فتوى الشيخ بجواز قتل المتظاهرين السلميين الخارجين على الدولة

فتوى الأمين العام لهيئة العلماء الموريتانيين بجواز قتل المتظاهرين: قراءة شرعية في ضوء الأدلة والمواقف

👮تمهيد

يتناول هذا المقال مسألة الجدل حول فتوى الشيخ الأمين العام لهيئة العلماء الموريتانيين بشأن المظاهرات وما يترتب عليها من أحكام شرعية، وما أثارته من ردود فعل في الساحة الموريتانية، سواء من أطراف معارضة أو مؤيدة.
الفتوى جاءت لتوضح الموقف الشرعي تجاه المظاهرات باعتبارها نوعًا من الفتن، ومقترنة بأحكام الحرابة عند تجاوز الحدود.

👮مضمون الفتوى: حماية الأمن العام وفق الشريعة

ركزت الفتوى على النقاط التالية:

  1. عدم جواز التظاهر إلا عند وجود كفر بواح له برهان شرعي:
    • استند الشيخ إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “ما أقاموا فيكم الصلاة”.
    • أكد على ضرورة وجود مبرر شرعي واضح لأي مظاهرة، وأن تكون سلمية وفق الضوابط الشرعية.
  2. حرمة المظاهرات التي تفضي إلى الفوضى والتعدي:
    • المظاهرات التي تتسبب في إحراق الممتلكات، والاعتداء على الأرواح والأموال، تدخل في دائرة الحرابة والإفساد في الأرض.
    • استشهد بآية الحرابة:
      “إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا” [المائدة: 33].
  3. تأييد استخدام القوة من قبل الدولة:
    • شددت الفتوى على أن مقاومة المتظاهرين للقوات العمومية تبيح لهذه الأخيرة قمعهم بالقوة وحتى قتلهم إذا اقتضت الضرورة.
    • وصفت أفراد الشرطة الذين يسقطون في هذا السياق بـ”الشهداء”، بينما عدت المتظاهرين الخارجين على القانون ب “المجرمين”.

👮الأسانيد الشرعية

  1. المنهج النبوي في مواجهة الحكام:
    • أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر على جور الحكام وعدم الخروج عليهم، استنادًا إلى حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه:
      “إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم فيه من الله برهان”.
  2. تحريم الفتن وأثرها على المجتمعات:
    • الفتن والمظاهرات تؤدي إلى زعزعة الأمن، تعطيل المصالح العامة، وتعريض أرواح الأبرياء للخطر، وهي من المحرمات.
  3. التأصيل الفقهي لعدم الخروج:
    • أوضح العلماء عبر التاريخ أن الخروج على الحاكم، سواء بالسيف أو بالتظاهر، يخالف منهج السلف، وقد يؤدي إلى فوضى تضر بالمجتمع.

👮ردود الفعل: بين الاعتراض والدعم

  1. اعتراضات المعارضين:
    • وصفت المعارضة الديمقراطية هذه الفتوى بأنها تسوغ “العنف” و”تشرعن القمع”.
    • أبرز المعترضين كانوا من الأطراف التي تدعم الحراك الشعبي، واعتبروا الفتوى انتهاكًا لحقوق الإنسان.
  2. مواقف مؤيدة للفتوى:
    • مؤيدو الفتوى اعتبروها درعًا لحماية المجتمع من الفوضى.
    • أكدوا أن تطبيق أحكام الشريعة، بما في ذلك حد الحرابة، كفيل بردع الخارجين عن النظام العام.

👮أثر المظاهرات: شواهد واقعية

أمثلة من الواقع الموريتاني والدولي تظهر الآثار السلبية للمظاهرات غير المنضبطة، منها:

👮الأدلة الشرعية على حرمة المظاهرات

👮خلاصة: موقف الشريعة والمجتمع

👮بعض التفصيل

قال الشيخ:
الضوابط الشرعية الأصلية هي أنه لا يجوز لأي كان أن يتظاهر إلا إذا رأى كفرا بواحا عنده من الله فيه برهان. وهذا حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد قال أيضا: “سيولى عليكم أمراء يهدون بغير هديي، ويستنون بغير سنتي، قالوا ألا ننابذهم بالسيف؟ قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة”.
فما أقام الأمير الصلاة، وترك الناس يقومون بشعائرهم، فلا يجوز الخروج عن طاعته وتأليب الناس عليه، ومن فعل ذلك فقد فعل محرما.
أما الضوابط الشرعية التي تنازل عنها الحاكم المسلم بمحض إرادته، وضُمنت ضمن الدستور، فهي ضوابط معروفة.
فلا يجوز أن يقع التظاهر إلا بمبرر شرعي، ولا يجوز أن يتجاوز الحدود المقبولة شرعا.
المظلوم إذا ظُلم، له أن يتظاهر بالطرق السلمية، كأن يرفع عارضة أو يقوم باعتصام سلمي، أما غير المظلوم فلا مبرر لوجوده في الشارع، ولا مبرر لتظاهره، ولا مبرر لتجاوزه إلى أموال الغير، فالخطأ والعمد في أموال الناس سواء.
هؤلاء الذين يتظاهرون بإحراق العجلات، أو كسر سيارات البعض، أو نهب الممتلكات، هؤلاء في دائرة الحرابة، وفي دائرة الإفساد في الأرض، وقد قال الله تعالى: “إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض”.
هؤلاء يقومون بفساد متعد، ويجب على السلطة التصدي لفسادهم لأنها المعنية بحماية الأموال والممتلكات والأرواح والأعراض والأنساب والأديان، وحينها لا يجوز للمتظاهرين مقاومة أفراد القوة العمومية الذين يتصدون لهم، وإذا قاوموهم، فإن الشرع يأذن لهم في ضربهم الضرب المبرح، فإن لم ينتهوا، فلهم أن يقمعوهم ولو أدى ذلك إلى قتلهم.
ومن يسقط في هذه العملية من أفراد الشرطة فهو شهيد، أما غيرهم فإنهم من المجرمين الذين تجاوزوا حدودهم ودخلوا في ورطة لا تحمد عقباها في الدنيا ولا في الآخرة، والعياذ بالله.

ملخص كلامه: أن الإسلام مع الأمن والجماعة، وضد أي خروج عليهما، فعلى المسلمين حمد الله على نعمة الأمن، وعدم المشاركة في أي شيء يزعزعه مثل المظاهرات، فذلك من الفتن.
ولا يجوز في الإسلام لغير المظلوم أن يخرج أو يتظاهر، فما شأن الخارجين بالحقوقي بيرام حتى يخرجوا له؟
هل هو أبوهم أم جدهم؟
كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، ليس فينا من هو مسؤول عن رعية الحاكم، ولا عن طموحات بيرام، فلماذا الخروج لأجله؟
وهل سبق وخرج أحد على الحاكم بهذه الطريق في تاريخ الإسلام الطويل؟

خروج المتظاهرين في حد ذاته فساد وتعطيل لمصالح الناس، وتعرض وتعريض للغير للمخاطر نتيجة الغوغاء وحركة القطيع الثائر، لذا تقوم الدولة بمحاولة ضبط الأمور، ويكون ذلك غالبا بالقوة، لن ينفع رمي الورود عليهم!
لهذا ثار المغرضون على فتوى الشيخ لأنهم أحسوا بالخطر، فهم لا يريدون للدولة أن تفهم أنهم مجرد خوارج مجرمين محاربين، وتعاملهم بما يستحقون، بل يريدونها أن تسبل لهم الطريق ليزعجوها وينافسوها في حكمها بعد ذلك!

تأمل في إغلاق الناس لبيوتهم عليهم في الأيام الأولى للمظاهرات التي تلت اعلان نتائج الحملة الرئاسية 2024، فلماذا؟
تأمل في إغلاق التجار لدكاكينهم؟ لماذا؟
لو كانت المظاهرات أمر جيد كما يزعمون لما ألقت في قلوب الناس الرعب، وكيف يسيطر دعاتها على القطيع الهائج حتى يدعونه إلى الخروج؟

هذه الفتوى ليست من خيال الشيخ بل مدونة في كتب علماء الإسلام، يعني لم يبتكرها بل هي فتوى وقاعدة معروفة مستنتجة من القرآن والسنة.
واعتداء المتظاهرين على الناس وعلى ممتلكاتهم، أمر واقع مشهود، وليس كذبا من الدولة كما يزعم هؤلاء.
ولولا أني دخلت حي “سيزيم” ليلة في مظاهرة الزنوج التي جرت في العام الماضي بسبب قتل أحد الزنوج من طرف رجال الشرطة، لما صدقت ذلك!
فقد رأوا سيارتي من 30 متر تقريبا، وكنت قد دخلت ذلك الشارع دون أن ألاحظهم، ومررت على بعض الزنجيات يحملقن في، ولم تحذرني أي واحدة منهن من الحشود المحتشدة في الظلام أمامي!
فانصبوا على سيارتي عندما رأوني مثل السيل والعياذ بالله، وهم يتصايحون “بيظاني بيظاني” – أبيض أبيض، كأنهم يأجوج ومأجوج!
وانهالت الحجارة على السيارة، ولكني نجحت بحمد لله في الفرار منهم، ومررت على نفس الزنجيات وهن ينظرن إلي بنفس النظرة البليدة الحاقدة.
ثم تعطلت السيارة بسبب ذلك عطلا فادحا، والحمد لله أن ذلك كان فيها، فأي خير يرجى من هذه المظاهرات؟
أمل تخرب سوريا واليمن وليبيا؟ ما الذي يراه دعاة الفتنة من جمال فيها؟
لم تكن لي ناقة لي ولا جمل في قضيتهم التي حاولوا صب سوادها علي، وعلى أمثالي من الأبرياء.
وقد كسروا سيارة صحفي وضربوه لمجرد أنه أبيض، وفعلوا الكثير، ولم تكن الدولة حينها تنتهج نهج الصرامة في معاقبتهم والتصدي لهم، لكن بعد مظاهرات السنغال التي أمر الحاكم فيها بإطلاق الرصاص على المتظاهرين، وهو ما أخمدها، عرف الجميع أن الحل مع هذه المظاهرات هو الصرامة، ولولا شدة الدولة – المحمودة، معهم لكانت المظاهرات تحرق الأخضر واليابس الآن لوجود الكثير من المغرضين والحاقدين في هذا البلد.

رأي أحد المدونين المهاجرين إلى أمريكا، في فتوى الشيخ:
نبدأ به لبلادته، فقد بدأ اعتراضه على الشيخ لقوله أن كل من يقتل في المظاهرات عليه تحمل مسؤولية خروجه، وللدولة قتله إن كان ذلك هو الحل!
فبدأ بسبه وقذفه ووصفه بالنعوت السيئة كأن لخلاف بينهما على طبق من الكسكس لا في الرأي! بسبب المصالح السياسية الأنانية، وعبادتهم التامة للديمقراطية.
فقال واصفا إياه: “عالم السوء الذي لم ينفع علمه العباد ولا الأمة، بل استخدمه لتشريع قتل الأرواح المحرم”.

أقول: الرجل حافظ للقرآن، فكم يحفظ منه هذا البعيد؟
الرجل عالم بالفقه فهل يعرف هذا الأبله أحكم السهو حتى؟
الرجل عالم بالسيرة فهل يعرف هو وزعيمه بيرام اسم جد النبي صلى الله عليه وسلم السابع؟
الرجل عالم بالحديث، فهل سمعا أو قرآ من قبل حديث البخاري رقم 1900؟
لا أقول الترمذي ولا الدارقطني ممن لا يعرف إلا أسمائهم!
الرجل يعرف تفسير القرآن، فهل يعرف هو تفسير أقل كلماته؟ ما معنى كلمة “الصمد”؟
أدلتنا من السنة والقرآن ، أما أدلتهم فمن دينهم الديمقراطي الذي لا دليل عليه ولا منطق فيه.

ثم قال: هذا العالم استخدم علمه استخداما سيئا، وعلى الفقهاء خاصة ولد سيدي يحي الرد عليه، فقتل الناس حرام، ولا يجوز تشريعه للدرك والجيش والشرطة، ولحيته التي تشبه لحية الشيطان، يُعرف من خلالها أنه من علماء السوء.
أقول: تأمل في كلام ومنطق هذا الجاهل، ينظر إلى الأمر من منظور الحقوق والديمقراطية الضيق، وليس لديه أدنى نصيب من علم ليحلل قوله الشيخ تحليلا صحيحا، ومثله زعيمه بيرام في ذلك بل أسوأ، لأن الأخير مزق كتب المسلمين وشتم علمائهم!

قال البيرام انه سيرفع دعوى قضائية ضد الشيخ. فما الحاجة لذلك، ألا جلس معه وناظره؟ ليرد على الدليل بدليل أقوى من أدلة حقوقه السخيفة التي ما أنزل الله بها من سلطان.
ألا يزعم أنه ديمقراطي وحقوقي، فأين حق الغير في التعبير حتى إن كان ضد هواه؟
هذا إرهاب، وهو ليس دولة ليرهب الناس، والدولة ليست تحت تصرفه ولا تخافه، ولا تخاف أوليائه اليهود والنصارى.
عجبا له يريد رفع دعوى ضد الشيخ لمن؟
للدولة التي مع الشيخ؟
أم لليونسكو الملعونة والمنظمات اليهودية، طز، لا سلطة لهؤلاء على الشيخ ولا على البلد، نحن دولة مستقلة عنهم والحمد لله.

ثم، وهذا هو المهم، عالم الدين يرد عليه عالم دين أو من لديه دليل، ولا يجرجر إلى القضاء مثل المجرمين، ومن طرف من؟ من طرف المجرمين العلمانيين الديمقراطيين السخيفين (وكل مؤمن بالديمقراطية وداعية إليها علماني، علم بذلك أم جهله).

البيظان يعانون اليوم لأن العنصريين داخلين في المسألة بقوة، وهدفهم الأكبر هو الأبيض، ولا رادع لذلك أقوى من اتباع أوامر الشرع، والشرع بقدر رحمته وشفقته، صارم تجاه الخروج والحرابة والجرائم الكبرى التي تمس تروع الآمنين وتهدد وجودهم. ألا ترى كيف يقطع يد السارق في مبلغ معين، لو قلت لمنظمات بيرام التي تعبد الحقوق والديمقراطية، ما رأيكم في قطع يد السارق، لقالوا ذلك من الهمجية والوحشية! كذلك قتل المتظاهرين المحاربين، الذين هم أخطر من السراق؟

والذين يسميه المدون علماء السلطان هم خير العلماء، لأنهم لا يخرجون على السلطان مثل علماء الفيافي والقفار الخوارج، وعلماء المتظاهرين!
وفي نفس الوقت هم حلقة الوصل بينه وبين الرعية، وذلك خير من حمل السلاح عليه!!
علماء البلاط كما يسميهم هم أتباع الصحابة فقد كانوا جميعا مع الحاكم منذ الدولة الأموية وحتى الدولة العثمانية لم يكن فيهم من يعارض، بل كان من يعارض يعتبر خارجيا ويعامل بالقتل.
الأمر خطير لما فيه من تهديد لإستقرار المسلمين ودينهم وجماعتهم.
وهذه الأمور كلها يهددها العنصريون اليوم بدعواتهم البغيضة التي تقطر سما، عجبا للدولة كيف تسكت عنهم؟!
الغرب اللعين موجود ويحميهم.

هذه الفتوى خطيرة عليهم وحدهم لا على البلد، ومانعة من مظاهراتهم وتخريبهم، والحمد لله.
ولولا ضرب الدولة بيد من حديد على يد المخربين لكان البلد يعاني من العنصريين، ولزاد طمعهم وفسادهم، لكن خمدت فتنتهم كأن لم تكن ببركة هذه الفتوى، ولو اتبعت الدولة فتاواهم لكانوا الآن يتمرغون عليها مثل الحمير.
نعم الضرب والتعذيب والقتل حرام، لكن إذا وقع على البريء، أما الحاقد الخارجي المتظاهر، خاصة المخرب، فقد يجوز لردعه لما في ذلك من ترويع لآمنين وتخريب لممتلكاتهم وتعطيل لمصالحهم وتحد للدولة واسقاط لهيبتها.

السيطرة على قطيع من الحمر المستنفرة أمر مستحيل بغير استخدام قوة الجَلد والسياط.

الدولة فوق الجميع، ولها أن تفعل ما تشاء، وعلى من لا يريد التعرض لأذاها أن يهتم برعيته، أي بشؤونه بدل شؤونها، فذلك لا يعنيه، ولم يكلفه الله به، وفيه من المشقة ما فيه.
كيف تنازعون الملك أهله، وأنتم مجرد ثعالب وغربان؟

وقال المدون الآخر: أنا أحترم الفقهاء، لكني أقول للفقيه الذي تكلم في الحرابة خارج السياق، أن المساجين قتلوا بدم بارد تحت التعذيب، والرئيس يتحمل أرواحهم أمام الله!

أقول: أولا أرواحهم في رقبة من أخرجهم إلى الفتنة بالدعوة إلى التظاهر، وفي رقبة من دعا إلى خروجهم، ومن أعان عليه، هذا هو الذي غرر بهم.
الرئيس لم يقفز عليهم، والدولة لا تقتل من لم يخرج عليها وعلى الناس، بل بالعكس تحفظه!
وقد خرجوا على الدولة بحجة الديمقراطية السخيفة. الدولة لم تسمح لهم بالتظاهر بل تحدوها، وخرجوا! فكيف تقبل ذلك؟ وبأي قوة أو سلطان يتحدونها غير سلطان الجهل والغرب المثير للفتن المتربص بكل المسلمين؟
إضافة لشهادة الواقع ضدهم، فهم فعلا داخلون في الحرابة لأن معناها ترويع الآمنين ونهب ممتلكاتهم وتخريبها، وهذا ما ينجم عن المظاهرات، وإذا كنت لم تجرب ذلك، فتعال ادخل المقاطعة الخامسة أو السادسة في أثناء مظاهرة للعنصريين، وسترى، حينها ستتمنى لو قصفتهم الدولة بالصواريخ لقبح العنصرية.

الرأي الديني هو ما قال الشيخ، لا الرأي الديمقراطي الحقوقي التافه الذي يؤيد المتظاهرين في فتنتهم!
الدين صارم مع أهل الفتن، فابحثوا في ذلك قبل أن تتحدثوا.
وليس في ذلك استرخاص لدماء أحد، بل الأفضل عدم تحدي الدولة وعدم الخروج، وما داموا فعلوا فلا يحملون غيرهم وزرهم، لأن الخروج هو أصل البلاء، وعليهم توقع كل شيء منه.
وقادتهم مثل الإنقلابيين والمعارضين السابقين، يضعون حياتهم في كفة ويغامرون بها، فغما الفوز بكل شيء او خسران كل شيء. فهذا مغامر مجنون، ليتحمل مسؤولية نزقه وجرأته.

👮الأدلة على حرمة المظاهرات في الإسلام

يجب أولا أن ننطلق من منطلق صحيح، وهو أن تنظر في صحة النصوص وتبحث في ذلك إن شئت لا في الأشخاص، فمثلا قد تكون كارها لأحد العلماء الواردين في هذا الموضوع، فيمنعك ذلك من مجرد النظر في كلامه، وهذا أكبر خطأ لأن المعيار ليس شخصه بل الدليل، صحة الحديث وتعلقه بالصحابة الذين هم سلفنا، سبقونا إلى الإسلام الصحيح الذي هم أعلم به، وقد أمرنا الله تعالى باتباعهم.

إذن حلل الدليل واترك عنك الرجال، فمثلا عندما تأتيني بقول شيخ أو غيره، لا انظر في القائل بل في القول، فأعرضه على الكتاب والسنة (على العلماء)، ثم على المنطق في درجة ثانية، ويكفيني جدا ما كان عليه الصحابة (السلف الصالح).
المشكلة في هذا الزمن أن الناس تفرقوا حتى في الدين، أصبح يوجد السلفي والصوفي والإخواني والأشعري، وانضاف لهم العلماني الديمقراطي.
فلا تنظر إلى الشخص بل إلى القول.

مقولة: “سيكون من الصعب عليك قول الحق إذا كنت مستفيدا من الباطل”.
لهذا يقبل الكثيرون بالديمقراطية، في حين أن الإسلام يردها!
يعرفون أنها كذبة، وأن أهلها الغربيون أعداء، لكن سياسة إبليس تغريهم.
إن حكم الشرع في الإضرابات والمسيرات والمظاهرات السلمية منها وغير السلمية، والانتخابات، هو أنه تقليد لأعداء الإسلام، و صدق الرسول صلى الله عليه وسلم إذ يقول: “لتتبعن سنن من كان قبلكم، حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن”.

يمكنك مطالعة الموضوع الفاضح للديمقراطية بقوة هنا.

قال ابن عثيمين رحمه الله: عليك باتباع السلف، إن كان هذا التظاهر والإعتصام موجوداً عند السلف فهو خير، وإن لم يكن فهو شر. ولا شك أن المظاهرات شر كلها، سواء منها المظاهرات السلمية وغير السلمية، لأنها تؤدي إلى الفوضى من المتظاهرين ومن الآخرين، وربما يحصل فيها اعتداء على الأعراض أو الأموال أو الأبدان، لأن الناس في خضم هذه الفوضى يكون الإنسان كالسكران لا يدري ما يقول ولا ما يفعل. فالمظاهرات شر سواء أذن فيها الحاكم أو لم يأذن. وإذن بعض الحكام بها ما هو إلا دعاية، وإلا لو رجعت إلى ما في قلبه لوجدته يكرهها أشد كراهة، لكن يتظاهر كما يقولون بأنه “ديمقراطي”، وأنه فتح باب الحرية للناس، وهذا ليس من طريقة السلف (وما أضاعنا إلا اتباع اليهود والنصارى كما ثبت في الحديث).
والمظاهرات أمر حادث، لم يكن معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في عهد الخلفاء الراشدين، ولا عهد الصحابة رضي الله عنهم، فلماذا نقوم بها؟ لو كان فيها خير لسبقونا إليه، فقد كان فيهم ملوك ظلمة إلخ.
ثم إن فيها من الفوضى والشغب ما يجعلها أمراً ممنوعاً، حيث يحصل فيها تكسير الزجاج والأبواب وغيرها، ويحصل فيها أيضاً اختلاط الرجال بالنساء، والشباب بالشيوخ، وما أشبه ذلك من المفاسد والمنكرات.
وأما مسألة الضغط على الحكومة فهي إنْ كانت مسلمة يكفيها واعظاً كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا خير ما يعرض على المسلم، وإنْ كانت كافرة فإنها لا تبالي بهؤلاء المتظاهرين، وسوف تجاملهم ظاهراً، وهي ما هي عليه من الشر في الباطن، لذلك نرى أن المظاهرات أمر منكر.
وأما قولهم إن هذه المظاهرات سلمية، فهي قد تكون سلمية في أول الأمر، ثم تكون تخريبية.
وأنصح الشباب أن يتبعوا سبيل من سلف، فإن الله سبحانه وتعالى أثنى على المهاجرين والأنصار، وأثنى على الذين اتبعوهم بإحسان.

وقال الألباني: أقول إن التظاهرات خروج عن طريق المسلمين وتشبه بالكافرين، وقد قال رب العالمين: “وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا”.

وفي فتاوى اللجنة: ننصحك وكل مسلم ومسلمة بالابتعاد عن هذه المظاهرات الغوغائية التي لا تحترم مالًا ولا نفسًا ولا عرضًا، ولا تمت إلى الإسلام بصلة، ليسلم للمسلم دينه ودنياه، ويأمن على نفسه وعرضه وماله.

وقال الشيخ صالح الفوزان: المظاهرات ليست من دين الإسلام، لما يترتب عليها من الشرور، من ضياع كلمة المسلمين، من تفريق بين المسلمين، لما يصاحبها من التخريب وسفك الدماء، لما يصاحبها من الشرور، وليست بحل صحيح للمشكلات، ولكن الحل يكون باتباع الكتاب والسنة وما جرى في الأزمان السابقة، أكثر مما يحصل الآن من الفتن.
الفوضى ليست من دين الإسلام. دين الإسلام يدعو إلى الانضباط، يدعو إلى الصبر، يدعو إلى الحكمة، يدعو إلى رد الأمور إلى أهل الحل والعقد، إلى العلماء “فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ”.
ديننا ليس دين فوضى، ديننا دين انضباط، ودين نظام وهدوء وسكينة، لا فوضى وتشويش وإثارة فتن. والمظاهرات ليست من أعمال المسلمين، وما كان المسلمون يعرفونها.
ماذا أثمرت المظاهرات الآن في الأماكن التي ظهرت فيها من الدول المجاورة لكم؟ ماذا أثمرت إلا سفك الدماء وتخريب الديار وتشريد الناس من مساكنهم، وهذه هي ثمرة المظاهرات.

وقال الشيخ مقبل: إنني أحمد الله سبحانه وتعالى فما تجد سنيًّا يحمل لواء هذه المظاهرات، ولا يدعو إليها إلا الهمج الرعاع، وماذا يستفيد المجتمع؟
ولقد أحسن الشيخ محمد بن سالم البيحاني رحمه الله إذ يقول:
هَيْهَاتَ لاَ يَنْفَعُ التَّصْفِيقُ مُمْتَلِئًا …. بِهِ الْفَضَاءُ وَلاَ صَوْتُ الهِتَافَاتِ
فَلْيَحْيَ أَوْ فَلْيَمُتْ لاَ يَسْتَقِيم بِهَا …. شَعْبٌ وَلاَ يَسْقُط الْجَبَّارُ والعَاتِي
يا أَسكَتَ اللهُ أَفْواهًا تَصِيحُ لَه …. فَكَمْ بُلِينَا بِتَصْفِيْقٍ وَأَصْواتِ
وكَمْ خَطِيبٍ سَمِعْنَا وَهُوَ مُنْدَفِعٌ …. وَمَا لَهُ أَثَرٌ مَاضٍ وَلا آتِ
المظاهرات تقليد لأعداء الإسلام، وكذلك الإضراب. وأهل السنة أعظم الناس إنكارًا لهذه الأمور، ولكنهم ينكرون هذه الأمور على بصيرة، فنحن ننكر هذه الأمور ولا نشجع على الثورات والانقلابات؛ لأنها ما صارت ثورة ولا انقلابات من صالح الإسلام والمسلمين، لكن يخسر المسلمون رجالهم وأعمارهم وأموالهم وتخرب دورهم، ثم يُؤتى بعلماني بدل العلماني، أو يؤتى ببعثي بدل البعثي، وربما تفضلوا وأتوا بعلماني بدل شيوعي. فأعداء الإسلام هم الذين يضعون هؤلاء الحكام على الكراسي.
أما الثورات والانقلابات على الحكام الذين هم في الديار الإسلامية فهذه ليست سبيل الإصلاح.
وسبيل الإصلاح هو تعليم المسلمين كتاب ربهم وسنة نبيهم وتعليمهم سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة صحابته إلخ.
ينبغي أن نربي شعوبًا قريبة من الصحابة، وما أظننا نستطيع، لكن ولو قريبة لكان أفضل. أما شعب يغضب إذا قطع الغاز أو السكر أو الحبوب، يقوم بثورة على حاكمه الذي يريد له الخير! هذه الدعوات تبني دعوتها على الخيالات والأوهام والتلبيس على المجتمع، ينقلون الناس من كذبة إلى كذبة أخرى.
والخروج ضد الحكام بلية من البلايا التي ابتلي بها المسلمون من زمن قديم، وأهل السنة بحمد الله لا يرون الخروج على الحاكم المسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه”.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا بويع لخليفتين فاضربوا عنق الآخر منهما”.
وقال عبادة بن الصامت رضي الله عنه: “دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا، وَأَثَرَةٍ علينا، وَأَلَّا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان”.
فالخروج على الحاكم يعتبر فتنة، فبسببه تُسفك الدماء ويضعف المسلمون، حتى لو كان الحاكم كافرًا، إذ لا بد أن يكون لدى المسلمين القدرة على مواجهته، حتى لا تسفك دماء المسلمين؛ فإن الله عز وجل يقول: “وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا”.
وتاريخ أهل السنة من زمن قديم لا يجيزون الخروج على الحاكم المسلم، وفي هذا الزمن الخروج على الحاكم الكافر لا بد أن يكون بشروط، فإذا كان جاهلًا لا بد أن يُعَلَّم، وألا يؤدي تغيير المنكر إلى ما هو أنكر منه، ولا تسفك دماء المسلمين.
ولست أدعو إلى الثورات والانقلابات، فإن الثورات والانقلابات ليست سبيل الإصلاح، أدعو إلى التعاون ومناشدة المسئولين، والجلوس في بيوت الله وتبليغ شرع الله، وعقد المحاضرات.
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: “خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم، قالوا: أفلا ننابذهم يا رسول الله؟ قال: لا، ما صلوا”.
ونحب الحكومات بقدر ما فيها من الخير، ونبغضها لما فيها من الشر، ولا نجيز الخروج عليها إلا أن نرى كفرًا بواحًا عندنا فيه من الله برهان، وبشرط أن نكون قادرين، وألا تكون المعركة بين المسلمين من الجانبين، فإن الحكام يصورون الخارجين عليهم بصورة المخربين المفسدين. وهؤلاء أصحاب الثورات والانقلابات على الملوك والرؤساء مساكين ما هم إلا ضرر على الدعوة الإسلامية.

قال الشيخ الشيخ عبد المحسن العباد: لا أعلم شيئا يدل على مشروعية هذه المظاهرات ، لا نعلم أساساً في الدين يدل على هذه الأشياء. وإن هذه من الأمور المحدثة التي أحدثها الناس، والتي استوردوها من أعدائهم من البلاد الغربية والشرقية، ليس لها أساس في الدين، ولا نعلم شيئاً يدل على جوازها وعلى مشروعيتها.. ويترتب عليها مفاسد، وقتل، وتضييق، ولو لم يكن من أضرارها إلا التضييق على الناس في طرقاتهم وفي مسيراتهم، لكان كافياً في بيان سوئها وأنه ليس لأحد أن يقدم على مثل هذه الأشياء.
والناس يبحثون عن المصالح ويتركون المفاسد، والمظاهرات من الخروج على ولي الأمر، لا شك.

قال الشيخ عبد المالك بن أحمد رمضاني: يُنكِر العلماء المظاهرات المُخترَعة في هذا الزّمن بحقّين، الأوّل: حقّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الطّاعة؛ فإنّ الأمر الّذي من أجله يقوم المتظاهرون هو طلب حقوقهم الشّرعيّة الّتي يرون أنّ السّلطان قصّر في أدائها لهم، فلو تكلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن هذه الحالة لكان له حقّ الطّاعة في ذلك كما له حقّ الطّاعة في كلِّ ما أمر به ونهى عنه، وبعضُ المفتونين بالمظاهرات يَحرصون على تخريجها مخرَج المصالح المرسلة وأنّها من النّوازل، لكنّ الّذي يَمنع مِنْ إدراجها تحت المصالح المرسلة هو أنّه صحّ أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أخبر عن فتنة السّلاطين وأعطى أمّتَه المخرج منها، فقد تواتر عنه صلّى الله عليه وسلّم أنّه أنذر أمّته وُجودَ أمراءَ بعدَ زمنه يمنعون شعوبهم حقوقَهم، فأمر فيها بأمرين هما الدّعاء والصّبر، أمّا الدّعاء فثبت عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنّه قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “إنّها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها، قالوا: يا رسول الله! كيف تأمر مَن أدرك منّا ذلك؟ قال: تؤدّون الحقّ الّذي عليكم، وتسألون الله الّذي لكم” رواه البخاريّ ومسلم والتّرمذيّ، فقد ذكر صلّى الله عليه وسلّم أنّ هؤلاء الحكّام يستأثرون بحقوق الرّعيّة ولا يؤدّونها لهم، فأمر مع ذلك الرّعيّة بأداءِ حقوق السّلطان له وطلبِ حقِّها مِن الله. فما محلُّ المظاهرات مِنْ هذا الحديث الواضح؟! هل نسيَها صلّى الله عليه وسلّم حتّى يستدركَ عليه مستدركٌ، أو غفلَ عنها حتّى يَفطنَ لها كفرةُ الغرب ويقلّدَهم فيها المستغربون مِن هذه الأمّة؟!
قال ابن تيمة: “فقد أخبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ الأمراء يَظلمون ويَفعلون أمورًا منكَرة، ومع هذا أمرنا أن نؤتيَهم الحقّ الّذي لهم، ونسأل اللهَ الحقّ الّذي لنا، ولم يأذن في أخذِ الحقِّ بالقتال، ولم يُرخّص في ترك الحقِّ الّذي لهم”.وقال النّوويّ: “هذا مِن معجزات النّبوّة، وقد وقع هذا الإخبار متكرّرًا ووُجِد مخبرُه متكرّرًا، وفيه الحثّ على السّمع والطّاعة وإنْ كان المتولّي ظالمًا عَسوفًا فيُعطَى حقَّه مِن الطّاعة ولا يُخرَج عليه ولا يُخلَع، بل يُتضرّع إلى الله تعالى في كشف أذاه ودفع شرّه وإصلاحِه”.
وروى مسلم عن وائل الحَضرميّ قال: “سأل سَلمةُ بن يزيدَ الجُعفيُّ رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا نبيّ الله! أرأيتَ إنْ قامتْ علينا أمراء يسألونا حقّهم ويمنعونا حقَّنا فما تأمرُنا؟ فأعرضَ عنه، ثمّ سألَه فأعرضَ عنه، ثمّ سألَه في الثّانية أو في الثّالثة، فجذَبه الأشعث بن قيسٍ وقال: اسمَعوا وأطيعوا؛ فإنّما عليهم ما حُمِّلوا وعليكم ما حُمِّلتم”. قال النّوويّ: “أي اسمَعوا وأطيعوا وإنِ اختصَّ الأمراء بالدّنيا ولم يوصِلوكم حقَّكم ممّا عِندَهم”.
وهذه الأحاديثُ في الحثِّ على السّمع والطّاعة في جميع الأحوال، وهدفها اجتماع كلمة المسلمين؛ فإنّ الخلاف سببٌ لفساد أحوالهم في دِينهم ودُنياهم.
وأمّا الأمرُ بالصّبر فكَيلاَ يقولَ عَجِلٌ: إلى متَى نصبرُ على أثَرَة هؤلاء الجَوَرة؟! فقد روى البخاريّ ومسلم عنْ أُسَيْدِ بن حُضَيْر رضي الله عنه “أنَّ رجلاً مِنَ الأنصار قال: يا رسول الله! ألا تستعملُني كما استعملْتَ فلانًا؟ قال: سَتلْقَوْنَ بعدي أثَرَةً، فاصبروا حتّى تلْقَوني على الحوض”، قال ابنُ حجَر في “الفتح”: “أي يومَ القيامة، وفي رواية الزّهريّ: أي اصبروا حتّى تموتوا؛ فإنّكم ستجدونَني عند الحوض فيحصُل لكم الانتصافُ ممّن ظلَمكم والثّوابُ الجزيلُ على الصّبر.
هذا الدّاء والدّواء في حديثٍ واحدٍ، فهل يَحلُّ لطبيبٍ أنْ يَدخلَ بين النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأمّتِه بشيءٍ زائدٍ؟! وكلُّ مؤمِن يَعلمُ أنّ هذا الدّواء قرّره مَنْ قال الله فيه: “وما ينطق عَنِ الهوى * إنْ هو إلاّ وَحْيٌ يُوحَى”؟! فبأيِّ حقٍّ يُطاعُ الغربُ الكافرُ في اختراعِه المظاهرات لخلعِ الحكّام، ويُعصى الرّسول صلّى الله عليه وسلّم الرّؤوف الرّحيم بأمّتِه النّاصحُ لهم بتمام نصحٍ وإحكامٍ؟!
ومِنَ العجائب أنّ بعضَ المتظاهرين قالوا إنّهم قاموا بسبب أنّ حكّامَهم لا يَحكمون بما جاءهم به الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، وهَا هم أنفسُهم لا يَحكمون بما جاءهم به الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في مسألَة ظلم الحكّام!!
الثّاني: حقُّ السّلطان المسلم في طاعته في المعروف وتركِ جميع أسباب الخروج عليه؛ فإنّ المتجمِّعين ضدَّه قصدُهم منازَعتُه في منصِبِه وإحلال غيرِه محلَّه، وقد حرّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلَّم منازَعةَ السُّلطان في إمارَتِه ما دام مسلِمًا؛ قال عُبادَة بنُ الصّامت: “دعانا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فبايَعْنَاه، فكان فيما أخَذَ علينا أنْ بايعنا على السّمع والطّاعة في منشَطِنا ومكْرَهِنا وعُسْرِنا ويُسْرِنا وأَثَرةٍ علينا، وأنْ لا ننازع الأمرَ أهلَه، قال: إلاَّ أنْ تَرَوْا كُفْرًا بواحًا عِنْدَكم فيه مِنَ الله برهانٌ” رواه البخاريّ، فإنّ أخْذَ السُّلطانِ أموالَ رعيّتِه بغير حقٍّ ظلمٌ عظيمٌ، ولكن لا تَسْقُط به حُقوقُه مِن السّمع والطّاعة وتَرْك منازَعَتِه، هذا هو حُكْمُ رَسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسِياسَتُه الحكيمَة الّتي لا يرضى بها أصحاب المظاهرات القائلون: الحاكمُ الّذي لا يُؤدِّي إلينا حقوقَنا المادّيَةَ نُنازِعُه الحُكْمَ!! فأين ذهبَتْ عقولُ المسلمين مع هذه الأدلَّة الصَّريحةِ؟!
قال ابنُ تيمية رحمه الله: “فهذا أمْرٌ بالطّاعة مع استئثار وليِّ الأمر، وذلك ظُلْمٌ منه، ونَهى عنْ منازعة الأمر أهلَه، وذلك نهيٌ عن الخروج عليه؛ لأنّ أهلَه هم أولو الأمر الَّذين أمَرَ بطاعتِهم، وهم الَّذين لهم سلطانٌ يَأمرون به، وليس المراد مَنْ يستحقُّ أنْ يُولَّى ولا المتولِّي العادِل؛ لأنَّه قد ذكَرَ أنّهم يَستأثرون، فدلَّ على أنَّه نهى عنْ منازعة وليِّ الأمر وإنْ كان مُستأثِرًا”.
وفي هذا ردٌّ مِنْه رحمه الله على مَنْ أرادَ أنْ يُعطِّلَ العملَ بالحديث زاعمًا أنَّ النّهيَ عنْ منازعة الأمر مَنْ كان أهلاً لأنْ يُوَلَّى مِنَ العُدولِ، فلْيُتأمَّل.
وأينَ هي دَعْوى محبّتِهم الرّسولَ صلّى الله عليه وسلّم وقد قال تعالى: “قُل إنْ كنتم تُحبُّون اللهَ فاتَّبعوني يُحبِبْكم اللهُ ويَغفِرْ لكم ذنوبَكم والله غفور رحيم”؟! أيكونُ النِّظامُ الدّيمقراطيُّ أهدى إلى استرجاع الحقوق مِنْ هَدْي رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم، والله سبحانَه وتعالى يقول: “وإنْ تطيعوه تهتدوا”؟! أيكونُ النّظام الدّيمقراطيُّ أرحمَ بمهضومي الحقوق وأرأفَ واللهُ يقول: “لقد جاءكم رسولٌ مِنْ أنفُسِكم عزيزٌ عليه ما عَنِتُّم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم”.
وأينَ هم ممَّا روى مسلم مِنْ حديث حُذَيفةَ رضي الله عنه أنَّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلَّم قال: “يكونُ بعدي أئمَّةٌ لا يهتدون بِهُدايَ ولا يَستنُّون بسُنّتي، وسيقوم فيهم رجالٌ قلوبُهم قلوبُ الشّياطينِ في جُثمانِ إنس، قال: قلتُ: كيف أصنعُ – يا رسول الله! – إنْ أدركتُ ذلك؟ قال: تَسمَعُ وتُطيعُ للأميرِ وإنْ ضُرِبَ ظهْرُك وأُخِذَ مالُك فاسمعْ وأطِعْ”؟! ونحنُ قد أدركْنا هذا الّذي أخبرَ به النّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم في كثيرٍ مِنَ البلاد، فلماذا لا تَسَعُنا وصيّتُه صلَّى الله عليه وسلَّم هذه لِحُذيفةَ رضي الله عنه ولسائر الأمّة؟! وقد أمَر صلّى الله عليه وسلّم بالسّمع والطّاعة كما أمَرَ بالصّبر، ولم يأمُر بالمظاهرات، فهلِ الكفّارُ أهدى مِنْه سبيلاً؟! وهلْ هُم بالحقِّ أقومُ قِيلاً؟!
مع أنّ مقوِّمات المظاهرات كانتْ متوفِّرةً في كلِّ عهدٍ، أقصِدُ البشرَ الَّذين يتجمَّعون، والأصوات الّتي بها يَصرُخون، والأرجلَ الّتي بها يمشون، والظّلمُ كان ينطحُ بقرنين ويَمشي قائمًا على قدَمَين..
فإذا اختارَ الرّسولُ صلّى الله عليه وسلّم لأمّتِه المظلومة شيئًا أيَحِلُّ لأحَدٍ أنْ يختارَ غيرَ ما اختارَ أوْ يَستدْرِكَ عليه في هذا الاختيار؟! “فإنَّها لا تعمى الأبصارُ ولكنْ تعمى القلوبُ الَّتي في الصُّدورِ”!

قال ابنُ تيميةَ رحمه الله: “فعَلَى كلِّ مؤمنٍ أنْ لا يتكلَّمَ في شيءٍ مِنَ الدِّين إلاَّ تَبَعًا لِما جاء به الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ولا يتقدَّم بين يديه؛ بل ينظُرُ ما قالَ فيكونُ قولُه تَبَعًا لقولِه وعملُه تبعًا لأمرِه، فهكذا كان الصَّحابةُ ومَنْ سلكَ سبيلَهم مِنَ التّابعينَ لهُم بإحسان وأئمّةِ المسلمين؛ فلهذا لم يكن أحدٌ منهم يُعارض النّصوصَ بمعقولِه، ولا يُؤسِّسُ دينًا غيرَ ما جاء به الرّسولُ صلّى الله عليه وسلّم، وإذا أرادَ معرفةَ شيءٍ مِنَ الدّين والكلامِ فيه نظَرَ فيما قالَه الله والرَّسول صلّى الله عليه وسلّم، فمِنْهُ يَتعلّمُ، وبه يَتكلَّمُ، وبه يَنظُرُ ويَتفكَّرُ، وبه يَستدلُّ، فهذا أصلُ أهلِ السُّنَّة. وأهلُ البدعِ لا يَجعلون اعتمادَهم في الباطِنِ ونفسِ الأمرِ على ما تَلقَّوْهُ عنِ الرَّسولِ صلّى الله عليه وسلّم؛ بلْ على ما رأوْهُ أوْ ذاقوه، ثمّ إنْ وَجَدُوا السُّنَّةَ توافِقُه، وإلاَّ لم يُبالوا بذلكَ، فإذا وجدوها تُخالِفُه أعرَضوا عنْها تفويضًا أوْ حَرَّفوها تأويلاً، فهذا هو الفرقان بين أهلِ الإيمان والسّنّة وأهلِ النّفاقِ والبدعةِ”.
وأمّا ما قيل في نجاح المظاهرات فإنَّه مِنْ تزيين الشّيطان؛ لأنّ مِنْ وظائفِه إضفاء المشروعيَّة على عملٍ ما بتحسينِ نتائجِه فيما يُظهِرُه للنّاس، ويُقنِعُهم بالنّتائج المزيَّنةِ حتّى يَصُدّهم عن البحث عن البيّنَة الّتي هي أصل المسألة، قال الله تعالى: “وزيّنَ لهم الشّيطان أعمالَهم فصدَّهم عن السّبيل فهم لا يَهتدون”، ولا ريبَ أنَّ النّجاحَ الظّاهريَّ لا يُعدُّ نجاحًا إلاّ بشرطين هما:
الأوّل: أنْ يكونَ العاملون فيه يُريدُونَ وجهَ ربِّهم لا أنْ يَقوموا مِنْ أجل بُطونِهم.
والثّاني: أنْ يكونوا فيه مُتَّبعِين للرَّسول صلَّى الله عليه وسلّم لا مخالِفين له.
وممَّا سبَق فقد بان مخالفة المتظاهرين لهديِ نبيِّهم صلَّى الله عليه وسلّم، أمَّا مِنْ جِهة النّيَّة فقد علِمَ النّاس أنّ أكثر المتظاهرين قاموا طلبًا لِشِبعٍ أو دفعًا لوجَعٍ، عَرَّاقون مرَّاقون “إنْ أُعْطوا مِنْها رَضُوا وإنْ لم يُعطَوا مِنْها إذا هم يَسخَطون” (أي طلاّبُ مَرَق وطلاَّبُ عَرْق، وهو العظم عليه بقيَّةٌ من اللَّحم).

* الأدلَّةَ على حُرْمة المظاهرات

إنَّ المظاهراتِ قسمان:
القسمُ الأوَّل: المظاهراتُ الَّتي يُرادُ منها أمورٌ شرعيَّةٌ دينيَّةٌ.
القسم الثَّاني: المظاهراتُ الَّتي يُرادُ مِنْها أمورٌ دُنيَويَّة، وهذِه نوعان: النَّوع الأوَّل: المظاهراتُ لإسقاط حاكمٍ لدافعٍ دُنيَويٍّ لا دينيٍّ. النَّوع الثَّاني: المظاهراتُ لتَحصيلِ ما سوى ذلكَ مِنْ أمور الدُّنيا.
أمَّا القسمُ الأوَّل: المظاهراتُ الَّتي يُرادُ مِن ورائها تَحقيق أمورٍ شرعيَّةٍ دينيَّةٍ، فهذه بدعةٌ في الدِّين؛ لأنَّها مُحدَثة، والقاعدة الشَّرعيَّة النَّبويَّة: “أنَّ كلَّ بدعةٍ ضلالةٌ”، كما أخرجَ ذلك مسلمٌ في صحيحِه.
فإنْ قيل: إنَّ هذه مِن الوسائل، والأصلُ في اتِّخاذِ الوسائل الجوازُ ما دامتْ مباحةً.
فيُقال: هذا حقٌّ، لكنْ في غير الوسائل المؤدِّيَة إلى العبادات، فإنَّ للوسائل أحوالاً ثلاثةً:
الحالةُ الأولى: الوسائلُ الملغاةُ، وهيَ الوسائلُ الَّتي جاءَ النَّهيُ عنها بدَليل خاصٍّ، ولا إشكالَ في بدعيَّةِ اتِّخاذِ هذه الوسائل، كاتِّخاذِ التَّمثيلِ وسيلةً مِنْ وسائلِ الدَّعوةِ؛ لأنَّه مُحَرَّمٌ؛ لكونِه مُتضمِّنًا الكذبَ.
الحالةُ الثَّانية: الوسائلُ المعتبَرَة، وهيَ الَّتي نصَّ الشَّرعُ على جَوازِها بنصٍّ خاصٍّ، مثلَ: جَعل الأذانِ وسيلةً للإعلامِ بدُخولِ وقت الصَّلاة، ولا إشكالَ في شرعيَّة هذه الوسائلِ.
الحالةُ الثَّالثة: الوسائل الَّتي لم يأتِ نصٌّ خاصٌّ بجوازِها ولا حُرْمتها، وهذه تتردَّدُ بينَ المصالحِ المرسَلةِ والبِدَع المحدَثة، والضَّابط في التَّفريقِ بينَ هذَين النَّوعَيْن دقيقٌ، حرَّرَه تحريرًا بديعًا شيخُ الإسلام ابن تَيمية، وكان يُردِّدُه كثيرًا العلاَّمةُ الألبانيُّ – رحمه الله -، وخلاصةُ ذلكَ أمرانِ:
الأوَّل: أن ينظُرَ في هذا الأمر المرادِ إحداثُه لكَونِه مصلحةً، هل المُقتَضِي لِفعلِه كانَ موجودًا في عهدِ الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم والصَّحابةِ والمانعُ مُنتفيًا؟
أ- فإنْ كانَ كذلكَ فَفِعلُ هذه المصلحةِ المزعومةِ بدعةٌ؛ إذ لو كانت خيرًا لسَبَق القومُ إليه فإنَّهم بالله أعلمُ وله أخشى، وكلُّ خيرٍ في اتِّباعِهم فِعلاً وتركًا.
ب- أمَّا لو كانَ المُقتَضي – أي السَّببُ المُحوِجُ – غيرَ موجودٍ في عهدِهم، أو كانَ مَوجودًا لكنْ هناك مانعٌ يَمنعُ مِن اتِّخاذِ هذه المصلحةِ، فإنَّه لا يكونُ مَصلحةً مُرسَلةً، وذلكَ مِثلَ جَمعِ القرآنِ في عهدِ رَسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فإنَّ المُقتَضِيَ لِفِعلِه غيرُ موجودٍ؛ إذ هو بينَ أظهُرِهم لا يُخشَى ذهابُه ونِسيانُه، أمَّا بعدَ موتِه فخُشِيَ ذلكَ، لأجلِ هذا جَمَعَ الصَّحابةُ الكرامُ القرآنَ، ومِنَ الأمثلةِ أيضًا: الأذانُ في مُكَبِّراتِ الصَّوتِ، وتَسجيلُ المُحاضراتِ في الأشرطةِ السَّمعيَّة، وصلاةُ القِيامِ في رمضانَ جماعةً، فكلُّ هذه الأمورِ كانَ يوجَدُ مانعٌ في عَهدِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم مِنْ فِعلِها.
أمَّا الأمرانِ الأوَّلان: فعدمُ إمكانِه لعدَم وُجودِها في زمانِه، أمَّا الأمرُ الثَّالثُ: فإنَّه ترَكَ الفعلَ خشيةَ فَرضِه، وبعدَ موتِه لم يَكُنْ لِيُفرضَ شيءٌ لمْ يَكنْ مَفروضًا مِنْ قبلُ.
الثَّاني: إنْ كانَ المُقتَضِي غيرَ موجودٍ في عهدِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فيُنظَرُ فيه هل الدَّاعي له عندَنا بعضُ ذُنوبِ العبادِ؟ فمِثلُ هذا لا تُحدَثُ له ما قد يُسَمِّيه صاحِبُه مَصلحةً مُرسَلة، بل يُؤمرون بالرُّجوع إلى دين الله والتَّمسُّك به؛ إذ هذا المطلوبُ مِنهم فِعلُه، والمطلوبُ مِن غيرِهم دعوتُهم إليه، ويُمثَّلُ لهذا بتقديم الخُطبةِ على الصَّلاةِ في العيدَيْن لأجل حَبس النَّاس لسماع الذِّكْر، فمِثل هذا مِن البدَع المحدَثة لا مِن المصالح المرسَلة، وإليك كلامَ الإمام المحقِّق ابن تيميَّة في بيان هذا الضَّابط، قال ابنُ تيميَّة في “اقتضاء الصِّراط المُستقيم”: “والضَّابطُ في هذا – والله أعلم – أنْ يُقالَ: إنَّ النَّاسَ لا يُحدِثونَ شيئًا إلاَّ لأنَّهم يَروْنَه مَصلحةً؛ إذ لو اعتقدوه مَفسدةً لم يُحدِثوه، فإنَّه لا يَدعو إليه عقلٌ ولا دِينٌ، فما رآه النَّاسُ مَصلحةً نُظِر في السَّبب المُحوِج إليه، فإن كانَ السَّبب المُحوِج أمرًا حدَثَ بعدَ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مِن غيرِ تفريطٍ منَّا، فهُنا قد يَجوزُ إحداثُ ما تَدعو الحاجةُ إليه، وكذلكَ إنْ كانَ المُقتضِي لِفِعلِه قائمًا على عهدِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، لكن تَركَه النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لمُعارضٍ زالَ بموتِه. وأمَّا ما لم يَحدُث سببٌ يُحوجُ إليه، أو كانَ السَّببُ المُحوِجُ إليه بَعض ذنوبِ العباد، فهنا لا يجوز الإحداثُ، فكلُّ أمرٍ يكونُ المقتضي لفعله على عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مَوجودًا لو كانَ مَصلحةً، ولم يُفعَلْ يُعلَمُ أنَّه ليس بمصلحةٍ، وأمَّا ما حدثَ المُقتَضي له بعد موته مِن غير معصيةِ الخلق، فقد يكونُ مصلحةً”.
ثمَّ قال: “فأمَّا ما كانَ المُقتَضِي لفعلِه موجودًا لو كانَ مَصلحةً، وهو مع هذا لم يَشرعْهُ، فوَضعُه تَغييرٌ لدينِ الله، وإنَّما دَخل فيه مَن نُسِب إلى تغيير الدِّين مِن الملوكِ والعُلماء والعُبَّاد، أو مَن زلَّ مِنهم باجتهادٍ، كما رُوي عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وغيرِ واحدٍ مِنَ الصَّحابة: “إنَّ أخوفَ ما أخافُ عليكم: زلَّةُ عالِمٍ، وجِدالُ منافِقٍ بالقُرآن، وأئمَّةٌ مُضِلُّون”.
فمِثالُ هذا القِسم: الأذانُ في العيدَيْن، فإنَّ هذا لمَّا أحدَثَه بعضُ الأمراء أنْكَرَه المسلمون؛ لأنَّه بدعة، فلو لم يَكن كونُه بِدعةً كان دليلاً على كراهيتِه، وإلاَّ لقيل: هذا ذِكرٌ لله ودُعاءٌ للخلقِ إلى عبادة الله، فيَدخُل في العموميات كقولِه: “اذكُروا اللهَ ذِكرًا كثيرًا”، وقولِه تعالى: “ومَنْ أحسَنُ قولاً مِمَّن دعا إلى اللهِ وعَمِلَ صالِحًا”.
وبعدَ هذا التَّحقيقِ البديعِ مِن شيخ الإسلام ابن تيميَّة، فإنَّ فِعالَ الصَّحابة والسَّلف دالَّة على دُخولِ البدَع في الوسائِل، كما تَدخلُ في الغاياتِ، ومَنْ نازَع في ذلكَ نازَعَ سلفَ الأمَّة وهُم خَصمُه، ومِنَ الأمثلة الدَّالَّة على ذلك ما روى البخاريُّ في قصَّة جَمْع المصحفِ وأنَّ عمرَ بن الخطَّاب أشارَ على أبي بكرٍ بالجمعِ، فقال له أبو بكرٍ: كيفَ تَفعلُ شيئًا لمْ يَفعلْهُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وبِمثلِ هذا أجابَ زيدُ بنُ ثابتٍ أبا بكرٍ الصِّدِّيق لمَّا عرض عليه جمعَ المصحف.
ففي هذا دلالة واضحة على أنَّ البدعَ تدخُل في الوسائل كما تدخل في العبادة ذاتِها؛ وذلك أنَّ جمعَ المصحف مِن الوسائل، ومع ذلك احتجُّوا بعدَم فعلِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فإنْ قيلَ: لماذا إذَن جمعوا المصحفَ مع أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم لم يَفعلْه؟ فيُقال: لأنَّ مُقتَضى – أي: سَبب – الجمع وُجِد في زمان أبي بكر رضي الله عنه، ولم يَكن موجودًا في زمان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ إذ هو حيٌّ بينَ أظهُرِهم فَبِوُجُودِه لا يُخشى ذهابُ القرآن.
ومِن الأدلَّة أيضًا: ما ثبتَ عند الدَّارميِّ وابنِ وضَّاح أنَّ ابنَ مسعودٍ أنكرَ على الَّذين كانوا يَعدُّون تَكبيرَهم وتَسبيحَهم وتهليلَهم بالحصى، واحتجَّ علَيهم بأنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابَه لم يَفعلوا، مع أنَّ عدَّ التَّسبيح راجعٌ للوسائل.
وبعدَ أنْ تبيَّن أنَّ المظاهراتِ الَّتي تُفعَل لأمورٍ شرعيَّةٍ دينيَّةٍ بدعةٌ مُحدَثةٌ لم يَفعلْها رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ولا صحابتُه مع إمكانِ فِعلها، فلا يصحُّ لأحدٍ بعدَ هذا أنْ يَعترِضَ بأنَّ الأصلَ فيها الإباحةُ فلا تُمنَعُ إلاَّ بدليلٍ؛ لأنَّها عبادةٌ، والأصلُ في العبادات الحُرمَة، وهذا مثل مَنْ لم يَقنَع بالمنع من الاحتفالِ بمولِد النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بحجَّة أنَّه لا دليلَ يدلُّ على المَنع.
فيُقال: إنَّ الدَّليل على منعِها كَونُها عبادةً، ولا دليلَ على شرعيَّتِها، فتكونُ بدعةً؛ لأنَّ الأصلَ في العباداتِ الحظرُ والمنعُ، وانظُر بحثًا مُفيدًا لأخينا الشَّيخ حمَد العَتِيق بعُنوان: “المظاهراتُ بين الاتِّباع والابتداع”.

أمَّا القسمُ الثَّاني: المظاهراتُ الَّتي يُرادُ مِنْها تَحقيقُ أمورٍ دُنيَويَّةٍ، وهذه نوعان كما تقدَّم:
أمَّا النَّوعُ الأوَّل: وهي المظاهراتُ لإسقاط حاكمٍ لدافعٍ دُنيَويٍّ لا دينيٍّ، فهذه محرَّمةٌ بدلالةِ كلِّ نصٍّ على وُجوبِ السَّمع والطَّاعة للحاكم ولو كان فاسقًا غيرَ عدلٍ، فمع تكاثر الأدلَّة في حرمة هذا الفعل – وهذا كافٍ، فكذلك السَّلف أجمعوا على حرمة هذا الفعل وتَضليل مَن خالفَ فيه، ودونَكم ما شئتم مِنْ كُتُب الاعتقاد السَّلفيِّ، ومَن حاولَ المنازعةَ في هذا فقولُه مَردود، وهو ضالٌّ قد خالفَ ما عليه دلائل السُّنَّة وآثارُ السَّلف.
وتزدادُ حرمةُ هذا النَّوع إذا فُعِل لأجلِ الدِّين أيضًا، فإنَّه بالإضافة إلى كونِه محرَّمًا يكونُ بدعةً، ثمَّ كلُّ ما سيأتي مِنَ الأدلَّة في النَّوع الثَّاني يَصلُح دليلاً على حُرمَة هذا القِسم، وللشَّيخ عبد السَّلام بن بَرْجَس آل عبد الكريم – رحمه الله – كتابٌ نفيسٌ فيما يتعلَّق بهذا النَّوع، قد أثنى عليه شيخُنا العلاَّمة ابنُ عثيمين في شرحِه على “السِّياسة الشَّرعيَّة” لابنِ تيميَّةَ، واسمُ الكتاب: “مُعاملةُ الحُكَّام في ضوء الكتابِ والسُّنَّة”.
أمَّا النَّوع الثَّاني: المظاهراتُ لتَحصيلِ ما سوى ذلك مِنْ أمور الدُّنيا، فهيَ محرَّمةٌ لأوجُه كثيرة، مِنْها:
الوجْهُ الأوَّل: أنَّ المظاهراتِ – ولو كانتْ سِلميَّةً – خلافُ ما أمرَ به رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم مِنَ الصَّبْر على جَوْر الحكَّام الَّذينَ اغتصبوا الحقوقَ، كما أخرج الشَّيخان عن ابن مسعودٍ أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: “ستكونُ أثَرَةٌ – أي حكَّامٌ يُؤثِرون أنفُسَهم علَيكم في أخذِ حُطامِ الدُّنيا – وأمورٌ تُنكِرونَها – أي حكَّام عندَهم معاصٍ شرعيَّة، قالوا: يا رسولَ الله! فما تأمُرُنا؟ قالَ: تُؤدُّونَ الحقَّ الَّذي عليكم، وتسألونَ الله الَّذي لكم”، وفي “الصَّحيحَيْن” عن أُسَيْد بن حُضَيْر قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: “ستلْقَون بعدِي أثرةً، فاصْبِروا حتَّى تلْقَوني على الحَوْض”، فنحنُ مأمورونَ بالصَّبر، لا بالمظاهرات للضَّغطِ على الحُكَّام، وقد أمَرَ أئمَّةُ السُّنَّة بالصَّبْر وقالوا: “حتَّى يَستريحَ بَرٌّ، أوْ يُستَراحَ مِنْ فاجِرٍ”.
الوجه الثَّاني: أنَّ فيها فتحَ بابِ شرٍّ بتحكيم الشُّعوب، فكلَّما أرادَ الشَّعبُ أمورًا تظاهَروا للمطالبةِ به، فإذا أرادَ أهلُ الشَّهواتِ أمرًا مِنْ أمورِ الشَّهواتِ المحرَّمة تظاهروا للمطالبةِ به، فاستُجيبَ لهم، وإذا أرادَ العلمانيُّونَ واللِّيبراليُّونَ أمرًا تظاهَروا للمطالبة به، فاستُجيبَ لهم، وهكذا… ومِنَ المعلوم أنَّ أهلَ الاستقامة والدِّيانةِ أقلُّ مِنْ غَيْرِهم بكثيرٍ في المجتمعات الإسلاميَّة؛ قالَ تعالى: “فمِنْهُم مهتَدٍ وكثيرٌ مِنْهم فاسقون”.
الوجه الثَّالث: أنَّ أكثَرَ المظاهرات – إنْ لم يَكُنْ كلُّها – متَضَمِّنةٌ على اختلاط الرِّجالِ بالنِّساء، الاختلاط المحرَّم، وما خالَفَ ذلكَ فهو قليل لا حُكْمَ له، والواقعُ المُشاهَد خيرُ بُرهانٍ.
الوجهُ الرَّابع: أنَّ جَوْرَ الحكَّام بسَبَبِ ذنوبِ المحكومين، والذُّنوبُ لا تُرْفَع إلاَّ بالتَّوبة والاستكانة إلى الله لا بالمظاهرات، قال شيخُ الإسلام في “منهاج السُّنَّة النَّبويَّة”: “وكانَ الحَسَن البصريُّ يقول: “إنَّ الحجَّاج عذابُ الله، فلا تدفعوا عذابَ الله بأيديكم، ولكن عليكم بالاستكانة والتَّضرُّع؛ فإنَّ الله تعالى يقول: “ولقد أخذْناهم بالعذابِ فما استكانوا لربِّهم وما يَتَضَرَّعون”، وكانَ طَلْق بنُ حَبيب يقول: اتَّقوا الفتنةَ بالتَّقوى”.
هذه الأوجُه الأربعُ في المظاهراتِ الَّتي يقال سلميَّة!
أمَّا غيرُ السِّلميَّة فهيَ – زيادةً على ما تقدَّم – تحتوي على قتلٍ للنُّفوس وإهلاكٍ للأموالِ، وانتهاكٍ للأعراضِ، وغيرِ ذلكَ.

وبعدَ هذا كُلِّه إليكَ شُبَه المجيزينَ للمظاهرات وكَشفَها، وأؤكِّدُ أنَّ واقِعَ حالِهم: “اعتقدوا، ثمَّ سعَوْا لِيَستدِلُّوا، فتكلَّفوا وحرَّفوا نُصوصَ الشَّريعة”.
الشُّبهة الأولى: ادَّعى مُجَوِّزو المظاهرات أنَّ فعلَ المتظاهرينَ قد دلَّت عليه السُّنَّة؛ فقد أخرجَ أبو نُعَيم في “الحِلْيَة”: “أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم خرَجَ بعدَ إسلامِ عمرَ رضي الله عنه على رأس صفَّيْنِ مِنْ أصحابِه، وعلى الأوَّل مِنْهُما عُمَر رضي الله عنه، وعلى الثَّاني حَمزَة رضي الله عنه؛ رغبةً في إظهار قوَّة المسلِمينَ، فعلمتْ قُرَيْشٌ أنَّ لهم منَعةً”.
وهذا لا دلالةَ علَيه مِن وجهَيْن: دِرايَةً، وروايةً:
الوجه الأوَّل رِوايَةً: فإنَّ إسناده ضعيف؛ لأنَّ فيه إسحاقَ بنَ فَرْوة، قال الإمام أحمد: لا تَحِلُّ عندي الرِّوايةُ عنه، وقال: ما هو بأهلٍ أنْ يُحمَل عنه، ولا يُروَى عنه، وقال الإمام ابنُ مَعِين عنه: كذَّاب.
الوجه الثَّاني دِرايةً: أنَّه لا ولايةَ في مكَّة، وكان أعداؤهم حربيِّين، فلمَّا تقوَّوا استعملوا القوَّة في مقدار ما يستطيعون، فأين هذا مِنْ تجمُّع أناسٍ على حكَّامِهم لإظهار سخطِهم على فِعلٍ ما؟!

الشُّبهة الثَّانية: أنَّها – أي المظاهرات – وسيلةٌ قد جُرِّبَت فوُجِد نفعُها بأنْ حصلَ المطلوب.
وكَشفُ هذه الشُّبهة مِنْ وجهَيْن:
الوجه الأوَّل: أنَّها أيضًا جُرِّبَتْ في مواطِن كثيرة وكثيرةٍ جدًّا فلم تنفعْ، فهي وسيلةٌ مظنونة، وليس حدَثُ تظاهُرِ المسلمين في فرنسا ضدَّ قرار منع الحجابِ عنَّا ببعيدٍ، فلم يَنفع، والأمثلة كثيرة، وما كان كذلك فلا يُجَوَّز به المُحَرَّم، وقد تقدَّم ذكرُ الأدلَّة على منعِها وحُرْمَتها.
الوجه الثَّاني: أنَّه لو قُدِّر حصولُ النَّتيجة مِن هذه الوسيلة، فإنَّه لا يَدلُّ على حِلِّها ولا صِحَّتها بحالٍ، فإنَّ الغاية لا تُبَرِّر الوسيلةَ
وهذه فتاوى جماعةٍ مِن عُلمائِنا في حُرمةِ المظاهراتِ ليُقارَن بينها وبينَ كلامِ الحَرَكيِّين والحماسيِّين العاطفيِّين في هذه المسألة الَّتي تذرَّعَ الحركيُّون الثَّوريُّون بها للتَّهييج على الولاةِ وإشاعةِ الفَوْضى مُستَغلِّين عاطفةَ عامَّةِ النَّاس:
قال الشَّيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: “فالأسلوبُ الحسنُ مِنْ أعظمِ الوسائل لقَبولِ الحقِّ، والأسلوبُ السَّيِّء العنيفُ مِنْ أخطَر الوسائل في ردِّ الحقِّ وعَدَم قبولِه، أو إثارةِ القلاقل والظُّلم والعُدوان والمضاربات، ويُلحَق بهذا البابِ ما يَفْعلُه بعضُ النَّاس مِنَ المظاهرات الَّتي تُسَبِّب شرًّا عظيمًا على الدُّعاة، فالمسيرات في الشَّوارِع والْهُتافاتُ ليسَت هيَ الطَّريق للإصلاح والدَّعوة، فالطَّريقُ الصَّحيحُ بالزِّيارة والمكاتبات بالَّتي هي أحسنُ، فتنصَحُ الرَّئيسَ والأميرَ وشيخَ القبيلةِ بهذه الطَّريقةِ، لا بالعُنْفِ والمظاهرَةِ، فالنَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مكثَ في مكَّة ثلاثَ عشرةَ سنةً لم يَستعمل المظاهرات ولا المسيرات، ولم يُهَدِّدِ النَّاسَ بتخريبِ أموالِهم واغتيالِهم، ولا شكَّ أنَّ هذا الأسلوبَ يَضرُّ بالدَّعوةِ والدُّعاةِ، ويَمنَعُ انتشارَها، ويَحمِلُ الرُّؤساءَ والكبارَ على مُعاداتِها ومُضادَّتِها بكلِّ مُمْكِن، فهُم يُريدون الخيرَ بهذا الأسلوب، ولكن يَحصُل به ضدُّه، فكَونُ الدَّاعي إلى الله يَسلُك مسلكَ الرُّسل وأتباعِهم – ولو طالَت المدَّة – أولى به مِنْ عملٍ يضرُّ بالدَّعوة ويُضايِقُها أو يَقضِي عليها، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلاَّ بالله”.
وقالَ الشَّيخ الألبانيّ – رحمه الله – في “سلسلة الهدى والنُّور”: “صحيحٌ أنَّ الوسائلَ إذا لم تَكُن مُخالِفةً للشَّريعة، فالأصلُ فيها الإباحة، هذا لا إشكال فيه، لكن الوسائل إذا كانت عبارةً عن تقليدٍ لمناهج غيرِ إسلاميَّة، فمِنْ هنا تُصبِحُ هذه الوسائل غيرَ شرعيَّة، فالخُروجُ للتَّظاهُرات أو المظاهرات وإعلانُ عدمِ الرِّضا أو الرِّضا وإعلانُ التَّأييدِ أو الرَّفضِ لبعضِ القرارات أو بعضِ القوانين، هذا نظامٌ يَلتَقي مع الحُكْم الَّذي يقول: الحُكْم للشَّعب، مِنَ الشَّعبِ وإلى الشَّعب!! أمَّا حينما يكون المجتمع إسلاميًّا فلا يَحتاجُ الأمرُ إلى مُظاهراتٍ، وإنَّما يَحتاجُ إلى إقامةِ الحُجَّة على الحاكِم الَّذي يُخالِفُ شَريعةَ الله… أقولُ عن هذه المظاهرات: ليسَتْ وسيلةً إسلاميَّةً تُنْبِئُ عن الرِّضا أو عدَم الرِّضا مِنَ الشُّعوب المسلِمة؛ لأنَّ هناك وسائلَ أخرى باستطاعتِهم أنْ يَسلكوها. وأخيرًا: هل صحيحٌ أنَّ هذه المظاهرات تغيِّر مِنْ نظامِ الحُكْم إذا كانَ القائمونَ مُصرِّينَ على ذلك؟ لا ندري! كَم وكَم مِن مظاهرات قامتْ، وقُتِل فيها قتلى كثيرون جدًّا، ثمَّ بقيَ الأمرُ على ما بقيَ عليه قبلَ المظاهرات، فلا نرى أنَّ هذه الوسيلةَ تَدخلُ في قاعدة أنَّ الأصلَ في الأشياء الإباحة؛ لأنَّها مِنْ تقاليد الغربِيِّين”.
وقال في “سلسلة الأحاديث الضَّعيفة والموضوعة”: “لا تزالُ بعضُ الجماعات الإسلاميَّة تتظاهرُ بها، غافِلينَ عنْ كونِها مِنْ عادات الكفَّار وأساليبِهم الَّتي تتناسَبُ مع زعمِهم أنَّ الحكمَ للشَّعب، وتتنافى مع قولِه صلَّى الله عليه وسلَّم: “خيرُ الهُدَى هُدَى محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم”.
وسُئِلَ الشَّيخ محمَّد بن عثيمين – رحمه الله -: هل تُعتَبرُ المظاهراتُ وسيلةً مِنْ وسائل الدَّعوة الشَّرعيَّة؟
فقال: “فإنَّ المظاهراتِ أمرٌ حادثٌ، لم يكُن معروفًا في عهدِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ولا في عهدِ الخُلَفاء الرَّاشِدين، ولا عهدِ الصَّحابة رضي الله عنهم.
ثمَّ إنَّ فيه مِنَ الفوضى والشَّغَبِ ما يَجعلُه أمرًا ممنوعًا؛ حيثُ يَحصُلُ فيه تكسير الزُّجاج والأبواب وغيرِها، ويَحصُل فيه أيضًا اختلاطُ الرِّجال بالنِّساء، والشَّباب بالشُّيوخ، وما أشبه ذلكَ مِنَ المفاسِد والمنكرات، وأمَّا مَسألةُ الضَّغط على الحكومة فهيَ إنْ كانتْ مُسلِمةً فيَكفيها واعظًا كتابُ الله وسُنَّة رسولِه صلَّى الله عليه وسلَّم، وهذا خيرُ ما يُعرَض على المسلِم، وإنْ كانتْ كافِرَةً، فإنَّها لا تُبالي بهؤلاء المتظاهِرين وسوفَ تُجامِلُهم ظاهرًا وهي ما هي عليه مِنَ الشَّرِّ في الباطِن، لذلكَ نرى أنَّ المظاهرات أمرٌ مُنكَر.
وأمَّا قولُهم: إنَّ هذه المظاهراتِ سلميَّة، فهيَ قد تكونُ سلميَّةً في أوَّلِ الأمر، أو في أوَّلِ مرَّة، ثمَّ تكونُ تخريبيَّةً، وأنصحُ الشَّبابَ أنْ يتَّبِعوا سبيلَ مَنْ سلَف؛ فإنَّ الله سبحانَه وتعالى أثنى على المهاجرينَ والأنصارِ وأثنى على الَّذينَ اتَّبعوهُم بإحسانٍ”، انظر: “الجواب الأبهر”.
وبعدَ معرِفةِ حُكمِ المظاهراتِ فلا تجوزُ ولو أذِنَ بها النِّظامُ؛ لأنَّها مُحَرَّمةٌ، ولا طاعةَ لمخلوقٍ في معصيةِ الخالق، هذا ما كانَ يُقرِّره شيخُنا العلاَّمة ابنُ عثيمين.
بل ولو كان الحاكمُ كافرًا والدَّولةُ كافرةً لم تَجُزْ؛ لأنَّها وسيلةٌ محرَّمة.

عشرة أوجه لبطلان المظاهرات:
وقع بعض المسلمين وبعاطفة غير منضبطة بضوابط الشرع في وسائل بدعية جاءت من الكفار كالخروج الى الشوارع جماعات أو ما يسمى بالمظاهرات التي ما أطعمت جائعاً ولا سقت عطشان وما أنزل الله بها من سلطان.
واليك أخي القارئ بيان بطلانها من عشرة أوجه:
الوجه الأول: انها تعبد لله تعالى بوسيلة غير مشروعة، فأين السلف الصالح من فعلها؟ لو كان خيراً لسبقونا اليه. وأما الاستدلال بما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج بعد اسلام عمر رضي الله عنه على رأس صفين من أصحابه وعلى الأول منهما عمر وعلى الثاني حمزة، رغبة في إظهار قوة المسلمين، فعلمت قريش أن لهم منعة، فهذا الأثر قد رواه أبو نعيم في الحلية وفي إسناده اسحاق بن عبدالله بن أبي فروة وهو منكر الحديث لا يحتج به، فالرواية اذا لا تثبت.
الوجه الثاني: أن فيها تشبها بالكفار، فهذه المظاهرات وسيلة ابتدأها الكفار للضغط على حكوماتهم والمطالبة بحقوقهم، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم إذ يقول: “لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لا تبعتموهم” رواه الشيخان، وفي مسند احمد قال صلى الله عليه وسلم: “ومن تشبه بقوم فهو منهم”.
الوجه الثالث: أن القيام بها مخالف للنظام ومعصية لولاة الأمر في بلادنا خاصة، وهذا يتضح من خلال تصريح كبار المسؤولين في منعها وعدم السماح بها، وقد قال الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ”.
قال شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله: “وأما أهل العلم والدين والفضل فلا يرخصون لأحد فيما نهى الله عنه من معصية ولاة الامور وغشهم والخروج عليهم بوجه من الوجوه كما قد عرف من عادات أهل السنة والدين قديما وحديثا ومن سيرة غيرهم”.
الوجه الرابع: زعزعة الأمن واثارة الفوضى والغوغائية، ولا يخفى على كل عاقل أن حفظ الأمن مطلب مهم، ومن الضروريات الخمس التي جاء الاسلام بحفظها، واذا أردت ان تعرف قدر هذه النعمة فانظر حال من فقدها، نسأل الله العافية والسلامة.
الوجه الخامس: إيقاع العداوة والتصادم والتقاتل بين رجال الأمن والمتظاهرين.
الوجه السادس: أن المظاهرات فرصة خطيرة لإندساس المفسدين والمجرمين لتحقيق مآربهم وأغراضهم السيئة، فليس كل من دخل في صفوف المتظاهرين يسعى إلى ما يسعون اليه ويهدف الى ما يهدفون اليه.
الوجه السابع: تعطيل مصالح الناس بما تحدثه هذه المظاهرات بجموعها الغفيرة من إغلاق للمحلات وتعطيل حركة السير، فقد يموت انسان مصاب أو تتضاعف اصابته بسبب عدم وصول سيارة الاسعاف إليه، والسبب في ذلك جموع المتظاهرين.
الوجه الثامن: ترك السنة وإحياء البدعة. فالناس اذا انشغلوا بالمظاهرات ظنوا أنهم قدموا كل شيء، ويكتفون بذلك عن الوسائل الشرعية النافعة المجدية كالتبرع بالمال والتضرع الى الله بالدعاء.
الوجه التاسع: أن القول بجوازها ذريعة لأهل البدع والأهواء وأصحاب الأفكار المنحرفة للقيام بها والوصول الى ما يريدون من مقاصد سيئة.
الوجه العاشر: ما يحدث في هذه المظاهرات من محاذير شرعية كالاختلاط بين الرجال والنساء، وتضييع الصلاة، وغير ذلك من المحاذير.

Exit mobile version