موهبتك وأعمالك الفنية تحتاج للدعم والتسويق ! فان غوخ مثال

عندما تبحث في حياة أنبياء ورسل الرأسمالية الغربيين من فلاسفة وفنانين تصدم، فأغلبهم إن لم يكن كلهم، كلاب! بلا دين ولا أخلاق، ومع ذلك هم سلف الأمم الديمقراطية المتحضرة – التي انضمت إليها أمتنا، وحملة المشعل.. مشعل الإلحاد والفجور.. والشذوذ مؤخرا – قاب قوسين أو أدنى من دولنا!
تبا لمن يؤمن بهم ويعبدهم.
من 2000 دولار إلى 117 مليون دولار ؟!
كيف انتقلت أعمال فان غوخ إلى ذلك الرقم؟
ذات يوم اعتقد فان غوخ أنه أصبح مستقرًا كفاية ليغادر المصحة النفسية، حيث استلهم أشهر أعماله، مثل “ليلة النجوم”، من نافذة غرفته في مصحة سان بول.
خلال 13 شهرًا قضاها هناك، أنتج نحو 150 لوحة، ورغم ذلك كان يشعر بالفشل.
وبعد شهرين من مغادرته المصحة، أطلق النار على صدره محاولًا الانتحار.
حياة تعيسة أليس كذلك؟
لا نجاح يا أخي بعيدا عن طريق الهدى، طريق رب العالمين، مهما حاول الواحد، ستجره حقيقة كون الدنيا دار ابتلاء إلى القاع، لن يرضى أبدا، ولن يستقيم له أي شيء على الإطلاق بسبب النقص الذي جُبلت عليه الدنيا.
لكن من عاش بالتقوى والإيمان، سعد في هذه الدار وفي الأخرى. على الأقل سيفهم الحقيقة بدون عناء، وسيرضى ويعمل في دائرة الأمل والخير، ويتجنب بذلك الحياة الضنك التي يتعرض للفح حرها كل المعرضين عن ذكر رب العالمين.
قصة نجاح اللوحات
نجا فان غوخ من محاولة الانتحار وعاد إلى غرفته في مطعم كان يستأجره مقابل 3.5 فرنك في الليلة.
ظل واعيًا ليومين قبل وفاته.
بعد ستة أشهر، توفي شقيقه ثيو الذي خلف وراءه أرملته جو وابنًا صغيرًا.
ورغم أن أعمال فان غوخ لم تكن ذات قيمة تُذكر أنذاك، قررت جو تحقيق أمنيته في نشر أعمال شقيقه.
كان شقيقه أكبر داعم له، ثم تلته الأرملة تحقيقا لأمنيته.
ورغم قلة خبرتها في المجال وضعف ثقتها بنفسها، بدأت رحلة طويلة لتسويق لوحات فان غوخ.
تعلمت ذاتيًا عبر قراءة النقد الفني والانخراط مع الفنانين والمثقفين.
لابد من دخول المجال، لا يمكن التغريد خارج السرب. الذين يدخلونه بسرعة قد يدخلونه صغارا تابعين ممجدين لمن فوقهم، لكنهم يتحولون مع الوقت والاستفادة من تجارب الآخرين إلى كبار، يشار إليهم بالبنان. وهذا حال الدنيا، كل نمو فيها يتطلب وقتا.
قررت إعادة تقديم فان غوخ للعالم من خلال الترويج لفنه وربطه برسائل مؤثرة مأخوذة من رسائله إلى شقيقه ثيو.
استراتيجيات النجاح
- إعادة تشكيل الصورة الفنية: قدمت جو لوحات فان غوخ كاختيار جريء يرفض المعايير التقليدية، وأبرزت رسائله لإظهار عمق رؤيته الفنية.
- الاستفادة من العلاقات: أهدت بعض اللوحات لشخصيات بارزة، واستهدفت معارض دولية لنشر أعماله عالميًا.
- إدارة المعارض بذكاء: عرضت لوحات بعينها على أنها “ليست للبيع” لتعزيز قيمتها الفنية.
- الاستفادة من التحولات الثقافية: ركزت على توافق أسلوب فان غوخ مع الموجة الحداثية التي تحتفي بالعاطفة والابتكار.
النتائج
بفضل جهود جو، أصبحت لوحات فان غوخ تُباع بملايين الدولارات.
في حياته – البائسة، باع فان لوحة واحدة فقط مقابل 400 فرنك (ما يعادل 2000 دولار اليوم). أما اليوم، فقد بيعت لوحته “صورة ذاتية مع الأذن المربوطة” بمبلغ 117 مليون دولار.
الدروس المستفادة
- العمل الإبداعي يحتاج إلى داعم: مثلما دعمت جو فان غوخ، قد تكون هناك حاجة لشخص يؤمن بالعمل الإبداعي ويعطيه دفعًا للأمام.الأعمال الإبداعية، مهما كانت جودتها، لا تصل غالبًا إلى الجمهور بدون شخص يؤمن بها ويدعمها. القصة المدهشة لفان غوخ توضح هذا بجلاء؛ حيث لم تجد لوحاته قيمة تُذكر أثناء حياته، رغم تفرد أسلوبه وتميزه. كان شقيقه ثيو هو أول داعم له.
عمل جو الجاد والمثابرة في مواجهة التحديات جعلت اللوحات التي كانت تُعتبر مجرد محاولات مجنونة وقتها، تُقدر اليوم بملايين الدولارات. هذا يبرز أن الإبداع وحده لا يكفي؛ بل يحتاج إلى من يؤمن به ويقدم له الدعم اللازم ليصل إلى الجمهور المناسب.
الداعم هنا لا يقتصر على كونه مسوقًا فقط، بل هو أيضًا من يستطيع تسليط الضوء على القيمة الحقيقية للعمل، سواء كان من خلال رواية القصة خلفه أو تقديمه في سياقات تساعد على تغيير وجهات النظر حوله. في حالة فان غوخ، كانت رسائله إلى ثيو عنصرًا رئيسيًا ساعد جو في بناء صورة عاطفية وإنسانية لأعماله، ما جعلها أكثر تأثيرًا وجذبًا للنقاد والجمهور. - الفن يتجاوز حدود اللوحة: القصة المرتبطة بالعمل الإبداعي تكمل العمل نفسه. والتسويق ليس منفصلًا عن الفن، بل هو امتداد له.الفن ليس مجرد عمل محصور داخل إطار اللوحة أو حدود العمل الإبداعي ذاته، بل هو امتداد لرسالة المبدع وقيمه، ويتضمن القصة التي يحملها العمل والطريقة التي يُعرض بها.
فان غوخ، على سبيل المثال، لم يقتصر إبداعه على ضربات الفرشاة الجريئة والألوان الزاهية، بل كان كل عمل جزءًا من رؤيته للحياة والطبيعة والإنسانية.
قصة الفن تضيف بعدًا آخر للعمل الإبداعي. جو، أدركت هذه الحقيقة وأعطت لأعمال فان غوخ الحياة التي تستحقها من خلال مشاركتها للقصص المرتبطة به، مثل رسائله وأفكاره وراء كل لوحة. هذه القصص لم تكن مجرد تفسيرات، بل وسيلة لخلق صلة عاطفية بين الجمهور والفن، مما رفع من قيمة الأعمال وأهميتها.
هذا المفهوم يبرز أهمية التسويق كجزء من العملية الإبداعية. التسويق ليس مجرد وسيلة لنشر الفن، بل هو أداة لتوسيع تأثيره. الطريقة التي تُقدّم بها القصة تجعل العمل أكثر إلهامًا وجاذبية. عندما يربط الجمهور بين الفن وقصته، يصبح العمل أكثر من مجرد قطعة للعرض؛ يتحول إلى تجربة وجدانية وفكرية تدوم أثرها.
لذا، يتخطى الفن حدوده المادية، ويصبح رسالة تمتد لتصل إلى القلوب والعقول، مما يثبت أن الإبداع ليس فقط في الإنتاج، بل أيضًا في الطريقة التي يُقدَّم بها. - التسويق ليس من مسؤولية الفنان وحده: يمكن تأجيل التسويق أو تفويضه للآخرين. الأولوية دائمًا للإبداع.في عالم الإبداع، قد يكون من الصعب على الفنان الجمع بين عملية الإبداع والتسويق معًا، لأن كل منهما يتطلب مهارات وطاقات مختلفة. الإبداع يتطلب التركيز على التعبير عن الأفكار والمشاعر من خلال العمل الفني، بينما يتطلب التسويق فهماً للسوق، وإستراتيجيات التواصل، وبناء علاقات مع الجمهور. لذا، ليس من العدل أو المنطقي تحميل الفنان مسؤولية كلتا العمليتين بشكل كامل.
تجربة فان غوخ مثال واضح على ذلك. أثناء حياته، ركز على الرسم والتعبير عن رؤيته الفريدة، لكنه لم يحقق النجاح التجاري أو التقدير الذي يستحقه.
كانت جو هي التي أخذت على عاتقها مهمة تسويق أعماله بعد وفاته.
لم تكن جو فنانة، لكنها كرست نفسها للترويج لأعماله من خلال التواصل مع النقاد، تنظيم المعارض، وحتى تقديم لوحاته كهدايا استراتيجية لتعزيز قيمتها.
هذا يبرز أن الإبداع والتسويق هما عمليتان منفصلتان، وكل منهما يحتاج إلى شخص يبرع فيه. ليس مطلوبًا من الفنان أن يكون خبيرًا في التسويق، بل يمكنه أن يركز على الإنتاج الإبداعي بينما يتولى آخرون عملية تقديم هذا العمل للجمهور.
من المهم أن يفهم الفنانون أنه لا بأس من طلب المساعدة أو التعاون مع أشخاص آخرين لنشر أعمالهم. النجاح ليس نتيجة جهد فردي فقط، بل هو نتيجة تضافر الجهود بين الفنان، والداعمين، والذين يؤمنون بالعمل ويسعون لتقديمه بأفضل صورة ممكنة.
القصة وراء نجاح فان غوخ هي تذكير قوي بأن الجهود الإبداعية لا تنتهي عند إكمال العمل، بل عند إيجاد السياق والقصة التي تجعل العالم يقدر ذلك العمل.
كفنان أو مبدع، ليس عليك أن تكون الشخص الذي يحمل عبء دعم وتسويق أعمالك بنفسك. دورك الأساسي هو التركيز على الإبداع والإنتاج، بينما يمكن أن يتم الدعم والترويج في وقت لاحق من قِبل شخص آخر.