية، وأن الله تعالى يحلّ بالعارفين من أوليائه وأصفيائه.قال الحلاّج: “رأيت ربي بعين ربي، فقال: من أنت؟، قلت: أنت !”.
وكان يقول: “أنا الحقّ، وما في الجبة سوى الله”.
وقال:
أنا أنت بلا شك فسبحانك سبحاني … وتوحيدك توحيدي وعصيانك عصياني
أما وحدة الوجود فتعني: “أنّه ليس في الوجود إلاّ واحد هو الله، وكلّ ما يُرى هو أجزاء منه تتعيّن بأشكال مختلفة”.
وقد يقولون “أنّ العالم بكل ما فيه، إنما هو تعيينات وتجليات لله، فلا شيء إلاّ الله، فالإنسان والحيوان والجماد آلهة، وأرباب مقدّسة”.
قال الغزالي: “جميع الموجودات مرآة للوجود الحقّ، فالظاهر بذاته هو الله سبحانه، وما سواه فآيات ظهوره ودلائل نوره”.
ويزعم الصوفية أن التوحيد سر من أسرار العبودية لا ينبغي كشفه، وكشفه كفر، قال أبو طالب: “قال بعض العارفين: من صرح بالتوحيد وأفشى الوحدانية فقتله أفضل من إحياء غيره”، ومراده بهذا القول الحلاج.
وهذا التوحيد عندهم هو الحلول والإتحاد.
وقال أبو طالب أيضا: “قال بعضهم: للربوبية سر لو ظهر لبطلت النبوة.. وللعلماء بالله سر لو أظهره الله تعالى لبطلت الأحكام !”، وتابعه المتصوفة على هذه الضلالات كالغزالي والقشيري.
يقول د. محمد الجليند: “الغزالي دائما ما يشير إلى أنه ليس كل سر يفشى ولا كل حقيقة تقال وتجلى، وورود هذه التحذيرات يجعل القارئ في حيرة من أمر الغزالي، فهو لا شك يخفي شيئا عن قارئه !”.
ومعلوم أن الله تعالى أنزل الكتاب هدى وبينات للناس، وذم أهل الكتاب على كتمهم الحق، وما زعمه الصوفية هو من أعظم الكتمان لأنه كتما للتوحيد الذي جاءت به الرسل، وهذا القول كفر (لذا تجدهم دائما يتشبثون بأسرار يعتقدون أنه لا ينبغي كشفها، فمتى كان الدين أسرارا ؟).
إذن قصد المتصوفة بقولهم “السر”: الحلول، ثم تطور إلى القول بوحدة الوجود.
وكل الطرق الصوفية التي ظهرت تتفق على وحدة الوجود، ويعتبر ابن عربي إمام القائلين بها (ت 638 هـ)، حيث لم يظهر القول بها في صيغته المتكاملة إلا على يديه، وإن سبقته أفكار مهدت لظهور مذهبه، وقد عرف هذا المذهب عند البراهمة من قبل وعند غيرهم، وهو مبني على وحدة الوجود ووحدة الأديان ! فالكل يعبد الله المتجلي في صور كل المعبودات، ولهذا عظموا فرعون، وجعلوا اهل النار يتمتعون فيها، واستحلوا المحرمات وتركوا الواجبات.
وقد صرح بهذه العقيدة الحلاج فكانت النتيجة قتله، وصرح بها الغزالي أيضا. ثم تابعت كل الطرق الصوفية ابن عربي في تصريحه بها، فقال بها إبن عطا الله الشاذلي في “الحِكم”، وغيره.
والقائلين بها أعظم كفرا من النصارى لأن كفر النصارى بقولهم حل الله في المسيح، أما كفر هؤلاء فبقولهم: حل في جميع المخلوقات ! والعارف المحقق عندهم يعبد كل شيء كما صرح بذلك ابن عربي في كتبه !
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : “مر التلمساني على كلب أجرب ميت في الطريق فقال له رفيق له، وكان التلمساني يحدثه عن وحدة الوجود: أهذا أيضا هو ذات الله، مشيرا إلى جثة الكلب ؟ فقال التلمساني: نعم، الجميع ذاته فما من شيء خارج عنها.
ولهذا قال الإمام احمد للجهمية وهو يناظرهم في علو الله على عرشه: “إن القول بأنه في كل مكان كفر لأنه إما دخل في كل مكان أو ادخل المكان في نفسه وهذا كله كفر إذ معناه انه دخل في نفوس الإنس والجن والحيوانات أو ادخلها في نفسه، تعالى الله عن ذلك، وانما كان الله ولا مكان، فلما خلق المكان علا عليه سبحانه”.
فهم لا يعبدون الكلب فقط بل ويعبدون الخنزير وغيره من الحيوانات، وشاعرهم الزنديق يقول: وما الكلب والخنزير إلا إلهنا ….. وما الله إلا راهب في كنيسة
ب- الظاهر والباطن (الحقيقة والشريعة):
ظهر هذا القول المبتدع أول ما ظهر عند الرافضة، وتبعهم الصوفية فيه ، ففضلوا الباطن على الظاهر، وأكثروا من ذم العلماء وذكر الأسرار، وسموهم بعلماء الظاهر.
فقال صوفية القرن الثالث إن الظاهر والباطن متلازمان، قال سهل التستري: “احتفظوا بالسواد على البياض عن رسول الله صلى الله عليه فما ترك أحد الظاهر إلى خرج إلى الزندقة”.
وقال المتأخرون لا تلازم بينهما، وذكروا أن الحقيقة (أو الباطن) للخاصة وحدهم، وأن الشريعة للعوام والمحجوبين ! قال بهذا أمثال ابن عربي.
قال ابن القيم: “فلما تمكن هذا من قلوبهم سلخها من الكتاب والسنة والآثار كما يسلخ الليل عن النهار، ثم أحالهم في سلوكهم إلى تلك الخيالات وأوهمهم انها من الآيات البينات !”.
فهم يصرفون عن العلم الشرعي النافع (علم الظاهر)، وينفرون منه حتى وصفه بعضهم بأنه آفة المريد ! ووصفه آخر بأنه حجاب (طبعا حجاب دون خرافاتهم وهذيانهم) !
وذموا علماء الأمة ليصبح الناس جهلة تسهل قيادتهم (والعجب كل العجب من بعض المتعلمين المثقفين الذين لا يزال التصوف يقودهم بزمامه ! فإذا كان الأوائل قد تم تنويمهم من خلال الأمية فبأي وسيلة تم تنويم هؤلاء !).
قال ابن الجوزي في “تلبيس ابليس”: “وكان أصل تلبيسه عليهم – أي الشيطان – أن صدهم عن العلم وأراهم أن المقصود العمل !”.
ولهذا تجد أن جل مشايخ الطرق الصوفية المتأخرين ليسوا علماء ولا طلبة علم لأن الولاية عندهم تقوم على الوراثة وتعتمد على الكشف الباطني (الشيطاني).
وأحيانا إذا مات الشيخ يرثه الأطفال أو النساء، مثل عبد الرحيم مصطفى الدمراش الذي عين شيخا للطريقة الدمرداشية وهو تلميذ في مدرسة نصرانية ! وكذلك عين محمد بيومي شيخا للطريقة البيومية وهو طالب في مدرسة أهلية !
قال الشيخ الأمين الحاج محمد: “ما هي إلا لحظات بعد تسلمه لخلافة أبيه حتى يصبح عالما ومرشدا ومربيا، يُرشد ويُعطي الطريق، بل ربما خلفت المرأة وهي بنت الشيخ أو أخته !”.
وبالإضافة إلى بعدهم عن طريق العلم الشرعي، قاموا بذم أهله، فوصوفهم بأنهم علماء الظاهر، واحتقروهم وتعالوا عليهم، وشتان ما بين العالم والمهرج، والصادق والكاذب، والرباني والساحر !
فمنذ القرن السادس وهم في حرب مع علماء الظاهر كما يسمونهم (وهم جهلة لا يصلون إلى مرتبة أقل عالم من علماء الظاهر الذين يحتقرون، وذلك مشاهد، اجلس أكبر شيوخهم مع أصغر طالب علم وسترى الفرق !).
فآذوا شيخ الإسلام ابن تيمية وسجنوه، وحاربوا محمد بن عبد الوهاب، وتسببوا في خروج الإمام السلفي محمود شكري الألوسي من بلده، وحاولوا تشويه سمعة رشيد رضا في مصر، فهم يستغلون دائما نفوذهم وانتشارهم في محاربة وأذية كل من يعترض على إضلالهم للناس.
ت- تصرف أوليائهم في الكون:
جعل الصوفية لشيوخهم مقاماً رفيعاً، واعتقدوا فيهم القداسة والولاية والعصمة، بل ربما جعلوا لبعضهم مقاماً أرفع من مقام النبوّة ومقارباً لمقام الألوهية. واستصحب هذا الاعتقاد الفاسد جملة من الانحرافات العقدية الخطيرة مثل: دعوى علم الأولياء الغيب، وقدرتهم على المنع والعطاء، والإحياء والإماتة، ومن ذلك أيضاً تقديس قبور الأولياء، وصرف أنواع العبادة إليها ودعاءها من دون الله عز وجل، ومن ذلك قول الشعراني عن أحد الأولياء: “وهو أحد الأربعة الذين يتصرّفون في قبورهم بأرض العراق، وكان أهل خرسان يستسقون به فيسقون” !
وقد اخترعوا مراتب خاصة للأولياء مثل القطب والأوتاد والأبدال، وتلك المصطلحات التي لا وجود لها في كتاب الله عز وجل، ولا في سنة رسوله عليه الصلاة والسلام بإسناد صحيح، ولا في كلام السلف الصالح !
والقطب هو رجل يعتبر موضع نظر الله عندهم في كل زمان، ويسمى غوثا باعتبار التجاء الملهوف إليه ! يقولون إنه خلق على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ، قال ابن تيمية: “يقولون إن القطب هو الذي يكون مدد الخلائق بواسطته في نصرهم ورزقهم، وهذا من جنس قول النصارى في المسيح، والغالية في علي !، وهوكفر صريح”.
أما الأوتاد فأربعة رجال على منازل الأربع جهات، أما الأبدال فسبعة رجال يسافر أحدهم إلى موضع ويترك جسما على صورته فيه !
وقد أدى بهم القول بالعقيدة الكفرية (وحدة الوجود) إلى أن زعموا أن لأوليائهم التصرف المطلق في الكون ! وذكروا ذلك في شكل قصص، ثم جاءت الطرق لتدعي لمشايخها القدرة حتى على الإحياء والإماتة والرزق وغير ذلك !فشيوخهم قادرون على التصرف في الكون، ولهذا يصف كل منهم شيخه بأنه “الفرد الواحد الكبير” ! إدعى هذا الوصف القادرية والبدوية والدسوقية، قال الدسوقي:
أنا الواحد الفرد الكبير بذاته … أنا الواصف الموصوف بذاته
وهذا البيت من تائيته التي تعتبر كلها دعوى من دعاوى الربوبية والعياذ بالله !وزعم الصوفية أن شيوخهم يعلمون الغيب، ويقضون الحاجات حتى لقبوا بعض مشايخهم بأبي فراج، أي يفرج الكربات ! وهو سبيل المثال أحد ألقاب البدوي !
كما نسب القادرية للشيخ عبد القادر الإحياء والإماتة !
ولا شك أن كل هذا أعظم من شرك العرب في الجاهلية، فالعرب في الجاهلية كانوا يعترفون بتميز الرب بقدراته، قال الله تعالى في كتابه الكريم: “قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ” (المؤمنون).
أما الشرك في الألوهية فللصوفية الأوائل كلام كثير ف الإخلاص لله تعالى حتى روي أن سفيان الثوري قال: “لولا أبو هاشم الصوفي ما عرفت دقائق الرياء”، لكنهم انحرفوا بعد ذلك ودعوا إلى الشرك حتى حذر السلف منهم ومن كتبهم، بل أوصى بعض السلف بحرق كتبهم، قال الذهبي: “خوفا من أن تقع في يد إنسان واه يزيد فيها ويغيرها” (أقول: وحرق دولة المرابطون السلفية لكتاب الإحياء مشهور).يقول أحد التيجانية في شيخهم أحمد التيجاني:
فعليك بالجد الهمام المنتقى … غوث الورى أعني أبا العباس
وقال:
واهتف به مستعطفا ومناديا … إني ببابك يا أبا العباس
وقد زعم خليفة البدوي في مولد 1991 م أن البدوي موجود معهم أينما كانوا، وإن استغاثوا به في الشدائد وقالوا: مدد يا بدوي، أعانهم وأغاثهم ! قال هذا أمام الحشود وتناقلته وسائل الإعلام حينئذ !وذكر الشيخ الأمين الحاج محمد (من السودان) أن أهله يعتقدون أن شيخا من الصوفية كان يجر الشمس مع الملائكة (يقول المؤلف: سمعت هذا القول بأذني في إذاعة السودان في عام 1974م).
وقد قطع الصوفية لشيوخهم بالولاية (بل وبالجنة)، ولا يجوز في ديننا أن يحكم لشخص معين بالولاية ، والكرامة لا تدل على أنه ولي لله لأنها قد تكون من الخوارق التي تتأتى بمساعدة الشياطين كالطيران في الهواء والإخبار بأمور غائبة وغير ذلك مما يفعله المشعوذون.
بل وصل الشرك بالمتصوفة إلى استحضارهم لصورة شيوخهم في صلواتهم المفروضة ! وفي الأذكار والحج، وبذلك صرفوا إليهم معظم أنواع العبادة من خشية ودعاء ورجاء بعد أن أضفوا عليهم صفات الخالق التي لا تليق بغيره ! وهذا الشرك هو الذي وقع فيه القبوريون الأوائل قوم نوح (وهو تعظيم الأموات الذين لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا) !
فبعضهم يضع صورة شيخه أمامه في الصلاة أو يتصور صورته وحضوره وهو في صلاته ! وقد يقول إنه يجد لذلك خشوعا ولا يوسوس الشيطان له !
قيل لبعض السلف: إن اليهود والنصارى يقولون إنهم لا يجدون الوسوسة، فقال: صدقوا، وما يصنع الشيطان بالبيت الخراب ؟! فهل يطمع الشيطان بأكثر من توجه الصوفية إلى شيوخهم ؟
فالمريد عند استحضار صورة الشيخ في قلبه أثناء الذكر – او الصلاة – يتخيل كأن عمودا من نور يخرج من قلب الشيخ ويدخل في قلبه ! ويسمون ذلك استمدادا كأن الشيخ يمده بالهداية – أو غيرها -، وهذا كفر صريح !
وأوجبوا على أتباعهم الطاعة المطلقة للشيخ وعدم الإعتراض عليه، حتى زعم بعضهم أن الإعتراض على الشيخ مُهْلِك ! ثم تطور هذا القول حتى وصل إلى درجة قولهم: كن مع شيخك كالميت بين يدي غاسله، وقالوا: عقوق الأساتذة لا توبة له ! ومن قال لأستاذه لماذا، لا يفلح أبدا !
فهم يدخلون بهذا وأمثاله في الآية “اتخذوا أحبارهم أربابا من دون الله” لأنهم أطاعوهم في كل شيء فجعلوهم بذلك كالأرباب.
قال القرطبي: “وقد كفرت اليهود والنصارى بهذا الأصل العظيم في الدين: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله عز وجل، وجعلوا لمن أذنب أن يأتي الحبر أو الراهب فيعطيه شيئا فيحط عنه ذنوبه افتراء على الله”.
وقال الحسن في الآية “اتخذوا أحبارهم”: في الطاعة.
وقال ابن كثير فيها: “والجهلة من الأحبار والرهبان ومشايخ الضلال يدخلون في هذا الذم والتوبيخ”.
وقد ذكر أهل الطرق حكايات فيها ضمان الجنة لبعض مرديهم كما هو منقول عن الرفاعي والتجاني وغيرهما، وذلك يشبه صكوك الغفران عند النصارى.
ويزعم البرعى (السوداني) فى قصيدته “العارفون بالله” أن هنالك رجالا إذا شاءوا كانت مشيئة الله تابعة لمشيئتهم، حيث يقول:
ألا يا رجال الغيب انتم حصوننا … فما زال مسبولا على الناس ستركم
إذا شـئتم شـــــــــــــــاء الإله … وانكم تشاءون ما قد شاء الله لله دركم
والسؤال هنا الى الشيخ من هؤلاء الرجال ؟ وكيف يشاء الله ما يشاءون، والله تعالى يقول: “وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين” !
ويقول أيضا فى قصيدة “الشيخ إسماعيل الولي”:
إذا ناب خطب فى البلاد نزيل … قل يا ولى الله إسماعيل !
إن الأدلة من الكتاب والسنة على ابطال ذلك الضلال واضحة وضوح الشمس فى رابعة النهار، وذلك أن الله تعالى أمرنا فى كتابه أن لا ندعو غيره وان لا نلتجئ لسواه، قال الله تعالى: “ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له الى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين” سورة الأحقاف (5- 6).
وقال تعالى: “إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فأدعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين” سورة الأعراف .
وقال تعالى: “له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشي إلا كباسط كفيه الى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا فى ضلال” سورة الرعد .
وقال تعالى: “وقال ربكم ادعونى استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين” سورة غافر.
وقال تعالى: “إذا سألك عبادي عنى فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون” سورة البقرة. وقال تعالى: “قل ادعو الذين زعمتم من دونه لا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا” سورة الإسراء.وقال تعالى: “قل من رب السماوات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا أو ضرا قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظالمات والنور أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شئ وهو الواحد القهار” سورة الرعد.
وقد جاء فى الحديث عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إحفظ الله يحفظك، إحفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشي لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعت على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف” رواه الترمذى.
ويزعم الشيخ البرعى أن الأولياء يعلمون الغيب باطنا وظاهرا، وذلك فى قصيدة “قوماك نزور” بديوانه ” رياض الجنة “، حيث يقول:
قومـاك نزور … الأولياء الأقطاب ليهم نشـــاور
منهم خفي الحال منهم مجـاهر … منهم عليـــم بالغيب باطن وظاهر
والأدلة من الكتاب والسنة تبطل هذا وتجعله فى دائرة الشرك الأكبر والعياذ بالله، لأنه لا يعلم الغيب إلا الله وحده وذلك لقوله تعالى: “قل لا يعلم من فى السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيّان يبعثون” سورة النمل. وقوله تعالى: “وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما فى البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة فى ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا فى كتاب مبين” سورة الأنعام.
وقوله تعالى فى مخاطبته لنبيه صلى الله عليه وسلم فى بيان أنه لا يعلم الغيب إلا الله، وذلك فى قوله تعالى: “قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا اعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن اتبع إلا ما يوحى إلي قل هل يستوى الأعمى والبصير أفلا تتفكرون” سورة الأنعام.
واخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من ادعى علم الغيب فهو كاهن أو عراف، وأن من صدقه فقد كفر، وذلك فى حديث أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ” رواه أبو داود.
وقد جاء فى صحيح البخاري أن جارية مدحت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: “وفينا نبي يعلم ما فى غد”، فنهاها عن ذلك وقال لها: “لا تقولي هذا فإنه لا يعلم الغيب إلا الله”.
وجاء عن عائشة أنها قالت: “من حدثك بأن محمداً صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب فقد أعظم على الله الفرية” رواه البخاري. فإن الله تعالى يقول: “قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون”، فهل يعقل أن نكذب الله ورسوله وأصحابه ونصدق ما قاله الشيخ البرعى ! سبحانك هذا بهتان عظيم.
ويزعم الشيخ البرعى أن شيخ طريقته أحمد الطيب البشير يحي الموتى، ويقلب الأنثى ذكراً، وذلك فى قصيدة الشيخ أحمد الطيب البشير فى كتابه “ديوان الجنة ورياض الدجنة”، حيث يقول البرعى:
عن الطيب الغوث المبارك منهجي … ومشورتي فى الناس أن يطيبوا
إلى أقوله:
ألم تر أن الله أيده بما يقوم المعجزات يناسب … كأحيائه ميتا بعدما أتت وهى أنثى للذكورة تقلب
وهذا إفتراء واضح أيحيي الأولياء الموتى وهم يموتون ؟
إن إحياء الموتى معجزة خص الله بها عيسى عليه السلام والمعجزة لا يقاس عليها، وأيد الله بها موسى كما فى سورة البقرة، وما يرد فى مقام المعجزات عن الأنبياء لا يقاس عليه كما هو مقرر عند الفقهاء، وليقرأ الشيخ فى إنكار هذا قوله تعالى: “أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحيى الموتى وهو على كل شى قدير” سورة الشورى.
أمّا فى زعمه أن شيخه قد أتاه رجل وطلب منه أن يعطيه مولودا ذكرا فقال له: هل عندك بنات ؟ قال نعم، قال كم ؟ قال ستة، فقال احضر منهن واحدة ؟ فاحضرها فمس الشيخ عليها بيده فانقلبت ذكرا. وهذا فى كتاب “روائع البرعى”.
وهذا من أكبر الإفتراء فكيف يجوز لولى أن يغير خلق الله وقد خلقها الله أنثى فكيف يحولها الى ذكر ؟ وهل يقدر ؟
وهو الافتراء يكذبه قوله تعالى: “لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون” سورة الروم. صرحت الآية انه لا يستطيع أحد أن يرد هبة الله أو يغيرها، حيث يقول تعالى: “لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير” الشورى.
ويزعم الشيخ البرعى أن أحد المشايخ الأولياء خلق من قطعة خشب إمراة لكى تخدم زوجته ! وذلك فى كتاب “من برعى السودان” حيث يقول أن الحاج الفلاتى كان رحمه الله جليلا فى عالم الأسرار، ومن كراماته ما أخبر به عبد المحمود بن احمد الشبلى، أن إحدى نسائه طلبت منه أن يشترى لها خادمه تخدمها، فأخذ فأسا وذهب الى الغابة فقطع قطعة من شجرة مثل قامة الإنسان وأخذ سبحته وصار يذكر الله فتحركت الشجرة وانقلبت الى امرأة، فقال لها الشيخ بخيتة ؟ فقالت نعم سيدي، فذهب بها الى زوجته فعاشت عندها زمانا ثم ماتت.
والرد على ذلك الإفتراء والشرك الجلى تبطله وتكذبه صريح الآيات فقد تحدى الله أهل الشرك وأصحاب العقائد الفاسدة ممن جعلوا أندادا لله أن يخلقوا ذبابا وذلك فى قوله تعالى: “يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوى عزيز” الحج 74.
وقد جاء فى حديث قدسي عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال يقول الله تعالى: “ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة وليخلقوا شعيرة” رواه البخاري.
ث- تلقي الوحي من الله أو من الرسول:
ذكروا أقوالا تضمنت التلقي من الله تعالى، والعروج إليه سبحانه ومخاطبته ورؤيته متى شاؤوا ! وهذه الأقوال تعني استمرار النبوة وتلقي الوحي !
وقد ذكروا رؤية بعض هؤلاء المخابيل لله تعالى، حاشاه ! وعندهم حكاية عن أبي تراب النخشبي أنه قال لأحد المريدين: لو رأيت أبا يزيد ؟ فرد المريد: أنا مشغول برؤية الله الآن ! فقال له أبو تراب: رؤية أبا يزيد أنفع لك من رؤية الله سبعين مرة !
وذكر أبوطالب أن أحدهم رأى الله عز وجل 120 مرة ! وسأله عن 70 مسألة، أظهر منها أربعة فأنكرها الناس ، فأخفى الباقي !
وقد حذر المتصوفة الأوائل من هذه المنامات وبينوا انها من الشيطان، فنقل عن سهل أن أحد تلاميذه قال له إنه يرى الله في كل ليلة بعيني رأسه ! فقال له سهل: “يا حبيبي إذا رأيته الليلة فابزق عليه”، ففعل التلميذ ما قاله ، فطار عرشه وأظلمت أنواره.
وحكي أن الشيخ عبد القادر الجيلانى رحمه الله قال : ” إشتد علي الحر فى بعض الأسفار يوما حتى كدت أموت عطشا ، فظللتنى سحابة سوداء هب على منها هواء بارد حتى دار ريقى فى فمى ، واذا بصوت ينادينى منها : يا عبد القادر أنا ربك ! فقلت له : أنت الله الذى لا إله إلا هو ؟! قال : فنادانى ثانيا : يا عبد القادر أنا ربك وقد أحللت لك ما حرمت عليك . فقلت له : كذبت يا عدو الله ، بل أنت شيطان ، قال : فتمزقت تلك السحابة وسمعت من ورائى قائلا : يا عبد القادر نجوت منى بفقهك فى دينك ، ففتنت بهذه الحيلة قبلك سبعين رجلاً ..
فقيل للشيخ : كيف عرفت أنه شيطان ؟ قال : من حين قال : ” أحللت لك ” ، عرفته ، لأن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحليل ولا تحريم. علم عبد القادر كذبه من قوله “أنا ربك” ولم يقدر على قول “انا الله الذي لا إله إلا أنا”.
وقد زعم ابن عربي انه خاتم الأولياء، وأنه أفضل من خاتم الأنبياء (أي فوق النبوة !)، وأن الأنبياء كلهم يستمدون منه معرفة الله تعالى ! (ونفس الزعم والمبالغات نجدها عند أحمد التيجاني صاحب التيجانية !).
قال الشوكاني عن ابن عربي: “فالرجل وأهل نحلته مصرحون بأنهم أنبياء تصريحا لا شك فيه، بل لم يكتفوا بذلك حتى جعلوا أنفسهم أعظم من الأنبياء !”.
وذهب غالب المتصوفة على تفضيل الولي على النبي، وزعموا أن الأولياء يتلقون من الله !
وهذه الدعاوى من الشيطان، قال ابن تيمية: “وكثير من هؤلاء يتمثل له الشيطان، فيرى نورا أو عرشا أو نورا على العرش ، ويقول أنا ربك، ومنهم من يقول: أنا نبيك ! وهذا وقع لغير واحد من هؤلاء”.
قال: “إذ لو كان مخلصا في الدين لما عرض له شيئا من ذلك، فإن هذا لا يكون إلا لمن فيه شرك في عبادته أو عنده بدعة، وقد يخاطب بأشياء حسنة رشوة منهم له، فيخاطبه الشيطان بما يرى أنه حق.. وقد أجمعت الأمة على أنه لا يرى الله أحد في الدنيا بعينيه، ومن ادعى ذلك فهو مبتدع، يستتاب وإلا قُتل”.
قال عبد الرحمن دمشقية: “والوحي قد انقطع فلماذا يفتح الله تعالى على الأولياء علوما بنفس الطريقة التي فتحها على الأنبياء ما دامت الرسالة قد بُلغت والدين قد اكتمل والوحي انقطع بموت النبي صلى الله عليه وسلم !”.
والصوفية يقولون إن ما عندهم إما بأمر إلهي أو من النبي صلى الله عليه وسلم، فالجيلي مثلا يزعم أن كتابه “الكمالات الإلهية” بأمر الوحي ! والتيجاني يزعم أن كتبه من إملاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فمن نصدق: الله الذي أخبرنا ورسوله بأن الوحي قد انقطع أم هؤلاء ؟!
ج- أورادهم المحدثة:
ابتدع الصوفية في أصل العبادة وفي كيفيتها، فشرعوا عبادات ليضلّوا بها العباد، ومن هذه العبادات ما لها أصل في شرعنا ولكن زادوا في وصفها وكيفيتها كصلاة الفاتح وغيرها. ومنها ما كان الابتداع في أصلها؛ كالخلوة المحرّمة التي يتركون فيها الجماعة والجمعة، وفي هذه الخلوات تتنزل عليهم الشياطين، وتلبس عليهم أمر دينهم. ومن ذلك أيضاً: تعبّدهم بالرقص والغناء الذي يسمونه السماع. ومن ذلك أيضاً: ابتداعهم للمولد النبوي.
فصرفوا الناس عن الأذكار الصحيحة بحيث أصبح لكل طريقة صوفية ذكر وورد خاص مبتدع، ضاهوا به المشروع الثابت في الكتاب والسنّة بل فضلوه عليه، وبعض هذه الأذكار متضمّنة للشرك والاستغاثة بالجن.
فيصرفون الناس عن الأذكار الصحيحة المأذون فيها إلى البدعية المحرمة !
والدعاء – كما هو معلوم – هو العبادة، وقد جمع متقدموهم أذكارا زعموا أنهم أخذوها عن الخضر، وما أخذوها إلا عن شياطينهم المتمثلة في صورته !
وفي تلك الأدعية أسماء اعجمية وحروف مقطعة، وقد نقل الغزالي بعضها كدعاء ابراهيم بن أدهم، وجمع بعضها في كتاب “الدعاء” في “الإحياء”.
ثم بعد ذلك أصبح لكل طريقة ذكر معين، ولا تخلو أورادها من دعاء الجن والشياطين، مثل قولهم في أوراد القادرية: “ايتنوخ يا ملوخ، يا مهباش” !، كلها أسماء شياطين.
وفي أوراد الشاذلية: “أحون قاف أدم حم ها آمين كهيعص” !
وفي أوراد الدسوقي: “سقاطيم أحون”. وفي أوراد البدوي: “أحمى حميثا طميثا” !
و”أحون” إسم شيطان، وقد تكرر في أوراد عدة طرق صوفية.
وهذه الأدعية فيها ضلالات كثيرة، منها: اشتمالها على الشرك الأكبر في دعاء غير الله.
قال القرطبي في موانع إجابة الدعاء: “ومنها أن يدع بما ليس في الكتاب والسنة.. يجعلها شعاره ويترك ما دعا به الرسول صلى الله عليه وسلم”.
ومن الصوفية من جعل ورده أفضل من القرآن مثل صلاة الفاتح عند التجانية !
وكل الصوفية زعموا أن هذه الأوراد مما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، زعم ذلك الشاذلي والميرغني (شيخ الختمية) والتجاني وغيرهم ! وهذا من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال: “من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار”.
وقد انحرف الصوفية في القرون المتأخرة في شرك الأولهية انحرافا عظيما، ونشروه في الأمة، فمن ذلك دعاء الجن، ولهم أسماء شياطين يدعونها في أورادهم التي يرددونها صباح مساء ! وفي الحديث “الدعاء هو العبادة” !
وقد استحوذ الشيطان على كثير من الصوفية، ويظهر ذلك في دعائهم الجن في أورادهم، فلديهم أوراد فيها أسماء الجن صراحة، كما في ورد القادرية “يا طهلفوش انقطع الرجاء إلا منك”. ويقولون هي لغة الأرواح، والأرواح عندهم هي الشياطين !
وإذا شاهدت حلقات الشيخ حامد آدم موسى الذي وصل إلى درجة القطب الساحر في الطريقة التيجانية، فستعرف معنى الروحاني (في قناة لقطة عابرة على اليوتيوب) !
وقد ورد الإسم “أمون” وهو اسم شيطان في أوراد القادرية والشاذلية والدسوقية وغيرهم، وورد في أوراد البدوي: “أحمى حميثا طميثا”.
قال د.عامر: “أسماء سريانية، وهي عبارات سحرية كما ذكر ابن خلدون”.ويصرح بعض الصوفية بخدمة الجن لهم، كالختمية والسمانية، يقول أحدهم: “إن الشيخ أحمد الطيب له 2500 تلميذ من الجن يخدمونه فيما يريد”.
ومعلوم أن دعاء غير الله شرك لا يجوز سواء كان باسماء مفهومة أم بأسماء أعجمية لا تُعرف أو غيرها لأن الدعاء هو العبادة.
وأغلب الطرق الصوفية يدعون الجن، وأكثر السحرة من الطرق الصوفية !
وقد اعترف بعضهم بأن الشياطين تتلبس بهم في خلواتهم المحرمة.
وتأمرهم الشياطين بالكثير من العبث والإستهزاء بدين الله ككل السحرة.
ويعتقد بعض الناس أن إحضارهم لبعض المغيبات أو ذكرهم لبعض الأمور الغائبة عن الناس كإسم والدي الشخص، والمكان الذي جاء منه، ومكان المسروق، وغير ذلك، أنه من الكرامات وهو من الإستعانة بالشياطين فهي التي تخبره به عن طريق القرين وغيره !
والشياطين لا تخدم أحدا إلا لإفساد دينه ودين غيره.
ح- عبادتهم للقبور:
صرف العبادة لغير الله تعالى: صرف الطرقية العبادات الشرعية الإلهية إلى شيوخهم، والتي أعظمها أركان الإسلام الخمسة، وهذه نماذج مما ذكروه:
الصلاة: كالتوجّه إلى صورة الشيخ في الصلاة، والصلاة إلى قبور الأولياء، بل واتخاذها مساجد وأربطة.
الحج لأوثانهم: فقد شرع الصوفية الحج إلى قبور شيوخهمن كما قال البدوي:
ألا أيها الزوار حجوا لبيتنا … وطوفوا بأستار له لتبلغوا المنا
فهيا بني الحاجات سعيا لمنهل … ورثناه في الدارين من فيض جدنا
وبعض الصوفية يحج إلى قبر شيخه قبل الكعبة، ويقول هذه قبلة الخاصة والكعبة قبلة العامة ! وبعضهم يسجد لمن في القبر يرجو منه الرزق والرحمة وغيرها !
ويقول بعضهم إن زيارة القبر مرتين أو ثلاث كالحجة الواحدة !
قال أحدهم وكان قد حج سبع حجج لآخر حج مرة إلى قبر الشيخ: أتبيعني زيارة قبر الشيخ بسبع حجج ؟ فشاور الأخير أحد شوخهم، فقال له: لو بعت لكنت مغبونا !
وبعضهم يجد من الرقة والخشوع عند القبر ما لا يجده في المسجد ! وقد يستغيث بصاحب القبر، فيتمثل له شيطان في صورته، وربما قضى حاجته، وهذا يحدث للنصارى ولعباد الأصنام، فهو من خوارق الشياطين لا الكرامات.
ومعلوم انه من المحرمات العكوف عند القبر ومجاورته وسدانته وتعليق الستور عليه كأنه الكعبة، وهم يفعلون كل ذلك، فبيت الهجويري في باكستان له يوم في السنة يُغسل بماء الورد والطيب أسوة بالكعبة !
ومنهم من يسمي زيارة القبر الحج الأكبر !
ومنهم من يقول بأن السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من حج البيت الحرام !
ويظنون أن زيارة القبور هي لدعائها والتوسل بها (أي بمن فيها)، والمقصود في الشرع هو الدعاء له لا دعائه والإستغاثة به !
كذلك جعلوا النذور والزكاة للقبور التي يعبدونها، فأكلوا أموال الناس بالباطل والهدايا المحرمة، قال الله تعالى: “إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله”، فهم مثل أولئك يأكلونها بغير حق ويصدون أتباعهم عن سبيل الله بصرف إلى ذلك السبيل !
وكثير منهم يعمر المشاهد أكثر من المساجد، ويوقرها ويرجو فيها الخير والبركة أكثر !
وقد كان ما يصل لضريح الجيلاني في السنة من أموال الزائرين يفوق ما كانت تنفقه الدولة العثمانية على الحرمين الشريفين أضعافا مضاعفة !
وذكر الذهبي أن “أهل مصر يسجدون لنفيسة ابنة الحسن بن زيد بن سبط النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي ! صاحبة المشهد المعمول في مصر، ويلتمسون منها المغفرة، وكان ذلك من دسائس الدولة العبيدية”.
وأول من بنى على القبور هم الرافضة في زمن الدولة البويهية، ثم تبع ذلك عبادتها بعد قرون، ثم انتقل هذا البلاء إلى الطرق الصوفية، قال أبو طالب: “وهذه المقامات من فضائل التوكل”. وذكر أن المقبورين أعطوا “كن” ، وبالتالي القدرة على التصرف في الكون ، وهذه مشاركة في الربوبية ولم يحصل للأنبياء ذلك فكيف يحصل للأولياء الذين هم دونهم (إن كان هؤلاء أصلا أولياء، ولا تدل بدعهم المأثورة على ذلك) ؟!
قال ابن تيمية: “من قال إن أحدا من اولياء إله يقول للشيء كن فيكون فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل، فإنه لا يقدر على ذلك أحد إلا الله سبحانه وتعالى ، وليس كل ما يريده ابن آدم يحصل له”.
والرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول إنه لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله، وكان ربه ينهاه أن يقول للشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله.
وقد دعا البدوي الناس لحج بيته من أجل قضاء حوائجهم.
ولم يعرف الشرك بالقبور إلا في الأزمنة المتأخرة، ولم يعرف عند الرافضة إلا في آخر القرن الثالث، ولم تعرف الإستغاثة بالنبي إلا في القرن السابع.
وقد دعا الصوفية إلى التوجه إلى القبور ولأرواح أئمة الضلال المقبورين، حتى أن ابن عربي (ت 638 هـ) الذي كفره أئمة المذاهب الأربعة في زمنه، أصبح قبره وثنا يعبد من دون الله عز وجل، وتمارس عنده شتى شعائر الشرك ! وهو الذي قال الذهبي عن كتابه: “فإن كان لا كفر فيه فما في الدنيا كفر !”.
وقد أجمعت الأمة على حرمة البناء على القبور فضلا عن عبادتها ! قال النووي: “اتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على كراهية بناء مسجد على قبر لعموم الأحاديث، وقال الشافعي: تكره الصلاة إلى القبور سواء كان الميت صالحا أو غيره”. ومراد الأئمة السافعي وأحمد بالكراهة التحريم.
واتفق العلماء في عصر الملك الظاهر بيبرس (القرن الثامن الهجري) على أنه يجب على ولي الأمر هدم القباب كلها، ولم يختلف منهم أحد.
وقد تحداهم ابن القيم أن يأتوا بدليل صحيح أو حسن أو ضعيف على أن أهل القرون الثلاثة كانوا إذا كانت لهم حاجة قصدوا القبور فدعوا عندها وتمسحوا بها فضلا أن يصلوا عنها ! (انظر إغاثة اللهفان).
وقد قال الله تعالى: “وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون”، فهذه هي الحكمة من الخلق.
وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الآية “اتخذوا أحبارهم أربابا من دون الله”، فقال: “أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه”.
فمما أحله مشايخ التصوف لأتباعهم واستحلوه: إقامة الأضرحة والقباب على القبور حتى جعلوا ذلك حقا للشيخ على أتباعه بعد موته ! ونتيجة ذلك هي وقوع الناس في الشرك الأكبر.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: “لا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته”.
وفي صحيح البخاري: “لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر ما فعلوا”، وقال صلى الله عليه وسلم : “لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها”.وفي سوريا مدفن لفرس أحد الأولياء المغاربة تزار !
وفي الإسكندرية عزمت الحكومة على نقل قبر ورفض الصوفية، وبعد شد وجذب تم نبش القبر لنقله فوجدوا فيه عظام حمار !
ومما أحلوه لهم: أكل النذور على هذه القبور والذبح عندها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : “لا يحل العقر عند القبر”. وحرم أئمة المسلمين أكل هذه الذبائح (وإذا ذكر أحد الأئمة الكراهة فمراده الحرمة).
وقد اعترض ابن جوزي على أكلهم لأموال الناس دون عمل شيء فقال: “ويحكم، يقعد أحدكم عن الكسب مع قدرته عليه معولا على الصدقات والصِّلات ثم لا يكفيه حتى يدور على الظلمة فيستعطي منهم ويهنئهم بملبوس لا يحل وولاية لا عدل فيها” (وأعرف شخصيا من كان يدور منهم على المنازل بحجة أنه ابن أحد الشيوخ، والنساء تكرمنه طمعا في البركة).
خ- المحدثون:
يرى الصوفية أن المحدثون موجودون في الأمة وأنهم كثيرون، والحديث الوارد في هذا “لقد كان فيمن قبلكم من الأمم ناس محدثون فإن يك في أمتي أحد فإن عمر”، فيه “إن” الشرطية. قال ابن تيمية: إن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله “لقد كان فيمن قبلكم” ، قد جزم بوجودهم في الأمم السابقة لإحتياجهم إليهم، وعلق وجودهم في هذه الأمة ب “إن” الشرطية لإستغناء هذه الأمة عنهم بكمال نبيها ورسالته فلا تحتاج إلى محدث ولا مُلهم ولا صاحب كشف ولا منام.
والمحدث هو الذي يحدث في سره بالشيء فيكون كما يُحَدّثُ به. وقد جعل الصوفية المحدث يتلقى الوحي عن الله !
د- إذلالهم لأتباعهم:
والصوفية يذلون المسلمين في العقائد بمساوة الكفار معهم فيها، فيصححون عقائد الكفار اليهود والنصارى وغيرهم (سبقوا في ذلك الليبراليين، ووافقوهم عليه).
ساواهم معهم ابن عربي وابن هود والتلمساني وغيرهم (بل إن منهم من أثنى على الشيطان)، بل ومن النصارى من انتسب إلى الطرق الصوفية كالطريقة البكتاشية !
كذلك يذلون أتباعهم (فقادتهم مرتبطون بالشيطان، والأخير يرغب في إذلال الناس، لذا تجد قساوسة النصارى يسلطون الشياطين على أتباعهم ثم يزعمون أنهم يخلصونهم منها بعد يذيقوهم الأمرين ! فالشيطان مؤذي، لذا قل أن يسلم منه شيخا من سحرة التصوف هو وأبنائه !). فمثلا: أتباع شيخ الطريقة السمانية إذا جاءوا للسلام عليه واقتربوا منه جثوا على ركبهم ومشوا على أربع كالحيوانات ! وأمثلة ذلك الإذلال كثيرة جدا على اليوتيوب.
بل كان بعضهم يمشي بحصانه على أجساد مريديه المنبطحين (الطريقة السعدية) إلى أن منعت بريطانيا ذلك في زمن الإستعمار، فكات أرحم بالمسلمين منهم في تلك!
ذ- التصوف وعلم الكلام:
لم يعرف أوائل المتصوفة علم الكلام ولم يرتضوه أمثال سهل التستري واسماعيل الهروي وأبي عبد الرحمن السلمي وغيرهم، بل جاء عن الجنيد ذم علم الكلام والتحذير منه حيث قال: “أقل ما في علم الكلام سقوط هيبة الرب من القلب”.
وذكر شيخ الإسلام الهروي لعن الكلابية والأشعرية عن جمع من أهل العلم.
ثم ارتبط التصوف بالكلام عند المحاسبي وأبي طالب، واشتد الإرتباط على أيدي الأشعرية كما هو عند القشيري والغزالي.
ر- التصوف والمحبة:
للصوفية في القرنين الثالث مذهبان فيها:
الأول: تقييدها بالخوف من الله ورجائه، وبفعل المأمور رغبة في ثواب الله، وترك المحظور رهبة من عقابه، وهذا حال الجنيد والتستري.
الثاني: لا علاقة للمحبة فيه بالأمر والنهي ! بل أضفوا عليها مفهوما رمزيا أقرب ما يكون إلى الألغاز، انتهى ببعضهم إلى الحلول أو الإتحاد، ويعبرون عنها بألفاظ العشق والشوق، وهذا مذهب ذي النون والحلاج، وغالب متأخري المتصوفة إن لم يكن جميعهم !
وقد نقل أبو طالب المكي والغزالي قصصا حول تفضيل من عبد الله لا خوفا من ناره ولا طمعا في جنته بل حبا فقط لله !
ز- الحقيقة المحمدية والنور المحمدي:
ومضمون هذه الخرافة أن النبي صلى الله عليه وسلم هو أول مخلوق على الإطلاق، وأن الدنيا والآخرة خلقتا من أجله، وأن كل شيء مخلوق منه صلى الله عليه وسلم ، والقرآن يوضح بجلاء أنه بشر، وأن الدنيا حلقت لغرض التوحيد والعبادة لا غير.
ودعواهم هذه مغالاة في النبي صلى الله عليه وسلم كما غالت اليهود والنصارى في أنبيائهم وعظمائهم.
س- الخلوة المحرمة:
ومن العبادات التي شرعوا ليضلوا العباد بها منها خلوة محرمة يتركون من أجلها الجماعة والجمعة ! وكثيرا ما يقع السحر منهم بسبب تلك الخلوات وما يتلبسون به فيها من الشياطين!
ش- السماع:
ابتدع المتصوفة في حلقاتهم ألواناً من الذكر وسماع الأناشيد الغزلية، حتى جعل بعضهم الرقص والسماع من العبادات المفضلة. يقول أبو الهدى الصيادي الرفاعي وهو يصف هذه الحلقات: “وفي أثناء ذكرهم، يهتزون يميناً وشمالاً، يميلون ويبكون ويتواجدون، ويئنون ويتأوهون.. وينشد لهم الحادي من كلمات الصالحين، ومن منظومات العارفين، وأقوال العاشقين الصادقين شيئاً كثيراً من المدائح النبوية”.
أما الشعر فمن البدع العملية عند المتصوفة سماع الأناشيد والأشعار الغزلية، ففيها ذكر الهجر والوصل، والقطيعة والشوق والحب والعشق، وفيها ذكر الخمر والكؤوس، مع آلات أو بدونها مكاءً وتصديةً. واستخدموا لذلك أبياتاً ومقطوعات في الغزل والعشق، ويزعمون أنهم يقصدون بها حب الله، وقد حاكى شعراء الصوفية شعراء الحب العذري.
وصنف آخر من الأشعار يعجّ بالكفر وألوان الشرك، والاستغاثة بالأموات، والأجداث، كقصيدة البردة والهمزية وغيرهما.
فشرعوا لأنفسهم الرقص والغناء، ويسمونه السماع، وهو نوعين: سماع اللعب والطرب المعروف، وهو محرم أو مكروه.
الثاني: سماع لأهل الدين ! أي عبادة من العبادات عندهم، فهذا بدعة وضلالة، مخالف للكتاب والسنة والإجماع ! كان يزيد بن هارون وهو من أجل أتباع التابعين في أواخر القرن الثالث ينهى عنه.
وقد يحضر سماعهم الفساق وأهل الفجور، وربما قصدوا التكاثر والإفتخار بهم، وكثيرا ما ينشدون في سماعهم ما فيه كفر، ويستعملون الآلات الموسيقية المحرمة.
ص- الموالد:
كذلك اتخذوا الموالد، ولا يخفى ما يحدث فيها من الإختلاط والفوحش من شرب للخمور والمخدرات والزنى، مع الرقص والغناء، حتى وصفها بعض العقلاء بأنها مفاسد لا موالد !
يقول أبو المحاسن جمال الدين عن مولد الإمبابي في عام 790 هـ: “غص الفضاء بكثرة العالم.. فتواتر الخبر بأنه وُجد في صبيحة تلك الليلة من جرار الخمر التي شربت بالليل فوق الخمسين فارغة، وافتضت تلك الليلة عدة أبكار.. فبعث الله يوم الأحد – صباح المولد – قاصفا من الريح كدرت على من كان هناك وسفت في وجوههم التراب، واقتطعت الخيام !”.
وقد تم إلغاء المولد عند قبر البدوي في عام 852 هـ بسبب ما وقع فيه من فساد أخلاقي ومحرمات وفجور !
وينشدون في الموالد أبيات فيها غلو وكفر مثل:
سعد السعود علا في الحل والحرم … نور الهدى قد بدا في العرب والعجم
بمولد المصطفى أصل الوجود ومن … لولاه لم تخرج الأكوان من عدم
وينشدون:
أنا فيكمو انا فيكمو … ولكني خفي عنكمو
وبعد هذا البيت يسقطون سكارى، ويظل الواحد منهم يهذي، ويسمون ذلك الحضرة الإلهية! (الحضرة الصوفية). وقد يكون لهم أكثر من مولد في السنة، ففي مصر للبدوي أحيانا 3 موالد في السنة لا علاقة لها بتاريخ ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم ! يتم اختيار مواعيدها في أوقات الحصاد ليجمعوا أكبر قدر ممكن من النذور والهدايا وينهبوا الناس!
ض- الخرقة الصوفية:
أيضا يلزمون زيا معينا من اللباس.
ابحث في اليوتيوب عن طريقة محدثة جديدة – في المغرب – اسمها الطريقة الكركرية، وسترى زيا عجيبا عبارة عن قطع ملونة مرقعة مأخوذة من أثواب عدة!
ط- إعراضهم عن الجهاد ومناصرتهم لأعداء الأمة:
فيُعرضون عن الجهاد، ويبثون روح الكسل والتواكل بي المسلمين، وعدم الأخذ بأسباب القوة في مواجهة أعداء الإسلام. وقد قال الشافعي في بداية نشأة التصوف: “أسس التصوف على الكسل”.
ويستدل الصوفية على ذلك بما يروونه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في غزوة تبوك: “رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر”، وهذا لا أصل له، ولم يروه أحد من أهل المعرفة بأقوال النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد عاصر الغزالي الحروب الصليبية لمدة 13 سنة – قبل وفاته – فلم يذكر في كتبه شيئا عن هذا الحدث الجليل الذي قتل فيه عند دخول بيت المقدس وحده، أكثر من 70 ألف مسلم، وانتهكت الأعراض !
لكن الصوفية يرون أن الفاعل هو الله تعالى بحيث لا يجب رد العدوان بالجهاد !
قال زكي مبارك: “بينما كان بطرس الناسك يقضي ليله ونهاره في إعداد الخطب وتحبير الرسائل لحث أقطار أوروبا على امتلاك أقطار المسلمين كان حجة الإسلام الغزالي غارقا في خلوته منكبا على أوراده، لا يعرف ما يجب عليه من الدعوة والجهاد !”.
وقد ناصروا أعداء الدين في العصور المتأخرة، قال نابليون: “لقد كسبت صداقة مشايخ الطرق في مصر لكي آمن شر الشعب المصري”.
وقال اللورد كرومر البريطاني: “لقد وضعت المشايخ في يدي، ووضعت مصر في جيبي”.
بل أخذ الإنجليز محمد توفيق البكري وعلموه مع الخديوي عباس في بريطانيا ثم أعادوه ليتولى مشيخة الطرق الصوفية. وفعلوا نفس الشيء بمراد البكري حتى تولى نفس المنصب في مصر، وظل فيه إلى سنة 1947م.
يقول محمد شقفة: “إن المستعمرين لا يخشون انتشار هذا الدين المزعوم – دين المتصوفة – بل يشجعون ذيوعه، فهو أفيون مخدر رهيب”.
ومذهب الصوفية التكيف مع الزمان والدوران معه حيث دار بلا أدنى اعتراض !
يقولون: دع الخلق للخالق، وليس في الإمكان أبدع مما كان، ولو اطلعتم على الغيب لأخترتم الواقع، وكن مع الواقف لا الجالس… إلخ!
ظ- مناصرتهم لأعداء الأمة على مر الأزمان:
من أصول الإسلام موالاة المؤمنين والبراءة من الكفار ومعاداتهم، قال تعالى: “يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم”. قال القرطبي: “فإن من تولاهم ونصرهم على المؤمنين فهو من أهل دينهم وملتهم”.
وشيوخ الطريقة التجانية يعترفون بمعاونتهم للمستعمر الفرنسي بل يفتخرون بذلك !
قال شيخها في الجزائر محمد الكبير في عام 1350هـ عن أعداء فرنسا من المسلمين: “الأراذل والأوباش الذين ينكرون الجميل !”.
وقال عن فرنسا: “حملت عنا ما يثقل كواهلنا من أعباء الملك والسيادة”.
وفي سنة 1870م تزوج شيخ الطريقة النصرانية الكاثولوكية مدام أورلي، وكان أول مسلم جزائري يتزوج أجنبية، تزوجها وفق الطقوس النصرانية ثم خلفه أخوه عليها ! فلقبت عندهم بزوجة السيدين ! ومنحتها فرنسا وسام الشرف لأنها أدارت الطريقة التجانية وفق ما تحبه فرنسا !
وقصص مساعدة الطرق الصوفية للمستعمر في شمال افريقيا وغيرها كثيرة.
يقول محمد شقفة: “وقد كان الفرنسيون يشجعون هذه الطرق حتى انهم أدخلوا معهم الطريقة التجانية إلى سوريا !”.
يقول الرئيس الفرنسي موريس دولافوس: “لقد اضطر حكامنا الإداريون وجنودنا في إفريقيا إلى تنشيط دعوة الطرق الدينية الإسلامية لأنها كانت أطوع للسلطة الفرنسية وأكثر تفهما وانتظاما من الطرق الوثنية”.
وكان الكتاني الكبير – شيخ الطريقة الكتانية في المغرب – يعادي من يعادي فرنسا ويواليها (الموالاة المنهي عنها في القرآن)، وقد منحته فرنسا وسام الجيوت في قصر الإلزيه في عام 1952م !
كذلك ساعد شيخ الختمية بريطانيا في احتلال السودان، وكانت بريطانيا تخصص مخصصات شهرية لبعض شيوخهم كمحمد الختم الميرغني.
أما في مصر فقد أسست بريطانيا الطريقة الغنمية وكان شيخها محمد الغنيمي من أكبر أعوانها.
كذلك تعاون شيخ البكرية مع الفرنسيين أثناء احتلال مصر في عام 1798م، ومع البريطانيين، وأقام الموالد بأموال نابليون، وفي حضوره !
وفي عام 1919م قام بعض مشايخ الصوفية في مصر منهم شيخ السمانية بجمع توقيعات تطالب ببقاء الإنجليز!
ع- نشر النصارى للفكر الصوفي:
وقد ركز المستشرقون على نشر التراث الصوفي بدل التراث الإسلامي الحقيقي ليسيئوا إلى الإسلام، فركزوا على فكر الحلاج وعلى غيره، وناقشوه وجملوه حتى وافقهم فيه بعض المفكرين المتأخرين من أتباع المدرسة الغربية الفاجرة مدرسة الخمور والفجور والفكر العفن اللاإسلامي.
أقول: وتعجب من دعوة سفارة دولة غربية عندنا في 2024، لبعض كبار هذه الطرق رغم تعرض بعضهم لتهم خطيرة كالمتاجرة في المخدرات! فكأنهم بذلك ينزهونهم، فما الهدف؟
إنه بقاء كل ما لا خير فيه للإسلام والمسلمين، وعلى ذلك يعملون، ولو كان في هؤلاء أدنى خير لما احتفى بهم أولئك الملاعين وصاحبوهم، لكن الطيور على أشكالها تقع.
أما اجتماع البيت الأبيض بهم فمعروف!
3- شطحات أولياء الصوفية
قال إمام الصوفية الشعراني في كتابه “الطبقات” في ترجمة أحد أوليائهم: “وكان رضي الله عنه اذا خرج من الخلوة يخرج وعيناه كأنهما قطعة جمر تتوقد”، إلى أن قال: “ووقع له مرة أخري أنه خرج من خلوة الأربعين فوقع بصره على كلب فانقادت إليه جميع الكلاب وصار الناس يهرعون إليه (أي إلى الكلب) في قضاء حوائجهم، فلما مرض ذلك الكلب اجتمع حوله الكلاب يبكون ويظهرون الحزن عليه، فلما مات اظهروا البكاء والعويل، وألهم الله تعالى بعض الناس فدفنوه، فكانت الكلاب تزور قبره حتى ماتوا “.
قال الشعراني: فهذه نظرة إلى كلب فعلت ما فعلت فكيف لو وقعت على إنسان؟!
وقال الشعراني في ترجمة أحد أوليائهم في “الطبقات”: “ومنهم سيدنا ومولانا شمس الدين الحنفي رضي الله تعالى عنه ورحمه”، إلى أن قال: “ولما دنت وفاته بأيام كان لا يغفل عن البكاء ليلا ولا نهارا وغلب عليه الذلة والمسكنة والخضوع حتى سأل الله تعالى قبل موته أن يبتليه بالقمل والنوم مع الكلاب والموت على قارعة الطريق، وحصل له ذلك قبل موته، فتزايد عليه القمل حتى صار يمشي على فراشه ودخل له كلب فنام معه على الفراش ليلتين وشيئا، ومات على طرف حوشه والناس يمرون عليه في الشوارع”.
وقال الشعراني الصوفي في ترجمة آخر: “كان رضي الله عنه من الأولياء المعتقدين وله المكاشفات العظيمة مع أهل مصر وأهل عصره، وكانت الكلاب التي تسير معه من الجن، وكانوا يقضون حوائج الناس.. ويدخل الجامع بالكلاب”.
يقول الشعراني في ترجمة أحد أوليائهم أيضا (كتاب الطبقات): “وكان دكانه منتنا قذرا لأن كل كلب وجده ميتا أو قطا أو خروفا يأتي به فيضعه داخل الدكان، وكان لا يستطيع أحد أن يجلس عنده”.
وقال الشعراني عن سيدهم الولي علي وحيش: “كان رضي الله عنه من أعيان المجاذيب أرباب الأحوال.. وله كرامات وخوارق” إلى أن قال : “وكان إذا رأى شيخ بلد أو غيره ينزله من على الحمارة، ويقول له امسك رأسها لي حتى افعل فيها، فإن أبى شيخ البلد تسمر في الأرض لا يستطيع يمشي خطوة، وإن سمح حصل له خجل عظيم والناس يمرون عليه”. وقال عن الشيخ الصالح عبد القادر السبكي أحد رجال الله تعالى – عندهم -، كان من أصحاب التصريف بقرى مصر (الطبقات): “وكان كثير الكشف لا يحجبه الجدران والمسافات البعيدة من إطلاعه على ما يفعله الإنسان في قعر بيته.. وخطب مرة عروسا فرآها فأعجبته، فتعرى لها بحضرة أبيها، وقال انظري أنت الأخرى حتى لا تقولي بعد ذلك بدنه خشن أو فيه برص أو غير ذلك، ثم أمسك ذكره وقال: انظري هل يكفيك هذا وإلا فربما تقولي هذا ذكره كبير لا أحتمله أو يكون صغير لا يكفيني فتقلقي مني وتطلبي زوجا اكبر آلة مني”.
فيا ضلال الصوفية أما يستحي شيخهم وإمامهم الضال الشعراني من حكاية مثل هذا الفجور.
ويقول عن الشيخ علي أبو خودة (الطبقات): “وكان رضي الله عنه إذا رأى امرأة أو أمرد راوده عن نفسه، وحسس على مقعدته سواء كان ابن أمير أو ابن وزير ولو كان بحضرة والده أو غيره، ولا يلتفت إلى الناس ولا عليه من أحد” (والله هذا يستحق الصفع على قفاه وإن كان وليا).
4- أهم كتب الصوفية
ا- أهم كتب الصوفية:
“قوت القلوب في معاملة المحبوب” لأبي طالب المكي:
صاحبه غير مأمون النقل، وهو المرجع المعتمد عند الصوفية، وهو المصدر الرئيسي لكتاب الإحياء للغزالي، وهو أعلم من الأخير في أقوال الصوفية ومع هذا لم يعرف أقوال الأكابر كالفضيل بن عياض ونحوه (كما ذكر ابن تيمية).
قال الخطيب البغدادي: “صنف كتابا اسمه قوت القلوب على لسان الصوفية ذكر فيه أشياء منكرة مستشنعة في الصفات”. وقال ابن الجوزي: “ذكر فيه الأحاديث الباطلة.. وذكر فيه قول بعض “المكاشفين”، وهذا كرم فارغ، وذكر فيه عن بعض الصوفية أن الله تعالى يتجلى في الدنيا لأوليائه !”.
ومع هذا ذكر ابن تيمية والشاطبي ان له كلام حسن في التوحيد والوعظ.
“الإحياء” لإبي حامد الغزالي:
وهو عمدة الصوفية، وهو منقول بحروفه من “القوت”، وقد ذكر ابن تيمية أن الغزالي لم ينشأ بين المتصوفة ولم يكن خبيرا بهم ولا بطريقة الصحابة والتابعين، بل قال عن نفسه: “أنا مزجى البضاعة في الحديث”. .ولهذا امتلأ كتابه بالأحاديث والحكايات الموضوعة. زاد على كتاب “القوت” في المخالفات ! وصاحب القوت أعلم وأبعد من البدعة (وقد نقل السهرودي من القوت أيضا في كتابه “عوارف المعارف”).
ومن مصادرهم أيضا: “اللمع” لأبي نصر السراج (ت378 هـ)، و”الرسالة القشيرية” للقشيري (ت 465 هـ)، وفي “الرسالة القشيرية” ربط بين التصوف والأشعرية، و”اللمع” على ما فيه من كلام حسن وآخر مردود، خير منها كما ذكر ابن تيمية.
* الكتب المنسوبة لأوائل الصوفية: لم يذكرها المتقدمون، ولا يوجد لها سند صحيح، مثل الكتب المنسوبة للإمام سهل التستري ك”نفسير القرآن الكريم” الذي فيه تفسير لبعض الآيات المختارة وفق الكرامات والحكايات التي لا علاقة لها بالتفسير، وفيه سر الحروف المقطعة ! وغلو في النبي صلى الله عليه وسلم ، وذكر لكرامة فيها الأكل من الجنة ! واعتذار ابليس عن تركه السجود ! وكل هذا لا يصح عن سهل التستري.
كذلك ذكر ابن تيمية أن بعضهم جمع كلاما لأبي يزيد البسطامي زاد فيه، وفيه أشياء من غلط أبي يزيد، وأشياء حسنة. وسهل أعلى درجة من أبي يزيد كما قال ابن تيمية.
ومنها “رسالة في الحروف”، وقد اهتم بها فلاسفتهم كابن عربي ونقولها ليحتجوا بها على صحة مذهبهم الباطل، وهي منسوبة إلى سهل، فذكروا أن الحروف التي في أوائل السور هي أصل جميع الأشياء ومنها الخلق!
ب- مواقف السلف من كتبهم:
موقفهم من كتب الحارث المحاسبي:
حذر السلف منها أشد التحذير. قال أبو زرعة: “إياك وهذه الكتب، هذه الكتب بدع وضلالات، عليك بالأثر فإنك تجد فيه ما يغنيك عن هذه الكتب”. ثم قال: “هؤلاء قوم خالفوا أهل العلم”.
وكتب الحارث هي أهم وأكبر مصدر للكتابين: “قوت القلوب” و”الإحياء” !
وقد جمع الحارث بين نفي الصفات والتصوف (أقول: كما جمع بينهما الكثيرون عندنا فهم أشاعرة ومتصوفة في آن واحد!).
قال فيه الإمام أحمد: “لا يغرك خشوعه ولينه، ولا تغتر بتنكيس رأسه، فإنه رجل سوء لا يعرفه إلا من خبره”.
وقد ذكر الخطيب البغداي حكاية أن أحمد أثنى عليه فطار بها أهل البدع، ولكن الخطيب قال بعد ذكرها: “إنها حكاية صحيحة السند منكرة، لا تقع على قلبي، أستبعد وقوع هذا من مثل أحمد”.
وقد تأثر أبو طالب المكي بالحارث وأخذ عنه الكثير، ومع هذا يشكر للحارث إثباته للعلو، كذلك رد على من قال إن الله في كل مكان، وهو قول صوفية اليوم وغيرهم، لكن أدى ما حفظ عنه من الضلال إلى تحذير العلماء منه ومنعه من الوعظ في آخر حياته، ولهذا لم يذكر مترجموه له تلاميذا مما يدل على شدة موقف السلف منه (أقول: وهذه الشدة مع أهل البدع مطلوبة وضروية لحماية الدين من هؤلاء العابثين المفسدين، حتى قال أكثرهم: المبتدع لا غيبة له).
5- أشهر الطرق الصوفية
كل الطرق الصوفية التي نشأت في القرن الثاني والثالث قد انقرضت، والموجود الآن هو الطرق التي نشأت ابتداء من القرن السادس، ويصعب حصر الطرق الصوفية بل يكاد يستحيل لكثرتها، لكن سنذكر أشهرها:
ا- الطريقة القادرية:
منسوبة للشيخ عبد القادر الجيلاني (ت 561 هـ)، وكان على الإعتقاد الصحيح والرد على أهل البدع، لكنه ذكر البدع العملية كالأوراد والسماع والتوكل الصوفي والفقر وصلوات الأيام والليالي لإعتقاده أنها وردت عن الرسول صلى الله عليه وسلم. أما أتباع طريقته فقد ابتعدوا عن الكتاب والسنة، كما نسبوا للشيخ الكثير من الأقوال والكرامات التي فيها غلو كبير والتي تصل إلى حد الشرك في توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، فنسبوا إليه قصائد شركية فيها دعاوى الربوبية والقول بالحقيقة المحمدية، والأوراد التي تتضمن وحدة الوجود كصلوات الكبريت الأحمر، كما تضمنت أورادهم أسماء أعجمية يظهر أنها أسماء جن كما هو الحال في دعاء الجلالة.
ب- الطريقة الشاذلية:
تنسب لأبي الحسن علي بن عبد الله المغربي، الزاهد الضرير، الشاذلي، أخرجه أهل تونس وكتبوا إلى أهل مصر أن سيقدم عليكم مغربي زنديق أخرجناه من بلدنا فاحذروه، فنزل الإسكندرية وكثر اتباعه (ت 656 هـ). له أوراد وأحزاب ك”حزب البحر”، زعم أن ما كتبه فيها من حرف بإذن من الله ورسوله !
وله أدعية يتوسلون فيها بغير الله تعالى، وفيها أسماء اعجمية قد تكون للجن !
وقد صرح بعض مشايخ هذه الطريقة بالشرك الأكبر في كتبهم كعبد الوهاب الشعراني (ت 707 هـ)، ويوسف النبهاني (ت 1350 هـ)، اما ابن عطا الله فقد جاء في “الحكم” ما يثبت قوله بوحدة الوجود.والشاذلية على مذهب الأشعرية الكلابية، ويزعمون أن الأولياء يعلمون الغيب، ويدعون – ككل الطرق الصوفية – رؤية الله سبحانه وتعالى!
ت- الطريقة الرفاعية:
تنسب إلى أحمد بن علي الرفاعي المغربي (ت 878 هـ)، وتسمى البطائحية نسبة للبطائح، والأحمدية نسبة إلى شيخهم الأول، وينتشر فيها الشرك الأكبر، ويتبعون في العقيدة الأشعرية المتأخرة في تعريف التوحيد ونفي الغلو، وأن القرآن قديم، ونحو ذلك، وكتبهم مليئة بالإستعانة والإستغاثة والتوجه إلى القبور، وقد ذكر الرفاعي ما يشير إلى الحلول ووحدة الوجود.
وقد اتفقت الطرق الصوفية المتأخرة على الحقيقة المحمدية والنور المحمدي والخلوة والفقر وذم الفقهاء (وعقيدة الأئمة الأربعة هي التوحيد الصحيح، لكن هؤلاء وغيرهم يأخذون منهم الفقه فقط ويتركون العقيدة ثم يزعمون أنهم أتباعهم !).
وقد اشتهر عن الرفاعية أحوال ومخاريق كأكل الحيات وملامسة النار وإظهار الدم، وغير ذلك، وكلها حيل بين شيخ الإسلام ابن تيمية بطلانها في مناظرته الشهيرة لهم.
ث- الطريقة النقشبندية:
تنسب لمحمد بن بهاء الدين النقشبندي البخاري المعروف بشاه نقشبند (ت 791 هـ)، وتنسب كذلك لأبي يزيد البسطامي، ويتفقون في كثير من الأمور مع الرافضة .
ويصرحون بالشرك الأكبر في توحيد الربوبية والألوهية، ويقولون بوحدة الوجود، وقد كثرت شروحهم لكتب ابن عربي وغيره من القائلين بوحدة الوجود، وذكروا – مثل غيرهم من الصوفية – أن الولي يقول للشيء كن فيكون، وقالوا بالحقيقة المحمدية وبرؤية الله سبحانه وتعالى وغير ذلك!
ح- الطريقة الختمية:
مؤسسها هو محمد عثمان بن محمد أبو بكر الميرغني المحجوب، ويلقب بالختم (أي خاتم الأولياء، وإذا كان كذلك فما حقيقة التيجاني الذي جاء بعده وادعى ذلك ؟ بل ما حقيقة ابن عربي الذي سبقه إلى ذلك ؟).
كما تسمى الطرقة الميرغنية، ولد في مكة وينتسب إلى الأشراف كعادة مشايخ الصوفية، وقد سلك عدة طرق منها القادرية والنقشبندية وغيرها قبل أن تأتيه فكرة تأسيس مؤسسته الخاصة التي اعتبرها خاتمة الطرق !
وقد حظيت الطريقة برعاية الدولة العثمانية في زمنها، وساهمت في انتشارها.
وقد كان زعيمها في السودان زعيم حزب ديمقراطي يضم في صفوفه نصارى وعلمانيين، ويرفض تحكيم الشريعة حرصا على التوافق الديمقراطي (وهذا موجود اليوم عند إخوانهم في البدعة جماعة الإخوان الديمقراطيين) !
أما عقائدها فقد زعم شيخهم أنها خلاصة الطرق الصوفية الخمسة السابقة، والغالب عليها هو عقائد الطريقة النقشبندية.
ويتابعون ابن عربي ويعظمونه، ويقولون بوحدة الوجود، زعموا أن مشايخهم يغيثون من يلتجأ إليهم ويزيلون الكربات وهذا من الشرك الأكبر، وأنهم يتلقون من النبي صلى الله عليه وسلم، وأن جميع كتبهم إملاء منه، وقالوا بالحقيقة المحمدية وبسائر عقائد الصوفية، ويدعي مشايخهم انهم أشراف كعادة كل مشايخ الصوفية ! حتى زعم التيجاني أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبره بنفسه أنه من ولده !
ويتفقون في كثير من الأمور مع الرافضة كدعوى ولاية أهل البيت ، وسب الصحابة باتهامهم بغصب الولاية من علي رضي الله عنه، إلا أنهم يثبتون ولاية الخلفاء الراشدين. واشتهروا بالسحر واستخدام الجن.
ح- الطريقة التيجانية:
أسسها أبو العباس أحمد بن محمد بن المختار التجاني (ت 1239 هـ)، ويزعم أنه ينتسب إلى آل البيت مثل غيره، أخذ عدة طرق منها الرفاعية والخلوتية، وطرد من عدة مدن لفساده في الأرض، ويتسمى أتباع طريقته بالأحباب.
ومن أشهر التيجانيين علي بن حرازم (ت 1217 هـ)، وهو مؤلف كتاب “جواهر المعاني” المكتوب في 1213 هـ، وهو أهم كتبهم، وهو كتاب منقول في أغلبه من كتاب “المقصد الأحمد” المكتوب في 1094 هـ، ولم يُشر مؤلفه إلى هذا النقل ! (وهذه هي السرقة بعينها، وتكون أسوا عندما يزعم الفاعل أنه من إملاء النبي صلى الله عليه وسلم !).
وقد كان اكتشاف “المقصد الأحمد” قاصمة الظهر للتيجانيين حيث تحيروا في الإجابة على ذلك، وأمر بعضهم بحرقه.
وأهم عقائدهم الشرك الأكبر في شيوخهم، إذ يحجون إلى قبر شيخهم بفاس قبل توجههم إلى مكة !
كذلك لديهم الشرك في الربوبية، والقول بوحدة الوجود وباستمرار النبوة والوحي لشيوخهم، وزعموا أن كتبهم من إملاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقولون بالحقيقة المحمدية والنور المحمدي، وأن صلاة الفاتح أفضل من القرآن، ويكثر فيهم السحر، ولهم تعاون كبير مع المستعمر الفرنسي.
وتوجد طرق غير هذه، يشتق عنها الكثير !
المصادر
1- “الطرق الصوفية نشأتها وعقيدتها” / عبد الله بن دجين السهيلي
2- الهدية الهادية إلى الطريقة التيجانية / تقي الدين الهلالي
3- هذه هي الصوفية / عبد الرحمن الوكيل
4- مصرع التصوف / برهان الدين البقاعي
5- جامع كرامات أولياء الصوفية / النبهاني
6- الطبقات الكبرى / الشعراني
7- الأربعين في شيوخ الصوفية / الماليني
8- طبقات الصوفية / السلمي
9- بعض المواقع والمنتديات الإلكترونية