أجلسوا الصوفية والوهابية على طاولة نقاش واحدة

يجدف بعيدا عن الحق، تتقاذفه أمواج الضلال وغربان الشؤم تحلق فوق رأسه منذرة بالضياع.. تائه في فيوض البحار والأنهار والأولياء، يجدف بعيدا وحيدا، لا ساحل له ولا أنيس.. لا نور له ولا دليل..

صراع الصوفية والوهابية لا معنى له غير استحواذ الشيطان على أهل الباطل وتلاعبه بهم!

لابد من وجود خلل يجعل المبتدع يغتر بمنهج الشيطان.. لابد أن يكون في نشأته أو تربيته أو تعليمه، خلل ما، وأبرز ذلك هو الترعرع بين أحضان أبوين مخدوعين بدين الشيوخ.

قد تكون النشأة في بيئة فاسدة ما يجعل الواحد منهم يتمسك بذلك الفساد، لكن يجب أن يتذكر أن الصحابة نشئوا في بيئة أشد فسادا، وآباء أكثر قسوة وصرامة في الباطل من أبويه ومجتمعه. بيئة تُعبد فيها الأصنام ويقتل فيها الإنسان على الدين، لكنهم خرجوا على كل ذلك إلى الحق دون تردد عندما تبين لهم الصواب، لم يكابروا ولم يعاندوا، ولم يصروا على الباطل، ولم يعجزوا عن البحث والتبين، فكانوا بذلك أفضل الناس.
لم يتبعوا الهوى دفاعا عن أصنام آبائهم، بل منهم من قتل أباه في بدر تمسكا بالحق الذي اهتدى إليه.
فلماذا أبناء المتصوفة على اتباع الهوى والباطل، وأمره ظاهر مكشوف؟ خاصة في هذا الزمن الذي أصبحت فيه المعلومة متداولة وفي يد الجميع.

كذلك يجعل التعليم هؤلاء يتمسكون بالباطل، فمن ترعرع في تعليم صوفي خالي من مبادئ العقيدة التي هي أساس الإسلام، لن يفهم الدين فهما جيدا، فالشيخ ليس أساس الدين بل العقيدة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم.
لا بد من التواضع، والنظر إلى الآخر ولو كان الوهابية بعين العدل والشفقة إن اعتقد أنها على باطل، ليهديها على الأقل، لا بعين البغض والحقد، فذلك من الشيطان، وهو أكبر دليل على أنه على باطل.
لماذا هذا التهويل الشيطاني وتحويل المسألة إلى حرب؟
فلا تكبر الأمور عن قدرها، ما هو إلا الرأي والكلام، لا علاقة له بالحرب ولا السب والشتم والأذية عند من فيه خير.
بتلك البغضاء والشحناء يصد الشيطان حزبه عن الحق وأهله، فترى الشيخ المسن لا يحتمل سماع كلمة “وهابية”، فلماذا؟
ما الذي فعلته له؟ ألا تدعوه إلى التوحيد والحوار لمصلحته أكثر من مصلحتها؟

أقول هذا لأني خبرت الفرقتين، وعرفت بالدليل الواضح أيهما أهدى طريقا.
الهدف في الأول والأخير هو النصح للمسلمين لأننا مؤمنين والحمد لله.
والشيطان يصد أتباعه بتلك العداوة الغبية، وهي حيلة من حيله، عن الحق وأهله، فيبث فيهم تلك الأحقاد التافهة والعداوة السخيفة التي لا معنى لها، فيصده عن الحق ببث الشجار، في حين أن الخلاف في الأصل فكري لا حربي. الدليل يجابه بالدليل، والكلمة ترد بالكلمة، لا بالحقد والطرد.

الباحث عن الحق يتواضع للغير وإن كان يهوديا أو نصرانيا أحرى أن يكون مسلما.
يسمع من مخالفه بغرض إحدى الحسنيين، إما أن يهتدي على يده، أو يهديه.

فلا تعادي الوهابي ولا النصراني ولا اليهودي ولا البوذي، لا تعادي إلا من اعتدى عليك، لكن من يتكلم معك يا أخي، ويدعوك، فاستمع له، واعترض على ما تعتقد انه باطل من كلامه، وسيربح كلاكما الكثير.

اسمع من الوهابية، لن تخسر شيئا بذلك. قارن ما عندهم بأدلتك. خذ منهم إن احتجت لذلك فالدين ليس من جيوبهم بل من فضل الله تعالى.
تواضع، ولا تقل وجدت أبي وقبيلتي على كذا، فقد قالها قبلك كفار قريش، فماذا ربحوا غير الخسران.
لن يُسألوا عن شيوخهم ولا عن أصنامهم، ولن يدفع كبير ولا شيخ عن أحدهم ذرة من العذاب (لا تزر وازرة وزر أخرى)، سيقف الكل فرادى بين يدي ربهم، ولن ينفعهم إلا العمل الصالح الذي أوله سلامة العقيدة لأن الشرك لا يغفر، وهو أخطر ما في بدعة التصوف على المسلم.

عندما يبغض الواحد الوهابية أو غيرها، ممن يجب عليه الشفقة عليه لهدايته للحق، فاعلم أن الشيطان يحتنكه ويصده عن الخير. ولو فكر وتريث لعرف أنه أضاع وقتا وفرص ثمينة في ذلك، كان بإمكانه استغلاله في البحث العلمي لمقارنة ما عنده وما عند الوهابية على الأقل. وربما ينفعه ذلك أعظم النفع، قال الشاعر:
تعلم الشر لا للشر ولكن لتوقيه … ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه
هذا بالنسبة للشر فما بالك بالخير كل الخير؟

don’t say لا تقل، لا أهتم بالوهابية ولا بالمسيحية ولا باليهودية، فأنت مسلم، والمسلم داعية إلى الله، وعمله الأول في هذه الدنيا هو الدعوة إلى الله مثل الأنبياء والرسل وأتباعهم، تلك رسالتهم الأولى، ثم بعدها تأتي أمور الدنيا الأخرى.
أنت سائر على خطا الأنبياء، فلا تقل أنا محايد، والأمر لا يعنيني.
قل أنا صوفي متواضع زاهد سليم الصدر محب للخير داعية إليه، التصوف يأمرني بذلك، أليس أساسه الزهد وسلامة الصدر؟ لماذا كل هذه الأحقاد؟
لماذا لا أنظر فيما عند الوهابية بحسن نية وسلامة قلب وشفقة عليها، الهدف في الأول والأخير هو أن أهديهم أو يهدوني.
لم لا أناظرهم بالتي هي أحسن، وأناقشهم بالحب والود والأدب الذي يملأ قلبي وجوارحي، حتى إن كانوا شياطين؟
لم لا أضفي عليهم من فيوض المحبة والقبول والرحمة ما لم يعرفوا له مثيلا، لأثبت لهم على الأقل أن الصوفي رائع، وأن الحق معه. لا أحد يعرف شيخي معرفة شخصية ليعاديه أو يحسده كما يقول جهلتنا، الحكم بمصيرنا ومصيره بيد الله وحده، كل شيء يناقش ويرد حتى كلامه، أليس بشرا مكلفا محاسبا ككل البشر، لن يكون أفضل من الصحابة، وكان بسطاء المسلمين يردون عليهم!
سأبحث عن الحق بنفسي الآن، سأنقب عنه أكثر من تنقيبي عن أي فائدة أخرى، فهو الأهم.
لن أفر من مواجهة الوهابية بعد اليوم.
سأبدأ بكتب ابن تيمية لأرى أيهما أهدى سبيلا، شيخي أم شيخه؟

Exit mobile version